هادي .. كيف يستعيد التوازن ؟
بقلم/ عبد القوي العديني
نشر منذ: 12 سنة و 4 أشهر و 10 أيام
السبت 11 أغسطس-آب 2012 01:49 ص

لا جديد تحت الشمس ؛ عدا أن فخامة الرئيس الجديد عبد ربه منصور هادي وجنده , وعلي عبد الله صالح وأبنائه , وعلي محسن وجماعته , وحميد الأحمر وإخوته ؛ صاروا أقل حرية وأقل حركة , يتبادلون نفس الحذر و سياسة تقدير الخطوط الحمراء للمربعات ولمناطق الآخرين المحيطة بهم , وكلٌ له موقعه الخاص وأرضه التي ضربت عليها أسلاك لا ترى بالعين المجردة , وكاميرات ذكية وشاشات عملاقة نصبت ولا تسمع بها إلا همسا !

والإعلام هو المتنفس القوي و أحيانا الوسيلة الوحيدة , فالجميع يتباكى ويبكي على اليمن , وترى المشترك في السلطة بلا طريق , والنظام الراحل يترصد الخصوم ويعبث على الأرض , ويبدو الجميع كأنهم في ماراثون على أرض حديثة الحرث والسقي والنبات ؛ فمن أين للأمل أن ينتعش وللأحلام أن تنهض , وللنبت اليافع أن ينمو ويشتد , وهذا الهدم يجري وسط استرخاء وتثاقل الإرادات وغياب المشاريع والقيادات المغامرة لأخذ اليمن إلى المستقبل , وسنكون جميعا مع القائد الملهم والشجاع المحب لليمن , عندما يثبت أن خطواته واثقة , ويمشي في مقدمة الجميع.

إن صورة الواقع على الصعيد الإنساني ، تبدو مأساوية ، ومنتصف يوليو الماضي حذّرت منظمات دولية من انتشار المجاعة في اليمن , ما لم يتم تقديم مساعدات عاجلة للحد من تفاقم أزمة الاقتصاد والغذاء.

ولكم يكاد يخامرنا اليأس ، عندما نتحدث مع بعض رجال الدولة ونجدهم في شرود تام , وكأن الخبر عندما يذكر أمامهم جديد وغريب ، تجدهم منفصلين عن الواقع وكأنه لا يعنيهم تفاقم الوضع وتأزم حياة الناس , والأرقام التي تشير إلى أن حجم السكان الذين يعانون من الفقر الحاد , ما يقارب نصف سكان الدولة.

لقد ذكر مسح الأمن الغذائي للعام 2012 ارتفاع التدهور في الأمن الغذائي إلى نسبة 87 % مقارنة بعام 2009 , وأعدت محافظة الحديدة الأكثر تأثرا بسوء تغذية الأطفال والأمهات المرضعات والحوامل ، وقد تجاوزت مستوى الخطر العالمي بضعفين.

متى نأخذ تحذيرات الخبراء بعين الاعتبار ، إن تحذيرات المراقبين والاقتصاديين تتوالى ، من أن استمرار الاختلافات والاختلال التي يشهدها اليمن على الصعيد السياسي والاقتصادي والأمني والاجتماعي ، وترافقها مع محدودية استغلال الموارد المنعشة للاقتصاد، قد يؤدي إلى تفاقم الوضع الراهن, في ظل جدل سياسي خارج أولويات الناس, وبعيدا عن المصلحة العامة.. خصوصا بعض المتحدثين باسم القضية الجنوبية, أو تلك الأصوات العنصرية التي تعلن أطماعها في الحكم دون أي أسس, وتطلب ودون خجل خمسها المزعوم في البنك المركزي وفي خزائن أموال المسلمين.

يقول أحد الخبراء الاقتصاديين : إن مؤشرات الحوار الوطني القادم لا تبشر باستقرار قريب للأوضاع السياسية، مما قد ينعكس على استمرار الأزمة الاقتصادية وتفاقم أزمة الجوع باليمن.

كل هذا يحدث, ونحن نتفاخر وندلي بالتصريحات في المطارات المستقبلة والمغادرة بنجاح مؤتمرات المانحين وزيارات البحث عن مساعدة, ونحن والله الذي خلق هذه الأرض وجعلها أطيب ما في كونه على الإطلاق, لا نحتاج إلى مساعدات بقدر ما نحتاج إلى سلطات ونظام يعتمد على اليمن أولا.

وبإجماع كل الخبراء والمهتمين تبقى اليمن بحاجة ماسة إلى إدارة , وبرأيي إلى صحوة تغيير ( وليس إلى حالة تغيير ) يتحول فيها المجتمع إلى تقديس خيراته والتسليم بأن الثروات ملك لليمن وليست للأشخاص أو لمنطقة أو قبيلة ؛ فما على وجه الأرض لصاحبه والذي ملك أو انتفع ، أما ما هو على باطنها فحق الدولة ولا جدال فيه أو تخريب.

كيف نبحث عن مساعدات, وفي نفس الوقت نعلن عن خسارة 4 مليارات دولار بسبب الأعمال التخريبية التي عطّلت خط أنبوب النفط, وعطّلت أعمال الشركات النفطية و أوقفت الإنتاج.

نبحث عن مليارات الأشقاء, ونترقب نشرات الأخبار ؛ لنسمع نتيجة المؤتمرات والزيارات, ومن ثم نمضي في سلسلة طويلة من الانتظار والحسرات.. وما أكثر المؤتمرات وما أبخل النتائج .. وما أقسى أن تشعر بنظرات الشفقة وحملات المساندة.

