سوريا ليست للسوريين
بقلم/ إحسان الفقيه
نشر منذ: 3 سنوات و 9 أشهر و 26 يوماً
الإثنين 04 يناير-كانون الثاني 2021 07:22 م
  

في رائعة والت ديزني «الأسد الملك» استقر الأمر في أرض العزة للأسد الشرير «سكار» ليس بمعونه شعبه، وإنما على أشلاء الأسود، بتحالف غادرٍ مع الضباع، التي اندفعت بجشعها وأفكارها الإمبريالية والبحث عن المصالح السياسية والاقتصادية لممالأتِه، على إيقاع وعودِه البراقة بأن الأرض ليست لأبنائها الأسود، وإنما لمن دافع عنها، ولو كانوا من الضباع، والدفاع عنها في قانونه ليس سوى الدفاع عن عرشه هو.

سوريا الشام، أرض العزة، أظلّ رؤوسَ أهلها الميامين طاغيةٌ ليس له من الأسد سوى الحروف، زاول الهواية المعروفة لعائلته في القمع وسفك الدماء، وكان أشدهم بطشا، فلما ضاق العباد به ذرعًا رفع شعار المستبدين «أنا أو الفوضى» ووضع عرفًا لقيطًا شاذًا عن الأعراف في تعيين الأهلية والاستحقاق، فقال بالحرف العاري عن الشرف: «سوريا ليست لمن يحمل جنسيتها، بل لمن يدافع عنها».

فتداعى الضباع من كل حدب وصوب، فأرض العزة لم تعد تجدي فيها بطاقات الهوية، فاسكنوا حيث يتوقف مقذوف الرصاص بمنتهى مداه، سيخلط «الأسدُ النعامةُ» الأوراق، ويحلّ الضباع مكان الأسود. مرحبا بالملالي أبناء العمومة الطائفية، سوريا جاهزة كحلقة في مشروعكم السامي، فقط أنقذوا الأسد من السقوط، أرسلوا كتائب الحرس، وليتدفق أشياعكم محبو الولي الفقيه من أفغانستان والعراق ومن مختلف البقاع، يتقدمهم الذراع الإيراني في لبنان، بعد تخليه عن نعرة مقاومة الصهيوني، ستكون الأرض جاهزة لكم، إحلالا وتغييرا، تهجيرا لأبناء الأرض، وإحلالا لأرباب العمائم السوداء والبيضاء، وخذوا زينتكم في الحوزات، غيروا أسماء الشوارع محوًا للهوية، انشروا دعاتكم لتغيير وجه الحياة فيها، فسوريا ليست لأبنائها، بل لمن نادى بهم الأسد لإنقاذه في أرض العزة.

مرحبًا بالدب الروسي في أرض المياه الدافئة، هلموا إلى نصيبكم في كعكة ما بعد الدمار، لا رقيب، لا محاسِب، لا قيود على رجالكم ورصاصكم، وتأشيرة الدخول تكفّل بها العالم الحيران، إنها: «المهمة المقدسة للقضاء على الإرهاب» باركها القساوسة في موسكو، فجاءت كحية تسعى، تأتي على الأخضر واليابس، تختصر على أهل البيوت طريقهم إلى المقابر، فتجعل الدار قبرًا لصاحبها، أقيموا قواعدكم العسكرية، أمِّنوا ظهر الطاغية، أديروا عملياته العسكرية، فسوريا ليست للسوريين، وإنما هي لمن نادى بهم الأسد لإنقاذه في أرض العزة.

يقال إن نيرون إمبراطور روما ارتكب جرمًا وحشيًا عام 64 م، عندما أحرق روما من أجل أن يعيد بناءها، وكان ينظر إلى النيران وهي تلتهم كل شيء وسط صراخ الضحايا وهو في برج مرتفع، يعزف على القيثارة ويغني أشعار هوميروس، التي يصف فيها حريق طروادة، إلا أن مسؤولية نيرون عن الحريق محل جدل ولم يُقطع بصحتها. لكن المقطوع بصحته، أن بشار حتى يعيد إنتاج سوريا الأسد جديدة، قام بإحراق البلاد، وإدخالها في الفوضى عبر عقد من الزمان، لم يبال فيه بمآل الشام، ولم يكترث بالأطلال والخراب والدمار، الذي صار هو المشهد البارز في هذه الجنة الأرضية، أو التي كانت. تحولت سوريا إلى مسرح لحرب عالمية تدار مباشرة أو بالوكالة، ولم تكن أمريكا شرطي العالم قطعا بمعزلٍ عن صراع النفوذ في تلك البلاد، وإنه لمن المفارقات اللاعجيبة في السياسة الأمريكية، أن البيت الأبيض تحرك فورًا ضد صدام حسين، حفظًا ورعاية للسلام في المنطقة، وجردت الجيوش لإسقاط نظامه تحت ذريعة امتلاك الأسلحة الكيميائية، فالمصلحة الأمريكية اقتضت حينذاك التدخل السريع الحاسم من أجل محو قوة تهدد الأمن الإسرائيلي بالتنسيق مع إيران.

