نساء أفغانستان.. جينز وماكياج وعطور تحت البرقع الأزرق
بقلم/ محمد الشافعي
نشر منذ: 17 سنة و 3 أشهر و 24 يوماً
الإثنين 27 أغسطس-آب 2007 10:07 ص

تسعى المرأة الأفغانية منذ سقوط حركة طالبان الاصولية عام 2001 من أجل دور أكبر في بناء المجتمع المدني والمشاركة السياسية.

فبعد عقود من حروب المجاهدين، وضروب الاضطهاد الذي لحق بشعبها، حرمت فيها النساء الأفغانيات من حقوقهن الإنسانية في التعليم.. أصبح البرقع الأزرق وكأنه صورة من صور ا لعبودية تضاهي قضبان السجون في رمزيتها. ويتركز عمل النساء، والدولة على حد سواء، حول خلق الفرص الاقتصادية، وإعادة الفتيات الى المدارس التي حرمها طالبان، وإتاحة الرعاية الصحية لهن.

ويعتبر الدستور الذي أقره مجلس زعماء العشائر المعروف باسم «لويا جيرغا» في 4 يناير (كانون الثاني) 2004، أهم الإنجازات السياسية في مجال ضمان توفير حقوق الإنسان بالنسبة للمرأة الأفغانية وتأمين مكاسبها المدنية والاجتماعية، لأنه يضمن المساواة في الحقوق لكل المواطنين، رجالا ونساء. وخصص الدستور الجديد 25 في المائة من مقاعد مجلس النواب و17 في المائة من مقاعد مجلس الأعيان للنساء. ويضم مجلس الـ«لويا جيرغا» الدستوري حاليا 102 امرأة من مجموع أعضائه وهم 500 عضو. كما تضم اللجنة التي وضعت مسودة الدستور، والمكونة من تسعة أعضاء، سيدتين، وهناك سبع نساء من أصل 35 عضوا في لجنة مراجعة الدستور. وحينما سيطرت حركة طالبان على الحكم عام 1996 منعت التعليم للنساء، بل حتى البنات الصغيرات في السن. وطردت النساء من معظم الوظائف خارج البيوت وأجبرتهن على تغطية وجوههن بارتداء البرقع. وفي حي شهرانو بوسط العاصمة كابل، ويعني بالبشتو «المدينة الجديدة»، تعرفت قبل عام على مطاعم راقية وبوتيكات فخمة ومحلات بيع عطور تفوح منها روائح «شانيل» و«ماجيك»، و«كريستيان ديور»، و«نينيا ريتشي»، و«بويزن»، و«بلو»، والمسك، والعود. وداخل البوتيكات ومحلات بيع ادوات التجميل كانت هناك مبرقعات وافغانيات يرتدين الجينز تحت البرقع يخترن من تشكيلة واسعة من بلوزات واقمشة بالوان جذابة، وادوات تجميل. وعلى اطراف حي شهرانو تتناثر مكاتب المنظمات غير الحكومية والهيئات الدولية، وفيلات تحولت الى فنادق صغيرة تماشيا مع لغة «البيزنس» لاستضافة الوافدين الجدد من اعلاميين وموظفين في الهيئات الدولية. وتحسنت أوضاع المرأة الأفغانية بشكل لافت للنظر منذ سقوط حكومة طالبان التي حرمت تعليم البنات، وتولي الرئيس حميد كرزاي السلطة في عام 2002، فقد استحدثت وزارة لشؤون المرأة، كما شاركت نساء أفغانيات في الـ«لويا جيرغا» ومناقشة الدستور الأفغاني الجديد، فضلا عن عودة النساء للعمل في الدوائر الحكومية. ويعد لافتا للنظر وجود نساء يعملن في سلك الشرطة والقضاء في أفغانستان، ولا تقتصر هذه الظاهرة على العاصمة كابل فقط، بل شوهدت في أقاليم البشتون المعروفة بتزمتها وتمسكها بالعادات والتقاليد، فمكتب مكافحة المخدرات في قندهار زاخر بضابطات شرطة في عمر الورود. من جهته يقول خبير الشؤون الافغانية مازن سيد احمد، وهو من عرق البشتون، في اتصال هاتفي اجرته معه «الشرق الاوسط» امس: «تتشكل شريحة النساء البارزات في الساحة الأفغانية من نماذج مختلفة، فهناك الشابة العشرينية ملالي جويا التي كرمها الرئيس الفغاني بوسام رفيع، نظرا لشجاعتها بعدما قامت بالهجوم على من أسمتهم أمراء الحرب في أفغانستان (قادة الجهاد السابقين) أثناء احدى جلسات نقاش الدستور واتهمتهم جويا باستخدام القوة لإرهاب الأفغان وأنه لا سبيل للتقدم الديمقراطي في وجودهم. كما أن هناك مثال السيدة فاطمة جيلاني، رئيسة الهلال الأحمر الافغاني، وزوجة الدكتور أنور الحق أحدي وزير المالية، والسيدة فاطمة تنحدر من أسرة أفغانية مثقفة، ويعد والدها زعيما روحيا للمتصوفة الأفغان أتباع الطريقة الجيلانية، وهي تستحق منصبها رغم اعتراضات البعض على وجودها وزوجها في مناصب عليا، ومثلها ايضا نموذج السيدة شكرية باركزاي رئيسة تحرير أول صحيفة نسائية في أفغانستان وهي صحيفة «آيناي زان» أو «مرآة المرأة» وهي برلمانية معروفة تدير صالونا ثقافيا يحضره ابناء النخب السياسية والمتعلمون من صحافيين واعلاميين، وهناك أيضا السيدة سيما سمر رئيسة المنظمة الأفغانية لحقوق الانسان والتي عملت في هذا المجال في عدة دول أوروبية وأفريقية. أما النموذج الأخير فهو لنساء أمثال السيدة مسعودة جلال عضو البرلمان ووزيرة سابقة لشؤون المرأة في حكومة كرزاي، ويعلم المراقبون للشأن الأفغاني أن مسعودة استفادت جيدا من وجود منظمات دولية تراقب وضع المرأة الافغانية بعد سقوط طالبان، واستطاعت أن تدفع بنفسها كوجه لمرأة محافظة تخوض غمار اللعبة السياسية والحقوقية رغم الصعاب والمجتمع الذكوري».

