متى سنقبل بعضنا ونحقق التنوع
بقلم/ وليد تاج الدين
نشر منذ: 12 سنة و شهرين و 19 يوماً
الأربعاء 12 سبتمبر-أيلول 2012 04:42 م

تنوع الشعوب عامل ايجابي تسعى كبريات دول العالم للحفاظ عليه بل وإدخال عناصر جديدة تثري هذا التنوع العرقي والديني والمذهبي والبشري بشكل عام.

هذا ما نفتقده في اليمن حيث لا تزال ثقافة محاربة الآخر ورفضه وتحقيره ثقافة سائدة تمارسها القوى والأحزاب والنخب والعامة من أبناء الشعب, وهذا احد أسباب الصراعات التي لا تكاد تمر مرحلة إلا وتكتوي بلدنا بها وان اختلفت الأطراف فمشكلة رفض الآخر وإقصاءه هي ذاتها.

تستأثر الفئة المسيطرة على الحياة وتعتقد أن منح حق الحياة وحرية الآخرين أصبح من صلاحياتها واختصاصاتها وبالتالي تقصي الأطراف الأخرى وتحشد وتجيِّش ضدها كل ما تستطيع حشده وتجييشه ثم ندرك بعد عقود أننا مخطئين ونعتذر بعد أن يفوت وقت الاعتذار.

الشعور بنشوة الانتصار يستلزم تحجيم القوى الأخرى وإخضاعها وهو هدف يسعى إليه ويتفاخر بتحقيقه الغالبية وهي الثقافة التي نتشربها من الأسرة والمجتمع وكتلة المعتقدات المتراكمة حتى أصبحت جزء من ممارساتنا.

الأب البطل هو من يسيطر بحزم وقوة على الأسرة والأطفال ويفرض شخصيته الحديدية عليهم بأي وسيلة, والشخص البطل هو من يرهب الآخرين في منطقته ويخيفهم ويستطيع فرض رغباته بالقوة, والشيخ الجسور المقدام هو من يقف في وجه الدولة ويرعب موظفيها ومؤسساتها ويستطيع تحقيق كل متطلباته وحاجاته وبهذا فقط يتمكن من كسب تأييد ورضا أفراد قبيلته وهكذا يستطيع توسيع دائرة نفوذه.

من هنا تكون البداية ومنها ترتسم ملامح النجاح في أذهان الناس وفق مبدأ القوة والسيطرة والإقصاء وإذلال الآخرين بحثا عن الذات, ثم تأتي بعد ذلك حلقة الانتقام وهي الحلقة التالية لأي عملية إقصاء أو ظلم أو احتقار أو ابتزاز وبهذا تكتمل المعادلة ويخرج منها عامل الاستقرار والأمان والتعايش بسلام.

نحن في وطننا نتنقَّل من طرف لآخر ومن تغيير لآخر, وعن غير وعي نبحث عن التقبُّل والتنوع وحرية الفكر والرأي والمعتقد, ولكن ثقافة " أنا " تظهر في وجوهنا بصيغة أو بأخرى, فمنَّا من يدعي الوصاية على الدين وحمايته وتحت هذه الذريعة يمارس التعبئة ضد الخصوم وصولاً لإقصاءهم, ومنَّا من يدعي الوطنية وحب وحماية الوطن دون الآخرين وتحت هذا المبرر يمارس الاستئثار ويشوه بالآخرين ممن سواه.

ونحن بدورنا نؤيد هذا ونقف ضد ذاك مساهمين في خلق حالة من الفوضى والشعور بعدم الأمان لدى الأطراف وصولا إلى نشوء الصراعات التي نكتوي بنارها وندفع ثمنها.

صحيح أننا نقبل التنوع أحيانا لكن حينما يكون شكليا وحينما يكون الطرف المسيطر هو صاحب الفكرة وراعيها ومالك الأمر والنهي فيها وقد تجسد هذا في التنوع الديمقراطي الغير ناضج والذي جاء مع تحقيق وحدة شطري اليمن وادعاء انتهاج المسار الديمقراطي لينقسم حزب الحاكم إلى حزبين احدهما ظل حاكما والآخر يدعي المعارضة ويحفظ مصالح الحاكم الذي هو في حقيقة الأمر جزء منه.