في المقابل، استدعت المصلحة الأمريكية كذلك عدم التدخل السريع، أو الحاسم في سوريا، لإسقاط نظام الأسد، حتى مع علمها اليقيني باستخدام بشار الأسلحة الكيميائية ضد شعبه، وربما ننعش ذاكرة القارئ حيال هذا الموضوع، في أن الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما صرح في 2012 بأن استخدام الأسلحة الكيميائية في سوريا خطٌّ أحمر بالنسبة لأمريكا، يستوجب التحرك وتكون له عواقب هائلة، لكن أوباما بعد استخدام بشار الأسلحة الكيميائية ضد الشعب السوري، لعق كلماته وقال في آخر مقابلة تلفزيونية له قبل أسبوع على انتهاء ولايته، إنه ارتجل العبارة، وإنها لم تكن موجودة في النص المكتوب.

الولايات المتحدة، التي تنوعت سياساتها الخارجية تجاه سوريا في الماضي ما بين «العصا والجزرة» و»الردع» تسعى حاليا للإبقاء على سوريا مشتعلة، فلا هي تريد لبشار الأسد أن يستعيد أوضاعه السابقة، ولا تريد له السقوط، وفي ظني أن قانون قيصر ليس سوى إجراء لحفظ ماء الوجه الأمريكي، لأن هذه العقوبات التي زادت من فقر وجوع السوريين، لا تتوافق مع منطق بشار، الذي قتل شعبه بالطائرات والغازات السامة، بدون أن يهتز له جفن، وقطعا لن تؤثر هذه العقوبات الاقتصادية في فطور بشار ولن تعدمه شرب الماء النقي. المصلحة الأمريكية ظهرت في التموضع حول آبار النفط، والدعم والتنسيق مع «قوات سوريا الديمقراطية» التي تعتبر وحدات حماية الشعب التابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي هي عمودها الفقري، ورعاية أهداف هذه القوات في إقامة وطن كردي مستقل في الشمال السوري على الحدود مع تركيا يحد من نفوذها. تقسيم سوريا الذي يفرز منطقة آمنة على حدود دول الاحتلال، يقع ضمن المصالح الأمريكية جراء التدخل في سوريا، حيث أن سياستها في الشرق الأوسط تُبنى على حفظ الأمن القومي الإسرائيلي.

الغريب أن هذه الدول التي أوجدت لها موطئ قدم في سوريا، بأطماع واضحة، تحظى بالتأييد من أطراف عربية، في حين أن تركيا التي تمتلك مشروعية الوجود العسكري – لمنع قيام دولة كردية على حدودها، تمثل امتدادا لتنظيم «بي كي كي الإرهابي» – أصبح تدخلها مادة دسمة للتناول السياسي والإعلامي الساخط في معظم الدول العربية. حتى نهاية عام 2020، غدا الحديث عن سوريا موحدة أمرًا غير واقعي، حتى بعد الهدوء النسبي العام على جبهات القتال طيلة العام الماضي بسبب جائحة كورونا، فالحديث الآن في التقارير الغربية كافة عن سوريا مقسمة. بيد أن المتأمل في الأزمة السورية سيرى أن سوريا تم تقسيمها بالفعل إلى مناطق نفوذ، ربما تُبقي الحال على ما هو عليه إلى أمدٍ بعيد، في وضع تظل فيه سوريا عالقة على هذا النحو، الجميع يتحرك، الجميع ينسق، الجميع يعقد اتفاقيات، بمعزل عن الشعب، الذي صار ما بين قتيل أو مُشرّد أو مُهمَّش أو مُغيَّب، ربما أصارح نفسي والقراء بكل أسى، أن سوريا الحالية لم تعد للسوريين، فطالما أن المجتمع الدولي لم يجتمع على كلمة سواء في إقصاء نظام الأسد، فسيبقى الوضع عالقا مشتعلا، لأنه في المقابل من المحال أن ترجع سوريا بيد بشار مرة أخرى، نسأل الله أن يعيد سوريا الحبيبة إلى أهلها، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.