تحية للشعب التونسي
بقلم/ د.عائض القرني
نشر منذ: 13 سنة و 10 أشهر و 25 يوماً
الإثنين 24 يناير-كانون الثاني 2011 08:57 م

مدح الله الشجعان الأقوياء فقال (وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ) وقال عمر الفاروق: يعجبني الرجل إذا سيم الخسف أن يقول بملء فيه: لا، وقال للمستبدين: متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا؟ خرج الشعب التونسي رجالا ونساء، كبارا وصغارا، بعد أن طفح الكيل وبلغ الظلم مبلغه والقهر حده، والكبت منتهاه، خرجوا لا يفكرون في الموت ولا يرهبون الرصاص ولا يخافون العواقب كما قال شاعرهم أبو القاسم الشابي:

* إذا الشعب يوما أراد الحياة - فلا بد أن يستجيب القدر

* ولا بد لليل أن ينجلي - ولا بد للقيد أن ينكسر

* ومن يتهيب صعود الجبال - يعش أبد الدهر بين الحفر

* خرج التونسيون الأبطال يقولون للظلم: لا، ويقولون للقهر: كلا، ويقولون للاستبداد: كفى، ويقولون للطغيان: انتهِ، تحية إجلال وشكر وعرفان وتقدير وإعجاب لكل تونسي وتونسية اندفعوا إلى الشارع بعد ما ذاقوا صنوف الإذلال، وتجرعوا غصص الهوان، واحتسوا كأس المرارة، انفجروا فجأة كما ينفجر البركان، ثاروا مرة واحدة كما يثور البحر الصاخب الهائج المائج، لا الحديد يردعهم، لا السلاح يخيفهم، لا الرصاص يهزمهم، لا النار ترهبهم، لأنهم يريدون الحرية والكرامة والخبز والاستقلال والأمن، شكرا من كل أحرار العالم وعقلاء المعمورة وأشراف الدنيا للشعب التونسي الذي عزم وصمم أن يستعيد إنسانيته المسلوبة، وأمواله المنهوبة، وحقوقه المنتهكة، ليعيش حرا أبيا مستقلا في فكره وكلمته ومستقبله وأرضه، وفي الأخير يخرج عليهم ابن علي ليقول لهم: فهمت عليكم الآن، وهذه الكلمة جاءت في الوقت الضائع كاللاعب الذي يسجل هدفا بعد انتهاء المباراة، وقد رفض الله عز وجل هذه الكلمة من فرعون لما قال بعد ما غرق: (آمَنْتُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ) ولكنها كلمة جاءت في الوقت الضائع المهدر، فكانت باهتة سخيفة لا قيمة لها، فقال الله له: (آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ) أي لا تنفعك ولا تنجيك، إن الشجاع القوي الصادق محبوب من كل عقلاء الدنيا، ولذلك خرج الرئيس الأميركي باراك أوباما يحيي شجاعة التونسيين واستردادهم لكرامتهم، ويحييهم أيضا الرئيس الفرنسي وكل حر عاقل يقول لهم: عاش الإباء، عاشت البطولة، عاشت الشجاعة. مبارك هذا القرار المجيد من الشعب التونسي، لقد تكلم المفكرون والكتاب عربا وعجما، شرقيين وغربيين، عن الظروف التي كان يمر بها شعب تونس، وكنت أستمع لترجمة كتاب لكاتبة فرنسية يتكلم عن الحالة في تونس فإذا الشعب التونسي يعيش الحرمان، والبطالة، والجوع، والكبت، والقهر، والإذلال، ومصادرة الحقوق، وسلب الحريات، وحجب المعلومة، ومحاولة عزله عن العالم، وفتح السجون والمعتقلات له، بل أصبحت الدولة كلها سجنا كبيرا، حينها نفد الصبر، وانتهى الانتظار، وفار التنور وغلا القدر ثم وقع الزلزال، وهذه سنة الله في عباده ولن تجد لسنة الله تبديلا.