فجوات التطور الاقتصادي بين اليمن ودول الخليج..
نشر منذ: 18 سنة و شهر و يوم واحد
الإثنين 20 نوفمبر-تشرين الثاني 2006 10:05 ص

في سياق هذا التقرير نترك للقارئ حرية التكهن بمستقبل العلاقات اليمنية الخليجية من خلال تسليط الضوء على بعض الأوجه الاقتصادية باعتبارها أحد مرتكزات التكامل بين دول مجلس التعاون واليمن على طريق تأهيل اليمن في الانضمام الى المجلس..

منصور السروري

* في هذا التقرير ثمة مؤشرات هامة ستظل تحول دون تحقق هذه الأمنية وان بدت هناك محاولات لاثبات العكس.. إلاَّ انها لاتزيد عن كونها مجرد حراكات سياسية تفرضها قواعد اللعبة السياسية.. هذه المؤشرات هي:

النمو الاقتصادي العام

 (أ) معدل نمو الناتج المحلي

تشير التقديرات الى ان معدل نمو الناتج المحلي الاجمالي بالاسعار المحسوبة على أساس تقديرات الناتج بالدولار يكاد يكون مستقراً مع مثيله المحسوب على أساس تقدير الناتج بالعملة المحلية في دول الخليج العربي.. لاسيما في دولة الكويت التي يشهد «دينارها» ارتفاعاً في سعر صرفه أمام الدولار.

وتليها عمان.. على عكس اليمن التي استمرت عملته بالتدهور أمام العملات الأخرى خاصة الدولار لعدة عوامل منها انخفاض معدل نمو الناتج المحلي بالدولار عن مثيله المحسوب بالريال خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة ففي حين وصل سعره نهاية ديسمبر عام 2003م الى (184.31) ريال مقابل كل دولار وصل نهاية ديسمبر عام 2004م الى (185.87) ريال لكل دولار ليصل في نفس نهاية الشهر عام 2005م الى (195.08) ريال لكل دولار وعند إعداد هذا التقرير وقف السعر عند (198.52) ريالاً لكل دولار.

وعند النظر في الجدول.. نجد ان معدل نمو الناتج المحلي ظل مستقراً في دول الخليج بالاسعار الجارية سواء بالعملة المحلية أو بالدولار لعام 2004م وكذلك لعام 2005م.

ب) متوسط نصيب الفرد من الناتج المحلي:

* يتراوح نصيب الفرد من الناتج المحلي بين (620 دولاراً) في اليمن، (42.626 دولاراً) في قطر.. وعند العودة الى الجدول (3) يتبين مدى التفاوت الكبير بين اليمن وأياً من دول مجلس التعاون.

وتجدر الإشارة هنا ان اليمن جاءت في التقرير الاقتصادي العربي الموحد لعام 2005م بين (19) دولة شملها التقرير جاء ترتيبها الـ(18) قبل موريتانيا ضمن فئة الدول الأقل من المتوسط العام على غير دول الخليج التي استأثرت الموقع المتقدم في الجدول ضمن فئة الدول الأعلى من المتوسط العام في نصيب الفرد من اجمالي الناتج المحلي.(4)

ج) وضع الأسعار «معدل التضخم»

يلاحظ في الجدول التالي معدل التضخم في الأسعار للعامين (2003م - 2004م).

يلاحظ انخفاض الاسعار في كل من السعودية وسلطنة عمان وقطر ليس فقط للعامين بل حتى نهاية عام 2005م واستقرارها في الامارات.. وحدوث وارتفاع طفيف في الكويت بنسبة .3%، .7% في البحرين بينما في اليمن نجد الارتفاع بزيادة 1.8% نهاية عام 2004م لتصل في يوليو 2005م الى ارتفاع بلغ 100% على الديزل مثلاً.. ما أثر على ارتفاع بقية الاسعار على جميع السلع بنسب هائلة وغير محددة نتجت عنها المظاهرات الجماهيرية التي خرجت الى شوارع المدن والاسواق.

