مأرب تكشف الأوراق .. خداع أمريكي وابتزاز إيراني
بقلم/ عبدالفتاح الحكيمي
نشر منذ: 3 سنوات و 10 أشهر و 9 أيام
الخميس 11 فبراير-شباط 2021 07:26 م
 

صرخت بريطانيا وخالتها أمريكا وميناء الحديدة على بعد ٥ كيلو مترات فقط من مدفعية الجيش الوطني, وقيادات الحوثة وأتباعهم يفرون بملابس نسائية جهاراً نهاراً.. وعبدالملك الحوثي يتعلثم في كلمته أمام الهزيمة المحققة يومها(( لا يعني سقوط منطقة أو موقع أو خسارة مكان هنا وهناك الهزيمة أو أن المعركة انتهت)).

وعاد الرئيس عبدربه منصور هادي إدراجه بصمت من عدن بعد أن منحته الإمارات شرف توجيه معركة حسم الحديدة أواخر ٢٠١٨ م فاعترفت بشرعيته فجأة(مؤقتاً) بمراسيم ضخمة في قصر معاشيق الذي قيل أنه ممنوع من العودة إليه لأسباب أمنية, واستقبلته أبو ظبي قبلها بدعوة خاصة.

أكلت الإمارات المتحدة ثوم الخديعة بفم الرئيس هادي ورفعت مع من رفعوا أعلام العويل الإنساني ضد انتصار ساحق كان قاب كيلو مترين أو أدنى من مرابض السفن.

وشيء طيب أن يحظى أبناء تهامة الإعتراف بأهمية أرواحهم الاستثنائية لبريطانيا وأمريكا طالما سيجنب ذلك الحوثيين ليس الهزيمة وحدها بل وإخراجهم أيضاً من معادلة رهان البعض بهم كأدوات مرغوبة يهدد بها بعضهم البعض.

تم تدمير منشآت عدن الحيوية بداية الحرب وأُهْلِك المدنيون في مجازر مروعة في تعز دون اعتبارات, وتشرد مئات الآلاف لاحقاً من اجتياح عاصمة الجوف بعد واقعة(الجانب الإنساني) المزيفة في مدينة الحديدة لتكشف زيف تباكي الدول الكبرى سوى على مصالحها في باب المندب والبحر الأحمر ودعممة بريطانيا السرية لنفوذ إيران وسطوتها على المنطقة.

* مأرب عيال خالة*

مدينة مأرب تُضرب بالصواريخ والمسيرات منذ بداية العدوان الحوثي الداخلي ويسقط ناسها في الشوارع بزعم ملاحقة قيادات الشرعية.. وهذه مبررة ولا تحتاج إلى تعاطف وحنان إنساني دولي, فأهل مأرب اذاقوا الحوثة بصمودهم الأسطوري أكبر هزيمة معنوية وانكسار وتحطيم معنويات وقبض أرواح .. فلولا رجالها لسهل على أذناب إيران والملالي ابتلاع ما تبقى.. فالحوثة إزاء أسطورة ألمآربة كمن يشج رأسه المترنح بصخور الجبال.. وبسبب منعة مأرب أيضاً احتمى بها ٢ مليون مُهَجَّر ونازح من طغيان العنصريين.

ما جرى مؤخراً من استهداف عشوائي للمدنيين وقتل وجرح العشرات منهم بضربات صاروخية وخراب للبيوت في عشية رفع الأمريكان قرار تصنيف الحوثيين كمنظمة إرهابية أجنبية له أكثر من دلالة ولا ينفع معه تباكي الأمريكان الباهت بدعوتهم لإيقاف العمليات العسكرية من الجانبين بألفاظ عائمة لا تدل على مصداقية.. فلم يدينون جريمة مأرب الأخيرة التي باركتها تبرئة الأرهابيين رسمياً.

* رهان إيراني على مأرب*

وكان مخططاً لهذه الهجمات من غرفتي الحرس الثوري الإيراني في طهران وحسن أيرلو في صنعاء لإظهار حيادية وفصل مسار الملف النووي الإيراني عن جرائم الحوثة التي سوف تستمر.. وأن مواصلة نهج الحوثة الإرهابي شأن داخلي ولا تنازلات(مقايضة) بخصوص الملف النووي مقابل ليونة الأمريكان إزاء أدواتهم الحوثية التي يسامون بمخالبها لرفع العقوبات الإقتصادية الأمريكية دون تنازلات.

