شاحن هاتف ينهي ويوجع حياة 7 أفراد من نفس العائلة في السعودية توافق دولي عربي على الوضع في سوريا جدل بشأن عودة السوريين اللاجئين في أوروبا إلى بلادهم بعد سقوط الأسد وزير الدفاع التركي يكشف عن عروض عسكرية مغرية قدمتها أنقرة للحكومة السورية الجديدة ماذا طلب الرئيس العليمي من واشنطن خلال اجتماع عقده مع مسئول كبير في مكافحة الإرهاب؟ قرارات واسعة لمجلس القضاء الأعلى القائد أحمد الشرع يتحدث عن ترشحه لرئاسة سوريا أميركا تطلب من عُمان طرد الحوثيين من أراضيها مؤشرات على اقتراب ساعة الخلاص واسقاط الإنقلاب في اليمن.. القوات المسلحة تعلن الجاهزية وحديث عن دعم لتحرير الحديدة تعرف على ترتيب رونالدو في قائمة أفضل 100 لاعب في العالم
في بضع تساؤلات متداخلة، وقضايا شائكة عالقة حول موقف الجماعة السلفية في اليمن من الأحداث الجارية، والثورة الشعبية السلمية، ومشاركتها في الحياة السياسية اليمنية، وتباين آرائها طبقاً لتعدد تياراتها، ومواقفها إزاء القضايا والمستجدات على الساحة في الشأن المحلي والإقليمي والدولي، ولمعرفة رؤية جناح مهم من أجنحة الحركة والجماعة السلفية المتمثل بجمعية الحكمة اليمانية الخيرية، والذي يعد الكيان الأبرز في الواجهة، والمظلة للسلفيين أجرى – مأرب برس- هذا الحوار الصحفي مع الشيخ الخضر بن عبد الملك الشيباني القيادي السلفي بجمعية الحكمة، وعضو مجلس إداراتها الذي كان له مطلع بزوغ فجر الثورة بصمته التي اشتهرت في تحرير الموقف السلفي من ارتهانه، وخطف الحاكم له بانحيازه لمطالب الشعب، وتسنمه وآخرين شرف الدفاع عن حقوقه وكرامته .
أكمل الشبياني دراسته الجامعية بكلية الشريعة وأصول الدين فرع جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية (سابقاً) جامعة القصيم حالياً ،وحصل على درجة الماجستير من جامعة الجزيرة السودانية في رسالته الموسومة بـ(البعد الديني ومفهوم العولمة) .. وله العديد من الكتابات والدراسات، والأبحاث المطبوعة والمنشورة، ويعمل حالياً رئيس لمركز الكلمة الطيبة للدراسات والبحوث بصنعاء إضافة إلى ترؤسه مجلة المنتدى التي تصدر عنه ،وعدد من الإصدارات القيمة والنافعة فإلى تفاصيل الحوار ..
حاوره : سلمان العماري
* ما هي قراءتكم لمجريات وواقع الأحداث في اليمن ؟
-الحمد لله رب العالمين ،والصلاة و السلام على المبعوث رحمة للعالمين،وعلى آله و صحبه،ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين .ثم أما بعد فإن ما يحصل على أرض بلادنا الحبيبة اليمن لا يخرج عن قراءتين :الأولى : أن الشعب اليمني الأصيل شعب الإيمان،والفقه والحكمة قام وانتفض في جزء كبير منه لأداء فريضة الأمر بالمعروف،والنهي عن المنكر،والقيام بدور الاحتساب في جانب مهم ؛ بل ربما يكون الجانب الأساسي المؤثر على جوانب الحياة المختلفة كلها ألا وهو الجانب السياسي .،وأن المجتمع اليمني الصابر المحتسب جرب طعم الذل، والاستبداد والاستكبار، والعنصرية من مختلف الفئات المتسلطة والمتنفذة ؛ فأدرك أن هؤلاء لن يحققوا له ما يريد ، وأنهم إنما يعبدون دنياهم ومصالحهم الذاتية ؛ فانتفض باحثاً عن قيم العدل ،والحرية ،والكرامة بنفسه دون وصاية أو إملاء من أحد،سوى ثقته بربه ومولاه عز وجل،وفي هذا استجابة لأمر الله عز وجل بقوله:( ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف،وينهون عن المنكر،وأولئك هم المفلحون ).،أما الثانية : فهي داخلة ضمن القراءة الأولى لكنها أخص.فما يحصل هو بلا شك حراك شعبي يؤدي إلى تمايز، وفرز ليس على اعتبار الحزبية أو المناطقية أو المذهبية أو السلالية ؛ بل تمايز وفق اعتبارات المبادئ والقيم والأخلاق،وهذا داخل ضمن سنة التدافع التي قررها الله عز وجل في الكون ،قال تعالى:( ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيعٌ،ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيراً،و لينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز... )الآية .
