الحوثيون ينعون اثنين من قياداتهم في صنعاء تزايد النشاط الحوثي في تعز بالصواريخ والطائرات والدبابات ومصادر تكشف التفاصيل صحيفة أمريكية تتحدث عن تورط دولة كبرى في تهريب قائد في الحرس الثوري من صنعاء أردوغان يكشف ما تخبئه الفترة المقبلة وأين تتجه المنطقة .. عاصفة نارية خطيرة اجتماع حكومي مهم في عدن - تفاصيل بن مبارك يشن هجوما لاذعا على موقف الأمم المتحدة وتعاطيها الداعم للحوثيين وسرحد فتاح يكشف عن نتائج تحركات المستوى الوطني والدولي وزير الدفاع يقدّم تقريرا إلى مجلس الوزراء بشأن مستجدات الأوضاع الميدانية والعسكرية قطر تقدم تجربتها الأمنية في إدارة الجوازات والخبرات والتدريب لوزير الداخلية اليمني إسبانيا تُواجه كارثة هي الاولى من نوعها... حداد وطني وعدد الضحايا في ارتفاع المليشيات تستكمل «حوثنة» الوظيفة العامة بقرارات جديدة
لو كنت مكان الأمريكيين لما أنفقت دولاراً واحداً على وسائل إعلام موجهة للعالم العربي للترويج للثقافة والأفكار والسياسات الأمريكية، وفرضها
على العرب، واختراق صفوفهم، وتوجيههم بالاتجاه المطلوب أمريكياً، ومن ثم استعمارهم. لماذا؟ لأن الكثير من وسائل الإعلام العربية تقوم بذلك نيابة عن الأمريكيين، وبنجاح كبير، هذا فيما فشلت الوسائل الأمريكية في اختراق الشارع العربي، إن لم نقل أضرت بأمريكا أكثر مما أفادتها. ولا داعي لذكر القناة الأمريكية التي تراوح مكانها منذ انطلاقها قبل أكثر من ثلاثة أعوام، ناهيك عن إغلاق مجلة "هاي" التي أطلقتها وزارة الخارجية الأمريكية للتعريف بالحياة الأمريكية بعد أن بارت أعدادها في الأكشاك.
لا أدري فعلاً لماذا يبذر الأمريكيون أموال دافعي الضرائب على إذاعات وتلفزيونات وصحف ومجلات ناطقة بالعربية إذا كان العديد من وسائل إعلامنا الفنية والسياسية والثقافية تتهافت على إطلاق القنوات الفضائية وإنفاق الملايين عليها لنشر القيم والنماذج الأمريكية بلسان عربي، ووجوه وأقلام عربية "بالأرطال" على حد وصف نزار قباني.
يعترف كاتب سعودي بارز بأن وسائل الإعلام الأمريكية فشلت في التأثير على الرأي العام العربي سياسياً وفنياً وثقافياً، وينصح الأمريكيين بطريقة غير مباشرة بأن يحتفظوا بنقودهم، فنحن لها، سنقوم بالمهمة نيابة عنكم، إذ "هناك مئات المجلات والصحف العربية التي تقدم الجديد من تطورات الفن والموسيقى والحياة الجديدة الأمريكية من أجل تعريف العرب بها، وعلى حسابها، وتبيعه للقارئ العربي منذ أكثر من نصف قرن". ويضيف الكاتب أن "في العالم العربي عشرات المحطات التلفزيونية والإذاعية والمجلات والصحف تقدم جرعة ثقيلة من الثقافة الأمريكية، وأن محاولة بيع الثقافة الأمريكية ليست بالقضية، فالعرب مستلبون بالافلام والموسيقى الأمريكية ربما أكثر من غيرهم."
قد نتفق مع الكاتب حول غباء آلة الدعاية الإعلامية الأمريكية في التعامل مع العرب، لكننا نختلف معه حول كون الإنسان العربي "مستلباً" بالثقافة الأمريكية. كما يختلف معه الكثيرون حول قيام العرب بالترويج للثقافة الأمريكية حباً وهياماً بها. فالمعروف أن الذي يروج للقيم الأمريكية وإحلالها محل القيم العربية والإسلامية في الفن والسينما والرياضة والثقافة والموضة وحتى السياسة وفرضها على الناشئة هم ليسوا فقراء العالم العربي، وهم السواد الأعظم من سكان هذه المنطقة، بل وكلاء أمريكا في المنطقة من أصحاب رؤوس الأموال العرب الذين راحوا في السنوات القليلة الماضية يمطروننا بوابل من القنوات العربية اسماً والأمريكية قلباً وقالباً، بعد أن تغيرت الأجندة الأمريكية في العالم العربي في أعقاب أحداث الحادي عشر من سبتمبر.
