تركيا ومصر هل يتحول التقارب إلى تحالف استراتيجي
بقلم/ محمد مصطفى العمراني
نشر منذ: 3 سنوات و 6 أشهر و 17 يوماً
الأربعاء 14 إبريل-نيسان 2021 11:20 م

 تشهد العلاقات التركية - المصرية تسارعا كبيرا، فخلال أيام قلائل تبادلت القاهرة وأنقرة رسائل جديدة تؤكد أن قطار التقارب بين البلدين يسير بسرعة كبيرة فاقت التوقعات.

، حيث أشاد رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، في 9 أبريل /نيسان الجاري، بجهود الرئيس التركي أردوغان، التي بذلها خلال رئاسة تركيا الدورية لمجموعة الدول الثماني الإسلامية النامية (D-8)، التي انعقدت الخميس الماضي 9 أبريل /نيسان الجاري، بمشاركة مصر، ورغم أن بنغلاديش هي من ترأس القمة إلا أن رئيس الوزراء المصري، مصطفى مدبولي، حرص على الإشادة بجهود الرئيس التركي أردوغان، وهو أمر له دلالاته. وفي اليوم التالي، 10 أبريل/ نيسان الجاري،.

هنأ وزير الخارجية التركي، مولود جاوويش أوغلو، نظيره المصري، سامح شكري، بحلول شهر رمضان المبارك، كما أجرى رئيس البرلمان التركي، مصطفى شنطوب، التعازي والمواساة لنظيره المصري، حنفي الجبالي، بحادثة القطارين، رغم أن المناسبة تبدو متأخرة نوعا ما، لكن هذا ما نشرته وكالة أنباء 'الأناضول'،.

إذ من المرجّح أن الاتصال قد تناول قضايا أخرى، بينما كانت تلك التعزية المتأخرة مجرد غطاء للاتصال. من المؤكد أن هناك رغبة لدى البلدين بتجاوز خلافات الماضي، والمُضي نحو التقارب المثمر، فما مطالب أنقرة من القاهرة؟ وما مطالب القاهرة من أنقرة؟ وهل سيصل هذا التقارب المتسارع إلى مستوى التحالف، أم أنه تقارب تكتيكي لأهداف محددة؟ تساؤلات سنجيب عنها في هذا التحليل: •

تقارب تكتيكي لأهداف محددة

من خلال متابعة الرسائل المتبادلة بين أنقرة والقاهرة، وقراءة مؤشرات التقارب التركي - المصري الراهن، يتضح أن هذا التقارب لن يفضي -على المدى القريب والمتوسط- إلى علاقات وطيدة بين البلدين، إذ يعد هذا التقارب "تكتيكيا" لأسباب عديدة، ولأهداف محددة، فمصر تريد من تركيا إسكات القنوات المصرية المعارضة، التي تبُث من الأراضي التركية، وقد أوعزت تركيا لهذه القنوات بالالتزام بميثاق الشرف الإعلامي، وتهدئة حدة خطابها المعارض، وهو ما قوبل بارتياح في القاهرة، التي وجّهت قنواتها الفضائية باتخاذ خطوة مماثلة. بالمقابل، تريد تركيا من القاهرة توقيع اتفاقية ترسيم الحدود البحرية لترسّخ بها حقوقها في الجرف القاري في شرق البحر الأبيض المتوسط، وتفكك التحالف المصري- اليوناني - القبرصي ضدها، الذي تعزز -خلال السنوات الماضية- بهدف منعها من مدّ نفوذها في المنطقة، وحرمانها من حقوقها في ثروات المتوسط، وقد حققت تركيا الهدف الأول المتمثل باعتراف مصر بحقوق تركيا في الجرف القاري شرق المتوسط، وبقي أن يتحوّل هذا الاعتراف إلى اتفاقية رسمية مكتوبة بما يتماشى مع اتفاق الصلاحية البحرية الذي عقدته تركيا مع ليبيا، وهو ما قد يحدث خلال الفترة القادمة.