ويوضح مازن:«يضم التشكيل الوزاري الحالي في أفغانستان مرأة واحدة كوزيرة لشؤون المرأة هي الدكتورة حسن غضنفر، ويبدو أن تدهور الوضع الأمني الحالي أثر سلبا على تمثيل الحكومة في الوزارة، لما فرضه على كرزاي من تحالفات جعلته يهمش المطالب الدولية بالمساواة، لكن البرلمان الأفغاني الذي انتخب عام ألفين وأربعة ففيه ثلاث نساء مقابل كل سبعة رجال نواب عن الشعب في المجلس التشريعي الأفغاني».

ويقول :«نجحت التجربة الديمقراطية الأفغانية القصيرة في ابراز دور المرأة الأفغانية التي تقدمت لتتخذ موقعها في العديد من المجالات التي ما زالت قاصرة في الشرق الأوسط على الرجال، لكن هناك اشكاليتين، الأولى في الضغط غير الممنهج الذي تمارسه المنظمات الدولية، فقد التقيت وفدا من النسوة الايطاليات في كابل قبيل الانتخابات البرلمانية مع مشروع حملنه لإرغام الحكومة على تخصيص 50% من مقاعد البرلمان للنساء، وعندما سألت السيدات عن نسبة النساء في البرلمان الايطالي أجبن بأنها لا تتعدى العشرة في المائة، ولكنهن استدركن أن المرأة الايطالية تأخذ حقها في التعليم والتوظيف وغيره، فأبديت لهن اندهاشي من وجود كوادر نسائية مؤهلة في ايطاليا ورغم ذلك لا يشغلن أكثر من عشرة في المائة من البرلمان الايطالي، في حين أن المرأة الأفغانية التي لم تغادر منزلها إلا إلى بيت زوجها من المفترض أن تشكل نصف المجلس التشريعي الأفغاني، وأعتقد أن الأولوية يجب أن تكون لتعليم البنات ومحو أمية النساء اللاتي سيتقدمن بأنفسهن ليشغلن المواقع الأمامية بدون الحاجة إلى دفع كوادر غير مؤهلة في مناصب حساسة.

