حائط المبكى.. اليمني
بقلم/ خالد عليان
نشر منذ: سنتين و 7 أشهر و 14 يوماً
الأحد 15 مايو 2022 05:20 م
 

يومياً نقف امام حائط المبكى نردد تراتيل الحزن وننعي الراحلين بجمل مبللة بالدموع ، لا شيء أكثر قسوة من هذا الحائط المليء بفواجع الأيام وأحزان العمر .
فما أقسى الساعات التي يقضيها ما يزيد عن سبعة ملايين يمني بشكل شبه يومي أمام حائط ازدان بأحزانهم وأوجاعهم .
يتوشح السواد بشكل لافت حائط المبكى اليمني ويضم صور المتوفين من الأهل والأقارب التي تعددت أسباب رحيلهم وبقي الحزن منشورا أمام الجميع
يا له من رحيل ُمر لم تعد تتسع له أسرة واحدة ولا حارة واحدة ولا قرية صغيرة ولا حتى مدينة بحجمها حتى غدى يزاحم مدنا ودولاً بل وعالماً فسيح الأرجاء.
ليس الموت فقط هو ما يعلق على حائط المبكى اليمني ويتشاركه أبناء البلد التي دمرتها الحرب منذ سنوات ثمان وتصدعت على إثرها العلاقات الاسرية والمشاعر الأخوية والعادات القبلية الحميدة فهناك على الحائط خدوش من تبادل الاتهامات وتدوير الصراعات ، وتعالي أصوات الخصومات حتى لكأنه خصام الأيادي لا الكلمات ، كل يوم تفوح من الحائط رائحة التخوين والتشكيك والطعن في الاقوال والأفكار حتى قد يصل الحال الى الأعراض والدين .
فلقد مثل "الفيس بوك " لليمنيين حائطا للبكاء والتباكي والشكاوى والتشاكي والتعبئة ضد بعضهم حتى قد يجبر البعض للجوء إلى الحظر والحذف أو الابلاغ أو قد يجر البعض للسجن او الاعتداء وغير بعيد الاغتيال .
ومما يؤسف له ان يتدخل فريق "مارك" امام سيل ما ينشر من صور خادشه للمشاعر ومثيرة للخوف والرعب وأمام جمل سيئة التداول ما يجعل حسابات البعض تعلق لأسابيع وشهور، هذا بعيدا عن أساليب عجيبة لم تنشأ من اجلها هذا الايقونة الاتصالية ومن ضمنها انتحال أسماء شخصيات والظهور بمسميات غير حقيقية وتلبس الرجال بالنساء، واستدعاء الطائفية والمناطقية واحيانا التهديد والوعيد و التهكير والسرقة والنشر لصور العوائل وخصائص المنازل .
لقد بات كل شيء على المكشوف ودون وعي لما ينشر وما لا ينشر ويصدمك أن تسمع او تقرأ جملاً كان اباؤنا يعدونها من مخارم المروءة وسوء التربية فتجدها أصبحت جمل التحية وكلمات الصداقة وعنوان متانة القربى وفلسفة الحياة الجديدة
إن حائط المبكى اليمني الذي تحول الى مزار للتعازي وايقونات الحزن ودموع
(الإيموجي) يجعلنا نسأل عن العالم من حولنا كيف يتعامل مع الفيس بوك (Facebook) هذا الموقع الإلكتروني الأكثر شهرة في العالم والذي ينافس كبرى شركات صناعة المحتوى ؟ كيف يستفيد الناس مما يكتنز هذا الموقع الغني بمحتوى ضخم سواء كتابي أو مرئي والذي يعد ثاني أفضل موقع في العالم من حيث الترتيب بعد جوجل (Google) ويستخدمه سكان الأرض في اهتمامات متعددة سواء إخبارية أو تعليمية أو علمية أو تاريخية أو ترفيهية أو تسويقية ويمكنك من التواصل مع آلاف الأشخاص الذين يمكنك الاستفادة منهم وتكوين العلاقات وفتح آفاق لعمل جديد ، كما يستخدمه الكثير من الناس في البحث عن فرص عمل لأن الكثير من المؤسسات والشركات الضخمة تلجأ للفيس بوك للترويج لمجالات أعمالها.
لقد برز في الآونة الأخيرة وتوفر في بعض الدول استخدام (الفيس بوك) كسوق حرة لترويج البضائع وفتح افاق تجارية واسعة وتحويل الأموال
واصبح بإمكان أي شخص أن يقوم بالترويج لعلامته التجارية من خلال القيام بنشر الإعلانات للسلع والبضائع الخاصة به وحتى قياس رأي الجمهور .
مثلما نستخدم الفيس بوك نحن في نشر الأحزان يمكن أن نعلم أنه واحدة من أشهر وسائل التسلية والترفيه والترويح عن النفس، فهو يوفّر العديد من الألعاب المجانيّة، والمجموعات الترفيهية هذا غير الحديث عن أهميته في التعليم والمعرفة .
من الصعب في مقال واحد حصر الفوائد الجمة التي أصبح هذا الموقع يقدمها وهو لا يعدم أيضا أن نتحدث عن وجود مضار له لا سيما فيما ينشر فيه ويروج من خلاله لبعض الأفكار او المواقع او المعلومات المغلوطة في مناحي متعددة ، لكن الشاهد الأساس في هذا المقال هو الحديث عن استخدام هذه الوسيلة فيما يقدم الفائدة للجميع والنأي عن استخدامه في أغراض تفسد القلب وتباعد بين أي فرصة للقاء او خطوة للوصول إلى اتفاق لاسيما في وضعنا المعقد في اليمن .
إننا وليس تعميما نعيش حالة من الجدل وازدراء أراء الآخرين والطعن فيها لدرجة تزكم الأنوف وعلينا أن نراجع حساباتنا في تناولاتنا وردودنا وتعاطينا مع المواضيع من حولنا .
واختم حديثي بما ذكرته إحدى الدراسات المتخصصة في معرفة ما يشغل المنطقة العربية ولاسيما الجوار عبر وسائل التواصل الاجتماعي فقد أوضحت دراسة بحثية أن المجالات التي يتم التحدث عنها بكثرة في الوطن العربي بشكل عام على (السوشل ميديا) ومنها (الفيس بوك ) هي: مواضيع السفر والتسوق والموضة ، الطعام وما يتعلق به ، والألعاب والتسويق وبيع الخدمات .

ولعلنا نضع السؤال الذي بدأنا به أين نحن من هذا العالم القريب منا وكيف نستخدم الوسائل الاتصالية الحديثة وهل نفكر بما ننشر أو نكتب أو نتناول ؟
سيبقى الحائط اليمني خاصاً حتى تتغير الأحول أو تتبدل الثقافات ونجده حائطا للنجاح والتغيير والفرح والابتكار والتجديد لا حائط بكاء وحزن وفراق .