أحداث مأرب وأخلاقيات الصراع
بقلم/ دكتور/بكيل الولص
نشر منذ: 14 سنة و 6 أشهر و 8 أيام
الإثنين 14 يونيو-حزيران 2010 09:41 ص

منطقة مأرب الكبرى معروفة منذ عشرات القرون بالبلدة الطيبة وتشمل محافظة مأرب الحالية والمناطق الحدودية المتاخمة لها من محافظات حضرموت وشبوة والجوف وذمار وصنعاء، والآن تسعى بعض الأطراف المأجورة أو الحاقدة أو المغرر بهم (أو الخليط من كل ذلك) للزج بها وبساكنيها كمنطقة عصيان يهدد نوعية الأمن المطلوب تجريبه على هذه المحافظة، بدءا بالحملات الدعائية المغرضة وانتهاء بقصف القرى. سأتطرق لبعض المواضيع الخفيفة باختصار وتركيز لكي يعي مروجيها أنهم في عداد الأغبياء؛ مأرب يجب أن ترتبط بالخير والأخلاق الحميدة، لا بالعصيان والقاعدة والتخريب والاسترزاق. على ذلك، لن أشير سوى للأسماء "الايجابية" واترك المجال للشامتين والسلبيين للاستغفار ولعن شياطينهم أو لعن ذواتهم. كتاباتي عادة لا تحمل الأسماء لأني اكتب قناعاتي بدون توجيه ولست رئيسا لأية منظمة أو تحالف أو جمعية أو حزب أو ملتقى أو عصابة أو حتى عضوا في الماسونية أو المافيا. في جملة، أرجو أن أكون مواطنا صادقا يترفع عن الفتات.

الجمهورية اليمنية لم تعد تلك التي يتمناها فخامة المشير علي عبدا لله صالح رئيسها لردح من الزمان (ورئيس وحدتها وباني نهضتها)، ذلك إن أخلاقيات أهلها قد تغيرت سلبا وأخلاقيات كثير من موظفيها (كبارا وصغارا) قد تدهورت مما سهل على المتطفلين بالنمو على حساب الوطن. ومعلوم عن الطفيليات أنها تعيش على حاضنيها (أي المضيفين) ومنها القمل والقراد وديدان الأمعاء والفيروسات والجراثيم. لقد كثرت الطفيليات الآدمية وصارت أفعالهم توصف بمسميات متعددة منها الفساد والرشوة والمؤامرة والتخريب والعنصرية والمناطقية وسوء الأخلاق ورداءة السلوك وقلة الدين وهلم جرا، تماما كما توصف أفعال الطفيليات بالبدن من مثل الجذام والحساسية والحكة والأميبيا وسوء الهضم والإسهال والغثيان.

المندسون في مفاصل الدولة يعدون من اخطر الطفيليات والمتاجرون بأمن الوطن واستقراره ووحدته يتبعونهم في سلم الحقارة والمولعون بالمال الحرام ونهب الحاضر والمستقبل قواعدهم السفلى (بمعنييها). الانعدام (المزعوم) للولاء الوطني دفع بالأستاذ عبده بورجي لإطلاق صرخته الشهيرة "اليمن أولا"، كما لو إن الشعار سيعالج الأعراض العويصة. مكمن الداء هو في أخلاقيات البشر. على سبيل المثال، شعرت عامة الناس أن الفساد هو سيد الموقف وهب من بينهم ضعاف النفوس لخلخلة الأعضاء الحيوية في الدولة كالطفيليات الهمجية حتى أضحى المتملقون والمنافون والانتهازيون والوصوليون والمداحون والفاشلون في مراكز لم تتخيلها أذهانهم ولم يحلموا بها في مراقدهم وأداروها بعقلياتهم الهشة وأخلاقهم الوضيعة. سمح ذلك بتسارع تردي الأخلاق فالمواطن يشكو من حالته المعيشية التعيسة والتاجر يزين للسياسيين أعمالهم والصحافة تكتب على غير هدى في التحليل والكتابة. لهذا سأعبر عن أحداث مأرب مؤخرا من منطلق فهمي المتواضع وليس من غزارة معطيات الأحداث أو التورط فيها؛ ببساطة من منطلق أخلاقي الصادقة.