• عوائق التحالف التركي - المصري

أعطت المصالحة الخليجية، التي أثمرت عن انعقاد قمة "العُلا" في السعودية، بتأريخ 5 يناير / كانون الثاني الماضي، الضوء الأخضر للتقارب التركي - المصري،

كما عززت زيارة وزير الخارجية القطري، محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، للقاهرة، في 3 مارس / آذار الماضي، هذا المسار، ولكن الإشكالية التي تحُول دون تحوُّل التقارب التركي - المصري إلى علاقة وطيدة بين البلدين، هي أن مصر مأسست العداء مع تركيا، خلال السنوات الماضية، حيث قامت بإجراء عدة اتفاقيات مع اليونان وقبرص وإسرائيل، وأقامت تحالفات ومناورات عسكرية، كل هدفها استهداف تركيا، وإعاقة نفوذها في المنطقة، خصوصا في شرق البحر المتوسط وليبيا وسوريا. إضافة إلى أن النظام المصري يفتقد استقلالية قراره السياسي، ويستجيب لضغوط واشنطن، وعواصم خليجية وأوروبية، من المرجّح أنها ستعمل على إعاقة تحوّل التقارب التركي - المصري إلى تحالف استراتيجي، كونه سيعمل على تغيير موازين القوى في المنطقة، ما قد يفقدها مصالحها، ولذا فإن العلاقات بين أنقرة والقاهرة ستظل على المدى القريب والمتوسط في إطار التقارب التكتيكي،

 

وذلك - إضافة إلى ما سبق - لاختلاف القناعات والرؤى بين قيادات البلدين، إذ ستظل أنقرة تنظر للنظام المصري بصفته ثمرة "انقلاب عسكري" على رئيس منتخب بشكل ديمقراطي، ولذا فإن حدوث لقاء ودّي بين أردوغان والسيسي أمر مستبعد، كما أكد مستشار أردوغان البروفيسور ياسين أقطاي، في حديث لقناة "الجزيرة مباشر" بتأريخ 19 مارس / آذار الماضي.

• مستقبل المعارضة المصرية في تركيا

عقب التقارب المصري - التركي، الذي أعقب قمة "العُلا"، مطلع الشهر الحالي، ثار جدل كبير حول مستقبل المعارضة المصرية في تركيا، وهل سيصل الأمر إلى تسليم قيادات من الإسلاميين المعارضين إلى السلطات المصرية؟! وقد حسم الجدل البروفيسور ياسين أقطاي، مستشار الرئيس التركي أردوغان، الذي أكد في مداخلة مع "الجزيرة مباشر"، في 19 مارس/ آذار الماضي، أن "أنقرة لن تسلم أي شخص لا لمصر ولا لأي دولة تنفذ عقوبة الإعدام". كما نفى أقطاي أن تكون السلطات التركية قد طلبت إغلاق القنوات المعارضة لمصر، التي تتخذ من بلاده مقرا لها، وقال: "تركيا لن تقوم بإغلاق القنوات، وستظل داعمة للديمقراطية والحريات وحقوق الإنسان. فالموقف التركي من الانقلابات وملف حقوق الإنسان لن يتغيّر".

وقال: "لا يوجد أي طلب من مصر لتسليم معارضين، لأن هذا شيء غير أخلاقي لا تقبله تركيا، ربما فقط يطلب من القنوات تخفيف حدّة الانتقاد الموجّه للقيادة السياسية في مصر".

إن تسليم تركيا سياسيين مصريين لاجئين فيها لسلطات بلادهم، لسجنهم والتنكيل بهم وإغلاق قنواتهم، أمر يتنافى مع ثوابت تركيا، ودستورها، وقيمها، ولكن قد تسعى تركيا مستقبلا لرعاية مصالحة بين المعارضة والنظام المصري، إذا وجدت أرضية مناسبة، وتنازلات متبادلة، كما قد تطلب من السياسيين المقيمين فيها إيقاف أنشطتهم السياسية، وتخفيف الخطاب الإعلامي للقنوات المصرية المعارضة، وهو ما حدث.

ولذا فإن القراءة العميقة للتصريحات والرسائل الإيجابية المتبادلة بين أنقرة والقاهرة، وما تشهده العلاقات بين البلدين من انفتاح متسارع، تؤكد أن المصالح والمستجدات الدولية والإقليمية قد دفعت قيادة البلدين لهذا النوع من التقارب، لأهداف محددة تنفذ بشكل تدريجي.