* كيف تنظرون إلى مستجدات الأوضاع الراهنة في بلادنا ، والتدخل الخارجي الصارخ فيها ؟
- بالنسبة لمستجدات الأوضاع في بلادنا فقد أظهرت لنا خلال الأحداث الأخيرة خريطة القوى في الساحة اليمنية بشكل أكثر جلاء،و بالتالي أصبحت القسمة المخفية تحت الطاولة سابقا أمراً مكشوفاً اليوم ليس فوق الطاولة وفي المجالس المغلقة فحسب ؛ بل على الأرض وفي الميدان ، وما العاصمة صنعاء إلا النموذج لما هو حاصل في بقية البلاد.
وإن مما يصيب المرء بالذهول والحيرة كيف استمر السياسيون وزعماء القبائل ورجال المال والأعمال يديرون مقدرات البلاد بطريقة ( ربحني أربحك) دون حساب لاحتياجات الشعب سوى الفتات وذر الرماد في العيون ؛ دون أن يستطيع أن يوقفهم أو يحاسبهم أحد .
وأصبحت المؤسسات الدستورية المزعومة في غالبها أو معظمها سواء مجلس النواب أو الشورى أو الحكومات أو الوزارات سياجاً متيناً وجداراً صلباً لحماية الفساد وإيجاد المخارج والقرارات الداعمة لاستمرار تسلطهم على البلاد و العباد . أما التدخل الخارجي فقد كررت أكثر من مرة أن هذا ليس جديداً بل حقيقة مثبتة عبر التاريخ القديم والحديث.
ولذلك فينبغي لمن يحمل مشروعاً حقيقياً للتغيير أن يجعل جهده و تركيزه فيما يعمل هو ويعرف كيف يدير إمكانياته والطاقات المتوفرة على أرضه ، ويحسن توفير الدعم لمشروعه إقليمياً أو دولياً دون مخالفة لدينه وعقيدته أو هويته وأخلاقه. ،وفي أثناء ذلك يحذر و ينتبه لخطط العدو التي تريد أن تحرفه عن مساره أو تجعله عميلا و جندياً لخدمة مصالحها هي ، لا مصالح شعبه وأمته .
وإن تكالب التدخل الخارجي على بلادنا بمختلف المسميات فيه دليل على ما ينتظر هذه البلاد من نهضة شاملة ونقلة حضارية كبرى في المنطقة والعالم ؛ إذا استطاعت أن تحافظ على توجيه البوصلة نحو الاتجاه الصحيح في التغيير نحو الأفضل لما فيه بناء الإنسان اليمني .