والحقيقة قطعاً أن أيران قد تتنازل في النهاية بشان برنامجها النووي لكنها لن تفرط بأدواتها الرخيصة مطلقاً في اليمن ولبنان والعراق وسوريا.

وتقدم سياسة الاستقطاب والأحتواء التي تمارسها أمريكا حالياً إزاء الحوثيين نقطة ضعف خطيرة لعناوين واشنطن المعلنة من رؤيتها للحرب والحل السياسي في اليمن إذ تغري بذلك الحوثيين بمزيد من الانتهازية والاستجابة الظاهرة للتفاهمات والجنوح للسلام ولكن بشروطها على الآخرين بما فيها تهديد طبيعة العلاقات الأمريكية السعودية, وتفضيل الأولى لانجازات التكتيك(التقارب مع الحوثيين) على حساب الاستراتيجيا( السعودية والنفط).

لذلك تبدو إيران مطمئنة إلى نتائج الملف النووي بالرهان على ورقة الضغط والاغراء الحوثية.

وسوف يفرط الأمريكان والتحالف العربي بمصالح قوى الشرعية اليمنية كما فعل الأماراتيون والبريطانيون من قبل عندما انقذوا الحوثيين في الحديدة من هزيمة نهائية.

وكان هدف الإمارات من وراء ذلك ضرب ثلاثة عصافير بحجر واحد.. أولًا : تحجيم الإنتصار الذي حققته قوات العمالقة الشرعية والتقليل من شأنه وتحويله إلى انتكاسة.

والثاني : أحكام سيطرتها على جغرافيا وملف الساحل الغربي وباب المندب نهائياً عبر قوى مرتهنة( مليشيات أبو ظبي).

وفي السياق المهادنة الخفية مع الحوثيين وتقديم أنفسهم كصديق(منقذ) لتجنب سفاهات الصواريخ الباليستية والمسيرات المتفجرة الإيرانية.. وثالثاً: طعن وتحجيم الرئيس هادي الذي توسلت إليه للأشراف شخصياً على معركة الحديدة(ألخيانة).

ويتوهم الأمريكان بقدرتهم على تحييد الحوثيين بأنقاذهم من تبعات قرار تصنيف الإرهاب.. ويقعون في الغباء نفسه الذي اقنعتهم به بريطانيا بوقف سيطرة قوات العمالقة الشرعية على الحديدة.!!

* عنصريون لا سياسيون*

نجح الحوثيون بشبكة علاقاتهم الاستخبارية الخارجية الممولة بتضليل الأمريكان بكونهم جماعة سياسية لا عقائدية متطرفة عنصرية, وزادوا بتبرئتهم من إدانة الأرهاب.

ونجحت إيران في ربط حمار أدواتها الحوثية في اليمن بمسار تعقيدات مشاكلها المستعصية مع أمريكا والغرب.

ويبدو أن عراب قرار وقف تقدم الشرعية في الحديدة مارتن غريفيث وقع في شر أعماله ومراوغاته هذه المرة بذهابه المتزامن إلى إيران مع مخطط العملية البشعة ضد المدنيين في مأرب التي لن تحرك النزعات الإنسانية المفعمة ونخوة الإنجليز السابقة في منع تحرير ميناء الحديدة.

وأنصار ألله الحوثيين ليسوا إرهابيين بل طيور الجنة وهم يوزعون حمم الموت على المدنيين أكثر من قبل بعد تزكية الأمريكان لهم من وصمة عار الإرهاب.

** ألنتيجة :

ترتكز السياسة الخارجية الأمريكية الحالية في اليمن على قاعدة الأنحياز الناعم للأنقلابيين بزعم تحييدهم عن محور إيران-الشيعة وتسعى إلى أولويات محددة لا علاقة لها بإنهاء الانقلاب وتمكين سلطة الشرعية اليمنية وإنما تجنيب طرق الملاحة والتجارة الدولية وشركات النفط وموانئ المملكة ضربات صواريخ وطائرات أذناب طهران.. وما دون ذلك مثل بقاء الأنقلاب وتوجيه ضربات محدودة للمملكة وتصعيد العمليات العسكرية الإرهابية الداخلية وقمع المعارضين وغيرها ستبقى خارج الأهتمام الجدي لواشنطن وإدارة بايدن.

