إستقلال السلطة القضائية وحكم الدستورية على المحك
بقلم/ د. محمد البنا
نشر منذ: 11 سنة و 5 أشهر و 6 أيام
الثلاثاء 16 يوليو-تموز 2013 07:39 م

في القضية المرفوعة ضد مؤسسة موانئ البحر الأحمر والتي فصلت فيها المحكمة الابتدائية بالحديدة ولم ينفذ حكم المحكمة بسبب اشكالات متداخلة تجارية وسياسية ومصالح حكومية وخاصة, صدرت توجيهات من النائب العام بإيقاف التحقيق مع الرئيس التنفيذي لمؤسسة موانئ البحر الأحمر على خلفية رفضه تنفيذ قرار قاضي الأمور المستعجلة في المحكمة الابتدائية الخاص بقضية السماح بدخول الباخرة (سام جون ليبري) إلى ميناء الصليف لتفريغ شحنتها التي تعود ملكيتها للشركة اليمنية للاستثمارات الصناعية المحدودة, كون القضية ليست من اختصاص المحكمة الابتدائية وينبغي النظر فيها من قبل قاضي الأمور المستعجلة في المحكمة التجارية. ورئيس الجمهورية يوجه بنزول لجنة من وزارتي الشؤون القانونية والعدل وتعزيز مجلس القضاء الأعلى اللجنة بقاضيين من قسم التفتيش القضائي للتحقيق في قانونية الحكم ومدى صحته واختصاص المحكمة في النظر في مثل تلك القضايا.

بغض النظر عن طبيعة النزاع هناك قضية نظر فيها القضاء واصدر حكما ورفض تنفيذه احد الأطراف بحجة عدم اختصاص المحكمة مصدرة الحكم في نظر القضية, فما هي الإجراءات القانونية المفروض إتباعها في مثل هذه الحالة؟

منذ البداية إذا كانت المحكمة غير مختصة, كان على محامي الدفاع والنيابة العامة الدفع بعدم اختصاص المحكمة. وإذا رفضت المحكمة الدفع وأصدرت الحكم, كان على محامي الدفاع والنيابة العامة استئناف الحكم في الدفع او الحكم المستعجل كما يمكنه تقديم استشكال في التنفيذ وطلب وقفه. في جميع الأحوال لا يحق لرئيس مؤسسة موانئ البحر الأحمر (رفض تنفيذ حكم المحكمة), حيث من المعلوم قانونا بان تنفيذ الأحكام الصادرة ضد الدولة لا يتم مباشرة من المرفق المعني بل عبر مجلس الوزراء.

الآن وبعد صدور توجيهات رئاسية بنزول لجنة من وزارتي الشؤون القانونية والعدل وتعزيز مجلس القضاء الأعلى اللجنة بقاضيين من قسم التفتيش القضائي للتحقيق في قانونية الحكم ومدى صحته واختصاص المحكمة في النظر في مثل تلك القضايا, تكون الأمور على النحو التالي:

1-تكون الدعوى الدستورية التي فصلت فيها المحكمة الدستورية مؤخرا بعدم دستورية مواد قانون السلطة القضائية التي تجعل من وزير العدل عضوا في السلطة القضائية (مجلس القضاء الأعلى) كممثل للسلطة التنفيذية دون أي حق له في التدخل في احكام القضاء, مجرد دعوى كيدية تحولت الى حكم سياسي لا علاقة له باستقلال القضاء مطلقا.

2- يكون تدخل رئيس الجمهورية في هذه القضية (وهو مدعى عليه في الدعوى الدستورية), اول تنفيذ لحكم المحكمة الدستورية.

3- أن توجيهات النائب العام أشارت إلى أن القضية ليست من اختصاص المحكمة الابتدائية وينبغي النظر فيها من قبل قاضي الأمور المستعجلة في المحكمة التجارية, هذا يعني بان النائب العام مشترك في الطلب من رئيس الجمهورية بالتدخل في هذه القضية وهو ما يمكن اعتباره تنفيذا لحكم المحكمة الدستورية الاخير بعدم التدخل في شؤون القضاء.

4- ان تشكيل لجنة للتحقيق في هذه القضية من وزارتي الشؤون القانونية والعدل التابعتين للسلطة التنفيذية, هو خير دليل على تنفيذ حكم الدستورية بعدم تدخل السلطة التنفيذية في شؤون القضاء. الأخطر من ذلك هو ان التحقيق مع القضاء هي احد أطراف القضية حيث تمثل وزارة الشؤون القانونية مرافق الدولة في الترافع دفاعا عنها امام المحاكم.

5-الفضيحة الأكبر هي في قيام مجلس القضاء الأعلى وهو في إجازة بتعزيز لجنة التحقيق بقاضيين من قسم التفتيش القضائي, ما يعتبر موافقة منه في تدخل السلطة التنفيذية في شؤون القضاء تنفيذا لحكم الدستورية.

في الأخير إذا وجدت تلك اللجنة بان المحكمة الابتدائية غير مختصة بنظر القضية, فهل يمكنها إلغاء الحكم الصادر؟ واذا انتهت المدة المقررة قانونا للطعن بالحكم, هل يمكن للجنة التحقيق السماح بإيقاف حكم قضائي نافذ ونهائي؟ ام ان الامر سيترك لرئيس الجمهورية للفصل في القضية التزاما بحكم الدستورية ا وان مجلس القضاء سوف يتكفل بالتغطية على تدخل السلطة التنفيذية في شؤون القضاء؟

 

هنا يكون موضوع استقلال القضاء على المحك, ويكون حكم الدستورية محل ريبة وشك. هذا يستلزم من القائمين على إعداد الدستور الجديد توضيح ماهية استقلال القضاء ومدى علاقته بسلطات الدولة الأخرى وتحديد أوجه تلك العلاقة بوضوح تام لا لبس فيه بدلا عن استخدام استقلال القضاء في المماحكات السياسية.