هل الميليشيات ضرورة استراتيجية إسرائيلية وأمريكية؟
بقلم/ دكتور/فيصل القاسم
نشر منذ: 3 أشهر و 6 أيام
السبت 03 أغسطس-آب 2024 09:16 م
  

ازدادت في الآونة الأخيرة وتيرة الشكاوى والتذمر الأمريكية والإسرائيلية من خطر الميليشيات الإيرانية في المنطقة، وخاصة بعد أن دخلت بعض الميليشيات العراقية واليمنية واللبنانية المرتبطة والمدعومة من إيران على خط الصراع بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية في غزة. وقد شاهدنا كيف وصلت طائرة مسيرة حوثية إلى تل أبيب، لكنها لم تحدث أضراراً كبيرة، أضف إلى ذلك طبعاً الاشتباكات المنضبطة مع حزب الله منذ أشهر على هامش الحرب في غزة. ولا ننسى أيضاً الميليشيات العراقية التي تحشد قواتها على حدود الأردن منذ فترة بحجة مهاجمة إسرائيل، ويقال إن تلك الميليشيات قد شاركت أيضاً بإطلاق صواريخ على مواقع إسرائيلية، لكننا لم نر لها أي أثر. والسؤال الذي يتبادر إلى الذهن اليوم على ضوء ما يتم تداوله من تململ إسرائيلي والأمريكي من الميليشيات المدعومة إيرانياً: هل أن إسرائيل باتت تخشى فعلاً خطر تلك الميليشيات، وأن أمريكا تتفاوض مع الإيرانيين من تحت الطاولة لكف أذى جماعاتها عن الإسرائيليين أو التحرش بهم؟ هل هناك فعلاً هلع إسرائيلي من تعاظم شأن الميليشيات وأنها باتت تشكل خطرا على إسرائيل وعلى المصالح الأمريكية في المنطقة؟

سيكون من الخطأ القول إن الأمريكيين والإسرائيليين يخشون تلك الميليشيات، ولدينا عشرات الأدلة على أن الأذرع الإيرانية الميليشياوية تحظى بمباركة أمريكية وإسرائيلية رغم كل الضجيج الإعلامي حول خطورتها على أمريكا وإسرائيل في المنطقة، ورغم تقليم أظافر بعضها عندما تزيد جرعتها. ولو كان الإسرائيليون يخشون تلك الميليشيات فعلاً لما سمحوا لعشرات الجماعات المدعومة إيرانياً بدخول سوريا منذ سنوات لمساعدة النظام في التصدي لقوى المعارضة، ولإخماد الثورة الشعبية في سوريا بكل الوسائل الهمجية. كلنا يعرف أن إسرائيل لا يمكن أن تسمح حتى للعصافير أن تصل إلى حدودها مع سوريا، فكيف سمحت لعشرات الميليشيات الإيرانية بالوصول إلى الجولان المحتل؟ هل كانت الكهرباء مقطوعة في الأقمار الصناعية وأبراج المراقبة الإسرائيلية مثلاً ولم ترصد وصول تلك الميلشيات إلى حدودها؟ ألم يتفاخر قاسم سليماني مرات ومرات بأنه كان يستمتع بشرب الشاي على ضفاف بحيرة طبريا وأمامه الحدود الإسرائيلية؟ ولا ننسى أن إسرائيل تاريخياً توجه ضربات استباقية لأي خطر قد يتهددها بعد عشرات السنين، وهي مستعدة أن ترسل طائراتها إلى أقاصي المعمورة لقصف أي هدف يمكن أن يشكل خطراً على مصالحها ولو بعد سنوات، فكيف إذا سمحت لحوالي مائة ميليشيا مدعومة إيرانياً بدخول سوريا المجال الحيوي بالنسبة لإسرائيل؟ أليس من الغريب أن إسرائيل تملأ الدنيا ضجيجاً حول خطورة ميليشيا حزب الله اللبناني، بينما في الآن ذاته غضت الطرف عن تشكيل عشرات الميليشيات الإيرانية داخل سوريا؟ ألم تسمع إسرائيل بحزب الله السوري الذي أصبح قوة ضاربة على الأراضي السورية، وهو في تصاعد مستمر من حيث التمدد

 