* ويرجع بعض الخبراء الاقتصاديين انخفاض معدلات التضخم في دول الخليج الى اعتماد دوله سياسات نقدية ومالية مكنتها من احكام السيطرة على الضغوط التضخمية الداخلية والخارجية بالاضافة الى استقرار اسعار الصرف أمام الدولار.. ساعدها على الحد من تأثير ارتفاع الاسعار العالمية -للواردات- على تكلفتها بالعملات الوطنية ومن ثم على اسعارها المحلية.. وهذا مالم تعتمده اليمن التي لعب عدم استقرار اسعار صرف الريال أمام العملات الصعبة على تأثرها بارتفاع الاسعار العالمية -للواردات- الأمر الذي كلفها نزيف مستمر لعملتها المحلية- الريال- واستمرار تصاعد فوضى الاسعار التي لم تقف عند سقف (6%) عام 2004م بل عاشت ارتفاعاً كبيراً عام 2005م وارتفاعاً أكبر تشهده اسواقها في المدن اليمنية منذ أواخر شهر أيلول 2006م وعقب اغلاق مراكز الدوائر الانتخابية.. وهي لن تقف عند حد معين.. مادامت السلطة وحكومتها لاتحرك ساكناً إزاء استمرار اضطرام الاسعار المتصاعد.

وهذا مالا تعيشه دول مجلس التعاون الخليجي.. حيث انخفاض معدل التضخم هو الشيء السائد.

ونستطيع القول ان دول الخليج منذ فتحت غالبية اقتصادياتها على الاسواق العالمية واسواقها تشهد درجة تنافسية متزايدة.. شملت المنافسة كلاً من الجودة والاسعار.. أدى الى انخفاض معدلات البطالة داخل بلدانها الى جانب ارتفاع مستويات الأجور للموظفين والعاملين فيها.

وفي المقابل أدى هذا الانفتاح في السوق اليمني الى غياب المنتجات الوطنية باستثناء بعض المنتجات التحويلية التي تنشط في انتاجها بعض الاسر التجارية.. يفتقر اغلبها الى الجودة الحقيقية نتيجة ضعف القدرة الشرائية للمواطن اليمني الواقع بين فكي كماشة (البطالة والفقر) من جانب ومن جانب أخر ضعف مستويات الأجور للشاغرين اعملاً.. أكانت وظيفية أم حرفية في قطاع الحكومة العام أم في القطاعين الخاص والمختلط. لذا نجد البون شاسعاً في معدلات التضخم بين اليمن ودول مجلس التعاون.. وأحد شروط دول المجلس لانضمام اليمن الى مجلسها هو التأهيل في هذا الجانب.

د) هيكل القطاع الاقتصادي: إجمالي الناتج المحلي باسعار السوق الجارية.

* تزايدات في السنوات الأخيرة الأهمية النسبية لإجمالي القيمة المضافة لقطاعات الانتاج السلعي في توليد الناتج المحلي.. انظر الجدول رقم (3) لمعرفة الفارق الكبير بين عامي (2003، 2004م).

1) قطاعا الصناعات (الاستخراجية -التحويلية)

* في حين أخذت دول الخليج ترفع من وتيرة الاهتمام بقطاع الصناعات الاستخراجية «الصناعات الأولية».. أخذت اليمن في ذات الحين تتراجع القهقري في هذا الجانب.

* صحيح ان هناك عوامل يكاد تأثيرها يكون عاماً على جميع الدول العربية نحو التقلبات التي يتعرض لها قطاع الانتاجات الأولية تنعكس بصورة مباشرة على مؤشرات الأداء الاقتصادي الكلي في العديد من البلدان خاصة التقلبات في الأسعار العالمية لـ«النفط والمنتجات الزراعية» تؤثر بشكل واضح على حصيلة ايرادات الصادرات من تلك السلع.. الى جانب عوامل أخرى طبيعية كالأحوال المناخية ومواسم الجفاف.. وقد تكون هذه العوامل مؤثرة على هيكل القطاعات الانتاجية ليس على اليمن فحسب بل على دول الخليج والمنطقة والدولية.. غير ان جهوداً تبذل في هذا السياق من هذه البلدان لتجاوز تأثيرها على الانتاج.. على عكس اليمن التي عدت اكثر دول المنطقة عجزاً وفشلاً عن تحقيق أدنى معدلات النمو في هيكل قطاعات الانتاج الأولية حيث ذهبت جميع البرامج التي تبنتها منذ منتصف التسعينيات أدراج الرياح.

* يتضح من الجدول ان اجمالي القيمة المضافة للصناعات التحويلية وبالاسعار الجارية بلغت (25.323) مليون دولار عام 2004م في السعودية بزيادة تقدر بـ(3905) مليون دولار عما كانت عليه عام 1995م، وزيادة مقدارها (2318) مليون دولار عن عام 2003م.. وقفزت عمان من (643.4) مليون دولار عام 95م الى (1795) مليون دولار عام 2003م ثم الى (2020) مليون دولار عام 2004م ناهيك عن التحولات الاقتصادية التي حققتها كل من (الإمارات وقطر) وخاصة الكويت من (2977.4) مليون دولار عام 1995م الى (4457) مليون دولار عام 2004م.

