الوزير التائه
بقلم/ احمد عبد الله مثنى
نشر منذ: 9 سنوات و 7 أشهر و 15 يوماً
الجمعة 01 مايو 2015 04:11 ص

أبو بكر القربي وزير خارجية المخلوع، ما إن تقرأ سيرته الذاتية حتى تأخذك الدهشة والانبهار لرجل كان له حظ من العلم كبير، من اليمن إلى لندن ، ليكون أستاذا معتبرا في مجال الصحة والطب، من علوم وظائف الجسم، مرورا بالطب والجراحة، حاصلا على كثير من درجات الزمالة، إلى أستاذ في كندا، وانتهاءا بكونه عميدا لكلية طب صنعاء... رجل لو ظل في تخصصه وتفرغ للبحوث الطبية لكان له شأن؛ ولكن أخذته السياسة بعيدا، والمشكلة أنه وقع تحت يد رئيس يسرق الأفكار ويحتجز العقول ؛ إنه الرئيس المخلوع (عفاش) الذي يملك القدرة في التأثير على الشخصيات الموهوبة والمثقفة، فإنه يروضهم بطريقته، ويدخلهم وسط حبائل مكره، ويبدو أنه لم يجد صعوبة في ترويض الطبيب القربي، فقد درس نفسيته جيدا وأدرك أنه الرجل الذي يمكن أن يكون رجع الصدى لسياسته وأفكاره، ووجد فيه خير من يصفق لرقصاته على رؤوس الثعابين، فآواه إلى حزبه، وقربه إلى حكمه، وقلده المنصب تلو المنصب، وكلما تقلد الرجل منصبا، ازداد ولاء، وازداد انحناءً، حتى أصبح وزير خارجيته المكين، ومستشاره الأمين، وجاءت ثورة الشباب السلمية، وكانت تتطلع إلى أولئك الرجال ذوي الثقافة العالية إيمانا منها أن هؤلاء هم من سيقودون هذه الثورة بما أوتوا من علم وفكر وثقافة، لأن الثقافة العالية تحرر الفكر من الخنوع للاستبداد، وتعزز معالم الحرية في الشخصية، ولذا فإن أولى بالناس بقيادة الثورة هم هؤلاء؛ ولكن كان هذا الظن الحسن في غالب الأحيان ظنا خاطئا؛ فما كل من أحرز الألقاب العلمية، وتقلد أوسمة الثقافة، ونال في الفكر الدرجات العالية، يمكن أن يكون حرا أبيا، فكل هذه الصفات لا تغني ما لم يكن من ورائها ضمير حي وفكر سليم ونفس زكية، فكم من رجل باع دينه بدنياه، 

و كم من عالم باع ضميره بثمن بخس، وكم من مفكر عرض بضاعته مقابل بضاعة مزجاة؛ ومن هؤلاء الدكتور القربي الذي وضع فكره بين يدي رئيس جاهل لا يعرف من الفكر إلا ما يشبع غرزة الاستبداد، ولا يفهم من معاني الثقافة إلا تلك الكلمات التي تفتح باب الزلفى إليه، وهكذا اختار القربي أن يكون هو الصوت الفكري الذي يعبر عن أطروحات سيده الرئيس الاستبدادية ، ويعبر عن جهله بلغة علمية تجمل صورة سيده وتظهره أمام العالم بمظهر يرضى عنه المجتمع الدولي وسعى في ذلك سعيا حثيثا، وفي أثناء ثورة الشباب كان القربي يجوب بعض العواصم لإقناعهم بعبثية هذه الثورة وأنها ثورة حزب، وليست ثورة شعب، ثورة حزب إسلامي متشدد لا يؤمن بالديموقراطية ، ولا يتخذها إلا مجرد وسيلة حتى إذا ظفر بالحكم انقلب على الديموقراطية، هكذا هو منطق الدكتور القربي الذي يمثل بحق خير وزير أعان المخلوع، وأفضل المقربين الذين أخلصوا في الولاء، رغم كل المفاسد التي أحدثها المخلوع، والقربي يراها رأي العين، ولكن المصالح التي ارتبطت بشخص الرئيس كانت غشاوة على عيني الطبيب، فما استطاع لها دواءً، وصحيح أن القربي لم يكن ليتصدر المشهد أيام ثورة الشباب، ولكنه من وراء الأستار يحدث ما لا يحدثه أولئك الذين كانوا يعشقون الكلام بجوار سيدهم المخلوع، ورغم أن البعض ظل ممسكا ببعض خيوط حسن الظن بهذا الرجل، إلا أن الأيام كانت تكشف أنه طبيب متخصص في ضرب الإبر بكل هدوء وبراءة، تلك البراءة اكتسبها من مهنة الطب، لكنها لن تمنحه براءة مما يقوم به سيده المخلوع في تحالفه القذر مع مجموعة من قطاع الطرق المتخلفين..

فقد ظل وزير خارجية لحكومة باسندوة وما تلاها، وهو هو لم يتغير ولم تغيره الأحداث، فقد تمكن منه حب المنصب حتى جعلته يظن أن ولاءه للمخلوع هو الذي يضمن له البقاء متقلدا مناصب سياسية مهما تغيرت الحكومات، حتى جاء الانقلابيون بهمجيتهم وبربريتهم ، فكان نعم الوزير المقرب لهم، وخير سياسي يمكن أن يثقوا به خارجيا ليكون (قواد عهر سياسي) هذا العهر الذي مارسه الحوثيون بمسيرتهم الثورية التي وضعت يدها على ممتلكات الوطن تنهب كل مقدرات هذا الوطن ، وتغتال أجمل ما في هذا الوطن: تغتال الحرية وتغتال الإرادة وتسعى جاهدة ليكون الوطن تحت وصاية ولاية الفقيه، لنشهد زواج متعة لن يكون نتاجه إلا شؤما وهلاكا للحاضر والمستقبل؛ ومع انطلاق أبابيل(عاصفة الحزم خرج القربي عبر جيبوتي، ليسارع إلى الرياض وغيرها من العواصم ليكون وسيطا لإنقاذ سيده المخلوع، لعله يستطيع أن يقنع دول التحالف بالاعتماد على المخلوع وطرح شروطها للتفاهم حول صيغة جديدة تضمن القضاء على الأخطار التي من أجلها تحركت العاصفة، ولكن الوزير الطبيب خاب وخسر هذه المرة وأدرك أن دول الجوار نزعت الثقة من سيده ولن تلدغ هذه المرة كما لدغت من قبل مرات ومرات....

القربي وزير تائه كان يبحث عن الزعامة ولكنه ما كان يملك المشرط الذي يمكنه من جراحة ناجحة، فقد كانت أدوات الزعامة كلها بيد رئيسه ، فأنى أن يمنحها له، فما هو إلا مجرد ألعوبة سياسية استخدمها المخلوع لحساباته الشخصية، كما استخدم غيره من الشخصيات والفصائل، ومن ثم كانت النتيجة دولة مفرغة من كل الكيانات والشخصيات، دولة كانت مختزلة بشخص واحد هو الرئيس المخلوع،