عاجل: المبعوث الأممي إلى اليمن يكشف أمام مجلس الأمن عن أبرز بنود خارطة الطريق اليمنية التي ترعاها الأمم المتحدة بدعم امريكي .. البنك المركزي اليمني يعلن البدء بنظام جديد ضمن خطة استراتيجية يتجاوز صافي ثروته 400 مليار دولار.. تعرف على الملياردير الذي دخل التاريخ من أثرى أبوابه أول تهديد للقائد العام للإدارة السورية الجديدة أحمد الشرع قيادة العمليات العسكرية تصدر قرارا يثير البهجة في صفوف السوريين أول تعليق لولي العهد السعودي محمد بن سلمان بعد فوز السعودية باستضافة كأس العالم دولتان عربيتان تفوزان بتنظيم كأس العالم الهيئة الأوروبية للمراكز الإسلامية بجنيف تصدر كتابًا حول الجهود السعودية لدعم الاستقرار والسلام في اليمن اليمن ..انفجار قنبلة داخل مدرسة يصيب 7 طلاب ويكشف عن مأساة متفاقمة في بيئة التعليم مليشيات الحوثي تعتدي على مختل عقليا في إب بسبب هتافه بتغيير النظام- فيديو
مع بداية كل عام هجري تحل علينا ذكرى الهجرة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة والسلام ، ولعل هذا التكرار يعلمنا الكثير من الدروس والمعاني ويلهمنا الفهم الأمثل لهذا الحدث الذي غير مجرى التاريخ ، كي يجد طريقه إلى حياتنا العملية ، إذ لا يكفي أن نستوعب الدروس والمعاني دون تطبيق عملي في واقع حياتنا . لقد هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم من الخوف بمكة إلى الأمان والتمكين في المدينة ، من الاستضعاف إلى بناء الدولة والمجتمع المسلم ، لم يهاجر لينجو بنفسه من بطش المشركين في مكة فحسب وإنما ليعد العدة للقضاء على الظلم الذي حارب دين الله في أطهر بقعة في الأرض ، فكانت هجرته نقلة هامة وحتمية إلى مرحلة جديدة من نصرة الإسلام وبذل أسباب ذلك النصر حيث اقتضت سنة الله أنه لابد لنشر الإسلام وإعلاء كلمة الله من بذل الأسباب لذلك ، فعندما سدت أمام رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه في مكة كافة السبل والوسائل كان لابد من الهجرة من مكة ليعود إليها بعد أعوام من العمل الجاد فاتحا منتصرا . يقول الشيخ محمد الغزالي ـ رحمة الله تغشاه : ( لم يقل النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ إننا أوذينا وأُخرِجنا من ديارنا، فعناية الله ينبغي أن تلاحقنا، وحماية الله يجب أن تحوطنا، ولا حرج في بعض التقصير فإن الله سيجبر الكسر ويسد النقص... إلى آخر هذا الكلام، لم يقل النبي صلى الله عليه وسلم هذا، إنما استنفد كل وسيلة بشرية يمكن أن تؤخذ، فلم يترك ثغرة، ولا أبقى في خطته مكانًا يكمله الذكاء والفطنة.
ومع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أولى الناس بتوفيق الله ورعايته، وأجدر الخلق بنصره وعنايته، فإن ذلك لا يغني عن إتقان التخطيط وإحكام الوسائل وسد الثغرات شيئًا مذكورًا. ومن هنا جعل ـ صلى الله عليه وسلم ـ يفكر في الاختباء في الغار، وفي تضليل أعدائه، فكان يتجه جنوبًا وهو يريد أن يتجه إلى الشمال، وأخذ راحلتين قويتين مستريحتين حتى تقويان على وعثاء السفر وطول الطريق، وهذا دليل مدرَّب ليعرف ما هنالك من وجوه الطرق والأماكن التي يمكن السير فيها بعيدًا عن أعين الأعداء، وهذا علي بن أبي طالب رضي الله عنه ينام مكانه ليضلل الكافرين، وذلك يسير بالأغنام وراءهما يمحو آثار المسير، ولكي يكون على دراية تامة باتجاهات العدو ونواياه تأتيه الأخبار عن طريق راعي أبي بكر رضي الله عنه، كما أتت بعض الأغذية عن طريق بنت أبي بكر ....
هل بقي من الأسباب شيء لم يؤخذ ، أو من الوسائل لم يستنفد، أو من الثغرات لم يُسد ؟ كلا كلا…
إن منطق الإسلام هو احترام قانون السببية ؛ لأن الله تعالى لا ينصر المفرطين ولو كانوا مؤمنين، بل ينتقم من المقصرين المفرطين كما ينتقم من الظالمين المعتدين، "وإذا تكاسلت عن أداء ما عليك وأنت قادر، فكيف ترجو من الله أن يساعدك وأنت لم تساعد نفسك").
