المؤتمر الشعبي العام..وجاء الارياني ..( قراءة من الداخل)-3-
بقلم/ الحاج معروف الوصابي
نشر منذ: 17 سنة و شهر و 29 يوماً
السبت 01 سبتمبر-أيلول 2007 05:54 م

مأرب برس - خاص

خدمته ولازالت الظروف الخارجية وتداعياتها، والأزمات المتتابعة للنظام مع الداخل والخارج في رفع رصيده من الوحدات ، لعله الكرت الوحيد حتى الآن الذي لم تنته صلاحياته ، فما أن توشك وحداته على الانتهاء حتى يجددها حدث يضطر معه النظام مجبرا وليس بطلا إلى أعادته للخدمة من جديد .

عبدا لكريم الارياني ، من بيت عريق ، ممتد في النضال ، وطني صادق في حبه وانتمائه ولكن على طريقته هو ، وتبعا لمنظومته الفكرية التي تبرمج عليها ، مثقف متعدد ، عاصر الأحداث ، وعاش المراحل ، وخبر السياسة حتى تفحم ، يحسن تماما قراءة الاستراتيجيا الدولية والإقليمية ، وان كان يسبقه الانفعال تجاه الأخيرة فلا يعود منها بمكاسب .

أكثر من غيره –على مستوى السلطة – وعيا بالقرار الأمريكي والدوائر التي تصنعه ، تربطه بالأمريكان علاقة ممتدة تتجدد دائما وظفها في أغلب الأحوال لصالح بلده ..

إن شئت فقل عنه الليبرالي القديم ، أو شئت فقل عنه الليبرالي الجديد ، أو شئت فقل عنه صديق أمريكا الأول في اليمن والذي لم يسبقه إلى ذلك أحد حتى الآن ، رغم المحاولات والإلحاح من منافسه باجمال والبراعم الناشئة .

يتسم الارياني بقوة الشخصية ، والقدرة على القرار ، وبحدة الطباع ، ونزعة عميقة في التسلط ولجم المخالف ولو كان من نسقه هو ، يعد العدو التقليدي الأول للعشائرية في اليمن وان كان هو عشائري حتى أخمصه ، بصورة تظهره العصري المتعولم قبل مجيء العولمة نفسها ، وهذا ما اكسبه رواجا خارجيا ،واحتياجا مطردا في الداخل ،ومزيدا من ارتفاع الطلب عليه .

يتسم بتركيبة عجيبة أثناء إدارته للحكومة وقيادته للحزب ، فهو الوحيد الذي يتجرأ في بعض الأوقات ويقول لا وان كان همسا أو في محيطه هو ، ويمرر بعض ما يريد ، في الوقت الذي يتسم بمنتهى المرونة والتمسيد فلا تراه يكاد ينبس بكلمة .

خدمته ولازالت الظروف الخارجية وتداعياتها، والأزمات المتتابعة للنظام مع الداخل والخارج في رفع رصيده من الوحدات ، لعله الكرت الوحيد حتى الآن الذي لم تنته صلاحياته ، فما أن توشك وحداته على الانتهاء حتى يجددها حدث يضطر معه النظام مجبرا وليس بطلا إلى أعادته للخدمة من جديد.

استعد منذ فترة في بناء رصيده من العلاقات في الوسط الرسمي ، والثقافي ، حيث زرع تياره مبكرا في مختلف المفاصل وتحديدا السلك الدبلوماسي والخارجية ، ساعدته الخارجية ،ومعجونه الليبرالي ، ولغته الانجليزية ، وعلاقاته الشخصية في المحيط الخارجي في بناء علاقات واسعة وعميقة مع المؤسسات الدولية الرسمية، والأممية ،وجماعات الضغط المختلفة .

الأمين العام

وجاء الدكتور عبد الكريم الارياني أمينا عاما للمؤتمر الشعبي العام في المؤتمر العام الخامس -للمؤتمر الشعبي العام -بتصفيق حار من أعضاء المؤتمر العام وكأنهم وجدوا فيه بغيتهم بعد ما أحسوا في حياتهم الحزبية السابقة بفراغ تنظيمي كبير وبخواء قيادي في مواجهة بنية تنظيمية للإصلاح تستفزهم وتضنيهم .

