تقرير أممي يؤكد تمرد الانتقالي عسكرياً على الشرعية مأرب تحتشد تضامناً مع غزة وتنديدا باستمرار حرب الإبادة الاسرائيلية مباحثات يمنية سعوديه بخصوص إجراءات سير تأشيرات العمرة اجراءات حكومية رادعة ضد محلات الصرافة المخالفة والمضاربين بالعملة في جميع المحافظات المحررة حشود هادرة بمحافظة تعز تنديدا بجرائم الابادة والتهجير بقطاع غزة الذكاء الاصطناعي يورط عملاق التكنولوجيا «تسلا» ويقودها للمحاكمة عبر القضاء كلاب آلية تنظف أحد الجبال المصنفة ضمن قوائم التراث العالمي رابطة اللاعبين المحترفين تكشف عن المرشحين لجائزة أفضل لاعب في الدوري الإنجليزي لشهر أكتوبر دولة خليجية تبدأ بسحب الجنسية من المئات من مطلقات مواطنيها الإنذار المبكر ينشر توقعات الطقس خلال الساعات الـ24 القادمة في 11 محافظة يمنية
قصة قصيرة
الساعة العاشرة ليلاً وأنا على عجلة من أمري ، أريد العودة إلى منزلي فقد تأخرت والسماء بدأت تمطر وبرد صنعاء على أشده ، برد متوحش يغزو مفاصلي ويلفح وجهي ، أوقفت سيارة أجرة ودون أن أفاوض السائق بالأجرة فتحت الباب ورميت بنفسي على المقعد ، أخبرته بالمكان الذي أريده فهز رأسه ومضى بصمت .
بدأ المطر يتساقط بغزارة وبدأت أنكمش على نفسي من البرد .. ولكي أبدد الصمت المطبق قلت : ـ ألا ترى أن البرد هذا العام أشد من الأعوام السابقة ؟
هز رأسه موافقا ومضى بصمت. ومضيت أتحدث : ـ لي ثلاث سنوات منذ سكنت في صنعاء ، في هذا العام البرد شديد جداً .! هز رأسه مجددا دون أن يتحدث . ـ هل هو أخرس ؟!
تساءلت في نفسي .. سيارته متهالكة والمقاعد متسخة وقد تآكلت حوافها والأبواب بالكاد تغلق ، لم أشعر بالدفء فقد تسللت الريح من باب السيارة الذي لم يغلق تماما ، لقد شعرت أنني تورطت حين ركبت في هذه السيارة المتهالكة ، هممت أن أطلب منه أن يتوقف ويتركني لأستقل سيارة أجرة أخرى لكن تعاطفي معه وتأخر الوقت والمطر الذي هطل حينها ، عوامل جعلتني أتحمل الوضع البائس لتلك السيارة .
عندما فتح الرجل فمه ليتحدث فوجئت بأن ليس في فمه إلا القليل من الأسنان ، سنتان في المقدمة وضرس في الفك العلوي وآخر في الفك السفلي إضافة إلى السنتين الأماميتين .!
ولولا تلك الأسنان القليلة لبدا فمه كأنه مغارة موحشة .! استغربت مما رأيته وبادرته بالسؤال : ـ هل تمضغ القات ؟ ـ لم يعد لدي أسنان لأمضغه وأضاف : ـ وحتى لوكان لي أسنان فهناك ما هو أهم من القات .
ولم أصبر فسألته : ـ لماذا لا تركب لك طقم أسنان ؟ أبتسم بمراره ثم تنهد قائلاً : ـ وحتى الأسنان لم تعد أولوية ..
تصور ؟ تحدث الرجل بلثغة واضحة بسبب أسنانه التي تساقطت ، لم يكن عمره ـ فيما يبدو كبيرا ـ كان في منتصف الأربعينات كما أتوقع.
بعد أن أوصلني إلى منزلي بت أفكر في ظروف هذا الرجل الذي لم يستطع تركيب طقم أسنان .! ـ كيف يأكل ؟ ـ يبدو أنه يأكل عصيدة ويشرب الملوخية والعصائر فقط !
