مأرب برس – خاص
لم يعد خافياً على الكثير من المتابعين حجم النفوذ الذي يمتلكه المعارض السابق نائب رئيس الوزراء وزير الداخلية الحالي اللواء الدكتور رشاد العليمي، فالرجل يحظى بعلاقاتٍ متميزة مع المعارضة وأعضاء البرلمان تضاف إلى نفوذه الحكومي المتنامي بشكلٍ سريع ومثير ،ولديه لوبي إعلامي مهّد لحصوله على نفوذٍ غير مسبوق على الصعيد الإعلامي بشتى ألوانه وتوجهاته الأمر الذي مكّن له من تلميع صورته أمام الداخل والخارج.
ولعلّ أكبر دلالة على ذلك ما حصل مؤخراً في صفقة شراء وتوريد بطاقات الانتخابية الذكية التي أبرمها الوزير وطريقة التعاطي الإعلامي معها.. فبعد أن قام موقع "مأرب برس" بكشف الصفقة التي أبرمها الوزير بشكلٍ سري ومخالف للوائح قانون المناقصات سواء أكان القانون القديم رقم (3) لعام 1997م أو الجديد رقم (23) لسنة 2007م ، وبمبلغ خيالي يربو عن 200 مليون دولار مع شركة "
Gemalto
" الأوروبية؛ تفاجئنا بمقالة أضحكت الثكلى للكاتب الصحفي المعارض منير يحيى الماوري - نشرتها معظم المواقع الإخبارية المعارضة والمستقلة - تستميت في الدفاع عن الوزير وتمنحه صك الخلو من الفساد! بل وتجعله رمزاً للإنجازات والنجاح مع تزكية لشركة "
Gemalto
" التي وقع عليها الاختيار !! هنا لن نناقش تاريخ الوزير العليمي وطموحه السياسي .
ولكن يحق لنا كمواطنين يمنيين أن نعلم تفاصيل تلك الصفقة التي أبرمها الوزير مؤخراً ، خصوصاً أنّ قيمتها كما أفاد موقع " مأرب برس " نقلاً عن المصدر المسؤول في وزارة الداخلية تزيد عن المائتين مليون دولار أمريكي يغطيها قرض دولي سنتحمل عبئه نحن وأبناءنا .
الصفقة كانت خرقاً للقانون وفضيحة كبيرة ومدوية بكل المقاييس كشفت الفساد الذي يُعشعش في كل مفاصل النظام الحاكم ، ومحاولة تغطيتها عبر التأثير الإعلامي للصحفي الماوري ليست إلاّ محاولة لذر الرماد في العيون لم تعد تجدي نفعاً مع تواصل انعدام الثقة بين المواطن والحكومة وتوالي فضائح الفساد من المستوى الثقيل.
وهنا سوف نتناول فساد هذه الصفقة على شكل نقاط وبشكلٍ مختصرٍ غير مخل:
-
مخالفة هذه الصفقة وخرقها لقانون المناقصات رقم (23) لسنة 2007م، والذي يؤكد وجوب فتح باب المناقصة أمام المتنافسين وذلك عن طريق نشر إعلان في وسائل الإعلام المناسبة في حالة المناقصات العامة ، وحتى لو افترض القائمون على الصفقة بأنها مناقصة محدودة لا تستدعي الإعلان عنها فلا بد أن يكون هنالك ما لا يقل عن ثلاثة متنافسين وأن تكون المناقصة تحت إشراف اللجنة العليا للمناقصات بالمشاركة مع الجهات المختصة وهي هنا افتراضاً اللجنة العليا للانتخابات، ومن ثم يتم الإعلان عن نتائج تلك المناقصة وما تم فيها عبر وسائل الإعلام المختلفة وفقاً لمبدأ الشفافية الذي تنتهجه الدول الديمقراطية والتي من المفترض أننا منهم.
-
كشف التصريح الصادر عن فرع شركة "
Gemalto
" بأمستردام – هولندا بتاريخ 9 يناير 2008 أنّه قد تم اختيار الشركة وتكليفها من قبل وزارة الداخلية اليمنية بإعداد عشرة مليون بطاقة انتخابية، وهو ما يؤكد عدم وجود مناقصة تنافسية ، وللعلم فهذا التصريح كان قد سبق تصريحات وزارة الداخلية عن الصفقة باثني عشر يوماً !! .
