الفيد والفساد والديمقراطية المغلقة
بقلم/ دكتور/بكيل الولص
نشر منذ: 15 سنة و 6 أشهر و يومين
الجمعة 19 يونيو-حزيران 2009 06:34 م

ما نحتاج إليه في ثقافتنا العامة وخصوصاً اللغوية منها هو المعرفة العميقة بالمفردات والمصطلحات وما تحمله من دلالات ومفاهيم، وللإشارة اضرب مثالاً على ذلك بين مصطلحي الفيد والفساد ومن ثم الحديث عن ديمقراطية هبطت علينا بغتةً أو ركبنا عليها ركوب الخيل قبل ترويضها. ارتبط مفهوم الفيد بالاستيلاء على ممتلكات الغير خلال الحروب، أي تحقيق الفائدة المادية بالقوة والنهب العلني، وعادةً ما يكون الضحايا من المدنيين وممتلكاتهم من أناس لا يردعهم ضمير ولا دين ولا قانون (ولا صاحب قوي لأن الساكت على الجريمة شريك ضعيف)، والفيد هو الغنيمة عندما تكون الضحية الجيوش المعادية، ويكون محصور المكان ومحدود الزمان وعادةً ما يتبعه التعويض والمساعدات التي لا ترقى إلى عرق السنين وآلامها وأحلامها، وتكون آثاره المادية أعلى من الآثار المعنوية ويكون نتاج لردود أفعال الحرب ويجسد بطبيعة الحال سؤ الأخلاق، وارتبط جزافاً بالقبائل والمرتزقة.

أما الفساد فهو الاستيلاء على ممتلكات الغير والوطن خلال السلم، أي تحقيق الفائدة المادية بالتنمر والكذب العلني، وعادةً ما يكون الضحايا من المدنيين وحقوقهم من أناس لا يردعهم ضمير ولا دين ولا قانون (ولا صاحب قوي لأن الساكت على الجريمة شريك ضعيف)، والفساد هو السرقة وخيانة الأمانة عندما تكون الضحية الثروة والتنمية، ولا يكون محصور المكان والزمان وعادةً ما يصاحبه القروض والإعانات التي لا ترقى إلى خيرات البلاد وحسرات المواطنين وآمالها وتطلعاتها، وتكون آثاره المادية والمعنوية عالية ويكون نتاج لغياب القانون والعدالة ويجسد بطبيعة الحال سؤ الأخلاق والقدوة السيئة، وارتبط واقعاً ملموساً بكل الفئات الاجتماعية والشياطين.

إلى هنا أكتفي فمهما تابعنا المقارنة نجد أن الفساد اشد جرماً من الفيد لأن أعداد مرتكبيه أكثر وفي تزايد ومداه أوسع ووفقاً للمسؤولية المركزية أو المحلية ومجالاته متنوعة بحسب الأدوار والمراكز وفرصه متاحة وفقاً للمهام والنفوذ (طالما توفرت النية وغابت المحاسبة) ويكون فيه التنافس محموم بحسب الحاجة والضمير والفساد أخطر من الفيد لأن الضحية هو الجيل الحاضر وأبناء الغيب وفوق كل ذلك ثقافتنا وهويتنا. إلى جانب حاجتنا لمعرفة المفاهيم نحتاج إلى ممارسة القيم النبيلة والثقافة الوطنية الحقة لنجسد ما عناه فخامة رئيس الجمهورية بقوله: الوطن للجميع. أيها القائد الرمز، أليس الفاسدين بمفسدين في الأرض والواجب تنفيذ فيهم حكم الله والقانون؟

ماذا عن الديمقراطية اليمنية كصورة جديدة من صور الحكم الحديث؟ إن وصفي لها باليمنية يدل على خصائصها المميزة لها عن كثير من الديمقراطيات العالمية وكل على ما يريد، لأنها خليط من كل أنواع الحكم والأنظمة السياسية المعاصرة والبائدة. وما يميزها هو تناقضاتها: انتخابات حرة ونزيهة لكن سأدفع بمن يريد الحاكم لا من سيمثل الهالكين، وحرية صحافة يصاحبها حجب للمعلومات، وشراكة في الحكم بمعايير عنصرية، وخطابات تاريخية تصهرها جلسات النفاق والمجاملات، والكشف طويل وما أحوجنا للمكاشفة (والشفافية ولو معتمة). وعليه فلا غرابة أن لا تجد مأرب من ينتصر لقضيتها إلا قلة من ثلة، وقد استنتجت من ذلك أن الأغبياء في اليمن أكثر من الشعب. ولا حتى متعاطف مع مطلب أبناء مأرب المتمثل في رفع الظلم عنا من حكومات اليمن المتعاقبة وأدعو أبناء مأرب أولاً لرص الصفوف وإعادة النظر في برنامج "ملتقى مأرب" ومراجعته ووضع آليات جديدة للعمل وسأقدم خطة قوية ومعقدة لعمل الملتقى حتى تمثل العهد المقدس لأبناء المنطقة. وفي هذا المقام ونيابة عن أبناء مأرب المقهورين والفقراء أتقدم بالشكر والامتنان للأخ الدكتور/ عادل الشجاع على اهتمامه بأبناء مأرب كجزء من اهتمامه الكبير بهموم الوطن والدولة ولما يتمتع به من صفات فاضلة وحميدة أقلها أنه عادل وشجاع. نحن لسنا عنصريين لكن تحكمنا العنصرية مع سبق الإصرار البغيض والترصد المقيت. هل تهدف الحكومة الدفع بنا إلى التمرد والعصيان والمواجهة؟ واقعنا يختلف عن غيرنا من جميع الجوانب سواءً تلك التي لصالحنا أم تلك التي لصالح الحكومة (أو الدولة). ما هو المطلوب مننا لنتحاشى المواجهة فالله لا يحب القوم المعتدين؟ قتلنا في بعضنا بعضا بأسم الثأر لنخدم السياسة ولم تشفع لنا، فقرنا ومرضنا وتخلفنا وهمشنا الغير وسخر منا من يعرفنا ومن يجهلنا ولم نحرك ساكناً ولم يرض عنا أحداً. ما هو المطلوب منا في حدود العقل لنرضيكم ولو على حساب حقوقنا الضائعة؟ أما نحن فسنحدد مطالبنا بعد أن يقتنع صغيرنا وكبيرنا بقضيتنا فالقناعات تحتاج إلى التضحيات. غيروا سياسة العنصرية وأبدلوها بالمواطنة المتساوية لتوقفوا ثقافة الكراهية فقد تتحول مأرب وغيرها إلى كتلة من الكراهية والدمار.

