إنها تعز أيها الأغبياء !!
بقلم/ طارق فؤاد البنا
نشر منذ: 13 سنة و أسبوعين و 5 أيام
الإثنين 14 نوفمبر-تشرين الثاني 2011 03:03 م

يدرك من يتابع مسار الثورة اليمنية أن بقايا النظام تعمل على الاستفراد بكل محافظة على حدة ، وتحاول أن تخوض حروباً صغيرة تمهيداً لإعلان الحرب الشاملة التي سترهقها أكثر ، وظلت بقايا العائلة تركز على مناطق بعينها في محاولة لإذلالها وتفريغ أبنائها من محتواهم الثوري ، ويأتي على رأس هذه المناطق محافظة تعز ، والتي تحتل المرتبة الأولى بدون أي منافس .

وقد شهدت تعز الكثير من المجازر البشعة منذ بداية عمر هذه الثورة ، ولا شك أن إحدى أكبر جرائم النظام اليمني في تاريخه الأسود كانت في تعز ، وهي محرقة الحقد الأسود ، والتي أُحرق فيها البشر أحياء ، ومن بعد تلك المحرقة استمرت (المحارق) المتتالية ، وحدثت الكثير من التطورات التي خلطت الأوراق ، والتي أحالت حياة هذه المدينة إلى جحيم لا يطاق !.

ومن تابع الهجمة الشرسة التي تشنها بقايا النظام على تعز يدرك مقدار الحقد الكبير على هذه المدينة ، حيث تتواصل عمليات التسليح المخيف لقوات البلطجة (الصالحية) المتواجدة في تعز ، ويكفيك لتعرف مقدار الحقد على هذه المدينة أن مدير أمنها هو (عبدالله قيران) وهو مدير (الخوف) الفار من وجه العدالة ، وقائد حرسها العائلي هو (مراد العوبلي) الذي يعتلي الدبابات المتواجدة في ثكنة مستشفى الثورة ليطلق القذائف بنفسه ، والذي ثبت أنه لم يصم يوماً واحداً في رمضان ، وزاد على ذلك بمجاهرته بإفطاره ، وخروجه لأفراده وهو يشرب (سيجارة) في عز ظهر رمضان ، وأن قائد معسكر اللواء (33) هو عبدالله ضبعان ، والذي جاء ( أقذر) ممن سبقه وهو جبران الحاشدي ، باختصار هو مثلث رعب ، ما دخل مدينة إلا أفسدها وهدمها ، وما حل في مكان إلا وجعله في خبر كان !.

وعلى مدار الأيام القليلة الماضية تعرضت تعز لحملة إرهاب بشعة قلما شاهدنا لها مثيلاً ، فقد اشتدت وطأة القصف المتواصل على الحالمة ، واستمرت حملات الترويع للآمنين ، واستهداف الجميع ، لا فرق عندهم بين طفل وشاب ، ولا رجل وامرأة ، ولا كبير ولا صغير ، ولا مسلح ولا مسالم ، لا فرق عندهم بين من يتواجد في الشارع أو في بيته ، الجميع مستهدف ، كل سكان تعز يقرؤون الفاتحة على أرواحهم مسبقاً ، ويشهدون ويكبرون قبل أن تحل القذيفة وتحيل أجسادهم إلى أشلاء !.

تحار الحروف في وصف ما يجري في تعز ، حتى في غزة لم يستعمل اليهود كل هذا العنف ، يا ترى إذا كان هولاكو ما زال حياً ، هل سيمنح حمود الصوفي وقيران والعوبلي وضبعان وغيرهم شهائد تقدير و(تفوق) في الإجرام ، وشهائد (خِبرة) في حصد الأرواح وإزهاق الأنفس البريئة بمختلف أجناسها وأعمارها وأشكالها وألوانها ، أم أن الذعر سيصيب (هولاكو) نفسه جراء ما سيراه من إحراق للأخضر واليابس في تعز ، من يشاهد تعز وهي تحترق من كل الأرجاء يشك في أن (هتلر) قد عاد للحياة ، ويُخيل إليه أن (نيرون) قد عاد من جديد ، ولكن ليس في روما ، بل في تعز!

