خيارات الرد على استهداف الحوثيين لسفن التحالف
بقلم/ د/ علي محمد الذهب
نشر منذ: 6 سنوات و 8 أشهر و 8 أيام
الأحد 08 إبريل-نيسان 2018 07:30 م
 

مع كل حالة تصعيد بحري يقوم به الحوثيون تجاه سفن التحالف، العسكرية أو المدنية، في البحر الأحمر، يتوقع بعض متابعي الأحداث أن رد التحالف سيكون قويا ومؤثرا، سواء بالاستهداف الناري الدقيق لمصادر التهديد، وقواه، ووسائله المادية والبشرية، أو بتحقيق مزيد من السيطرة على الأرض؛ كالاستيلاء على الموانئ والمدن الساحلية، التي يُعتقد بأنها تضطلع بدور في هذه التهديدات؛ وذلك كما حدث بعد الهجمات، التي شنها الحوثيون على عدد من السفن خلال عامي 2016 و 2017، وما رافقها من تهديد للملاحة البحرية؛ حيث تقدمت قوات الجيش الوطني والمقاومة الشعبية في الساحل الغربي، مسنودتان ببحرية وطيران التحالف، واستولت على مدينة ذو باب وميناء المخاء بمحافظة تعز.

مع استئناف الحوثيين تصعيدهم البحري، المتمثل باستهداف ناقلة نفط سعودية قبالة سواحل محافظة الحديدة في 5 إبريل/ نيسان الجاري 2018، لم تعد مثل تلك التوقعات تطلق بشكل واسع؛ حيث يقدر البعض التدابير والإجراءات المتوقعة من قبل التحالف، بأنها لن تتعدى، في أعلى مستوى لها، مجموعة من الغارات الجوية، التي تشنها مقاتلاته، والتي لم يعد لها من غاية سوى أنها فعل لرد فعل، والأسوأ من ذلك أن نتائجها قد تكون عكسية، لا سيما في الحالات، التي تخلف وراءها عشرات الضحايا من المدنيين الأبرياء، ليس ذلك فحسب، بل ويستغلها الحوثيون في استفزاز مؤيديهم، وتشويه صورة التحالف والسلطة الشرعية.

فيما لو استجدت تطورات واسعة في جبهة الساحل الغربي، وتحركت معها قوات الجيش الوطني، باتجاه بقية المدن الواقعة جنوبي ميناء الحديّدة، فإن ذلك لم يعد مجرد رد فعل لاستهداف ناقلة النفط إياها، بل استئناف للقتال المتوقف في هذه الجبهة، بالتزامن مع استئناف مماثل في جبهات أخرى في البيضاء، وصعدة، ولحج، وتعز، وحجة، والجوف ومارب. وكل هذا وذاك، لا يمكن تفسيره بمعزل عن تحركات المبعوث الأممي الجديد، مارتن غريفيث، لحل الأزمة سياسيا؛ وبالتالي فإن هذه التطورات ليست سوى تحضير لدخول المفاوضات من باب القوة، لكنها، في ذات الوقت، خطوة عسكرية محسوبة، في اتجاه خيار القوة، حال فشل التوافق على الحل السياسي.

يدرك الحوثيون خسارتهم الفادحة في حالة خروج ميناء الحديدة من سيطرتهم؛ لذلك يعمدون إلى شن المزيد من الهجمات على السفن، لتصوير خيار الاستيلاء على الميناء عسكريا، بأنه سيكون مكلفا، مع ما يثيرونه من شائعات حول امتلاكهم منظومات صواريخ بحرية متطورة، ستغير ميزان القوى مع التحالف في أي مواجهة بحرية. كما سبق أن هدد الحوثيون، في نوفمبر/ تشرين الثاني 2017، باستهداف ناقلات النفط، إذا ما تعرض الميناء لأي هجوم بحري، وقد جاء ذلك بالتزامن مع ارتفاع الجدال حول عزم التحالف اقتحام الميناء، وبعد رفض الحوثيين وحليفهم، الرئيس الراحل علي عبدالله صالح، أي نقاش حول تسليم إدارة الميناء إلى طرف ثالث محايد.

ومهما تكن حقيقة القوة، التي يدعي الحوثيون امتلاكها، وجدية التهديد باستهداف ناقلات النفط، وإمكانية ذلك من عدمه، فإنهم يستغلون، إلى جانب ذلك، ميل الدول الكبرى إلى الحل السياسي، والقبول بهم كمكون سياسي فاعل، كغيرهم من القوى السياسية. كما أنهم مثل غيرهم من القوى، يحاولون من خلال قوتهم العسكرية، التأكيد على موقعهم الذي يريدونه، لكن قوتهم هذه، غير قابلة للمقارنة مع ما سخره التحالف لحربهم، فضلا عن غيرها من أشكال القوة.

ومن المؤكد أن التحالف تمكن من إضعاف قوة الحوثيين في الجانب البحري، فوق ما كانت تعانيه القوات البحرية من ضعف، لكنه لم يستطع إسكات مصادر التهديد بشكل كامل، أو منع الحوثيين من الحصول على زوارق صغيرة مسيّرة، وصواريخ موجهة لمكافحة للسفن، وألغام بحرية، وأجهزة رادارية واتصالية؛ وبذلك استطاع الحوثيون المناورة والاستعراض بالهجمات على السفن، والتحول نحو ناقلات النفط، مع إدراكهم حساسية ذلك، وقدرتها على التأثير في موقف الدول الغربية، بوصفها المتضرر الأكبر من استهداف الناقلات.

يظل تهديد الحوثيين للمجال البحري قبالة الساحل الغربي لليمن، أمر وثيق الصلة ببقائهم في مدن هذا الساحل، خاصة بعد ثبوت فشل الحصار البحري في حرمانهم من الحصول على الأسلحة، وفي قمع الهجمات، التي يشنونها على السفن، وعدم إخلاص بعض الأطراف المشاركة في هذا الحصار، وتورط أطراف دولية أخرى في إمدادهم بالأسلحة وتقنيات الصواريخ، وتسهيل وصولها، وتزويدهم بالمعلومات الهامة حول حركة سفن التحالف، الحربية والتجارية.

إذا لم يكن هنالك نية للسيطرة، عسكريا، على ميناء الحديدة والموانئ الصغيرة الواقعة إلى شماله، وتعزيز هيمنة القوات البحرية الشرعية عليها، فإن إفساح المجال أمامها للقيام بمهام بحرية مشتركة مع سفن التحالف، كالرقابة ومهام الدوريات الأخرى، ودعمها بالمعدات العسكرية اللازمة، تجسيد حي لصدق وجدية التحالف في دعم السلطة الشرعية، وتمكينها من ممارسة مهامها المكفولة دستورا وقانونا، ليس في هذا الجانب فحسب، بل وفي ممارسة أعمال السيادة في الجزر والمضائق.