*ما هو توصيفكم الشرعي للنزاع الحاصل للشعوب في المنطقة العربية مع الأنظمة و الحكّام ؟
- الأصل في النظام السياسي الإسلامي المستقر أن لا يكون هناك نزاع أو خصام بين الحاكم و المحكوم بل تعاون وتكاتف و تناصح يفضي في النهاية إلى حراسة الدين ،والقيام بمصالح العباد الدنيوية ؛ ولذلك فلا بد من تبديل المسميات المستخدمة إلى ألفاظ أقرب إلى اللفظ الشرعي وما يؤدي معناه ؛ وعلى هذا فالأفضل أن تسمى أحزاب المعارضة " أحزاب الاحتساب والمناصحة " حتى تكون أقرب إلى القبول و التأثير ، أما المعارضة من أجل المنافسة السياسية على الكراسي دون استحقاق حقيقي فهذا بحث عن الرئاسة وحب للسلطة والشهرة ليس من ديننا في شيء ( ومن غشنا فليس منا ) والعبرة في النهاية بالأفعال لا بالأقوال وكل يضع نفسه حيث يشاء.
و عموماً فإن سبب النزاع بين الحاكم والمحكوم في البلاد العربية يختلف باختلاف البلاد وأوضاعها ؛ لكننا عندما نتحدث عن البلاد التي ظهرت فيها الثورات الشعبية مثل تونس و مصر وليبيا وسوريا واليمن فيظهر جلياً أن القضية هي استبداد و تسلط ، وإلا إذا سلمنا جدلاً أن الرئيس في وضع بلادنا مثلاً له حق البقاء حتى 2013م ،وأنه لا بد من إجراء انتخابات رئاسية لتغييره فما الذي يفسر ما جرى خلال السنوات والأشهر الماضية من رفض كل محاولات الحلول والمصالحة السياسية المتعلقة بالانتخابات والسجل الانتخابي وإعادة هيكلة الأجهزة الأمنية ،واستقلالية القضاء والتلويح بالتوريث .... الخ .،والإصرار على ذلك جهاراً نهاراً وكأننا في ملكية خاصة .
ثم ما تبع ذلك من جر البلاد إلى مواجهات دامية لا تحرّم فيها النفس المعصومة فضلاً عن الأخلاق والقيم الأصيلة الكريمة .
وأنا أتساءل ألا يستطيع من يتحكم في كل مقدرات الدولة المدنية العسكرية أن يحافظ على أمن واستقرار البد أمام أناس عزل إلا باستخدام الرصاص الحي والمدافع والرشاشات ؟!! بل ويستمر التشبث بالأمر إلى أن يتفرق الجيش إلى موالين للثوار و موالين للسلطة ؟!! ؛ فمن المسؤول عن كل هذا ؟؟ هل هو مطالبة الناس بحقوقهم و دعوتهم لإقامة العدل في بلدانهم أم حب الطرف الحاكم للبقاء في مكان لا يملكه ،وإنما هو مؤتمن عليه ؟!!
سبحان الله ... أليس من حق الشعب الذي عين الحاكم أن يعزله ؟!!!!! إذا استحق ذلك أو ثبت عدم قدرته على الاستمرار في تقديم ما يخدم البلاد و العباد ؟!!!
*ما هو تعليقكم على البيان الأخير الصادر عن جمعية علماء اليمن ؛ وما ردكم على مضامين الفتوى التي خرجت عنه ؟
- هذه البيانات و الفتاوى هي جاءت أيضاً بسبب هذه الفتنة ؛ التي كما فرقت الجيش كما ذكرنا آنفاً ها هي تتعمق محاولة تقسيم كيان فئة من أهم فئات الأمة يفترض أن تكون المرجع في بيان حكم الله وحكم رسوله صلى الله عليه وسلم في النوازل والأحداث ، و تكون صمام أمان بما لديها من الحكمة والرسوخ في العلم والتأني وعدم العجلة لتقديم الحلول السليمة والحكيمة لجميع القضايا التي تمس بالشريعة وتتعلق بحياة الناس .
