الحُصيني الأديب والناقد الذي استهلكه العمل الإداري
بقلم/ د.عبدالمنعم الشيباني
نشر منذ: 14 سنة و 9 أشهر و 13 يوماً
الجمعة 05 مارس - آذار 2010 05:27 م

ربما لم يطرق كثيراً أسماع عشاق الأدب والنقد اسم هذا الناقد والأديب اليمني الجميل في أناقته الروحية والمظهرية، صاحب أهم أطروحة في " أدب علي أحمد باكثير " مكتشفاً أهم إنجازات وإضافات الشاعر والروائي اليمني (الحضرمي) الراحل باكثير، رائداً ومجدداً،لستُ هنا لأكتب شيئاً عادياً بل قصة أديب حقيقي يجمع بين" الشعرية" و"الأكاديمية"، وبين مواهب إدارية إستثنائية وملكات أدبية لم يسمح وقته الأكاديمي بإبرازها حتى هذه اللحظة، وما قرأناه عنه في المنتديات إلا نزراً يسيراً ونقطة ضؤ صغيرة من عوالم الإبداع الأدبي لهذه القامة البديعة، أزعم أنني أعرف مواهب هذا الرجل الأديب والناقد أكثر من أي شخص آخر،وكم كنتُ أود أن أكون معه من دون انقطاع في رحاب النقد والأدب، إنه الدكتور عبد القوي محمد أحمد الحصيني، عميد كلية التربية والآداب والعلوم ( التربة- جامعة تعز)..

من سؤ حظ هذا الأديب ملكاته القيادية وقوة تأثيره الإجتماعي حتى تحول –في أغلب أو قاته إن لم تكن كلها- إلى مصلح إجتماعي،ولا أذكر أن عبد القوي الحصيني قد تناول طعامه -ولو مرةً واحدةً- مع السيدة الفاضلة " أم جهاد"- ذلك أن الناس والمجتمع لم يتركوا له ذلك،إذ سرعان ما يفدون إلى "الديوان" من كل حدبٍ وصوبٍ، رجالاً ونساءً، من أولي المشكلات المختلفة (إجتماعية،تعليمية تربوية،جنائية،بل ومشكلات عاطفية و أخرى أكثر خصوصية) لا يطرحونها إلا على "سعادة الدكتور عبد القوي" ليحلها،هكذا ينازع المجتمع الحصيني وقته للنقد والأدب والكتابة، وهكذا لا يجد الوقت الذي يخلو فيه إلى فضاءات الأدب والتحليق المبدع،والأدهى من ذلك استقطاب رجال السياسة والأحزاب له (( وخاصةً من أرباب السلطة والحكومة والوجاهة ومن "ملوك الطوائف" لا حصر لهم))، كلهم يطمع أن يضمه إلى صفه نصيراً أو معيناُ له في قضيةٍ إنتخابية أو سياسية معينة أو تأسيس "مملكة جديدة" أو "مشيخة ناشئة" ودائماً يظل الحصيني عامل توازن بين الأجنحة المتصارعة أو مصلحاً بينها، ودائماً يظل صاحب الرأي الأمثل لوضع دساتير الممالك آنفة الذكر.. متى يجد هذا الرجل الوقت ليلوذ إلى نفسه وعواطفه وأوراقه المبعثرة؟

أثق بهذا "العميد" عميداً للأدب العربي لا عميداً لكليةٍ فحسب أو رئيساً لجامعة يمنية وهو لكل ذلك أهل وأزيد ،ربما –أقول ربما-يعرفني الدكتور الحصيني مخلصاً "غير منافقٍ"، وما أقوله في الرجل أقل من الوصف وأن الحُصيني فوق ما أصف..وقد كان هذا الرجل – ولم يزل –مثلاً للكاتب أعلاه "في الفكر والأدب وجمال شخصيته الآسرة"...،أظن لو كنتُ مع عبد القوي لكنتُ معه أسعد،وكم كنتُ دائماً أحدثه عن مشاريع أدبية لكن سرعان ما تبرد حماسته على إثر تدفق تلك الوفود تطلب منه المدد لحل معضلاتها الإجتماعية، وآخرون " فوضويون مشارعون" يريدون الدكتور " يشارع" لهم...أما أمرٌ آخر متصل بعنوان المقالة هو أن العمل الإداري والأكاديمي في الجامعة قد استهلك وقت وحياة الحصيني الأدبية،وكثيراً ماشتكى أدباء عرب من هذه المسألة ،استهلاك الواجبات الأكاديمية والإدارية لعصارة شبابهم الإبداعي الإنتاجي،وهذه الظاهرة أكثر انطباقاً على الأديب الأكاديمي الحصيني من غيره من الأدباء،فمنذ التأسيس لكليات الجامعة الفتية بالتربة (الحجرية ذبحان تعز) إلى مشاريع أكاديمية وطموحات نهضوية بالكليات والأقسام لا تنتهي،إنها مشاغل الإدارة وهموم العمل الأكاديمي تنسي الأديب نفسه وتخطفه من منصة الضوء الأدبي،ولهذا كثيراً ما يلغي الحصيني مواعيد الندوات الأدبية لمصلحة العمل الأكاديمي،إذ صار الهم الأكاديمي ( طبينةً) و(ضرةً) تنازع أديبنا" المخطوف"..

ولستُ أبالغ إن قلتُ أن عبد القوي الحصيني صاحب أكبر منظومة أصدقاء من الأدباء والشعراء والنقاد والنحاة واللغويين والأكاديميين ورؤساء الجامعات والشخصيات الفكرية والسياسية ليس في اليمن فحسب بل في عواصم عربية كثيرة أهمها القاهرة وعمان والرياض ودمشق..،هذا الرجل عالمٌ أدبيٌ واسعٌ وفضاءٌ فكريٌ أوسع وأرحب، وهو أجدر من يتكلم باسم التراث الأدبي الخالد لـ علي أحمد باكثير..

وختاماً لن يفلت مني عبد القوي بعد اليوم كما كان يفلت في الماضي،ولستُ أزعم أنني ناطقٌ رسميٌ باسم الحصيني ولكن عاشقٌُ للأدب والأدباء وأرباب اللغة والشعر والفكر والنقد وهو يجمع كل ذلك..

** شاعر وناقد أدبي

a.monim@gmail.com