الجرم المشهود
بقلم/ يحيى محمد الحاتمي
نشر منذ: 14 سنة و 8 أشهر و يومين
الأحد 18 إبريل-نيسان 2010 09:35 م

أحيا النادي الأدبي في الرياض الأسبوع الفائت أمسية ثقافية يمنية غاية في الروعة عرض خلالها فلم سياحي جميل أبهر الحاضرين جميعاً تم تصويره من قبل شركة فرنسية ولأول مرة نشاهد هذا الفلم بل أعتقد أنه لم يعرض على شاشة يمنية من قبل وتخلل الأمسية بعض الأناشيد الجميلة والعرضات اليمنية وقد أدار الأمسية الأستاذ مقبول الرفاعي وشارك فيها الأخ محمد السامعي والأخ خالد الذبحاني في الشعر الشعبي والقصة القصيرة.

ولكن ما أثلج صدري هو التمثيل الكبير من وزارة الثقافة ممثل بحضور الدكتور عبد الله الجاسر وكيل الوزارة ، والتقديم الرائع الذي قدمه الدكتور عبد الله الوشمي رئيس النادي الأدبي بالرياض ، لقد قدم اليمن حضارة وتاريخ وثقافة وإنسان ، لقد عرض الدكتور عبد الله الوشمي اليمن عرضاً يعجز عنه أي مثقف يمني ، لقد تكلم كلاماً ببلاغة مطلقة كلام من القلب إلى القلب ، وما زاد في إعجابي هو الحضور الكثيف للإعلام السعودي والاهتمام الكبير من المثقفين والأدباء والإعلاميين السعوديين الذين حضروا الأمسية بالأدب اليمني ، ويتضح ذلك جلياً من خلال الأسئلة التي انهالت على مدير الأمسية والتي تنم عن دراية وإطلاع كامل بالتراث اليمني بل أن أحدهم كان جالساً جنبي يحفظ قصائد الفضول عن ظهر قلب.

ولكن ما أدمى فؤادي هو الغياب الكامل لملحقيتنا الثقافية عن مثل هذه الأنشطة الهامة بالرغم من تكليف السفير لهم بالحضور وكذلك غياب الجالية اليمنية ومسئوليها فلا أدري ماهو الدور التي تقوم به الملحقية الثقافية فهل يقتصر دورها على التعامل المشبوه مع المنح الدراسية وصرف مرتبات الطلاب أم أنها لها دور أكبر بالتعريف بالثقافة والتراث اليمني وقضايا اليمن وكذلك الترويج السياحي الذي نحن بأمس الحاجة إليه الآن.

أما الجالية فأعتقد مسؤليتها تقتصر فقط على الإستعراض أمام الرئيس والمزاحمة للسلام عليه إذا ما زار الرياض والعزائم التي تقام للوفود الرسمية الزائرة من اليمن.

ففي الوقت الذي تشهد فيه المملكة العربية السعودية حراكاً ثقافياً غير مشهود فلا يكاد يخلو يوماً من أيام الأسبوع إلا وهناك منتدى ثقافي يقيمه أحد رجال الأعمال او المسئولين ويحضره نخبة من المثقفين فهناك على سبيل المثال لا الحصر منتدى الأمير أحمد البندر السديري ومنتدى الدكتور عمر بامحسون ومنتدى الرشيد والجاسر وكذلك الشيخ أحمد باجنيد ، نجد غياباً كاملاً لملحقيتنا الثقافية والجالية اليمنية عن كل هذه المنتديات إلا ما ندر بالرغم من المواضيع التي تناقشها هذه المنتديات وتخص اليمن ولاكنها تستعين بمحاضرين آخرين لعدم تجاوب الملحقية والجالية مع منسقي هذه المنتديات كما حصل في قضية الحوثيين خاصة بعد الاعتداء الآثم لهذه الزمرة الصفوية على الحدود السعودية ، كان المحاضرون الذين يتناولون هذه الفئة الضآلة كلهم من الخارج.

صليت الجمعة ذات مرة في مسجد مفتي المملكة العربية السعودية حفظه الله ورعاه هذا العالم الجليل الذي يتميز بالطرح الموضوعي والوسطية ، كنت مرتدياً زياً يمنياً خاصة العمامة أو ما نسميه (القبع) وهذا ما جعل شكلي مميزاً ، فما أن أنهينا الصلاة وهممت بالوقوف حتى أخذ يدي رجل طاعناً في السن وسلمت عليه وقال لي من أين؟ ، قلت له من اليمن قال (أقول) من أين؟ ، صنعاء – إب – ذمار ....؟ فحاولت أن أقرب له الموضوع فقلت له من مأرب قال من أين؟ اندهشت كثيراً قلت له من نهم ، قال من أي القبائل؟ ، قلت له من عيال منصور ، فقال أنتم من قبل الفرضة على اليمين ، قلت له صحيح وأنا مندهش صحيح ، فقال لي يا ابني أنا وأربعة من أصدقائي كلهم ألوية متقاعدين منذ أكثر من عشر سنوات نقضي الصيف كله في اليمن نطوف فيه المحافظات كلها فلا أجد نفسي إلا باليمن ..... والله أننا نحب اليمن ونحبكم أنتم اليمنيين ، فما كان مني إلا أن وقفت إعزازاً وإكباراً لهذا الرجل وقبلته في رأسه ، وقلت له ونحن كذلك نشهد الله أننا نحبكم.

فإذا كانت اليمن أرضاً وإنساناً في قلوب إخواننا السعوديين ، فأين هي اليمن في قلوب مسئولينا؟ أم أن قلوبهم خارج نطاق التغطية.

في الأخير أسجل شكري وتقديري للأستاذ فاروق المخلافي المستشار في السفارة اليمنية والمسئول الوحيد الذي حضر نيابة عن نفسه وعن سعادة السفير الذي كان في مرض ألزمه الفراش ، وكذلك الأخوة مقبول الرفاعي ومحمد السامعي وخالد الذبحاني الذين شاركوا في هذه الأمسية بكفاءة واقتدار.

ولكن العجب العجاب بأن المستشار الثقافي بالسفارة هددهم بالإحالة إلى التحقيق نظراً لأنهم قبض عليهم متلبسين بالجرم المشهود ، معللاً عدم حضوره بأن هناك توجيهات من الخارجية أتته بعدم المشاركة فلا أدري هل أصبحت الخارجية تتعامل مباشرة مع الملحقيين دون المرور بالسفير ، وهل أصبحت الملحقية تقف أي فعاليات من شئنها نشر الترويج للثقافة والتراث اليمني ، ولكن كما يقال اللي أختشوا ماتوا ، يعني لا يرحموا ولا يتركوا رحمة الله تنزل.