ويعد المؤتمر العام الخامس للشعبي العام واحدة من أهم المنعطفات التاريخية في حياة المؤتمر ونقلة نوعية بصياغة جديدة وبلمسات اريانية ، أظهرت إلى حدما وجود رؤية ومشروع مؤتمري جديد (بنكهة علمانية صارخة )وبما يشبه الانقلاب الجذري على الميثاق الوطني الوعاء الفكري والسياسي والمحرك الأيدلوجي لما كان يسمى بالمؤتمر الشعبي العام قبل هذه المحطة ،إذ عد-الميثاق- مع هذه النقلة النوعية وعاء فكريا وأسسا عامة للإخوان المسلمين سابقا ولمرحلة سياسية اقتضت ذلك.

السر وراء هذه النقلة يعود إلى التحدي التنظيمي لتجمع الإصلاح ، والى الاستجابة للضغوط الخارجية التي تضغط صراحة نحو تعلمن النظام وحزبه الحاكم على رؤية فكرية واضحة ولا مواربة ، وعلى أسس مؤسسية تعكس حراكا مؤسسيا في المجتمع .

غير أن السلطة أبقت على التوازنات بداخل التكوينات المختلفة للمؤتمر وربما غلبت الاتجاه التقليدي المحافظ، في حسابات من المخاوف أن التيار الليبرالي المتأمرك ربما يسحب البساط ويعول عليه بمفرده النظام الدولي ، ومن ثم فالحاجة لهذا التيار بالمقدار الذي يضرب في الداخل ويعوق قوى بعينها ، ويسوق للخارج ويلبي الحد المعقول من الرغبة الخارجية وكطعم لاصطياد المصالح وكسب المواقف وتجاوز العثرات ، بحيث يكون هو الجهة الوحيدة عند اللزوم المؤهل والقادر على حوارات وإقناع وتحصيل مكاسب .

سعى الدكتور الارياني إلى إعادة بناء المؤتمر الشعبي العام على أسس علمية وعلمانية وعلى نسق الأحزاب الغربية أو النظرية الغربية في بناء الأحزاب ،وكانت نيته فعلا أن يأتي بالشعبي العام إلى الحزب المؤسسي والتنظيم الفاعل ، وهي جهود ونية تحسب له ويذكر عليها بغض النظر عن الخلاف الفكري هنا .

غير أن الارياني خانته فطنته وهو الحصيف و الأقرب فهما لطبيعة وتركيبة النظام ،إذ أن الهيكلة والبنية العامة للمؤتمر لا يمكن أن تستجيب ، وهي تقوم وتسير وفقا لرؤية وموجهات محددة من الصعب فصلها أو إحداث التجديد بها ، إذ أن العملية برمتها ثعابين ، وكروت ،وأهل الثقة وموازنات اجتماعية ،وهي في مجموعها تذهب بعيدا عن العلمية والمؤسسية والبناء ، والا كيف يمكن تفسير وجود أمناء عام مساعدين ، ورئيسا للكتلة النيابية ، ورؤساء فروع محافظات مؤهلاتهم اجتماعية، اغلبها لم تأت بالوراثة بل طرقها الاحتياج الحالي ،وفي صفحة كل واحد منهم(( يقرا ويكتب )) كيف تخطى مثل هذا هامات علمية ، وقيادات سياسية وفكرية ،تحمل أعلى درجات التحصيل العلمي والمستويات المهارية ، وتتقن بامتياز وظائف الإدارة والقيادة .

كيف يتسنى لمن يقرا ويكتب ويتقن خبرته في مجال التسويات للمنازعات الاجتماعية والأعراف ، أن يبني خطة تنظيمية ، وان يدير اجتماعا تنظيميا ، وان ينسق ويحاور مع قيادات حزبية موازية ، وان يحظر ممثلا لحزبه فعاليات أحزاب لدول أخرى ويجري معها عمليات تنسيق وتعاون بلغتها هي والفقير لا يجيد قراءة ومضامين مفردات لغته ابتداء .