وأقول : من الرائع أن نفهم معاني ودروس الهجرة النبوية ومن الأروع أن نستلهم هذه المعاني والدروس في واقعنا العملي فنبذل أسباب إعلاء كلمة الله وسيادة شرعه ونصرة دينه ونهجر التواكل وترك العمل بالأسباب ، ولو أقتضى الأمر الهجرة من وطنك الذي تعيش في أمان وسلام ، ولكنك لا تستطيع أن تعمل لدينك شيئا ، لا تستطيع نصرة الحق وإزهاق الباطل ، فالوطن الذي أنت فيه مستضعف ليس وطنك ، وإنما وطنك حيثما تستطيع العمل لدين الله ونصرة الإسلام والمسلمين ، وتحقيق مراد الله من وجودك في الدنيا ، ذلك المراد الذي يتجاوز العبادات إلى نصرة دين الله وإعلاء كلمته ، ولذا فلا عذر في الآخرة لمن أستطاع الهجرة من أماكن الاستضعاف والظلم إلى أرض الله الواسعة يقول تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَٰئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا * إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا * فَأُولَٰئِكَ عَسَى اللَّهُ أَن يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا * وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً * وَمَن يَخْرُجْ مِنۢ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ ٱلْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُۥ عَلَى ٱللَّهِ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا ) .
سورة النساء الآيات 97 ـ 98 ـ 99ـ 100 .
وقد نزلت الآيات في أناس بمكة أسلموا ثم تقاعسوا عن الهجرة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكن معناها ينسحب على كل مسلم يتقاعس عن الهجرة نصرة لدين الله .
ومن تأمل هذه الآيات يجد أن الله سبحانه وتعالى حذر من التقاعس عن الهجرة لنصرة دين الله لمن أستطاع وجعلها من موجبات النار ثم ألتمس العذر من لم يستطع ، ثم لم يكتف بالتحذير من التقاعس وألتمس العذر للعاجز وإنما رغب في الهجرة وحث عليها فمن يهاجر سيجد وسائل يراغم ويدافع بها عدوه وسيجد سعة في كل شيء ، فالله قد ضمن لمن يهاجر في سبيله أن يجد السعة والتمكين والمتنفس ، فهذا ضمانة الله وطمأنته للمسلم المهاجر حتى ينطلق بكل ثقة وقوة .
يقول سيد قطب رحمه الله في تفسير هذه الآيات :
( وعلى كل ما في هذا الرد من مهانة تدعو إلى الزراية ؛ وتنفر كل نفس من أن يكون هذا موقفها في لحظة الاحتضار، بعد أن يكون هذا موقفها طوال الحياة.. فإن الملائكة لا يتركون هؤلاء المستضعفين الظالمي أنفسهم ، بل يجيبونهم بالحقيقة الواقعة ، ويؤنبونهم على عدم المحاولة ، والفرصة قائمة:
قالوا: ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها ؟! إنه لم يكن العجز الحقيقي هو الذي يحملهم - إذن - على قبول الذل والهوان والاستضعاف، والفتنة عن الإيمان..
إنما كان هناك شيء آخر .. حرصهم على أموالهم ومصالحهم وأنفسهم يمسكهم في دار الكفر، وهناك دار الإسلام. ويمسكهم في الضيق وهناك أرض الله الواسعة. والهجرة إليها مستطاعة مع احتمال الآلام والتضحيات.
وهنا ينهي المشهد المؤثر، بذكر النهاية المخيفة: فأولئك مأواهم جهنم، وساءت مصيرا ..
ثم يستثني من لا حيلة لهم في البقاء في دار الكفر ؛ والتعرض للفتنة في الدين ، والحرمان من الحياة في دار الإسلام من الشيوخ الضعاف، والنساء والأطفال : فيعلقهم بالرجاء في عفو الله ومغفرته ورحمته.
بسبب عذرهم البين وعجزهم عن الفرار: إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان ، لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا فأولئك عسى الله أن يعفو عنهم ، وكان الله عفوا غفورا .. ويمضي هذا الحكم إلى آخر الزمان :
متجاوزا تلك الحالة الخاصة التي كان يواجهها النص في تاريخ معين، وفي بيئة معينة.. يمضي حكما عاما؛ يلحق كل مسلم تناله الفتنة في دينه في أية أرض ؛ وتمسكه أمواله ومصالحه، أو قراباته وصداقاته: أو إشفاقه من آلام الهجرة ومتاعبها. متى كان هناك - في الأرض في أي مكان - دار للإسلام ؛ يأمن فيها على دينه، ويجهر فيها بعقيدته، ويؤدي فيها عباداته ؛ ويحيا حياة إسلامية في ظل شريعة الله، ويستمتع بهذا المستوى الرفيع من الحياة ).
. وأقول : لقد تأملت في الكثير من العلماء والأعلام فوجدت أنهم لم يكن لهم هذا الإشراق والخلود إلا بعد أن هاجروا في سبيل الله وتركوا أوطانهم نصرة لدين الله .
ومن قرأ كثيرا في سير وتراجم الكثير من الأثرياء والرحالة ومن طالبي الدنيا في كل مجال وفن يجد أنهم لم يصلوا إلى ما وصلوا إليه من تحقيق أهدافهم إلا بعد الهجرة والرحلة وإنما المقصود هنا من كانت هجرته لله ورسوله ، ولنصرة دين الله والانتقال من الاستضعاف والتمكين وإلا فالمجال يضيق بمن لم يحققوا أهدافهم إلا بعد الرحلة والهجرة فتأمل .