وتضم الحكومة الأفغانية الحالية وزيرتين، وزيرة شؤون المرأة ووزيرة الصحة. كما تتولى سيدة رئاسة لجنة حقوق الإنسان الأفغانية وهي لجنة مستقلة، بالإضافة إلى تولي نساء كثيرات أخريات مناصب قيادية في القطاع الخاص. وقد أنشأت وزارة الخارجية الأفغانية مكتبا خاصا لحقوق الإنسان وشؤون المرأة والصحة لمتابعة برامج المرأة. كما أنشات وزارة التجارة الأفغانية قسما خاصا لمساعدة المرأة على تأسيس المشروعات التجارية الخاصة. وتعمل لجنة حقوق الإنسان الأفغانية من أجل ضمان حقوق الملكية للمرأة عبر توعية النساء بحقوق ملكية للمرأة التي يضمنها الإسلام. كما تعمل على مساعدتهن في الحصول على المساعدة القانونية الضرورية من خلال اتباع إجراءات جديدة إدارية وقضائية أكثر وضوحا وشفافية.

فيما أنتجت بعض النساء العاملات في مجالي الصحافة وصناعة السينما فيلما وثائقيا بعنوان «أفغانستان بدون نقاب» أو «الكشف عن أفغانستان» الذي يدور حول الانتهاكات ضد النساء التي ارتكبها نظام طالبان، كما أنتجن فيلما آخر بعنوان «النساء في السياسة» حول المشاركة السياسية للمرأة من خلال ترشيحها في الانتخابات ومشاركتها في التصويت. ولكن اليوم في مزار شريف، وهي رابع أكبر مدن أفغانستان من حيث عدد السكان، ويبلغ عدد سكانها 300 الف نسمة حسب التقديرات الرسمية لعام 2006، ثورة في البيزنس الحريمي، بعد ان افتتحت خمس نسوة فيها خمسة متاجر يدرنها بأنفسهن. وما حدث هو من نوع الانقلاب على الموروث التقليدي. وتبيع هذه المتاجر اللوازم النسائية من ملابس داخلية وادوات ماكياج وعباءات حريمية وبراقع زرقاء للنسوة اللاتي ما زلن يرفضن المتغيرات الجديدة. وترتفع مزار شريف، وهي عاصمة ولاية بلخ، فوق سطح البحر حوالي 380 مترا. وترتبط بالعاصمة كابل بخط بري يبلغ طوله 320 كلم وكذلك لها طرق تربطها بمختلف المدن الأفغانية، كما يصلها بكابل خط طيران داخلي، وغربها تقع مدينة هرات، وشمالها أوزبكستان. وتعتبر أراضي مزار شريف من أخصب الأراضي الأفغانية، وتشتهر بزراعة القطن والذرة ومختلف أنواع الفاكهة، وتروى من مياه نهر بلخ. وقامت فيها بعض الصناعات الخفيفة التي تعتمد على غزل القطن وصناعات أخرى بدائية أهمها صناعة الحرير.

ولمزار شريف أهمية خاصة لدى الشيعة في العالم عموما، وشيعة أفغانستان على وجه الخصوص، الذين تبلغ نسبتهم ما بين 10 ـ 15 في المائة تقريبا من تعداد السكان (27 مليون نسمة). فبعض الشيعة يعتقدون بأن جثمان الإمام علي بن أبي طالب مدفون في مزار شريف بعد أن أخفي عقب مقتله في الحرب التي دارت بينه وبين معاوية بن أبي سفيان خوفا من التمثيل به.