لكن ما الذي حصل ؟!!! كان لدينا في اليمن جمعية للعلماء لا تقوم بواجبها ، ولا تقدم مبادرة لطرح الحلول إلا عند الطلب الرسمي لها غالبا ؛ سبب ذلك تشكيل نخبة من العلماء و الدعاة وطلبة العلم هيئة أخرى لمتابعة القضايا الإسلامية ومناصرتها ، سميت بعد ذلك (بهيئة علماء اليمن ) وهذه الأخيرة وإن كانت أحسن حالاً و استقلالاً من الأولى إلا أنها لا تخلو من الانتقادات الإدارية لأساليب عملها ؛ لكنها في العموم أدق في تشخيص الواقع وطرح المعالجات كما يظهر ذلك في البيانات التي صدرت منها حتى الآن .
وخلاصة الكلام أنني أدعو إلى إنشاء ( مجمع علمي شرعي) لعلماء اليمن يكون مستقلا في تكوينه وإدارته وموضوعيا في منهجية إصدار الفتاوى والأبحاث الخاصة بالنوازل و غيرها . وإلى أن يحصل ذلك فعلى الناس أن يتقوا الله ويعرفوا عمن يأخذون دينهم و يقتدوا بالعلماء العاملين المعروفين بالورع في الفتية ، وأن لا يجعلوا دينهم محلاً للعب والعبث .
أما بيان جمعية العلماء فقد أجاب عنه البيان الآخر الصادر عن هيئة علماء اليمن بما فيه الكفاية ، ولكنني أود أن أعلق هنا لو أن اجتماع جمعية علماء اليمن كرس جهده للنصح للحاكم وإعانته ورده عن الظلم لكان قائما بدور بطانة الخير التي يجب مناصرتها ومساندتها ؛ ولذلك فأدعو بقية علماء العلماء والمؤيدين لذلك البيان إلى مراجعة الأمر ودراسته ، ليس وفق التأصيل النظري فقط ولكن مع المقارنة بما هو حاصل على الأرض فهذا محل الاجتهاد الحقيقي، والتجديد الشرعي المطلوب .
وأدعو هيئة علماء اليمن إلى البحث في الأسباب المؤدية لإعادة اللحمة بين هذه الفئة و السعي للخروج بصيغة أكثر استقلالاً في تقديم خطاب أهل العلم والدعوة من جميع المدارس و الاتجاهات المعتبرة في هذه البلاد .
أما القول بالأحكام العامة مجردة عن الواقع المعاش ونقلها من بطون الكتب بدون فقه المراحل التي يعيشها الناس فهذه لا تحتاج إلى جمعية علماء،ولا هيئة علماء بل يحسنها طلاب العلم والخطباء في اليمن وعددهم يتوفر بعدد المساجد في البلاد بل يزيد.
والعلماء الربانيين هم عين مبصرة للحاكم وعين للشعب تدل على الطريق الصحيح وتشد على يديه للثبات على الحق وليسوا أعيناً عوراء أو عمياء تقاد بدل أن تقود .
*مصطلح " ولي الأمر " ثمة مغالاة ، وتغييب ، ونكير لمعطياته ، وتنزيله في الواقع فما هو الموقف الشرعي من ذلك ؟
- مصطلح " ولي الأمر " واضح في الكتاب و السنة و في كلام أهل العلم و التفسير و الفقه منذ القدم ، وما حصل التعارض و التباين إلا بعد أن أصبح المنتج الديمقراطي المستورد هو السائد في العمل السياسي .، وهو الذي يملك أدوات الإعلام والتسويق في بلاد المسلمين وينافس المفاهيم والمصطلحات الشرعية .
وعليه فيزول كل التعارض و الإشكال إذا رجعنا إلى تفسير أهل العلم لمصطلح " ولي الأمر " والمراد به : العلماء و الحكام ؛ وذلك باتفاقهم على جعل السلطة العامة في اختيار الحاكم و نواب الشعب في يد الشعب المسلم . واعتماد الآلية المناسبة للتطبيق وفق المواصفات التي تضمن الكفاءة والعدالة والأمانة في المرشحين و اعتبار ما سبق من مسائل الاجتهاد السائغ وليست من المسائل القطعية .