ـ مؤكد بأنه يشتهي الكثير من الفواكه والمأكولات ولكن ليس له أسنان .!
مؤخرا خلعت ضرس كان قد تآكل ولم تفلح محاولات الطبيب في ابقاءه أو البناء عليه ، قبله كنت قد خلعت عدة ضروس ، حينها قررت زراعة ضروس مكانها ، نصحني طبيب أسنان يومها : ـ الزراعة هي الأفضل ولكنها تكلف أكثر ، ولكنها أسنان للعمر .
قررت حينها أن أجمع المال وأبحث عن طبيب أسنان ممتاز لزراعتها . مرت سنوات وأنا أحاول جمع المال ولكن دون جدوى ؛
وكلما جمعت مبلغ كلما صرفته في الأولويات .! مؤخرا كنت عند طبيب الأسنان الذي أكد لي بعد أن أطلع على تقاريري الطبية أنني لن أستطيع زراعة أسنان لأني مصاب بالسكري المرتفع الذي أدى لتآكل اللثة وتراخي الأسنان ، وأن تركيب أسنان هو الحل . تركيب الضرس الواحد سيكلفني 60 دولاراً على الأقل .
حذرني الطبيب مؤكداً أن الحفاظ على ما بقي لي من أسنان هي مهمة صعبة جدا إذا أستمر السكري بهذا المستوى . قرأ على وجهي الحزن فأعاد لي بعض الأمل : ـ ممكن تزرع أسنان ولكن ليس الآن ، حين ينزل السكري لديك إلى نسبة معقولة وتحافظ على صحتك بشكل أكبر .
سألته : ـ وكم يكلف زراعة الضرس الواحد ؟ ـ أنا أزرعه بـ 600 دولار لكن ممكن أخفض لك المبلغ إلى 500 $ ، وهذا لك أنت فقط . وحسبتها ..
طالما أحتاج لزراعة أربعة أضراس يعني أحتاج ألفين دولار ، وهذا مبلغ كبير جدا بالنسبة لي ، ولذا فإن تركيب أضراس هو الحل الممكن . أتفقنا على تركيب ضرس في البداية ، وبعد فترة أركب ضرس جديد ، أعطيته 10 ألف ريال عربون ، حدد لي موعدا بعد أسبوع ، وحين حان الموعد كنت مفلسا لا أمتلك ثمن كعكة ، ولذا فقد تجاهلت كل الاتصالات التي هطلت على هاتفي من عيادة الطبيب .!
حينها اجتاحني شعور بالمرارة فتركيب الأسنان لم يعد أولوية بالنسبة لي .!
تذكرت ذلك الرجل الذي رأيته قبل أكثر من عشرين عاما ، يومها لم أستوعب أمره ، ولم أقدر ظروفه ، الآن أشفقت عليه بعد فوات الأوان ، وتساءلت : ـ هل ما يزال حياً ؟ ـ وهل أستطاع تركيب طقم أسنان ؟ ـ وهل سيكون مصيري مثله ؟ مؤكد إذا تقدمت بي السن أكثر ستتساقط بقية أسناني ، تخيلتني أمسك بالهاون وأدق عليه لأفتت أعواد القات ثم أمضغه بالملعقة كما كان جدي في القرية يفعل ، كان صوت هاونه يسمع إلى المنازل المجاورة ، حينها تردد النسوة : ـ الحاج بدأ يخزن .
ربما سيكون حظي أفضل فإذا أردت مضغ القات سأعصر أعواده بتلك الآلة التي اشتريتها لأمي مؤخراً ، وتساءلت في نفسي : ـ هل سأتحدث حينها بشكل ألثغ ؟ ـ أم أنني سأتمكن من تركيب طقم أسنان ؟ ـ وهل سيكون لدي سيارة أجرة متهالكة أقودها وأتوقف ليلاً لشاب يسألني بفضول عن أسناني ولا يستوعب ظروفي إلا بعد فوات الأوان ؟!