لقد باتت السماوات العربية تعج بالقنوات المخصصة للأفلام والبرامج الأمريكية تحديداً، وهي أفلام وبرامج بعيدة كل البعد عن ثقافتنا لما تحتويه من مشاهد عنف وجنس وسقوط أخلاقي وقيمي واستهلاكي فظيع. وحدث ولا حرج عن قنوات "الأكشن" التي تفوق قنوات الأفلام الأمريكية العربية عنفاً. ولا داعي للحديث عن القنوات العربية الفنية التي تقدم الفن العربي بروح وإيقاعات أمريكية لا تخطئها أذن ولا عين.
قد يقول المروجون لتلك القنوات ذات الصبغة الأمريكية إن السوق مفتوح للجميع، والمسألة لا تعدو كونها عرضاً وطلباً. وقد يكون ذلك صحيحاً من الناحية النظرية، لكن أليس من حقنا أن نسأل لماذا تسيطر بضاعة واحدة دون غيرها على السوق الإعلامي العربي؟ هل لأن المشاهدين يقبلون عليها ذرافات ذرافات، أم لأن هناك جهات وقوى مالية وسياسية خطيرة تقف وراءها وتفرضها على السوق بشتى الطرق والوسائل خدمة لأغراضها ومشاريعها الخاصة ومشاريع أسيادها من اليانكي وغيرهم؟
إن الذين يحاولون إقناعنا بأن المشاهد العربي متيم بالأفلام والثقافة الأمريكية يتسترون على الجزء الأكبر من الحقيقة، وهو الجزء الأهم والأخطر. إنه الجزء الثقافي المطلوب الآن لإعادة تشكيل المجتمعات العربية على الطريقة الأمريكية، خاصة أن المجتمعات هي في النهاية نتاج سياسات إعلامية وثقافية واجتماعية مدروسة بدقة.
إن هذا الغزو الفضائي الأمريكي للعالم العربي بأموال ووسائل عربية لهو نتيجة تحالف موضوعي بين الأمريكيين ووكلائهم وزبانيتهم في المنطقة العربية خدمة للمشاريع والمخططات الجديدة. فنحن في آخر النهار، على ما يبدو، لسنا أكثر من فئران تجارب، مطلوب منا أن نغير نمط حياتنا وثقافتنا وحتى معتقداتنا بين عقد وآخر كي تتماشى مع المتحكمين بنا خارجياً.
قبل أقل من نصف قرن من الزمان، وهي فترة قصيرة جداً في عمر الشعوب، سنـّت أمريكا ومعها بعض القوى الغربية المتحكمة بمنطقتنا جغرافياً وديمغرافيا وثقافياً وإعلامياً ما يشبه الفرمانات والمراسيم الملزمة غير المعلنة لبعض دولنا كي تتبع نظاماً إسلامياً متزمتاً ومناهج تعليمية متحجرة، لأنها وجدت في مثل هذا النظام الوسيلة الأنجع للوقوف في وجه الخطر السوفييتي. بعبارة أخرى فإن المجتمعات العربية ذات التوجه الإسلامي كانت بمجملها ضرورات أملتها العوامل الخارجية أكثر منها المتطلبات الداخلية. وسيكشف لنا التاريخ أنه حتى بعض أنظمتنا الإسلامية كانت من صنع وتوجيه غربي.
لقد دأبت بعض الأنظمة العربية منذ أكثر من خمسين عاماً مثلاً على بناء ما تزعم أنه مجتمعات إسلامية الطابع وجندت لها ميزانيات هائلة كي تكرسها وتقويها وتثبت أسسها من خلال وسائل إعلام ونظم تعليمية "متأسلمة". وقد كان الهدف من كل ذلك في واقع الأمر ليس إقامة مجتمعات إسلامية، بل من أجل صد التغول الشيوعي في المنطقة العربية الذي كان ينافس الهيمنة الأمريكية. وقد تطور هذا المجتمع الإسلامي المزعوم في ذروة الصراع السوفييتي الأمريكي في أفغانستان كي يزود من يسمون بالمجاهدين الأفغان بمزيد من المقاتلين العرب العقائديين من أجل طرد "الغازي السوفييتي". وقد تبين فيما بعد أن الاستخبارات الأمريكية ومعها بعض الأجهزة العربية كانت وراء هذه اللعبة القذرة التي راح ضحيتها الآلاف من المضحوك عليهم من السذج العرب الذين يتعذبون الآن في غوانتانامو وغيرها من المعتقلات العربية "الغراء"، بعد أن انتهت مهمتهم "الجهادية". وقد كان الهدف الأول والرئيسي من تلك الحملة "الإيمانية" الملعوبة جيداً طرد المحتل السوفييتي من أفغانستان كي يحل محله الأمريكيون فيما بعد بطريقة منظمة وملعوبة كالشطرنج في أعقاب أحداث الحادي عشر من سبتمبر.
