حروب صعدة..أسباب وصفقات سرية
بقلم/ محمود شرف الدين
نشر منذ: 16 سنة و 4 أشهر و 14 يوماً
الأحد 13 يوليو-تموز 2008 12:01 ص

هذه الحرب مواقف واضحة للمشترك وإصرار مؤتمري على المعالجة بالخطأ

منذ اليوم الأول لنشوب الحرب في صعدة في 2004م، والغموض يكتنف أسبابها ودوافعها، ولم يكن حينها أية إرهاصات عن أزمة قائمة بين طرفيها، أو ذكر لأية ممارسات من الحوثي وجماعته كالانقلاب على النظام أو الشرعية أو غيره. نشبت الحرب فجأة نتاجاً لخلافات بين الحكومة والحوثيين، لايعلم بها أحد سوى الطرفين، أي أن أول أسباب اندلاع الحرب الأولى خلافات سرية بين المؤتمر الشعبي العام من جهة والحوثيين من جهة أخرى، كما تنتهي من حرب الى أخرى باتفاقات سرية.

وكل ما يعلمه الشعب حينها هو أن سبب الحرب هو إصرار الحوثيين على شعار «الموت لأمريكا.. الموت لإسرائيل»، وما تردد في إعلام السلطة من أن الحوثيين بزعامة حسين بدر الدين الحوثي، يستولون على إيرادات الزكاة والوقف هناك، وذاك ما كان سارياً منذ فترة بموجب قرار من الرئيس بمنحها للحوثي ليستفيد منها في تسيير أمور مدارسه الدينية هناك لأنصار الشباب المؤمن، التي أنشئت برعاية ومساندة من الحزب الحاكم وحكومته، إن لم يكونا صاحبي الفكرة نكاية بالإصلاح.

حينها طلب اللقاء المشترك من الرئيس في الأسبوع الأول للحرب الأولى، وفي الأسبوع التالي من قيادة المؤتمر والأجهزة الحكومية إطلاع الرأي العام وإشراك المجتمع وأحزابه وقواه في المعلومات الخاصة بنشوب المواجهات المسلحة مفاجأة ودون سابق إنذار.

وطالب بعدم استخدام القضايا الأمنية في المناكفات الحزبية والتوظيف السياسي كونها تمس أمن المجتمع، وتضر بالدولة التي تظلل الجميع، معلناً تماسكه بتطبيق الدستور والقانون في حل المشكلة، والتعامل مع القضايا من حيث المعالجة، وداعياً مجلس النواب الى القيام بواجبه الدستوري، والتحقيق في ما جرى وإعلان نتائجه على الرأي العام.

وشارك المشترك في أول لجنة شكلت للتحقيق ووقف الحرب، ورأس أحد أحزاب المشترك هذه اللجنة، فماذا جرى؟

ما إن ظهرت مؤشرات على الوصول الى نتائج إيجابية من قبل اللجنة، حتى لجأت السلطة الى تجاهل اللجنة واللجوء الى خيار الحسم العسكري الذي لم يتحقق، ومن ثم الاتفاق عبر لجان وساطة سرية الى أن أعلن عن الحسم والقضاء على التمرد نهائياً، ومقتل حسين الحوثي، عبر وسائل الإعلام المختلفة، وعلى مسامع الرأي العام الداخلي والخارجي.

ونظراً للخطأ في إدارة المواجهة ومعالجة أضرارها، ولتفاصيل سرية يجهلها الرأي العام وقواه السياسية، باستثناء السلطة، الأمر الذي اعتبره اللقاء المشترك نهجاً خاطئاً في التعامل مع الأزمة ولا يعالج آثارها، من شأنه العمل على تجددها من حين لآخر، فكان تجدد المواجهات ونشوب الحرب الثانية في مارس عام 2005م، لنفس الأسباب، وبنفس الخطاب والأسلوب في الحرب الأولى. وعملت السلطة فيها على الحشد والدفع بالقبائل في مقاتلة الحوثيين في جهات عدة، الأمر الذي حذرت منه أحزاب المشترك واعتبرته أمراً خطيراً يثير الثأرات القبلية والحروب على المدى البعيد من الزمن، وهو ما تجاهلته السلطة، وحدث ما نبهت وحذرت منه المعارضة جراء هذا الأسلوب، بعد 3 أشهر أعلن رسمياً القضاء المبرم على المتمردين، حسب ما جاء في الإعلام الرسمي أمام الداخل والخارج، وتم الإعلان تباعاً عن العفو العام عن كل المقاتلين مع الحوثيين، واعتبارهم مغرراً لهم.

لم يدم عمر توقف المواجهات كثيراً، لتتجدد مع نهاية نفس العام 2005م، ليعلن عن انتهائها مع مطلع العام 2006 بعفو ثالث عن المقاتلين مع الحوثيين، والعمل على معالجة الأضرار والتعويض عن الممتلكات، وتعيين محافظ جديد لصعدة في فبراير 2006.

هكذا انتهت الحرب الثالثة باتفاقات سرية كما هو شأن سابقتها، لتدخل السلطة والحوثيون شهور عسل أفرج خلالها عن كل المعتقلين من أتباع الحوثي.