للأسف فالغبي يجد دوماً الكثير من المعجبين ممن هم أكثر منه غباءً، ونسمع أن الدائرة الفلانية مغلقة للحزب الفلاني ولو أتى المرشح من واق الواق، والسبب أن عقول أصحاب تلك الدائرة مغلقة وخالطها غبار القبور. ومن لا يستطيع أن يفكر فهو غبي بامتياز، ومن لا يريد أن يفكر فهو متعصب ومبرمج، أما من لا يجرؤ على التفكير والكلام فقد أضحى عبداً لمرعبيه وأسياده الظالمين. وقد قالوا الكثرة غلبت الشجاعة، وأنا أقول أن الكثرة في اليمن قتلت الحكمة والكثرة تاهت بالديمقراطية في بلادنا، وجرفتنا سياسة الفساد وطوابير الأغبياء ومعايير العنصرية والنفاق. وبالمناسبة لم تقم وزارة التربية والتعليم منذ الثورة وحتى اليوم بإجراء امتحانات ذكاء على مستوى المحافظات لمعرفة معدلات الذكاء المجتمعي، ولكي نعرف مع تقادم الزمن فيما إذا كان اليمنيون يزدادون ذكاءً أم غباءً أم باقي الحال كما هو عليه منذ الثورة وحتى اليوم. والله أعلم بمصيرنا ما دمنا هنا قاعدون. أما الثورة فلي معها حديث آخر ولن يخطر بتفكير بشر، وسأحتفظ به لنفسي فلم نصل إلى مرحلة تقبل الآخر فما بالكم بالنقد الصريح.

إذاً ما هي نسبة الشعب إلى الأغبياء؟ ربما قد تساوي نسبة رجال الأمن الأوفياء إلى الجيش ويضاف إلى الأخير الأمن المركزي، وقد تكون النسبة كتلك الأصوات المطالبة بالعدالة إلى الفاسدين وحالات الذهول والإعجاب بكل فاسد وسارق ويضاف إليهم حالات السكوت على الباطل. ولكن كيف نفسر سلوك الأغلبية (أي الأغبياء)؟ اقل ما يمكن من ايجابية لهم هو توفر الأمن والاستقرار نظير صبرهم وسكوتهم على ما أتاهم من الحكومات المتعاقبة من غلاء في الأسعار وفساد في المسئولية ونهب المقدرات التنموية وتخريب الوطن، واضعف سلبياتها أن فخامة رئيس الجمهورية لن يستطيع أن يرق بالبلاد كما يأمل ويتمنى ولا يمكن أن تجاري التنمية في البلاد متطلبات التطور والانفجار السكاني . ويبقى سؤالي الأخير وهو موجهه لأبناء مأرب: ما هي العلاقة بين القطاع العام والقطاع الخاص؟ وللإجابة على هذا السؤال يمكن التفكير العميق في العلاقة بين الوطن للجميع وخيراته للأقلية. وقد قيل أن المسؤولية لا تفسد أحداً، ولكن الأغبياء إذا تقلدوا المسؤولية يفسدون السلطة والمسؤولية. وعليه ختام القول نرجو يا فخامة الرئيس سماع مظالمنا قبل أن تتحول الأغلبية المطلقة إلى كتلة من الكراهية على السلطة وعلى الوطن، حينئذ سترى الوجه الآخر للأغبياء فهم لا يتعلمون إلا بالتجربة واحسب أنهم قد جربوا الكثير والكثير، وفخامتك حكيم اليمن الأول وحاكمها. وكما اشرنا فالغباء سلاح ذو حدين، وإن كنت عائش في قلوبنا فأنت غير عائش في أوساطنا، والله أعلم.

* جامعة صنعاء