إن على كل المخلصين العمل على وقف تردي الوضع الإنساني, وفتح فرص جديدة أمام الأفق الاقتصادي وتشجيع الاستثمار وجذبه, وقطعا فإن أول النتائج ستكون إيجابية ومثمرة, وستحقق انفراج سريع على الصعيد السياسي الملبد والشرس, حد أنه اتسم في الآونة الأخيرة بالانسداد شبه التام.

إن كثيرا من دول العالم تعتمد على الاستثمارات المحلية والأجنبية في دخلها القومي وتختلف بعض الدول عن غيرها من حيث نوعية الاستثمار ؛ سواء السياحي أو الخدمي أو السمكي أو الزراعي, بحسب ما تمتلكه هذه الدول من مقوّمات في هذه الجوانب؛ فيما اليمن تتميز بتنوع الاستثمارات وتمتلك مقومات مختلفة في السياحة أو الأسماك أو الزراعة لكنها بحاجة إلى بنية تحتية كبيرة واستقرار سياسي وأمني واجتماعي وغيرها من الجوانب الأخرى المختلفة والمتعلقة بنجاح هذه الاستثمارات.

والاستثمار لا يمكن أن ينجح في أية دولة, ما لم يتوفر الأمن والقضاء العادل , إضافة إلى البنية التحتية والمناطق الصناعية, وليس عيبا أن نستفيد من تجارب الآخرين الذين سبقونا في هذا المجال.

لذلك على حكومة الوفاق أن تركز قبل كل شيء على توفير الأمن والاهتمام بالعدل والمواطنة المتساوية, و والله إنه لمن المحبط أن نسمع أن شخصية وطنية وكفاءة قومية ، يبدو بنفس الدهشة وبنفس درجة المشدودين ( إلى المدائع ) وعشاق التبغ الغيلي الفاخر , عند سماع الاخبار السياسية والامنية وانفلات الاوضاع الامنية , فيتفق معهم على ( ريموت ) شاشات التلفاز البلازما المسطحة , لمتابعة الجديد , فيما الناس تموت جوعا وخوفا !

إن ثمة حالة واضحة من العمل المتخبط , والسير المحفوف بالمخاطر, لمرحلة مجتمعية تفتقد للتوازن وللأهداف التي تزيد فيها حالة عدم التأكد من الوصول السريع أو المعقول إلى برٍّ آمن وبتكلفة أقل ؛ وكل ذلك مؤشر يحمل الكثير من القلق, والكثير من المحاذير التي تتطلب الكف عن الصراعات السياسية والاقتصادية , ووقف التدهور القائم, لتقف الحياة من جديد بجدارة.

إن المنعطفات التاريخية والتحولات المتعثرة تفقد الطريق والتوازن والاستقرار؛ عند استمرار الصراع بعد الحروب و الأزمات, وبعد الثورات , ويبدو الأمر أكثر خطورة مما كان عليه في السابق, فالحراك والاختلاف والتمرد على الانتماء لوضع كان قائما, أو على ثقافة ثار عليها الناس لا يكفي ؛ لأن غياب الأمن الاجتماعي والسياسي واستمرار انحدار الاقتصاد والعمل الاستثماري وفقدان الأمل بإنجازات التغيير, عوامل تنذر بمجملها أن البلاد التي يتطابق حالها مع هذه الصورة تؤكد بأن الدولة مازالت تحت مخالب الصراع وشراسة المواجهة, وعلى موعد جديد لسقوط سياسة النظام, وشرعية السلطات الجديدة.

ومع ذلك كله تبقى الفرص والقدرات واعدة ومشجعة , وأملنا في الرئيس عبدربه منصور هادي كبير , وكم يحدونا الأمل ألّا تخيب آمال شباب التغيير وكل المخلصين لليمن في هذا الرجل , ففيه من القيم ما يجعله قادرا على أخذ اليمن إلى الفجر , وبعيد عن كل هذا الليل المدلهم.

نعم .. نحن متفائلون بأن اليمن قادرة على أن تنتصر , وقد مثّلت قرارات الرئيس وحكمته بارقة أمل قوية , ويكفي أن اليمن تجاوزت معارك وشراسة المواجهة التي دارت في 2011 , وتتهيأ للحوار والمصالحة والتنمية.

 ينبغي على حكومة الوفاق بقيادة محمد سالم باسندوة البدء باتخاذ كل ممكن ومتا ح, للاعتماد التدريجي المخطط على الذات والموارد والفرص .. وهي واعدة إلى حدٍ بعيد، إن أخلصت الأحزاب السياسية والحكومة النية وتضامن الجميع، وفي كل الأحوال ستنتصر اليمن على محنها ومشاكلها وستدور العجلة بإذن الله, ولكن تبقى المخاطر مرتفعة.

بمقدور هادي وباسندوة، الاهتداء إلى الطريق السليم و تحقيق التوازن، إن عملا بشجاعة , ومارسا كل صلاحياتهما الدستورية , وتجاهلا مخاطر القوى المضادة للخروج من هذا الوضع البائس.

إن أكبر الأخطاء غياب الهدف في الحياة, وأسوأ العادات تلك التي لا تتغير ولا تصنع من حولها التغيير القادر على تحقيق التحول الخلّاق المتوازن والآمن للحياة .. ومن ليس له هدف يترجم على الواقع وفي وقته وزمنه المطلوب ؛ فكيف له أن يتغير ؟