اتفاق مجهول أو صفقة سرية جعلت من صعدة مكاناً لأول مهرجان انتخابي لعلي عبدالله صالح في حملته الانتخابية الرئاسية قبل 20 محافظة، وفيه كان الهجوم على أشده من قبل صالح على المشترك ومرشحه، بشكل تجاوز حدود المنافسة القائمة على الأخلاق والروح الرياضية والحضارية في هذا السباق.

ظلت الصفقة محل التزام من الطرفين، الى أن أعلن فوز صالح وحزبه رئاسياً ومحلياً، بنسبة 99% في محافظة صعدة. وما هي إلا أيام من انتهاء الانتخابات الرئاسية لينهار الاتفاق، ويعود الخلاف دون أن يعلم أحد أي طرف أخل ببنود الصفقة، وأية بنود لم يتم الالتزام بها كثيراً بعد الانتخابات، لتتجدد المواجهات وتبدأ حرب صعدة الرابعة لتكون أكثر دموية وأكثر خسارة واتساعاً من الحروب الثلاث السابقة، الأمر الذي أكد صوابية الموقف والمطالب التي أعلنتها أحزاب المشترك، وحذرت فيها من خطورة هذه الحرب وما تشكله من كارثة على الشعب والدولة. مخاطباً الرئيس بالحيلولة دون ذلك بوقف الحرب، ومطالباً السلطة بوقف كل الممارسات والإجراءات التي تنذر بدورات عنف مستمرة في.

وأكدت الهيئات المركزية والفرعية لأحزاب المشترك على ضرورة وقف الحرب كمطلب وطني عاجل، معلنة مبادرة المشترك لإنهاء الحرب في إطار وطني يعيد الاعتبار للدستور الذي تم خرقه في التعامل مع القضية من بدايتها، وهيبة الدولة وسمعتها التي تضررت جراء تجدد الحرب بعد كل إعلان عن نهايتها والقضاء المبرم على من أسموهم المتمردين.

ولأن الحرب الرابعة كانت بدأت لما أسماه الحزب الحاكم اعتراض الحوثيين على فتح السعوديين لطريق في مناطق سعودية، وطرد اليهود من قبل الحوثيين تحت غطاء إعلامي من السلطة بالدعم الخارجي للطرف الآخر، وبالذات إيران وليبيا، دون امتلاك أية إدلة تثبت ذلك، جعلت من التصريحات الحكومية تعيش في حالة من التخبط.. فقد أكدت أحزاب المشترك رفضها أي تدخل خارجي، مدينة الإجراءات والقرارات الرسمية التي تفتح الأبواب أمام هذا التدخل، وتحت أية ذريعة أو مبرر كان.

ولكن الحزب الحاكم وحكومته والإعلام الرسمي أوغلوا بعد ذلك في وحل إثارة المذهبية والطائفية، والتفتيش في المذاهب، وغير ذلك، رغم التعايش القائم منذ قرون.

الى أن تقدمت دولة قطر بجهود وساطة، وكان المشترك حينها عقد لقاءً لأمانات أحزابه العامة، قرررت فيه التحرك لإنشاء هيئة وطنية تضم شخصيات اجتماعية ووجهاء وسياسيين ومنظمات مجتمع مدني، للوقوف أمام قضية صعدة بمناقشتها ومعالجتها وفقاً للدستور والقانون، بما يضمن عدم تجددها ومعالجة آثارها وتداعياتها. لكن جهود الدوحة أثمرت عن توقف الحرب وتوقيع الاتفاق.

وتشكلت على إثرها لجنة سياسية لتنفيذ الاتفاق، شارك فيها المشترك برؤساء كتله في البرلمان، وانتقلت الى صعدة، وعملت أياماً هناك، وكانت في الطريق الى إكمال تنفيذ الاتفاق، إلا أنهم فوجئوا بتشكيل لجنة جديدة دون سابق إنذار، وبدون سبب.

وتوالت اللجان من قبل السلطة: تعيين اللجنة قبل وصول الأولى.. وهكذا انهار الاتفاق، كاشفاً انعدام الرغبة في تحققه على يد قطر بدون السعودية لأسباب مجهولة.

الى أن تجددت المواجهات في حرب خامسة دارت رحاها ليس في صعدة فحسب، بل عمران وصنعاء، وأوكلت السلطة هذه المرة المهمة للحرس الجمهوري بدلاً عن الفرقة الأولى، وتحت وهم الحسم العسكري الموعود به منذ بداية الحرب الأولى، في حين واصل المشترك إدانته ورفضه للحرب، ودعوته لوقفها سريعاً، ومعالجتها في إطار وطني، إلا أن الحزب الحاكم لايريد من المشترك سوى الوقوف الى جانبه في المعالجة الخاطئة وخارج الدستور والقانون، وذاك ما يرفضه المشترك.

رغم محاولة المؤتمر مساومة المشترك في هذه القضية مقابل قضايا التعديلات الانتخابية والدستورية والمعتقلين، لكن المشترك يأبى على نفسه أن يكون شريكاً في هذه المهزلة، ويقف مع حاكم تأخذه العزة بالاثم ويحتكر لنفسه حق احتكار المشاكل واستهواء الخطأ والإصرار عليه رغم انكشاف فشله منذ الحرب الاولى، فماذا وراء الإصرار على استمرار الحرب، ورفض دعوات المشترك لحل وطني؟