* وفي المقابل يجوز القول عن اليمن ان هذا القطاع الهام أصيب بمقتل.. وللتأكيد على هذا القول.. في عام 90م كانت القيمة المضافة للصناعات التحويلية في قطاع الانتاج السلعي ضمن هيكل القطاعات الإنتاجية الكلية يصل الى (703.7) مليون دولار، وتتقدم بذلك على سلطنة عمان والبحرين ثم أخذ هذا الانتاج بالتدني فوصل عام 95م الى (660.5) مليون دولار وكان هذا المبلغ أيضاً يفوق مثيله في سلطنة عمان بـ(17.1) مليون دولار.. ومنذ بدأت اليمن تنفيذ برامج الاصلاح المالية والإدارية عام 95م ضمن برنامج تأهيل الألفية.. أخذ الانتاج في هذا القطاع يتنازل بوتيرة متسارعة وصل نهاية عام 2004م الى (577.8) مليون دولار في حين قفزت عمان نفس العام الى (2020) مليون دولار، والبحرين الى (1010.6) مليون دولار متقدمين بذلك على اليمن.

* ويعزو التقرير ان النجاح الذي قفزت فيه دول الخليج في مجال الصناعات التحويلية مبعثه تنفيذ هذه الدول العديد من المشروعات الصناعية في اطار توجهها نحو تحسين بيئة الاستثمار وتعزيز دور القطاع الخاص، والعمل على تنويع مصادر الدخل، والنهوض بالانتاج السلعي.. ولمزيد من المعلومات انظر الجدول رقم (3).

 (2) قطاع الزراعة:

* يلاحظ أن اليمن ودول الخليج لم تحققا في هذا القطاع سوى تقدم متواضع، في الامارات بلغت زيادة القيمة المضافة عام 2004م (258) مليون دولار عما كانت عليه العام 2003م (2492) مليون دولار، وفي اليمن قدرت الزيادة بـ(167) مليون دولار لنفس العام عما كانت عليه (1615) مليون دولار لعام 2003م.. وفي الكويت (21) مليون دولار، (5) ملايين دولار في البحرين، وحافظت قطر على نفس القيمة (55) مليون دولار، وتراجع نمو القيمة المضافة في قطاع الزراعة في عمان بصورة طفيفة بمقدار مليوني دولار عما كانت عليه (423) مليون دولار عام 2003م.

 (3) قطاع التشييد:

* يلاحظ ان وتيرة نمو القيمة المضافة في هذا القطاع وقطاعات البنية الأساسية قد تراجعت تراجعاً كبيراً عما كانت عليه في فترة السبعينيات والثمانينيات خاصة دول الخليج التي نفذت العديد من المشروعات الضخمة في هذا القطاع، وبالمقابل تضاءلت إن لم تكن انتهت فرص العمل التي كانت قبلة اليمنيين منذ النصف الثاني من القرن الماضي في هذا المجال.. كما انخفضت وتيرة النمو في قطاعات الخدمات الحكومية والى حد ما الصناعات الاستخراجية بسب اعتماد دول الخليج على تطبيق سياسات ترشيد الانفاق العام ضمن برامج التصحيح المالي والاداري، ومن ثم الاتجاه الى تقليص دور الدولة في عدد من الانشطة والخدمات.

ونظراً لأن انشطة التشييد والبنية الأساسية والخدمات الحكومية تستوعب نسبة عالية من العمالة فإن تباطؤ نمو هذه القطاعات الى جانب تضافر عوامل أخرى أهمها نمو السكان بمعدلات مرتفعة ونمو قوة العمل بمعدلات تفوق نمو فرص العمل المتاحة.. كل هذه العوامل أدت الى ظهور مشكلة البطالة وإن في حدودها الدنيا بالنسبة لدول الخليج لكنها تبلغ معدلاً كبيراً بالنسبة في اليمن..

* وبالعودة الى الجدول يتبين لنا مدى بطئ التشييد باستثناء الامارات العربية.. وعلى الرغم من هذا البطء إلاَّ أنه في اليمن أكثر تعقيداً يفسره الفارق الكبير في القيمة المضافة للإنتاج المحلي في قطاع الانتاج السلعي.. حيث الفارق عام 2004م (34) مليون دولار فقط لاغير عما كان عليه 2003م (484) مليون دولار بينما في جزيرة لايتجاوز سكانها (650) الف نسمة كالبحرين يبلغ فارق الانتاج لنفس الفترة (4 ملايين دولار).