وتقول رقيبة، 40 عاما، المسؤولة عن إدارة أحد المحلات النسوية في مزار شريف ان الافغانيات يأتين اليوم بدون محرم لشراء ما يرغبن فيه بدون حرج من الرجال الذين يمنعون من الدخول، مشيرة الى انها استثمرت 500 دولار أخيرا في المتجر لشراء لوازمه من ملابس نسائية وادوات ماكياج بسعر الجملة، ولكنها اليوم عرفت طعم الارباح. وتضيف ان اكثر ما يضايقها هو محاولة الرجال الذين يحضرون امام متجرها السخرية منها ومن زميلاتها، لانهن دخلن عالم البيزنس، ولكنها تتغاضى عن تلك المحاولات التي تصفها بـ«السخيفة». وتعترف بان دخول السيدات الافغانيات عالم الأعمال في تجارة الاقمشة وادوات التجميل والاغذية ربما هو ضرب من الجنون عند البعض، مشيرة الى ان هناك بعض العلماء يعارضون خروج المرأة جنبا الى جنب للعمل وكسب الرزق، وهناك البعض الاخر لا يعترف بسنة التغيير في المجتمع. وهناك اليوم في كابل نساء يتعلمن قيادة السيارات وبعض منهن تحت إلحاح أزواجهن لمساعدتهم في تسيير شؤون الأسرة. وبعضهن فتحن حسابات مصرفية. وأصبح للنساء حضور في عروض الدردشة على شاشات التلفزيون ويقدمن تقارير عن الطقس وأخبارا أخرى.

وكانت الوكالة الأميركية للتنمية الدولية قد اطلقت مبادرة المشروعات الصغيرة لدعم مشاريع تنفذها سيدات أعمال أميركيات وأفغانيات وتركز على الصناعات اليدوية أو الحرفية الأفغانية وأساليب الإنتاج. وسوف يساعدهن البرنامج على تصميم وتصنيع منتجات في أفغانستان يمكن تسويقها في الولايات المتحدة. وسعيا لتمكين المرأة الأفغانية تم أيضا إطلاق برنامج مشاريع الائتمان الصغير لمساعدة النساء على إنشاء مشروعاتهن الخاصة. كما وتم إنشاء ورش عمل للتدريب على المهارات ومحو الأمية للأرامل والنساء اللواتي يتولين إعالة الأسرة، وتعليمهن كيفية العناية بالحيوانات الداجنة، والتدريب على الحياكة، وتخزين وحفظ المواد الغذائية ومنتجات الألبان لبيعها في السوق المحلي، وتوفير الدعم التقني لمشاريع إنتاج السجاد والمنسوجات التي تتولاها النساء، وتمويل المخابز التي توظف لديها الأرامل.

ويقول مولانا عبد النصير «إن بعض الافغانيات تخطين الخطوط الحمراء، وبدأت فيروسات الحرية والموضة تنتقل من سيدة الى اخرى، خصوصا فيما يتعلق بإصرار بعضهن على ارتداء الملابس الغربية التي لا تناسب قيم مجتمعنا». وبحسب الأمم المتحدة يبلغ عدد الأطفال المنتظمين في الدراسة 5.8 مليون طفل،%35 منهم من الفتيات، وتتجاوز هذه النسبة بكثير ما كانت عليه في أي فترة من تاريخ أفغانستان. وكانت الولايات المتحدة قد خصصت عام 2001 قرابة 60 مليون دولار للتعليم الأساسي، وبناء المدارس، وتدريب المدرسين وتوفير الكتب والأدوات المدرسية. وتعمل إدارة شؤون المرأة الأفغانية مع بعثة الأمم المتحدة للمساعدة في بناء أفغانستان (أوناما) لتكوين لجان من أجل العمل على حماية المرأة وتثقيفها وخلق فرص العمل لها. إلا أن الحرية والعدالة الاجتماعية لا تسودان بمجرد وضع النصوص، فالنساء الأفغانيات ما زلن يعانين من عقلية ترفض وجودهن ودورهن خارج المنزل، وتعبر عن رفضها هذا بقوة ومن دون أي مراعاة، تصل الى تهديد حياتهن.

الشرق الأوسط