* برأيكم ما هو تأثير الثورات في المنطقة على واقع الإسلاميين ، وتأثر السلفيين ، وتباينهم حولها ، خصوصا في بلادنا ؟
- تأثر السلفيين بما يحدث أمر متوقع ؛ فهم جزء من مكونات الشعوب في المنطقة العربية الإسلامية وقد يختلف العديد من المتابعين في توصيف و تصنيف هذا التأثر.، و الذي أراه إيجابيا حسب ما يظهر لي و الله أعلم ؛ و هذا راجع إلى ناحيتين هامتين :
الأولى : الحراك العلمي و الفكري الساخن الذي أحدثته هذه الأحداث في بيئة الدعوة السلفية ومؤسساتها ؛ بحيث فتحت آفاقاً غير مسبوقة في النقاش و الجدل العلمي و البحث أظهرت مواقف و اجتهادات علمية وفقهية لم تكن معلنة أو لم يرفع بها الصوت من قبل تقديراً لقاعدة المصالح و المفاسد ؛ لكنها أصبحت اليوم بارزة واضحة بأسماء و جهات محددة ومع حدة اللغة التي ظهرت بها بعض الاجتهادات و مواقفها إلا أنها ستعود إلى درجتها الطبيعية بعد استقرار الأمور ووضوحها بإذن الله تعالى .
الثانية : أن هذا الحراك العلمي نتج عنه عند بعض الشخصيات والمؤسسات السلفية توجها بارزاً في الميدان العلمي نحو المشاركة بشكل فاعل في تقديم برامجها و مشاريعها ، ومحاولة الحضور في المشهد الشعبي السياسي ولو بأقل المستويات الممكنة في تقديرها خلال هذه المرحلة . وقد قدم في هذا الإطار مشروعين مهمين حسب متابعتي و هما : رابطة شباب النهضة والتغيير، والائتلاف السلفي اليمني.
سعى الأول للمشاركة في الساحات والمساهمة في ترشيد الخطاب الشعبي وتوجيهه للالتزام بالرؤية الشرعية بشكل أمتن من خلال التواصل مع مكونات الساحة الثورية و التباحث معها حول أفضل الطرق للوصول إلى تحقيق الأهداف المنشودة.
وسعى الثاني إلى استثمار الأحداث الحاصلة لمزيد من التكامل والتنسيق بين مدارس العمل السلفي في اليمن ، ومحاولة الوصول إلى نقلة نوعية للعلاقة بينهما من خلال الفعاليات والبرامج المشتركة و التي نأمل أن نراها خلال المستقبل القريب بمشيئة الله .
*للشريعة الإسلامية موقف صارم من قضية الدماء فكيف برأيكم استهان البعض في معاقرتها و سفكها ، وقتل الأبرياء ، وما الموقف الشرعي من ذلك ؟
- تعظيم الحرمات يأتي نتيجة لما وقر في القلب من الإيمان والتقوى ،و الذين يرتكبون هذه الجرائم قد فقدوا الوازع و غطى على قلوبهم الركون إلى قوتهم و عددهم و عتادهم ؛ وهذا من أعظم أسباب الخذلان أن يركن المرء إلى نفسه و يغيب عنه الركون إلى ربه ومولاه .
ولذلك فإن الموقف الشرعي من هذا الأمر واضح بيّن ؛ فالحفاظ على النفس يأتي في المرتبة الثانية بعد الحفاظ على العقيدة ضمن مقاصد الشريعة الإسلامية ، و قد رتب الله عز وجل على هذا الفعل جزاءً عظيما في الدنيا وهو القصاص ، وفي الآخرة وهو الخلود في نار جهنم والغضب واللعنة من الله عز وجل والعياذ بالله . قال تعالى : ( ومن يقتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه و أعد له عذاباً عظيماً) .