-
الاختيار الغريب لشركة تمر بأسوأ مراحلها التجارية وفي هذه الفترة بالذات يجعل الشكوك تثور بقوة في انتظار من يخمدها ، فشركة "
Gemalto
" التي زكاها الصحفي الماوري عبر الاعتماد على ما ورد في موقعها الإلكتروني – ونحن هنا نتعامل بحُسن الظن مع تزكيته – تمّر بمرحلة تدهور وانتكاس أدت إلى هبوط أسهمها في البورصة الأوروبية بعد عجزها عن تحقيق الأرباح وتكبدها لخسائر بلغت قرابة الثمانين مليون يورو في العام 2006م ولم يعلن عن خسائر عام 007 م بعد والذي من المتوقع أن تكون أكثر بكثير من عام 2006م، حيث أن قيمة السهم كانت 27 يورو في عام 2006م وهبطت إلى قرابة العشرين يورو في عام 2007م ومسلسل الهبوط هذا لم يتوقف بعد ، وبالرغم من إعلان الشركة للصفقة التي عقدتها مع الداخلية اليمنية فإن ذلك الإعلان لم يمنع أسهم الشركة من مواصلة الهبوط ليصل إلى 17 يورو مع بداية العام 2008 م.. ولمعلومات أكثر يمكنكم رصد حركة الشركة عبر موقع البورصة الأوروبية " يورونيكست "
www.euronext.com.
4
-
القيمة المُبالغ فيها للصفقة والتي صرّح المصدر المسؤول بأنها تتجاوز الـ 200 مليون دولار تشي بأن هنالك محاولة لجس نبض الشارع قبل السعي لنهب الفارق وهو ما يقارب الـ 150 مليون دولار، حيث وقيمة البطاقة الذكية وفقاً لأسعار شركة "
Gemalto
" -وهي مشهورة بأسعارها المرتفعة- لا تتعدى بأي حالٍ من الأحوال الخمسة دولار للبطاقة أي 50 مليون دولار للعشرة مليون بطاقة ، وإن كان من وراء الصفقة يعتبر الفارق عمولة فلعمري أنّها أكبر عمولة في التاريخ، وللعلم فقد سبق لشرطة سلطنة عمان أن عقدت صفقة مع نفس الشركة لتوريد مليونين ونصف المليون بطاقة شاملة خدمات ما بعد البيع بمبلغ 10 مليون دولار.
-
عدم جدوى مشروع إنقاذ نزاهة الانتخابات عبر البطاقات الذكية ؛ لأن النظام الفاسد يستطيع أن يلتف على أنظمة تلك البطاقات، بل ومن السهولة بمكان برمجتها بما يتناسب مع رغبات النظام في تحديد نتائج الانتخابات سلفاً، ومن المعلوم أن التلاعب الإلكتروني مجاله واسع ورحب .. كما أن الشعب يحتاج قبل البطاقات الذكية إلى قيادة حريصة على توعيته لا شراء ذمته، فما جدوى البطاقات الذكية مع شعب مستعد لبيع صوته من أجل شراء لقمة عيشه، وكان الأجدر بوزارة الداخلية ما دامت تسعى للتميز واللحاق بركب الحكومات الإلكترونية أن تلتزم بالأنظمة والقوانين التي من المفترض أن تدافع عنها، وأن تبدأ بتفعيل نظام الرقم الوطني لجميع المواطنين كما في جميع بلدان العالم المتقدمة ومن ثم سوف تتمكن من عملية ضبط التزوير الشخصي في الانتخابات إن كان هذا ما تأمله من البطاقات الذكية
-
القرض الدولي الذي سوف يغطي الصفقة الخيالية لم نسمع أو نقرأ عنه حتى الآن مع العلم بأن القروض الدولية لا بد أن تمر أمام البرلمان لإقرارها أو رفضها، ولم نسمع من قل عن قروض مرت من تحت الطاولة كحال قرضنا هذا. كان للحديث أن يطول وللنقاط أن تتكاثر ولكن وقت المتصفح الإنترنتي لا يسمح عادةً بقراءة المقالات الطويلة، وعليه سأختم قائلاً " إن الشعب اليمني بحاجة إلى الخُبزة الذكية عوضاً عن البطاقة الذكية ". وكل عام ونحن عن الفساد أبعد،،.