لقد طغت في هذه الأيام القضية الجنوبية, وأصبح الجميع يتكلم عنها في الشمال والجنوب, وللأسف بدأ الكثير من أبناء الجنوب يحرف مسار القضية الجنوبية الصحيح إلى غير وجهته, وانجر ورائهم كثير من عوام الناس!! ظنّاً منهم أن هذا لصالحهم.
ولا بد أن نذكر حقائق عقلية يجب على إخواننا في المحافظات الجنوبية أن يعلموها ويعوها جيداً, ويحكِّموا العقول قبل العواطف, لأن العواطف عواقبها وخيمة على الجميع وهي الآتي:
أولاً: لا بد أن يعلم إخواننا في الجنوب أن قضيتهم, قضية مظالم وحقوق بامتياز, فمنهم من نهبت أراضيهم, ومنهم من أخذت حقوقهم, ومنهم من أقصي من عمله, ومنهم من اضطهد وو.. إلخ.
ولكن للأسف من الناس من يسعى لحرف مسار القضية وتحويلها إلى سياسية بامتياز, وهنا الخطر الحقيقي على القضية, لأن معنى هذا:
إذا عولجت على أنها سياسية فلن يستفيد منها إلا النخب السياسية فقط, وسيحصلوا على ما يريدون من مناصب ومال وجاه, وقد لا يعي المواطن خطورتها في الوقت الراهن, ولن تحل قضية المساكين وعوام الناس! وستكون المظالم بأنواعها ثانوية وليست أساسية, وسيكون أصحابها ضحايا لتحقيق مآرب النخب السياسية, فحرف المسار يمثل خطورة شديدة قد لا يتنبه لها أكثر الناس, ولننظر إلى جنوب السودان كيف استفاد من الانفصال حالياً والفيدرالية سابقاً النخب السياسية فقط, والشعب لا يزال تحت خط الفقر ولا يتمتع بأدنى حرية أو كرامة.
ثانياً: لا بد أن يفرق إخواننا في الجنوب في مسألة غاية في الأهمية هي:
(أسباب وجود القضية الجنوبية).
هل السبب الجانب الإداري التنظيمي للدولة؟ أم العصابة والزمرة التي حكمت؟ وسواء حكمت باسم الوحدة أو الانفصال أو الفيدرالية أو غيرها, فالمستبد والطاغية والمفسد سيفسد ويعبث ويظلم بأي مسمى!! فقد عانا الجنوب من الفاشية والنظام الشمولي الظالم قبل الوحدة, وكذلك الاستبداد والظلم في ظل الوحدة, فليس الجانب الإداري هو السبب, بل السبب هو الحاكم وزمرته والعصابة الغاشمة المستبدة التي تساعده, هي التي ظلمت وطغت, بدليل وقوع ظلم واظطهاد مماثل في الشمال, فليس أبناء الشمال هم من ظلم أبناء الجنوب, بل هي عصابة وحزب فيه شماليون وجنوبيون ظلموا الجميع, وإن كان قائده الرئيس من الشمال, فإذا لم نفكر جيداً في السبب, فلن تحل المشكلة!! وستغلب العواطف التي لا ترى إلى المستقبل!!, وسنبقى في المشكلة إلى مالا نهاية!! وليس من مصلحة القضية الإفراط في الحديث والشجار والمخاصمة في غير السبب الرئيس لوجود القضية, فالجانب الإداري وطريقته لا يهم بقدر من سيحكم, ولن يستفيد من هذا إلا النخب السياسية فقط.
ثالثاً: لا بد أيضاً أن يعرف إخواننا في الجنوب أن الوضع بعد الثورة السلمية قد تغير بنسبة كبيرة جداً, فقد ذهبت العصابة إلى غير رجعة, نعم بقيت لها بقية ولا زال لها صولة وجولة! لكنها ستندثر إلى الأبد بإذن الله تعالى, ثم بتكاتف الجميع, وأصبح الوضع مختلفاً عن سابقته, ونحن الآن في مرحلة جديدة هي مرحلة ( البناء ), فبأيدي الجميع الآن بناء اليمن كيفما أرادوا.