كيف نصدق أن أمريكا تخشى الميليشيات اليمنية أو العراقية أو السورية إذا ما علمنا أن العديد من قادة الميليشيات العراقية كانوا يقاتلون إلى جانب القوات الأمريكية في العراق وبحماية الطيران الأمريكي؟ ثم لماذا عملت أمريكا أصلاً على القضاء على الجيش العراقي وسمحت بظهور عشرات الميليشيات المدعومة إيرانياً لو لم يكن لها مصلحة في ذلك؟ هل كانت أمريكا لتسمح بتشكيل تلك الجماعات ودعمها لو كانت تخشى خطرها لاحقاً؟

لماذا غضت واشنطن الطرف عن تسليح الحوثيين في اليمن وحصولهم على أسلحة وطائرات متطورة بالرغم من أن الأساطيل الأمريكية تراقب دبيب النمل في منطقة الخليج؟ هل كانت الأسلحة الإيرانية تصل إلى الحوثيين دون أن ترصدها محطات المراقبة والأقمار الصناعية الأمريكية؟ ألم ير الأمريكيون صواريخ الحوثي وهي تستهدف المدن السعودية وآبار النفط؟ هل كانوا عاجزين عن صدها أو منع إطلاقها؟ بالطبع لا، بل تركوها تصل إلى أهدافها، لأنهم يستخدمون الميليشيا التي تطلقها كبعبع لدول المنطقة بهدف ابتزازها وتخويفها وإبقائها تحت الهيمنة الأمريكية؟

والسؤال الأهم اليوم: إذا كانت أمريكا وإسرائيل تخشيان فعلاً خطر الميليشيات بكل أنواعها في المنطقة، فلماذا لم تسارع أمريكا وهي قادرة على ذلك، إلى دعم الجيوش في اليمن والعراق ولبنان بدل ترك الميليشيات العراقية واللبنانية واليمنية ترهب شعوب تلك البلدان وتتحول إلى دول دخل دول؟ أليس بمقدور أمريكا وإسرائيل أن تفرضا على الدول العربية الغنية دعم الجيوش في الدول التي تحكمها ميليشيات؟ أم إن تلك الجماعات الميليشياوية تحقق الكثير من الأهداف للأمريكيين والإسرائيليين؟ انظروا ماذا فعلت إسرائيل بغزة وشعبها عندما باتت تشكل خطراً حقيقياً عليها؟ ألا تستخدم إسرائيل تلك الميليشيات كمسمار جحا في سوريا واليمن ولبنان والعراق، فبحجة الحوثيين في اليمن بدأت إسرائيل تدمر ما تبقى من مرافق حيوية في اليمن، وكان آخرها إحراق ميناء الحديدة رداً على هجوم الطائرة

 

الحوثية التي لم تتسبب بأضرار فادحة في تل أبيب. والحبل على الجرار. وبحجة حزب الله نجحت إسرائيل في تحويل لبنان الذي كان معروفاً بسويسرا الشرق إلى دولة فاشلة وجائعة؟ وبحجة وجود الميليشيات الإيرانية في سوريا لم يبق هناك موقع عسكري في سوريا إلا وطالته الصواريخ الإسرائيلية، بينما تأخذ إيران وضعية المزهرية، مما يعطينا الانطباع بأن الإيرانيين باتوا يمررون الكرة لإسرائيل كي تسجل الأهداف المطلوبة في الشباك العربية؟ ماذا قدمت إيران للبنان وسوريا واليمن وفلسطين عندما بدأت إسرائيل تحرقها رويداً رويداً؟ هل تستخدم إسرائيل تلك الميليشيات كما استخدم جحا مسماره الشهير؟ هل ثارت شعوب المنطقة كي تستبدل أنظمتها بميليشيات طائفية في لبنان والعراق واليمن وسوريا تعيث خراباً ودماراً في المنطقة؟ هل تستطيع أمريكا وإسرائيل إحداث هذا الصراع الطائفي والمذهبي المرعب في الشرق الأوسط وتستغلانه لمصالحهما الاستراتيجية والتخريبية والتدميرية لولا وجود تلك الميليشيات؟ لهذا لا تحلموا باختفاء تلك الميليشيات، بل هي، كداعش وأخواتها السنية، باقية وتتمدد للأسف لأن المصلحة الأمريكية والإسرائيلية تقتضي بقاءها وتمددها وضبطها عندما تخرج عن الخطوط المرسومة لها.

المصدر.. القدس العربي