وجد الارياني نفسه وجها لوجه أمام جدر وموانع تقليدية مصطفة في مواجهته على عين وتوجيه ،حاول أن يستقوي عليها بكفاءته العلمية وخبراته ، وصفه الموالي من فصيلته العلمانية والعلمية ، وما يلقاه من قوة دفع خارجي ، فشن عليها حربا مبرمجة ودون هوادة ، وبذكاء عال ، مستخدما لغة القص واللصق ، ربما أوجعها ودقها في المفاصل ، إلا أن نقطة الضعف للارياني هنا عثرت به كما يتعثر بها دوما وفي مختلف محطاته ،فرغم علميته ، وذكاءه الحاد والمشهود له به وكذلك خبراته المختلفة ، إلا أن الرجل يفتقد إلى حس الداهية ، حيث الفرق واضح بين أن يكون ذكيا ، أو أن يكون الداهية السياسي ، إذ أن حدته أورثته عجالة تسبقه ، ومن ثم تكتشف تلقائيا و بدون حاجة إلى طول تفكير خبايا رأسه الصغير .

كما أن الذي يؤخذ على الارياني هنا في هذه المرحلة وغيرها ، انه هو الآخر اتجه إلى بناء العشائرية ، فمن النوع التقليدي أرينة الوظائف ،وأخرى من نوع وظيفي ، ربما يكون الرجل معذورا وهو يدرك أنها أهم لغة للحوار والتفاهم وتمرير قضايا مع المركب العام للنظام والمجتمع والوضع ، لكن ذلك لا يعفيه مسئوليته الأخلاقية والتزامه الأدبي رغم نكهتها العلمانية ،فرغم أن كاتب هذه السطور يختلف مع العلمانية وأمركة المفاهيم والمنهج ، إلا أن مجيئه بحزب علماني مؤسسي برامجي يفقه الديمقراطيه وقواعدها ويغلب المؤسسية على الفرد ،أكرم ألف مرة من محتوى مهلهل وغير متجانس طابعه العام لا تشلوني ولا تطرحوني .

ثنائية من الهرمية

في الجهة الأخرى وبداخل هذا التركيب فان التيار التقليدي والمخلوط العام وجد نفسه تلقائيا وبتوجيه في اصطفاف تجاه المحور الارياني بداخل المؤتمر نفسه ، وفي هرمية واضحة من أعلى تكوين إلى أدنى مكون تنظيمي ، ومن الأمين العام المساعد الشيخ إلى رئيس المركز في العزلة العاقل أو الشيخ ، وهكذا في ثنائية واضحة وتوازي بين قيادتين .

استخدم التقليديون هنا وهم الخليط العام والأغلب والتي تحركهم المصلحة، ووجهتهم الرئيس أولا وأخيرا كل ما يقدرون عليه في مواجهتهم للفصيل الآخر وبنفس الحرب الصامتة ، إلا أن مواقعهم بدأت تهتز أمام الضربات الاريانية ، فأحس النظام بارتعاش في قوائمه وواتاه القلق من هذا التيار ومن الزحف على القرار بأدوات داخلية وبماكينة خارجية ،فبادر على الفور وبما يشبه الدعم اللوجستي لفريقه والدفع بالدوائر الأمنية والتي تعمل من وراء ستار إلى استلام غرفة العمليات ، فظهر على السطح خطاب إعلامي موجه يستخدم حمم من وزن ثقيل راس حربته الشموع والتي ألحقت بالارياني كل نقيصه واتهمته بأنه رائد التطبيع وانه ...وانه ..في سلسلة من التغطية تعززها أدوات أخرى في نفس السبيل ، ألحقت تصدعا واضحا في الجدر الاريانية ،ولعل التغطية من ذات النفس امتدت إقليمية ، وربما وضع الرجل في مواقف رسمية عادت عليه بالحرج الكبير وتعرت تماما من ما يسمى لوازم البروتوكول السياسي.

