حماس تحاصرنا!!
بقلم/ د. محمد معافى المهدلي
نشر منذ: 17 سنة و 6 أشهر و 28 يوماً
الخميس 24 مايو 2007 04:51 م

حين يصبح أزيز الطائرات وهدير الدبابات سيمفونية رائعة ، لدى الصغير والكبير والمرأة والرجل ، والشاب والشيخ .

في فلسطين حين يتخرج من الشمخيمات ومن تحت قصف المدافع ومن تحت ضربات طائرات الأباتشي الأمريكية مئات العلماء والدكاترة الذين يحملون أعلى الشهادات العلمية ، في شتى التخصصات والعلوم والمعارف الإنسانية ، في تحدٍ فريد ، وإرادة فولاذية لا توصف .

 كيف استطاعت حماس التي تعيش حالة حرب منذ إعلان تأسيسها عام 1987م أن تخرّج منها عشرات العلماء والعباقرة وأساتذة الجامعات وتنشئ عشرات المشافي والمدارس والجامعات والأعمال الحرفية والمهنية والجمعيات الخيرية ، وتقيم الأعراس لمئات الشباب والشابات ، وتكفل آلاف الأسر الفلسطينية من الأيتام والنساء والأرامل ، وتنشئ دور الرعاية الاجتماعية والصحية ، كل ذلك جرى ويجري تحت القصف الغاشم والحصار الدولي الظالم عليها ، من الأقارب قبل الأباعد !!.

وظلم ذوي القربى أشد مضاضة ... على الحر من وقع الحسام المهند .

يُفرض الحصار على الشعب الفلسطيني وحكومته حماس ، وفي الحقيقة لم تحاصر حماس فحماس حرة أبية شامخة شموخ مشعل وهنية والزهار والدويك ، إن المحاصر في حقيقة الأمر هو الضمير العربي المنهزم الساكن لفتن الحياة ومغرياتها وشهواتها ، إن المحاصر أيضا هم:

أولئك المرضى المصابون بفقدان المناعة الثقافي والفكري ، الذين يسلّمون بكل شيء للمحتل بلا ثمن ، ويضعون أياديهم المدنسة بيد سدنة المخططات الأمريكية في المنطقة .

 ألم تكن حركة فتح التي تأسست عام 1964م في الأصل حركة جهادية وطنية؟! وكان إذ ذاك جل قياداتها مثل أبو عمار وأبو جهاد...ينتمون عاطفيا أو تنظيما لجماعة الإخوان المسلمين في مصر ، ومع الضغوط الدولية على الحركة تقلص الحضور الإسلامي في "فتح" وتزايد الوجود العلماني حتى بات له الكلمة الفصل بها ، وإلى حين تربعت حركة فتح كرسي السلطة أو الحكم الذاتي في إبريل/ نيسان من عام 1989م ، لم نسمع أن قتالاً شبّ بين حماس وفتح ، بل كنا نسمع ونقرأ عن السجون والمعتقلات التي أقامتها فتح لمعارضيها من حماس ، والذين إلى الآن بعضهم حي يرزق من أمثال محمود الزهار حيث نتف شعر لحيته والذي قضى بضعة شهور في سجون السلطة الفلسطينية عام 1996 ، تعرّض خلالها لتعذيب شديد جداً ، من بعض جلاوزة فتح آنذاك ، نقل على إثرها إلى المستشفى وهو في حالة صحية حرجة ، ورغم هذا لم نسمع عن أي عراك أو تمرد قادته حماس .

 إلى أن قذف قدر الله بحماس لتتولى السلطة ، فثارت ثائرة التيار الإستئصالي في فتح ، فراحوا يكفرون بكل المبادئ الديمقراطية والتداول السلمي للسلطة ، ويهريقون الدماء ويزهقون الأرواح ويعيثون في الأرض الفساد!! وهو الأمر الذي لم تفعله حماس إبان معارضتها لسلطة فتح يومذاك ، فلم نسمع أن حماساً أهراقت قطرة دم واحدة ، رغم كل ما أصابها .

إنه درس من دروس الإباء والنصر صنعته حماس يوم أن كانت في المعارضة ، وتصنعه اليوم مجدداً وهي في السلطة ، ونصر جديد يضاف إلى سجلها الخالد المشرق في زمن الوهن والانكسار.

إن محكمة التاريخ تحاصر الإخوة في حركة فتح - لا سيما التيار الإستئصالي منهم - الذين يعبث بإرادتهم وقرارهم ومواثيقهم وعهودهم جهاز الأمن القومي بزعامة رجل الإثم والخطيئة محمد دحلان ومن على شاكلته ، لتتخلص "فتح" من فعالهم ولتتبرأ منهم ومن جرائمهم في إثارة الفتنة وإيقاظها كلما هدأت .

إن حماس كذلك تحاصر الأنظمة العربية التي تنفق مليارات الدولارات على سفاسف الأمور ، فيما تعجز عن أن تبعث ولو بفتات موائدها لشعب يحمي العروش والكراسي العربية ، في الوقت الذي تقتسم البيوت الفلسطينية حبة الطماطم ويتهادونها فيما بينهم!! ، دون أن يلين لهذا الشعب المجاهد طرف ، أو يتنازل عن مبادئه ودينه وأرضه ، في إباء وشموخ وعزة وكبرياء ، فيما مرضى فقدان المناعة الوطني والثقافي باعوا الأرض والعرض والمقدسات ، وبلا ثمن ، فمن المحاصر إذن ؟! .

إن حماس بحق أحرجت الجميع ، ليس فقط الأنظمة العربية التي أثبتت أنها أنظمة قمعية حتى أكثر من دولة يهود ، بل أيضاً بعض التيارات الإسلامية لعل ثمة عذراً قويا يتعذر به هؤلاء وأولئك ، لكن حماس أزالت هذا العذر من أمام الجميع .

إن علينا جميعاً أنظمة ومنظمات وهيئات وحكومات ، وإسلاميين ووطنيين وقوميين.. ، أن نختط خط حركة حماس في الإباء والشموخ والعزة والأصالة وصناعة الحياة الحرة والحقيقية ، وعلينا جميعاً أن نخرج من مربع الحصار الفكري وتأنيب الضمير الذي وضعتنا فيه حماس ، بقوتها وإرادتها الفولاذية النادرة .

رحم الله مؤسس حماس الشيخ أحمد ياسين ، وأستاذه الشيخ حسن البنا ، ورحم الله كل شهداء فلسطين حماساويين وفتحاويين وجبهة شعبية.. الذين رسموا لنا بدمائهم الزكية طريق الحياة الطيبة وطريق العزة والكرامة والسعادة الحقة .

ولنصلّ صلاة الجنازة على أنظمتنا العربية التي لا تزال تفرض حصارها الظالم على شعب فلسطين حتى إشعار آخر من البيت الأبيض!! .

عن أبي أمامة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تزال طائفة من أمتي على الدين ظاهرين لعدوهم قاهرين لا يضرهم من خالفهم إلا ما أصابهم من لأواء حتى يأتيهم أمر الله وهم كذلك قالوا يا رسول الله وأين هم؟ قال ببيت المقدس وأكناف بيت المقدس" . رواه أحمد في المسند .

والله تعالى من وراء القصد وهو الهادي إلى سواء السبيل