فليتوقف هؤلاء وليتوبوا إلى ربهم و ليعلموا أن ما عند الله خير وأبقى وإلا فسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون .
ولا ينبغي في هذا السياق الخلط بين حماية الأمن والاستقرار للبلاد ،و التعدي على الآمنين ،و العزّل الذين يمارسون حقهم في إنكار المنكرات ،ومكافحة الفساد وفق ما ضمنه لهم دستور هذه البلاد ؛ وهذا الخلط لا يستفيد منه سوى أصحاب المصالح الذاتية ،و الذين يريدون الشر و الفرقة بين أبناء هذه البلاد .
*مؤخرا راوحت الثورة مكانها في بلادنا بفعل المبادرات،و البحث عن ضمانات للحاكم ، والنظام تخوفاً من محاكمته ،كيف تقرأ هذا الأمر ، ووجهة مسار الثورة،و تحولات الأوضاع في بلادنا ومألاتها ؟
- يقول الله عز وجل : ( و عسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم ،والله يعلم وأنتم لا تعلمون ) ويقول عز وجل عن بعض أنبيائه : ( ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسني السوء ) .
صحيح أن الوقت قد طال و المعاناة تتفاقم يوماً بعد يوم لكننا نرضى ونسلم بقضاء الله و قدره أولاً ؛ ثم نقول هل كان من الممكن أفضل مما حدث ؟؟!!!
والجواب الذي أراه حسب نظري القاصر أن ما يحصل هو أقل ضريبة مما لو تم الأمر بطريقة المواجهة المسلحة المباشرة ، أو بطريقة الزحف الثوري السلمي التي تكلم عنها بعض الثوار ، فكلا هاذين الأسلوبين لا يتوافقان مع تركيبة الشعب اليمني الاجتماعية وطريقة بناء التحالفات فيه ؛ فلعل تأخر الوصول إلى التغيير يعطي المزيد من التهيئة ويختصر الكثير من المعاناة بعد استقرار الأمور ، وإن كنت ما زلت أدعو وأكرر الدعوة إلى عقلاء اليمن أن يستخدموا عقولهم لإيجاد مخرج حقيقي يجنب البلاد ويلات التفرق والحرب الداخلية فهذه وظيفة العقل الحقيقي واستحقاق الترؤس على الخلق وقيادتهم .
*ما هو الدور الذي يجب أن يضطلع به العلماء، و لماذا تغيّب عن المشاركة في وضع الحلول ، والمعالجة وماذ ا؟ عن موقعهم في المرحلة القادمة ؟
-القول بأن العلماء غائبون عن المشاركة في المشهد قول مجانب للصواب ؛ بل إن مشاركة العلماء في المرحلة الحالية من الظهور بحيث أنها شاركت في صناعة التحولات ،و المحاور في حركة الانتفاضة الشعبية في اليمن . وما الجدل الدائر حول اجتماعات العلماء وبياناتهم إلا دليل على عظم تأثير مواقفهم في حركة الميدان وقد سبق الإشارة إلى شيء من ذلك.
* السلفيون و الثورة في اليمن ، وباقي دول المنطقة .. ما هو تقييمك لمواقفهم ، ولم غاب الدور ، والفعل ،وتخلّف " الائتلاف السلفي " عن الأحداث في الآونة الأخيرة ؟
- لم يغب السلفيون سواء في اليمن وباقي دول المنطقة عن الأحداث الحاصلة في المنطقة ؛ لكن ينبغي لمن يريد أن يقيم دور السلفيين ومواقفهم أن ينطلق من المنهجية السلفية في التعامل مع الحكام ، وهذا يفسر وبشكل واضح تنوع اجتهادات المدرسة السلفية تجاه الأحداث الواقعة في المنطقة ، و الذي أراه أن الموقف السلفي لم يظهر بالشكل الملفت للنظر لاعتماده على عدة مقومات رئيسة هي :
أولاً: الاعتماد في التعامل مع الحكام على المناصحة والتذكير بدلاً من التشهير ؛ و هذا ما قام به عدد من العلماء و الدعاة السلفيين في أكثر من مناسبة ولقاء هم مع الرئيس سابقاً وفي الأحداث الأخيرة ، وإلى ما قبل حادثة مسجد الرئاسة كان هناك حالات متعددة لتقديم النصيحة والمشورة أداء للأمانة وسيراً على منهج السلف في ذلك .
