المبادرة الخليجية ألغت دستور اليمن .. فماذا عن الجنوب؟!
بقلم/ د. عبيد البري
نشر منذ: 13 سنة و شهر
السبت 26 نوفمبر-تشرين الثاني 2011 03:36 م

نص البند (4) من الآلية التنفيذية للمبادرة الخليجية : "يحل الاتفاق على المبادرة الخليجية وآلية تنفيذها محل أي ترتيبات دستورية أو قانونية قائمة ولا يجوز الطعن فيهما أمام مؤسسات الدولة." .. وبموجب تلك الآلية التي بدأ نفاذها بمجرد التوقيع عليها ، بدأت الفترة الانتقالية المؤلفة من مرحلتين ، بحيث تنتهي الأولى عقب إجراء الانتخابات الرئاسية المبكرة لأنتخاب نائب الرئيس عبد ربه منصور هادي - ليس غيره - رئيساً لمدة عامين ، وتنتهي المرحلة الثانية بانتخاب رئيس جديد وفقاً لدستور جديد .

 وحددت الآلية صلاحيات نائب الرئيس وحكومة الوفــاق الوطني في المرحلة الأولى التي يتم فيها انتخاب الرئيس خلال 90 يوماً ، وتشكيل الحكومة في فترة أقصاها 14 يوماً من تاريخ تكليف النائب لمرشح المعارضة لرئاسة الحكومة .. على أن تتشكل حكومة وفاق وطني بالتوافــق وتتخذ قراراتها بالتـوافـق ، وأيضاً تقوم باتخاذ الخطوات اللازمة، بالتشاور مع سائر الجهات المعنية الأخرى ، لضمان وقف جميع أشكال العنف وانتـهاكات القانون الإنساني، وفـض الاشتباك بين القوات المسلحة والتــشكيلات المسلحة والمليشيات والجماعات المسلحة الأخرى، وضمان عودتها إلى ثكناتها ، وضمان حرية التـنقل للجميع في جميع أنحاء البلد، وحماية المدنيين وغير ذلك من التدابير اللازمة لتحقيق الأمن والاستقرار وبسط سيطرة الدولة ؛ وتيسير وتأمين وصول المساعدات الإنسانية حيثما تدعو الحاجة إليها ؛ بالإضافة إلى إصدار تعليمات قانونية وإدارية محددة إلى النيابة العامة ودوائر الشرطة والسجون والأمن للتـصرف وفـقاً للقانون والمـعايير الدولية ، وإطلاق سراح الذين احتجزوا بصفــة غير قانونية ، وتعليمات للقطاع الحكومي للالتزام بـمعايير الحكم الرشـيد .

وأشار الاتفاق إلى ضمان أن يدعو الرئيس المنتخب وحكومة الوفاق الوطني ، مع بداية المرحلة الانتقالية الثانية ، إلى انعقاد مؤتمر حوار وطني شامل لكل القوى والفعاليات السياسية بما فيها الشباب والحراك الجنوبي ، والحوثيون وسائر الأحزاب وممثلون عن المجتمع المدني والقطاع النسائي ، لبحث عملية صياغة الدستور ومعالجة هياكل الدولة والنظام السياسي واقتراح التعديلات الدستورية إلى الشعب اليمني للاستفتاء عليها .

صحيح أن المبادرة وآليتها قد تجنبت الإشارة إلى قضية احتلال الجنوب ، باعتبارها أكبر وأعقد من أن تذكر ضمن مبادرة لإنقاذ النظام والحد من تفاقم أعمال العنف ومعانات الشعب ، إلا أن بقاء الجنوب تحت الاحتلال في وجود ثورة شعبية سلمية عارمة في الجنوب لم تستطع على مواكبتها أي قيادات في الداخل أو الخارج من تلك التي ظهرت بعد قيامها ، الأمر الذي لا شك سيعطل الكثير من بنود الاتفاق ، وعلى وجه الخصوص ما يتعلق بالانتخابات والاستفتاء ، وأي حوارات في ظل الاحتلال والإرهاب المنظم وغير المنظم في مناطق الجنوب..

وبذلك لا يمكن أن ينصَّب عبد ربه منصور هادي رئيساً على اليمن والجنوب في وقت واحد ، لا في 90 يوماً ، ولا في 90 شهراً ، ولا أكثر ولا أقل ، قبل أن يعـترف بأنه ساعد نظام الجمهورية العربية اليمنية على احتلال دولة الجنوب عام 1994م وسكت عن قتل وتشريد أهله في أبين خلال الشهور الماضية .. ويجب عليه البدء بالترتيبات لتفاوض طرف النظام مع الطرف الجنوبي وفـقاً لقرارات مجلس الأمن لاستعادة دولة الجنوب والسيادة الوطنية للشعب على أرضه ، فضلاً عن التعويض العادل عن العبث بالثروة وحقوق المواطن الجنوبي والملكيات العامة والخاصة .

والحال أن النظام اليمني - بكل تعقيداته - الذي ألتزم بنقل السلطة ووقف العنف تنفيذاً للمبادرة الخليجية ، معروفاً عنه تنصله من كل تعهداته ، كان آخرها توقيعه على وثيقة العهد والاتفاق مع القيادات الجنوبية عام 94م في عمـّان ، التي عمـّدها بالحرب على الجنوب ، بالإضافة إلى تعهداته للأمم المتحدة في أثناء الحرب وبعدها ، فضرب بالكل عرض الحائط ، ليجعل احتلال الجنوب أمر واقع .. ولذلك فإن شعب الجنوب قد اختار طريقه الصحيحة التي كان قد ضلها عام 1990م عندما أتبع قيادته آنذاك ، التي كانت هي نفسها تائهة ، وقرر الشعب التخلص من ذلك الاحتلال بثورته السلمية وبالاستناد إلى قرارات مجلس الأمن والأعراف والمواثيق الدولية.

وعلى المنظمة الدولية ودول الخليج وبقية الدول العربية والعالم أجمع ، القيام بالواجب القانوني والإنساني والأخلاقي أمام آخر قضية احتلال استعماري استيطاني متخلف في القرن الحادي والعشرين .