لا نزال تحت سقف الوعي الذي يلمح إلى أن الفكر هو طريقنا لإثبات وجودنا دون الحاجة لتصويب الزناد صوب الآخرين ودون الحاجة للانشغال بهم ومحاربتهم وحشد الرأي ضدهم, فالناجح يكفيه أن ينجح ليثبت أفضليته على الآخرين دون الحاجة لانتهاج التشهير والتشويه والتخوين وخلق الإشاعات والأكاذيب ضد الآخرين.

كيف نقصي الآخر ونحاربه ونسعى للقضاء عليه وعلى فكره وتوجهاته وبالتالي نلومه لماذا يرتمي في أحضان الخارج ويبحث عن الدعم والتأييد ويسهم بتنفيذ أجندات خارجية, ألا ندرك أن إقصاءنا للآخر ومنعه من ممارسة ما هو مشروع يجعله باحثا عن ممارسة ما هو محظور بغية تحقيق وجوده والوصول لمبتغاه, فلما لا نكون الأقرب ونقدم البيئة التي تغني عن اللجوء للخارج, لأن اللجوء للخارج وتقبل الابتزاز مقابل الدعم هو آخر المحاولات للبقاء هروبا من الضياع, فلما لا نجعل إمكانية النجاح متاحة لأي طرف داخلي بالسلم بدلا عن الحرب طالما ونحن مدركين أن التغيير لابد أن يتم خاصة مع المتغيرات الجديدة من الانفتاح الإعلامي وانتشار الوعي بضرورة التغيير والتطوير المستمر.

متى ما وصل إدراكنا إلى أن التنوع يعني التميز والتجدد وان الاختلاف يعني الرحمة وان الفكر يعني الطريق إلى النجاح, ومتى ما أدركنا أن حربنا على الآخر المخالف لنا هو حرب على أنفسنا وإقصاءنا للآخر هو دفع للآخر نحو العدوانية والسلبية وشحنه بدافع الانتقام والنكاية, ومتى ما وصل الأمر في البلد إلى حد الحرية وإلغاء القيود بكافة أنواعها حينها سنتمكن من بناء مستوى عالي من الوعي لدى العامة فيه يدرك الفرد ما هو صحيح وما هو مناسب دون الحاجة للتعبئة التي اعتدنا أن نبني منها مواقفنا ضد أو مع الآخرين وفقا لمصادر التعبئة التي تجعلنا كالببغاء نردد ما نسمع ونعتقد أن الحق هو ما نعرف دون أي تمييز.

هل نستطيع أن نجعل حرية الناس مقدَّسة وندَعْ الجميع يقول ويمارس وينتقد وينشر فكره أيا كان وندَعْ الناس تحكم بنفسها دون أي إملاءات لينجح من يصدق ويعمل ويرى الناس منطقا فيما يدعيه وليفشل ويجد نفسه وحيدا من يرمي إلى غير ذلك وليجد الطرف المخطئ نفسه بعيدا دون أن يحس بالإقصاء من احد سواء كان حزبا أو طائفة أو جماعة.

هذا الانفتاح سيسهم في تكوين وعي تراكمي وعندما يكون الشعب على قدر من الوعي فانه لن يكون هناك شيء يُخشى على الناس منه ويجب أن نسهم معا في بناء الوعي عبر القبول بالتنوع وتوسيع مجال الحرية ونبذ أسباب الحرب لأنها لا تأتي إلا بالحرب واستخدام مفردات السلام لأنها لا تصنع إلا السلام خاصة عندما يتعلق الأمر بشئون الداخل, وليكن لكل حريته في أن يسلك ما يراه صوابا طالما لا يشكِّل ذلك اعتداءا مباشرا على حياة وحقوق الآخرين.

tajwalid@gmail.com