لم يعد الإسلام الجهادي مطلوباً بعد أن تخلصت أمريكا من عدوها التقليدي، الشيوعية، وبالتالي لا بد من تفكيك المجتمعات التي عاشت على الأصولية الجهادية لعقود كي تتغير مائة وثمانين درجة لمواكبة سادتها الأمريكيين الجدد الذين لم تعد تناسبهم النظم الاجتماعية التي أمروا بقيامها ودعموها في النصف الثاني من القرن العشرين.
من هو المخول والقادر إذن على القيام بهذه المهمة التفكيكية للمجتمعات العربية المطلوب إعادة تركيبها؟ إنه الإعلام، وليس أي إعلام، بل الإعلام الترفيهي التجهيلي الهابط المعتمد على إثارة الغرائز ومسح العقول وتغييب الوعي، خاصة أن المهمة أمامه شاقة للغاية، وتحديداً في البلدان التي حملت مشعل الإسلام الأصولي. فليس من السهل تحويل اتجاه المتزمتين دينياً باتجاه العولمة الأمريكية إلا بفضائيات مغرية ذات طابع ومحتوى غربيين مليئة بـ"الأكشن" والأفلام الفاقعة بعنفها وإبهارها.
بعبارة أخرى كان ثمة خيار أمام بعض العرب ورعاتهم الأمريكان لخلخلة البنى المعرفية للمعتقدات الدينية والثقافية في المنطقة عن طريق الإعلام. كيف؟ بما أن المواطن العربي، في عصر العولمة، صار مثل أي مواطن عالمي آخر، يشكل الإعلام جزءاً هاماً للغاية من صياغة تفكيره ونمط حياته، وبما أن التليفزيون الذي أراد البعض منعه ذات يوم، صار حالياً كالماء والهواء بالنسبة للناس، كل الناس، بمن فيهم أبناء الأصوليين أنفسهم، فلا بد إذن من استغلال هذا الجهاز الهام لإعادة قولبة التفكير العقدي، لكن ليس من خلال محاربته بفكر مضاد بل من خلال تمييعه فنياً وغنائياً وتغريبه، إن لم نقل أمركته.
ماذا يفعل إخوتنا المحاصرون بالإصوليين من جانب ومن الأمريكيين من جانب آخر؟ بما أن الحل المعرفي الآن غير ممكن، أقله لأن أدواته مفقودة، وربما أن ما من أحد من مصلحته تفشي الوعي في الشرق الأوسط الناطق بالعربية، حك البعض رأسه، وفكر: وجدتها! الإثارة هي الحل، فهي باستطاعتها جذب الشباب من براثن الأصولية واغتيال عقولهم بأفلام ومواد تلفزيونية أمريكية مبهرة.
جدير بالذكر أيضاً أن القنوات العربية التي تروج للثقافة الأمريكية لا تستهدف الأصوليين فقط، بل تسعى إلى أمركة الشباب العربي بأكمله.
طبعاً قد يتحجج البعض بأن التيار الثقافي والإعلامي الأمريكي تيار جارف، وهو يخترق الشرق والغرب على حد سواء. وهذا صحيح. لكن الفرق عندنا أن أمريكا تغزونا وتخترقنا بأموالنا ووسائلنا، تماماً كما تقتلنا في العراق وغيره بفلوس نفطنا، هذا في الوقت الذي ترفض رفضاً قاطعاً إعطاء إحدى القنوات الإخبارية العربية رخصة للبث داخل الولايات المتحدة عبر شبكة الكابل أو الستالايت الأمريكية.
يا الله كم هي "متطورة وحداثية" قابليتنا للاستعمار، فلم نعد نقبل بالغزاة فقط، بل صرنا ندفع لهم فواتير استعمارنا!!