بوتو.. وصناعة النجوم!!
بقلم/ محمد الغباشي
نشر منذ: 16 سنة و 11 شهراً و 9 أيام
الأحد 25 نوفمبر-تشرين الثاني 2007 09:06 م

عاودت الشرطة الباكستانية فرض الإقامة الجبرية على زعيمة المعارضة بينظير بوتو، وقامت بوضعها رهن الإقامة الجبرية في منزلها لمدة أسبوع؛ وذلك لمنعها من المسيرة التي تعتزم تنظيمها اليوم الثلاثاء انطلاقًا من مدينة لاهور احتجاجًا على فرض قانون الطوارئ.

تعتبر الولايات المتحدة الأمريكية هي رائدة فن صناعة النجم في العالم, فما بين الثقافة اله وليودية التي شاعت منذ بداية صناعة السينما الأمريكية, والتي نحت فيها أمريكا منحى هو أشبه بالألعاب السحرية والأكروباتية, إلى ما تمارسه الآن المجتمعات العربية من محاولة تقليد هذا المنحى ولكن على مستوى أقل بكثير مما تقوم به أمريكا؛ لضعف الإمكانات المادية من جانب, وللقصور الفكري والعقلي الذي تعانيه أنظمتنا العربية من جانب آخر..

والمتأمل على مدار التاريخ الحديث يستطيع أن يضع يده بسهولة على نماذج أشبه ما تكون بالخيال لبعض الشخصيات التي لم تكن يومًا تمثل قيمة بالنسبة لشعوبها, ونستطيع أن نتلمس التغير والتحور الحادّيْن في حياة هذه الشخصيات العربية على وجه الخصوص..

فعلى سبيل المثال لا الحصر:

مصطفى كمال أتاتورك, رمز العلمانية في العصر الحديث ومسقط الخلافة الإسلامية, والذي بدأت بريطانيا عملية تلميعه لإظهاره وكأنه المناضل الثائر الذي يقضّ مضاجع الإنجليز, ثم ما لبث أن نجحت خطتهم في صناعته كنجم وقام بإسقاط الخلافة بعدها بعدة سنوات.

جمال عبد الناصر, الذي كان مجرد ضابط صغير في الجيش المصري, والذي أخذ يتحول ويتحور مساره حتى أصبح شجاع العرب وقائدهم في فترة من أكثر فترات تاريخ الأمة العربية والإسلامية اشتعالاً وإثارة للجدل.

ياسر عرفات, بدأت المطاردات له منذ سبعينيات القرن الماضي, وكأن جيوش الدنيا بأكملها لا تزال لاهثة في ملاحقته من فلسطين إلى مصر إلى لبنان.. حتى تمت محاصرته في الأخير في مقره برام الله مع القصف الزائف شبه اليومي للمقر, والذي لم تستطع خلاله إسرائيل - بحدها وحديدها - أن تصل إلى غرفة نومه لتقصفها رغم كل محاولاتها. حتى مات أخيرًا بالسم بعدما انتهى دوره..

بوتو على الطريق:

تشير عدة دلائل إلى أن ما حدث في كراتشي من تفجير موكب رئيسة الوزراء السابقة كمحاولة اغتيال وتصفية جسدية – هو عين الصناعة الهوليودية التي تقوم بها أمريكا لنجومها, فقد عادت بوتو من جديد إلى باكستان بعد فترة من النفي تقدر بـ8 سنوات بعد اتهامات بالفساد, عادت لتقتسم السلطة جنبًا إلى جنب مع الرئيس الباكستاني برفيز مشرف, ولابد لمن كانت هذه حاله أن يعود إلى البلاد عودة المنتصر.. الذي يضحي بنفسه رخيصة في سبيل وطنه وأفكاره ومعتقداته. هذا من جانب, ومن جانب آخر فعلى من تولّى كبر هذه المؤامرة أن يلمّع هذا النجم الزائف ليكون جديرًا بدوره الجديد.

ومن أهم دلائل هذا التليمع ما يلي:

1 - تفجير كراتشي نفسه الذي أودى بحياة 139 وجرح المئات بحسب إحدى الروايات الصحافية, والذي خرجت منه بوتو بكل شجاعة لتقوم بعدها بمؤتمر صحافي غير عابئة بالمزيد من التفجيرات أو الاستهدافات؛ لتدلل دلالة لا تقبل التزييف على شجاعتها واستعدادها للتضحية بنفسها في سبيل وطنها وقضيتها.

2 – منع بوتو من السفر إلى خارج باكستان, وذلك لبث روح التعاطف معها وترويج فكرة كونها "المعارِضة الباكستانية", حيث يشير المراقبون إلى أن الحكومة غالبًا ما تفرض حظرًا على سفر المعارضين لها.

3 – الزعم بتلقي رسالة تهديدية ساذجة من تنظيم القاعدة, مذيّلة بتوقيع "رئيس فصيل انتحاريي القاعدة وأنصار أسامة بن لادن".

4 – فرض الإقامة الجبرية على بوتو لمنعها من تنظيم تجمع ضد حالة الطوارئ التي فرضها الرئيس مشرف. ثم رفعها في اليوم ذاته التي فُرضت فيه؛ للتدليل على أنها القائدة الشجاعة التي استطاعت التصدي للديكتاتورية العسكرية.

5 – السماح لبوتو بالحديث إلى التليفزيون الحكومي الباكستاني, وبث أفكارها المعارضة للنظام الباكستاني الحكومي الذي تتحدث في وسائل إعلامه هو.

6 – رفض بوتو إجراء مزيد من المباحثات مع الرئيس مشرف بعد إعلانه حالة الطوارئ في البلاد وتعليق الدستور وقمع السلطة القضائية.

7 – معاودة وضع بوتو تحت الإقامة الجبرية في بيتها لمدة أسبوع لمنعها من التظاهر وتنظيم المسيرات.

هذه بعض الدلائل على انتهاج أمريكا لمنهج صناعة النجوم, وهناك غيرها كثير في المشهد السياسي الباكستاني لمن أراد الاستقصاء..

إن رئيسة الوزراء السابقة قد عادت إلى باكستان من جديد برعاية أمريكية وبصفقة مع النظام الباكستاني من أجل تضييق الخناق على الإسلاميين من جانب, ولسد الفجوة التي أحدثها الرئيس الباكستاني مشرف من جانب آخر. وكلاهما يدور في فلك السياسة الأمريكية, يتنافسان أمام الإله الأمريكي.. كل يؤدي دوره ببراعة في مسرحية الظل التي يقومان بتمثيلها. بحسب تعبير صحيفة بوسطن جلوب الأمريكية.

وسوف تسفر الأيام القادمة عن الفائز الحقيقي في هذه المسابقة, أهو مشرف برصيده الرئاسي والعسكري في حكم البلاد؟! أم هي بوتو برصيدها الحالي المعارض المؤيَّد من قبل راعي البقر وصانع النجوم الأمريكي؟!