اليمن دولة وسلطة في طور التكوين !
بقلم/ عبدالوهاب العمراني
نشر منذ: 10 سنوات و شهرين و 20 يوماً
الثلاثاء 07 أكتوبر-تشرين الأول 2014 11:38 ص

الأحداث التي شهدتها اليمن في الشهور المنصرمة التي أعقبت اختتام مؤتمر الحوار والذي طال أمدة ، ثمة تساؤلات حول مستقبل شكل الدولة وكذا اقتسام السلطة وفقا للمتغيرات الأخيرة في الأسابيع الماضية والتي انتهت بالسيطرة على صنعاء وكل مفاصل الدولة من قبل من يسمون أنفسهم بأنصار الله ، في هذا السياق وفي الوقت الذي يعتقد فيه (الفاتحون الجدد) بأن شرعيتهم تنبثق من مطالبهم المعلنة (إسقاط الجرعة ، وتغيير الحكومة ، وتنفيذ مخرجات الحوار) ، وهنا يضع البعض خطاً تحت عبارة مخرجات الحوار والتي غدت كمسمار جحا يتذرع بها الكثيرون مع انها نفسه موضوع تساؤل من جميع الأطراف على النحو الذي سوف نتناوله في هذا السياق.

وفي خضم تداعيات الأحداث الدرامية في اليمن في الفترة المنصرمة يتسائل البعض هل سترى مخرجات الحوار النور اوجزاء منها او انتقاء بعض المكونات السياسية لبعضها او يتم نسفها كلها ، والتوجه لرؤية أخرى لشكل الدولة اليمنية .

الإيحاء المبدئي للكتل السياسية من خلال رصد المشهد السياسي غداة السيطرة على صنعاء يطرح اكثر من سؤل حول قضية الفدرالية تحديدا ، صحيح ان الفدرالية اليوم ومخرجات الحوار عموما غدت فوق الرفوف ربما مؤقتا لحين الاتفاق على رسم خريطة للتحرك السياسي بالنظر للتطورات الأخيرة ، إلا أنها ستثار وبقوة ان أجلا او عاجلا.

وأجمالا وفي هذا الصدد فأن مخرجات الحوار والدستور الذي يفترض بأنه ينبلج من ثنايا وروح هذا الحوار ليس بالضرورة انها نصوص مقدسة لا يحيد اليمنيون عنها ، الإشكال هنا بأن ما قد ينفذ الا بنود لها تبعاتها فمثلا الفدرالية ما كان يبغي ان يهرول اليمنيون أليها وحصيلة الربيع العربي في مفرداته السلبية كانت فكرة التقسيم لأقاليم سواء في العراق او ليبيا او اليمن ، الفدرالية قد تقسم اليمن جهويا ومذهبيا (قسمة ضيزى ) ، لطالما تناولت مفردة الفدرالية في كتابات لعشرات المقلات تتلخص فكرة الرؤية بأن الفدرالية يفترض ان تأتي في أجواء سلم توافقية والاهم ان تأتي في دولة ذات مركز قوي وليس بدولة ضعيفة تتهاوى ويسيطر عليها حفنة من المسلحين في عشية وضحاها .

الأمر الثالث كل الفدراليات وليس بعضها تأتي في مجتمعات ذات عرقيات متباينة وأديان وقوميات كالهند وروسيا والولايات المتحدة ، وبلدان مترامية الاطراف وتستند لمركز قوي وشعب واعي وتأتي كجزاء من الحال وليس ان تصبح بحد ذاتها مشكلة وكأنها قدرا مكتوب لليمنيين ، ذلك ان ثورة الربيع العربي في نسخته اليمنية منذ نحو اربع سنوات كان الإشكال بين الحاكم والمحكوم وليست المشكلة بين الشعب والأرض فما ذنب الوطن يقسم بسكاكين الساسة!