ثانياً : الاكتفاء بالدخول ضمن بيان هيئة علماء اليمن كموقعين أو المشاركة في الوفود التي التقت بالرئيس بصحبة مشايخ القبائل أو منفردة باسم العلماء ؛ وهذه لم تكن تظهر باسم اتجاه دون الآخر وإنما باسم العلماء ومشايخ القبائل.
ثالثاً: ضعف البروز السياسي السابق للسلفيين سواء من خلال حزب سياسي أو منظمة سياسية أو حقوقية محددة لم يتح لهم الحضور الإعلامي الكافي و جعلهم تبعاً لغيرهم في ذلك . وإن كانت بعض الروابط التي أنشئت لترشيد الساحات كما أشرنا آنفاً وروابط العلماء قد غطت جزءً من القصور في ذلك وإلى حد ما ، لكنه يحتاج إلى مزيد من التطوير والإثراء .
* لماذا برأيك لم يحسم السلفيون مسألة المشاركة في الواقع المحلي ، وخوض غمار العمل السياسي في اليمن ؟
- بالنسبة للمشاركة في العمل السياسي فاعتقد أنه ينبغي التفريق بين شكلين من أشكال المشاركة :الشكل الأول : المشاركة غير المباشرة من خلال المرشحين الأكفاء والمؤهلين خاصة في الانتخابات البرلمانية والمحلية وهذه قد تم حسم المشاركة لدى القطاع الغالب في المدارس السلفية ، وانتقلت الاجتهادات من حيز القول بأنها من المسائل القطعية إلى المسائل الاجتهادية ، وبالتالي شارك السلفيون في الانتخابات السابقة على هذا الأساس باستثناء بعض المدارس التي ترى حرمة المشاركة في هذه العملية من الأصل، وهذه لها حجج ليس هذا محل النقاش فيها .
الشكل الثاني : المشاركة المباشرة من خلال حزب سياسي أو تحالف مع أحزاب قائمة ، وهذه مرحلة أعتقد أن إرهاصاتها قد بدأت فعلاً ، وأن هناك مخاضاً سلفياً بدأ يظهر و يتشكل لكن ليس لدي جواب محدد الآن من الذي سوف يمثله ومتى سينتهي هذا المخاض ليظهر الوليد الجديد.
لكن التحدي الأساسي في هذا الأمر هو تقديم حزب سياسي يقدم حركة ذات رؤية متميزة داخل العمل السياسي في اليمن وتقديم نموذج حقيقي قادر على التعامل مع مكونات البلاد وفق المبادئ والقيم التي تحافظ على هوية البلاد وعقيدتها الإسلامية ، ووفق احتياجات الناس الاقتصادية والاجتماعية في ظل احترام كرامة الإنسان وحريته في الحياة والحركة في مختلف الميادين .
ولذلك فإن الرؤية السلفية للعمل السياسي تعتمد على منطلقات وثوابت يمكن أن تكون سبباً للاستيعاب و القبول لدى فئات متنوعة من الشعب اليمني ، بل لا أعتبر نفسي مبالغاً إذا قلت أن نسبة كبيرة من الأغلبية الصامتة يستطيع أن يحوزها الخطاب السلفي الجديد إذا أحسن تقديم نفسه بالشكل و القالب المناسب و بالتوقيت والمكان المناسب ، ونرجو أن نرى ذلك في وقت قريب .