ولكن ، لأن المثل يقول (كاد المسمي أن يخلق) فقد كانت تسمية تعز بهذا الاسم هي الأمل الباقي لسكانها ، فلأنها تعز فقد رفضت الخنوع والركوع وبدأت ترديد معزوفة الشعب الجميلة : إرحل ، ولأنها تعز فقد قدمت خيرة أبناءها في كل ساحات الوطن ، ولأنها تعز فإنها تعاني الآن جراء محاولة إذلالها ، ولكن أنَّى لها أن تذل وهي (تعز) ، إذا (طأطأت) تعز رأسها فمن (سيرفع) رأسه في هذه الظروف ، إذا (قعدت) تعز فمن (سيقف) ، إذا (صمتت) تعز من (سيصرخ) ، إذا (هادنت) تعز فمن (سينتفض) ، إذا (نامت) تعز من (سيصحو) ، إذا (تهاوت) تعز من (سيشمخ) ، إذا (تقزمت) تعز من (سيتعملق) ، بل إذا (ماتت) تعز وهي قلب اليمن النابض فمن (سيحيا) ليواصل مشوار النضال ؟!

أيها الأغبياء ، هل تدركون من هي تعز ، وأيها المعتوهون ، هل تعرفون معنى تعز ، إنها أرض العز التي رفضت الظلم والضيم منذ قديم تاريخها ، تعز مهبط الثورات ، ومصنع الثائرين ، تعز أرض الثقافة والقوة ، أرض الفن والجمال ، أرض الإباء والشموخ ، فكيف تحاولون إذلالها ، هل تدركون ما مدى غباءكم ، أم أن كثرة غباءكم تخيل لكم أنكم أذكياء ، هل تدركون أنكم تنقشون على صخر ، وترسمون في بحر ، وتحاولون أن تأتوا بما لم يأت به أوائل الطغاة والمستبدين في محاولاتهم لإذلال أرض العز ؟!

رغم القصف تنهض تعز ، رغم (حمَّام) الدم المتدفق تخرج (حمام) السلام لتزغرد في صباح يومٍ تعزيٍ جديد ، لكنها حمام سلام حقيقي ، وليست كغربان الشؤم الذي عاد يحملها نذير الشؤم متظاهراً أنها حمام سلام ، رغم الحصار تخرج تعز في مسيراتها المتواصلة لتعلن أنها عصية على الإذلال وعنيدة في وجه المستبدين ، رغم كل شيء تبقى تعز هي تعز ، ويبقى الأذلاء أذلاء ، ولو تظاهروا بالقوة والعزة ، فالعبد عبد ، والحر حر ، وتعز تبقى دائما...تعز !.

دمعة :

زيد... لماذا فارقتني يا صديقي ؟!

رغم قسوة قلبي عادة إلا أن الصدمة أحياناً تجعل الإنسان حائراً ، بل وخائر القوى ، لا يقوى على الحراك ، فأن أسمع خبراً يقول لي : إن زيد القدسي قد استشهد اليوم في القصف المتواصل على تعز ، فهذا كفيل بأن (يُخدر) كل من عرف ذاك الشاب الجميل !. 

زيد الذي يبلغ من العمر 25 عاماً لم يكن يدري بأن لقائي به قبل أقل من يومين في ساحة الحرية سيكون آخر لقاء بيننا كما لم أدري أنا ، ولو كنت أدري لاحتضنته طيلة اليومين الباقية من حياته ، ولبكيت معه كثيراً ، ولضحكت أكثر لأنه سيذهب لجوار رب العالمين ، لو كنتُ أدري كنتُ سأخبره كم كنتُ أحبه ، كنتُ سأقول له كل ما يختلج في صدري ، كنتُ سأبوح له بكثير من الأسرار و(المقالب) التي عملناها مع أصدقاءنا له ولغيره ، كنتُ سأرسل له عبر (البلوتوث) بأنشودتي الأخيرة والتي طلبها مني ، ولكني قلتُ له أنني مشغول وسأرسلها لك في وقت آخر ، كم كنتُ غبياً ، وكم كنتُ قاسياً ، فلتعد يا زيد ولن أرسل لك تلك الأنشودة فحسب ، بل سأظل أنشد لك وأترنم بحبك طيلة حياتي ، زيد ، عُد إلى الحياة يا صديقي وسأقضي معك كل ثواني العمر ، عُد يا زيد فكل أرجاء حارتنا تنتظرك ، كل أصدقاءك ينتظرون أن تطل عليهم بوجهك الجميل ، وبطلتك البهية !.

لن تنساك تعز وشوارعها التي طفت بها في المسيرات التي كنت تواظب عليها يا زيد ، لن ينساك قلبي يا صديقي ، مليار رحمة تغشاك يا زيد ، وإنا لله وإنا إليه راجعون ، وحسبنا الله ونعم الوكيل !.