كان المشهد اليمني الى قبل أسابيع يلاحظ بأن فكرة الفدرالية رغم الاتفاق الظاهري عليها من اغلب القوى السياسية في الحوار الا ان الجميع ايضا كان له وجهة نظر او يرفضها من حيث الفكرة ، فالاشتراكي والحراك لم يكن يوافق على تقسيم اليمن لستة اقاليم منها الجنوب لإقليمين وكان له وجهة نظر خاصة في ان يضمن وحدة اراضي الجنوب على الأقل وكانت لتلك الرؤية مبرارتها . بينما يرى سكان محافظة حضرموت بأنه في حال إقرار الفدرالية فيفضل ان تكون محافظة حضرموت إقليم واحد ، من جهة اخرى كان للحوثيين رؤية بأن الفدرالية بالشكل الذي اقر ليس مستحبا لهم وكانوا يفضلون ان يكون لإقليم ازال إطلالة على البحر الأحمر ومرفأ خاص بالإقليم وكذا التمدد شرقا لمحافظة الجوف الموعودة بالنفط ، وبذلك يكون الامر مناسبا لهم مذهبيا حيث يتحركون في إطار طائفي متجانس على الأقل ، ولكن بعد التطورات المتسارعة الأسابيع الماضية قد تغير من وجهة نظرهم فهم قد اصبحوا عمليا يسيطرون على مفاصل الدولة والعاصمة ذاتها ولذا فقد يتطلعون بأن يكبر إقليم أزال ليضم كل المحافظات الزيدية في الشطر الشمالي سابقا ، في حال عدم استطاعتهم السيطرة على يمن موحد فدراليا كان او دولة بسيطة ، ومن هنا وحسب رؤية بعض المحللين السياسيين والمراقبين فقد يتفتت اليمن ويعاد النظر لشكل الدولة خلافا لما جاء في التقسيم الفدرالي المقترح حسب مخرجات الحوار الوطني الشامل وكذا الدستور الذي كان على وشك الاستفتاء عليه ، بحي يختصر توزيع الأقاليم الى ثلاثة أقاليم عوضا عن ستة بحيث يضم الأقلية _(الزيدية) في إقليم خاص ( بالمناسبة فأن اليمن ضل يحكم من قبل الأئمة الزيديين لنحو الف سنة ، بل وحتى تعاقب الرؤساء في العصر الجمهورية لنحو نصف قرن من هذه الأقلية) ، بالرغم ان اكثرية سكان اليمن من الشافعية ( السنة) وهي بقية أقاليم الشمال إضافة لإقليم عدن في اقليم واحد ، بينما يكون الإقليم الثالث والذي يضم أكثر من ثلث اليمن محافظة حضرموت ويختزل اليمن وفق هذا السيناريو الى ثلاثة أقاليم فقط ، ولهذا التقسيم كالستة الأقاليم تبعاته وسيئاته الاجتماعية والاقتصادية والسياسة .

ومن هنا فأن المكونين الأساسيين في المعارضة اليمنية الحراك الجنوبي وأنصار الله واللذان من المفترض بأن الفدرالية تصب في صالحهم لم تلقى صيغة التقسيم رضاء كلا الجهتين ، ويبدو وبعد التطورات الأخيرة في أواخر سبتمبر الماضي فأن هذين المكونين قد تتنامى لديهم الطموحات وفقا للمتغيرات ، فالجنوبيين قد يعودون للمطالبة بعودة دولتهم ما قبل مايو 1990 م وانصار الله ، الذين كان لهم تحفظ في توقيع اتفاقية تقسيم اليمن فدراليا قبل شهور فأنهم اليوم ووفقا للمعطيات التي طرأت على الارض فمن المحتمل تغيير رؤيتهم والتي لم تتضح بعد بالنظر لعدم اكتمال المشهد السياسي ، وعموما فالأيام المقبلة ستنجلي كثير من هذه الأمور ومن ضمنها مخرجات الحوار والدستور وتحديدا في مفردة الفدرالية فالأغلب لن تكون على النحو الذي اعلن عنه .