* ترى ما هي عقبات و عوائق اكتمال وحدة الفصائل السلفية العاملة في الساحة اليمنية ، وهل من دور يقوم به الائتلاف في المعالجة ،وتعزيز الوحدة المؤسساتية والعملية باعتباره الجامع و الحاضن مؤخراً ؟
- ليس هناك من عقبات سوى ما يسمى بالحواجز النفسية ،و حب الاستئثار بالتميز والنجاح ؛ وهذا موطن ابتلاء و امتحان للسلفيين وغيرهم نسأل الله عز وجل أن يطهر قلوبنا من حب الدنيا و شهوتها ..،وبحمد الله فقد شهد الملتقى السلفي العام الثاني المنعقد في محافظة تعز في شهر رجب من هذا العام 1432هـ الإشهار الرسمي للائتلاف السلفي اليمني بمشاركة أكثر من 80 مؤسسة دعوية في اليمن على رأسها جمعية الحكمة اليمانية ومركز دار الحديث بمأرب ؛ وهذا إنجاز ينبغي أن يساند ويدعم و يسعى للبدء بخطواته العملية من خلال هيئه الرئاسة للأمانة العامة التي كلفت بذلك ،وقد سمعنا أخبارا مبشرة لعل ثمارها تظهر في الميدان خلال وقت قريب إن شاء الله .
* رسائل إلى من تبعث بها ، ولمن في جميع أطراف ومركز القوى في بلادنا ؟
- الرسالة الأولى : إلى الشعب اليمني الصابر أقول فيها : التقوى مفتاح الحل و الفرج ( ياأيها الذين أمنوا إن تتقوا الله يجعل لكم فرقاناً و يكفر عنكم سيئاتكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيماً )
الرسالة الثانية : إلى شباب الساحات وميادين التغيير : اتقوا الله واصدقوا النيات واحرصوا على تزكية النفوس بالقرب من الله تعالى : ( قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها ) وقال تعالى : ( واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا ) .
الرسالة الثالثة : إلى رجال الجيش،و الأمن بمختلف فئاتهم ومسمياتهم : قبل أن تنظروا إلى رضا المخلوق انظروا إلى رضا الخالق ، واعلموا أن كل فرد سيحاسب وحده بعيدا عن قادته وأحبابه في الدنيا ؛ فقدموا لأنفسكم ما تريدون رؤيته في الآخرة أمامكم و خذوا بوصية ربكم القائل : ( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله و كونوا مع الصادقين ) . وكونوا درعا لحماية البلاد من التفرق والشتات .
الرسالة الرابعة : لرجال الإعلام بمختلف وسائلهم : قد أعطاكم الله عز وجل فرصة لتكونوا مفاتيح للخير ومغاليق للشر ودعاة للحق و الخير فلا تستبدلوا ذلك بأن تكونوا أبواقاً للفساد والإجرام ،و احذروا أن تكونوا سببا لنشر الشائعات الكاذبة والأخبار الزائفة من أي طرف كان ، ورب كلمة لا يلقي لها الإنسان بالاً تهوي به في النار سبعين خريفا ورب كلمة لا يلقي لها الإنسان بالاً ترفعه إلى الدرجات العالية في جنان الخلد .
كلمة أخيرة أوجهها إلى أبناء الشعب اليمني قاطبة: مذكراً لهم بقول الله عزو جل ( واعتصموا بحبل الله جميعا و لا تفرقوا ) و لذلك فلا بد أن تكون جميع الحلول و المعالجات للخروج مما نحن فيه من الفتنة منطلقاً من كتاب الله و سنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، فمن أرضى الله بسخط الناس رضي الله عنه وأرضى الناس ومن أرضى الناس بسخط الله سخط الله عليه و أسخط الناس .. الله.. الله أن نعود إلى ربنا و نتوكل عليه في السراء و الضراء .. و الله من وراء القصد و هو الهادي إلى صراطه المستقيم .