 (هـ) الاستهلاك النهائي:

1- الاستهلاك العائلي (أفراد -خاص):

يقدر متوسط نصيب الفرد من الاستهلاك العائلي الذي يمثل ما ينفقه الأفراد على الغذاء والكساء والمسكن والصحة والتعليم والترفيه وغيرها من المتطلبات الاستهلاكية يقدر متوسط نصيب الفرد في اليمن بـ(دولار واحد) أي ما يعادل (200 ريالاً يمنياً)، وفي السعودية بـ(8.96) دولارات، ما يعادل (1779) ريالاً يمنياً، وفي عمان (13.20) دولاراً، مايعادل (2620) ريالاً يمنياً، أما في الكويت (16.28) دولاراً ما يعادل (3232) ريالاً يمنياً، وفي الإمارات (32.89) دولاراً ما يعادل (6529) ريالاً يمنياً.

فمتى سيكون نصيب الفرد اليمني -على الأقل- نصف نصيب الفرد السعودي (4.5) دولار؟

2- أما إذا نظرنا الى متوسط نصيب الفرد من الخدمات التي تقدمها حكومات دول الخليج واليمن الى مواطنيها وتعرف بـ«الاستهلاك الحكومي (تعليم، صحة، ضمان اجتماعي، خدمات ثقافية)» سنجد تفاوتاً كبيراً جداً في متوسط نصيب الفرد من الانفاق الحكومي على النحو التالي:

- متوسط نصيب الفرد من انفاق الحكومة على مؤسسات خدماتية في قطر (19.21) دولاراً، وفي الكويت (12.14) دولار، وفي الإمارات (8.25) دولاراً، والبحرين (7.37) دولاراً والسعودية (7.13) دولاراً، وفي عمان (6.80) دولاراً.

أما في اليمن فمتوسط نصيب الفرد من قيمة الخدمات المقدمة من حكومته على جميع القطاعات الخدمية ليس له نظير ويستحق ان يدخل ضمن موسوعة غينس للأرقام النادرة (0.26) دولار أي ربع دولار سنوياً....!!

* أخيراً تعكس هذه المؤشرات مأساة اليمن قياساً بدول الخليج وتعكس مدى الحاجة الى رفع مستوى الاستهلاك بشقيه العام والخاص قصدية تلبية احتياجات المعيشة.. ومن المعروف ان رفع مستوى الاستهلاك يقابله انخفاض في الادخار.. إذا لم تحدث زيادة في الانتاج الاجمالي يحقق معدلات نمو عالية.

فهل ستتمكن اليمن ابتداءاً من المرحلة الثالثة (2006- 2010م) من برنامج تأهيل الألفية الذي ترعاه الأمم المتحدة..؟ وهل ضمانة دول الخليج اليوم في مؤتمر لندن للمانحين كافياً لتفوز اليمن بـ(48 مليار) دولار حسب الدراسة المقدمة للدول المانحة من ان -المبلغ- سيكفل لها الخروج بحل جذري لأوجه التباين بين واقع اليمن ودول الخليج؟!

لا أحد يتمنى ان تعود اليمن بخفي حنين بيد ان مشكلته ستظل عصية على الفهم.. لأنها في مركب الوعي السياسي القائم العاجز عن تقديم رؤية تستطيع ان ترفع معدلات الانتاج والدخول.. وتقود اليمن الى الارتقاء بمستويات الاستهلاك والادخار معاً.. ليس لأنه لايريد ذلك.. بل لأن امكانياته القيادية دون المستوى الانساني والمعرفي والحضاري.. ولأنه كما اثبتت السنوات.. فرض قيماً واخرج انماطاً سلوكية اتت على كل شيء جميل في هذا البلد كان ذات حين تاريخ حضارات مرت فيه.. في حين كانت شعوب دول الخليج حفاة.. عراة.. رعاة للشاة وبات اليوم التاريخ يتسول على أبواب المتطاولين في البنيان.

الهوامش:

 (1) التطورات النقدية والمصرفية فبراير 2006م.

(2) «السياسية» وكالة سبأ للأنباء.

(3) التقرير الاقتصادي العربي الموحد لعام 2005م

خمسة أسرار خطيرة ستدفن مع صدام حسين في حال إعدامه
مشاهدة المزيد