رابعاً: لا بد أن يعلم إخواننا في الجنوب, أن الذين قاموا بالثورة غير الذين أقيمت عليهم الثورة, فهم أرقى في التعامل وأعقل من سابقيهم بكل أطيافهم, فقد حملوا اسم القضية الجنوبية في كل ساحات التغيير والحرية من أول يوم, آثروا إخوانهم في الجنوب على كل قضاياهم ومشاكلهم, ليثبتوا وقوفهم مع إخوانهم في الجنوب لحل قضاياهم, وهم مستعدون أكثر لعمل الممكن من أجل ذلك فلا يجوز إهمال هذه النقاط المهمة, وليس من العدل ولا من الأخلاق الرفيعة إنكار أو إغفال هذه الحقائق, ولا تعميم الخطأ على الجميع (لا يشكر الله من لا يشكر الناس).
خامساً: لا بد أن يعلموا أيضاً أن شباب الثورة ومن أيدهم ووافقهم وضحى معهم, نزهوا أنفسهم وترفَّعوا عن ذواتهم ومصالحهم وأمنياتهم, وأثبتوا صدق نواياهم مع قضية إخوانهم, ووصل بهم الحد إلى درجة غير متوقعة من كل العالم, وهو أنهم سلموا قيادة السلطة بكاملها رئاسة الجمهورية ورئاسة الوزراء للجنوبيين, فلا مجال للمزايدة ولا مجال للمكايدة على أبناء الشمال, فقضيتكم صارت بأيديكم, وقضايانا كذلك بأيديكم, حُلُّوها كيفما شئتم, وبأي طريقة شئتم, فليس من العدل أن يستمر الكيد والهجوم والحرب الإعلامية على الشمال وأبناءه, وقد سلموا أكبر ما يملكون لكم, ليس فضلاً منهم, وإنما عدلاً وثقة فيكم, فماذا بعد كل هذا؟ وما ذا بقي عندهم؟
فقد أنصفوكم أيما إنصاف, وفي حال فشلتم في حل قضيتكم لا تلومونا ولوموا أنفسكم.
سادساً: ليحذر إخواننا في الجنوب من الحمقى الذين يجرون القضية الجنوبية إلى الهاوية, لأنهم كُثر وهم من أبناء جلدتكم, فمنهم من يبحث عن سلطة يتسلمها, ومنهم من يبحث عن مال ومنصب, ومنهم من يعمل لصالح إيران, لتمزيق وحدة المسلمين حتى يصبح العالم الإسلامي لقمة سائغة لهم في المستقبل لإقامة الإمبراطورية الفارسية, فلماذا يهمل البعض عقله ويستخدم عواطفه؟.
سابعاً: أما قضية الانفصال, فالبعض يتحمس لها وهو لا يعلم, بل لم يكلِّف نفسه في التفكير في عواقبها وسلبياتها, أهم شيء عنده أن يخرج ما في جعبته بدون تفكير, فهل يظن البعض أن مشكلته ستُحَل بالانفصال؟!!, وهل سيتفق الخصوم على السلطة والمال في الجنوب أم سيتحولون إلى صومال آخر على الأقل, وسيكون الضحية المواطنون الذين حكَّموا عواطفهم, ولن تحل قضاياهم لا اليوم ولا غد, لأن معظم النخب والساسة ليس لهم مظالم, ولا يطالبون بحقوق, وإنما يلهثون وراء مصالحهم وأمنياتهم, فهل يفهم المواطن المسكين هذه القضية؟!.
ثامناً: أما الثروة فكل محافظة غنية ستصر على الاستحواذ على ثرواتها, أما المحافظة التي لا ثروة لها, فستكون فقيرة معدمة, فمن سيعطيها؟!!,
فهل يظن البعض أن الفقير سيظل يرى الغني يأكل ويتمتع وينعم وهو يموت جوعاً؟ أم سيحارب للحصول على لقمة عيشه ولو بالقوة, وسيبقى الناس في صراعات وحروب بسبب العواطف والنزوات الشخصية.
تاسعاً: لماذا لا نرى العقلاء هم الذين يتصدرون المواقف لحل قضاياهم ومشكلاتهم؟ ولا نرى إلا غير العقلاء أو أصحاب المصالح, فهل يراجع إخواننا في الجنوب ممثليهم والذين يتكلمون باسمهم؟
لأنهم يقررون مصيرهم ومستقبلهم وسيسجلهم التاريخ بأحرف سوداء إن انحرفوا يمينا وشمالاً.
الخلاصة: لا بد من دراسة الماضي والواقع والمستقبل جيداً حتى لا تغرق السفينة بالجميع, ولا بد من تحكيم العقول في كل المشكلات والقضايا.