ويؤسس ذلك رؤية مقلوبة مناقضة لقواعد الحل السياسي للصراع في اليمن على أساس المرجعيات الثلاث بما فيها شرط تسليم الانقلابيين أسلحة ومؤسسات الدولة وقبلها مقررات وثيقة مؤتمر الحوار الوطني وقرارات مجلس الأمن والمبادرة الخليجية.. وتمكين الحوثيين من فرض املاآتهم على القوى والمكونات اليمنية الأخرى في الشرعية وغيرها.

 بهذه الرؤية يؤصل الأمريكان لعدوان حقيقي جديد على إرادة غالبية اليمنيين خلافاً لشعارات ادارتهم الجديدة القديمة بتسوية سياسية قد تصرف أنظار الحوثيين عن استهداف الخارج فقط ومراوحة الداخل بين الحرب واللاسلم في أحسن الأحوال.

* شغل شبكات نسائية*

لكل ذلك ليس غريباً في السياسة الخارجية الأمريكية الحالية أيضاً أن المناطق الواقعة تحت سيطرة الحوثيين تخضع فقط للأعتبارات الإنسانية كلما اشتد الخناق على الانقلابيين أما ملايين البشر في مناطق نفوذ الشرعية فلا قيمة لحياتهم.. ولتحصد الصواريخ والغام والطائرات المتفجرة أرواح الناس في مدينة مأرب والحديدة والبيضاء والضالع وحجة مع إشارات عتاب أمريكية وأوربية رقيقة أقرب إلى الغزل منها إلى مباركة أصدقائها الحوثيين.

فقد طعم مستشاروا جو بايدن العسل السقطري بحسب اعترافات أحدهم في مؤتمر صحفي مؤخراً .. وسوف تظهر خفايا شغل الشبكات السرية النسائية الايرانية-الحوثية (الحميمةالمشتركة) في فنادق ومنتجعات واشنطن ونيويورك.

فلا يخفي الأمريكان إعجابهم بالمذهب الشيعي بحسب كاتب أمريكي-يهودي قال لي ذلك قبل سنوات مقابل بغضهم لأهل المذاهب الأخرى.

ويبقى تناقض خطاب الأمريكان المعلن من التسوية السياسية في اليمن والتغاضي عن جرائم الحوثيين ضد الإنسانية على الأرض أبرز مؤشر على مراوغة موقفها.

فتوجد توافقات أمريكية إيرانية ضمنية باعتبار مأرب الخصم العقائدي المشترك.. يعزز ذلك الاستهداف الأمريكي العسكري الطويل للمنطقة بطائرات دون طيار أكثر من عقدين منذ ٢٠٠١ م بزعم محاربة الإرهاب وحاجتها إلى عملاء عقائديين موثوق بعدائهم التاريخي.

ولن ينجح الأمريكان في النهاية بعزل ملف الانقلابيين عن ربيبتهم إيران والعكس, مثلما لن يفلح الحوثيون بالانفراد بالسعودية لفرض رؤيتهم الخاصة في التحكم بمصير مستقبل السلطة والخارطة السياسية في اليمن.

وسوف تسعى طهران لإفشال ما يسمى أولويات السياسة الخارجية الأمريكية الحالية وكبح تطلعات إدارة بايدن في تحقيق تقدم ما في اليمن .

ويلاحظ تعمد واشنطن عدم تسرعها بشأن ملف إيران النووي بعكس ملف اليمن لاكتشاف عمق أواصر علاقتهم بالحوثيين.. وهذه حجة كبيرة تأخذها إدارة بايدن ربما لتشديد عقوبات لاحقة خانقة على إيران لعرقلتها أي تسوية سياسية محتملة بين فرقاء حرب اليمن.

أما الواضح فإن إيران نجحت بفرض وصايتها السياسية والعقائدية على جزء من اليمن وسلم الحوثة الزمام لمولاهم السفير الحاكم حسن أيرلو على الأرض مباشرة.. ولا حل سياسي قريب في اليمن مع سياسة المهادنة الدولية تجاه الانقلابيين.