أحداث مأرب الأخيرة دفعت بمار ب إلى الواجهة خصوصا بعد عملية (أو اغتيال) الشهيد جابر بن علي الشبواني أمين عام المحافظة وما تبعه من مناوشات خفيفة وعمليات تفجير أو محاولات تخريبية ومن ثم مقتل (أو اغتيال) العميد محمد صالح الشايف بمأرب وما تلاها من ضرب المساكن بمنطقة الحدد بالحمة ومن ثم ضرب بعض المنازل بوادي عبيدة. السؤال هو: هل ضرب المناطق الآهلة بالسكان عملا قانونيا مسموح به أم هو إحدى العلامات المحسوسة لأخلاقيات أصحاب القرار؟ أنا لا ادعم خيار ضرب المنازل بما فيها منازل المطلوبين إلا بحكم قضائي، أي بعد محاكمة المطلوبين (ولو غيابيا) واثبات الإدانة. للأسف بعض الأخوة من مأرب استمتعوا بالتصريحات والبيانات وكثرة المسميات وبدأوا يصرحون بان هذه الأفعال ستجر المنطقة إلى حرب "لأن الدولة لا تميز بين القاعدة (!) في مأرب والمواطن الضعيف" وكأن مأرب فعلا هي الحصن الحصين والملاذ الأمن الأمين للقاعدة!! مثل هؤلاء يجيدون مصاحبة أكثر من طرف: فهم يعدون الدولة بالشهادة زورا بأن مأرب "قاعدة" للقاعدة، ويقولون للقاعدة (في اليمن بثمن بخس) لقد حذرنا الدولة من تماديها لتعلموا إن أخطاءها ستزيد من أعدادكم، ويمتدحون المعارضة بالقول دعونا نتفرج على الدولة والمخربين والمواطن والصحافة والعالم لتوسيع دائرة الصراع، وأخيرا يختلون بشياطينهم ليتساءلون عن مصدر الاسترزاق القادم.

أكدت في أكثر من موقف إن لمأرب خصوصيتها واستهجنت سياسة الدولة نحوها ونرفض استغلالها من أي طرف متطفل بمن فيهم بعض كبارها (المتلونين)؛ مأرب تحتاج إلى مصداقية العمل وإخلاص النية للبناء والتنمية وشراكة العقول النظيفة في رسم السياسة الخاصة بها، أي لا تحتاج إلى سياسة الارتجال والعنجهية واستفزاز البشر. يكفي المواطنون بمأرب حالة الإقصاء والوصاية المفروضة عليهم، وتذكروا إن الله مع المتقين والله لا يحب المعتدين والله يدافع عن عباده الصالحين والله سيخزي شلة المتآمرين. والى كل ذلك فانا مع رأي الشيخ سلطان العراده بأن مثل هذه التصرفات ستخدم القاعدة وستؤول إلى تداعيات خطيرة اقلها اعتماد المدن اليمنية على الحطب. المعادلة بسيطة: قتل واتهام مفروض بالقوة وغياب تنمية ووصاية وإقصاء ستدفع الناقمين من النظام بتقديم "يد العون والمساعدة والنصيحة". نحن ضد القوة والعنجهية تماما كما نحن مع الدولة (أو السلطة) في محاربتها لكل المتطفلين سواء من القاعدة أو من المفسدين في السياسة والمسؤولية أو المخربين والمرجفين.

التعامل يتم بأخلاق ومسؤولية كما رأينا ذلك من مواقف الأخ رئيس الجمهورية بالتحكيم على أخطاء الجيش في وادي عبيدة وأخرها ما قام به الشيخ مبخوت بن علي العراده والشيخ احمد بن حيدر والشيخ محمد بن عبد العزيز الأمير. الناس في مأرب عقلاء ولن يندفعوا للغة التهديد والنار والدماء ويجب محاسبة من يفجر ناقلة أو أنبوب أو برج كهرباء فهواء عملاء للمندسين داخل مفاصل الدولة، أما التحرش بنا للحرب فهذه دعوة نرفضها ولا نبتغيها لكن تذكروا إن الله ناصر للجانحين للسلام وليعلم دعاة الفتنة إن جنوح الناس للسلم ومؤازرة الدولة لن يكون على حساب حقوقنا الغائبة والمغيبة. وعليه المطلوب التعامل مع أي حدث بعقلية واعية وموضوعية حقة وأخلاق سامية والابتعاد عن التجريح والمكابرة والمتاجرة بالقضايا والأحداث. كما إن للدولة أبواقها ومتطفليها فللحاقدين عليها أساليبهم وفي نهاية الأمر الله يفعل ما يريد.