وبصرف النظر عن صحة ما قالته الشموع من عدمه ،فان حملة بتلك الصورة تعد سافرة وغير أخلاقية ، ويراد بها باطل، رغم اختلافنا جميعا فكريا وسياسيا مع الدكتور الارياني...

وانقشع غبار هذه المعركة بما يشبه احتراق الكرت الارياني على المستوى المحلي والإقليمي والخارجي ، فعلى المستوى الإقليمي تأكد لهذا المحيط أن الرجل كان السبب الأول في توتير العلاقات وخلق الكثير من الحواجز ، ولعل النظام اظهر نفسه هنا بالحمل الوديع ، أما على المستوى الدولي والذي يقوم في الأساس على البرجماتية المطلقة فانه بعدما تبين احتراق الارياني كرت وانه ما عاد ينفع كحامل لمشروعه فقد اتجه إلى البحث عن حوامل أخرى ، هنا التقطها باجمال فرصة ، سنتحدث عن هذه الجزئية والمرحلة الباجمالية في وقتها .

إلا أن النظام بذكائه الفطري المعهود أوحى للخارج وسار يعمل في هذا المسار بان هناك بديل من الكروت ذات شحن قبلي ، ورسمي ، وشبابي ، وقريبة جدا من القرار ، يمكن التعويل عليها ، وللتطمين أكثر فعبورها من الأردن ..بصورة يضمن معها الليبرالية والتقليدية ، وتجبر القرار الدولي على هكذا خيارات ،وهي خطوة تحسب في منتهى الذكاء.

هنا لم يجد الارياني إلا التسليم ، والإعلان الغير مباشر بقبوله أن ينتحر سياسيا ، في مقولة مشهورة له ((رحم الله امرأ عرف قدر نفسه ))

أو بتلك الأخرى (هي مكافئة نهاية الخدمة ) ( أو من يقدر على الكلام وفمه مليء بالماء ) في تفسير لتداعي الحصون سريعا.

غير أن الأحداث الأخيرة عاودت بالارياني إلى الظهور وجددت من شحن كرته ، وأعطته ضمانة بأنه الكرت الذي لم ولن يحترق..

في كل الأحوال فان الارياني أعطى للمؤتمر الكثير وكان يمكن أن يحقق له قفزات مؤسسية وتنظيمية ، ربما ساعد ذلك على بناء شبه مؤسسي في الجهاز الإداري الموازي ، لكن المؤتمر نفسه هو من حال دون ذلك ، إلا أن الارياني يكون قد حقق نجاحات بجمع الشتات العلماني إلى أقبية المؤتمر ، وقد أعطى الفرصة تحديدا للتيار الناصري في افتراش المؤتمر والتمكين له في مفاصله ومفاصل الجهاز الرسمي .

وهكذا أبى الشعبي العام إلا أن يظل في زاوية لا تشلوني ولا تطرحوني ،وخيب آمال الجميع في أن يصبح حزبا يمتلك قراره ويعكس بالتالي العافية للحياة السياسية جملة ..

كنا سنقبله بأي ريح جاء ،علماني أو إسلامي أو هجين ، المهم يمتلك رؤيته ومؤسسته وقراره ، ويبقي الميدان للجميع ، ولعل صيحة العواضي اليوم تعكس جوهر الأزمة التي زاد وأكدها في حديثه الأخير في سياق طرحه عن أبناء الشغالات .

في الحلقة القادمة بمشيئة الله وفضله ، سنمر على الظاهرة الباجمالية ، المثيرة للجدل ،في سياق القراءة المتتابعة للشعبي العام في يوبيله الفضي لمرحلة ممتدة وحافلة هذا كشف حسابها .

ولقد قاسمت نفسي على أن أبقى متجردا اقرب إلى الحرفية والمهنة ، ولعلها قراءة ذات دفع ايجابي للمؤتمر لا تنال منه بقدر ما تضع الأصابع على مكان الأوجاع والحفر ..

Wesabi111@gawab.com