حديث عبدالفتاح إسماعيل لعلماء الدين.. وجهل ديني
بقلم/ نجيب قحطان الشعبي
نشر منذ: 12 سنة و 3 أشهر و 27 يوماً
الأربعاء 04 يوليو-تموز 2012 05:11 م

في بداية الحكم المتمركس للجنوب (نظام الحكم الشيوعي الوحيد الذي قام في الوطن العربي) كان قادته يحاولون أن يظهروا كالمتمسكين بالإسلام ريثما تقوى سلطتهم فأخذ أعضاء مجلس الرئاسة الذي تشكل في 22 يونيو 1969 (سالم ربيع علي، عبدالفتاح اسماعيل، محمد علي هيثم، علي عنتر، محمد صالح عولقي) يؤدون صلاة الجمعة بالمسجد لكي يبث التلفاز ذلك, ولم يستطيعوا صبراً فبعد بضعة أسابيع توقفوا عن فعل ذلك, وسرعان ما صار المواطن الذي يصلي أو يصوم عدواً لنظام الحكم, وللأسف انجرف الكثير –جداً- من الناس في تيار نظام الحكم الشيوعي الإلحادي, وكان من يتمسك بأداء عبادات الإسلام والالتزام بأخلاقياته كالقابض على الجمر.

وبالنسبة لعضو مجلس الرئاسة عبدالفتاح فإنه صار الأمين العام للتنظيم الحاكم (الجبهة القومية التي لم يعد منها غير الاسم فالمبادئ والأهداف اختلفت 180 درجة) وبهذا صار الرجل الأول في السلطة وفوق رئيس مجلس الرئاسة سالم ربيع ولم يخفي معاداته للإسلام معتبراً السلفية "رجعية" ففي حديثه أمام مندوبات المؤتمر العام الاستثنائي لاتحاد نساء اليمن في 22 نوفمبر 1978 قال "هناك صنف من الناس يتحدث باسم الأخلاق والمثل والقيم, القيم السلفية الرجعية".

وحاول الترويج لقيام الحزب الاشتراكي لدى علماء الدين فألقى فيهم محاضرة بعدن قبيل تأسيس الحزب -في أكتوبر 1978م- ولم يكن غـريباً أن أول القصيدة كان كفراً مثلما يقال, إذ بدأ كلمته بالآتي "الإخوة والآباء رجال الدين"! فمن المعروف أنه لا كهانة في الدين الإسلامي حتى يكون هناك "رجال دين", فغير المثقفين هم فقط الذين يستخـدمون عبارة "رجال الدين" لوصف مشائخ المسلمين لكن المثقفون يستخـدمون العبارة السليمة وهي "علماء الدين", عموما فعبدالفتاح معذور لأنه أصلا لم يكن مثقفاً فهو لم يطالع حتى اتفاقية الاستقلال الوطني للجنوب رغم أن أي مواطن يمني مثقف يجب أن لا يطالعها فقط بل يجب أن يحتفظ بنسخة منها وعبدالفتاح لم يطالعها رغم أنه بعد نحو عامين من انطلاق ثورة 14 أكتوبر 1963 صُّعِد إلى عضوية قيادة الجبهة القومية التي فجرت وقادت ثورة 14 أكتوبر بل إنه تجسيداً لإيمان الجبهة بوحدة اليمن جرى ضمه باعتباره من أبناء شمال اليمن لوفد الجبهة الذي فاوض في نوفمبر 1967 بجنيف وفداً حكومياً بريطانياً على استقلال الجنوب ومع ذلك مات بعدها بنحو 20 عاماً وهو لم يطالع اتفاقية الاستقلال! لا بل إنه صار الرجل الأول في السلطة ومع ذلك لم يطالعها! وأنا والحمد لله عمري ما اتهمت أحداً جزافاً ولم أكتب للقراء أي معلومة مغلوطة ومن هنا فإنني أملك الدليل على أنه لم يطالع الاتفاقية وسأكتب عن ذلك في وقت آخر، إنه لم يكن مثقفاً بالمرة (وحكاية أشعاره حكاية طويلة رغم أنها من الشعر فاقد القيمة الأدبية المسمى بالشعر النثري الذي يستطيع طفل في الابتدائية أن يكتبه ولسهولته يمارسه كثير من السياسيين في اليمن، ولو سمحت ظروفي سأكتب عن أشعار عبدالفتاح ومن الكاتب الحقيقي لمعظمها ومن كان يراجع الأشعار التي يضعها عبدالفتاح بنفسه ويصححها له وهو يتأفف قائلاً لأصدقائه "لو كان كلفني بكتابة قصائد له لكان أرحم لي من هذا العذاب"! والخلاصة هي أنه لم يكن مثقفاً ولكنه هو ومجموعته حاولوا إظهاره كمثقف (والمثقف الحقيقي لم يكن ليقبل بسياسات التهريج التي اتبعتها السلطة المتمركسة بعدن, فليس مثقفاً من يطبق الشيوعية في بلد صغير متخلف لا هو صناعي ولا حتى زراعي! وأن يدّعي وجود صراع طبقي في هذا البلد! ويلجأ للانتفاضات بينما السلطة بيده ويستطيع فرض ما يريد بالقوانين!) لكن عبدالفتاح -ومستواه التعليمي لم يتجاوز الصف الرابع الابتدائي- قد يبدو مثقفاً وذلك فقط عند مقارنته برفاق له في السلطة كان الواحد منهم بالكاد "يقدر يفك الخط"!

وبالعودة لمحاضرته المذكورة التي ألقاها في علماء الدين بعدن فإنني دققت فيما تحدث به فوجدت الآتي:

أولاً: كان يتحاشى ذكر اسم الله, فكلما أراد أن يثبت بأن السلطة بعدن لا تناقض الإسلام فإنه يستشهد بآيات من القرآن متجنباً تماماً أن يقول "قال الله.." فقد كان يقول "قال القرآن.."! والمرة الوحيدة تقريباً التي ذكر فيها اسم الله فإنه فعل ذلك مرغماً فقد أراد إظهار أن الإسلام لا يرفض الحزبية فاستشهد بأن الآية تقول "ألا إن حزب الله هم الغالبون"!! وأردف "وهذا يعني أن للنبي محمد وأصحابه حزباً"! وهكذا أثبت بأنه ليس لديه إلمام بأهم الآيات القرآنية فقد ادّعى بأن الآية تقول "ألا إن حزب الله هم الغالبون"!! مع أنه ليس هناك آية تقول ذلك ولكن هناك آية بسورة "المائدة" (برقم56) تقول "ومن يتولّ الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون" وهناك آية بسورة "المجادلة" (برقم 22) يجيئ فيها ".. أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون" فحاول أن يظهر بمظهر المثقف دينياً فخلط الحابل بالنابل فطلع علينا بآية لم ينزلها الله فقد خلط بين الآيتين الصحيحتين المذكورتين فقال "ألا إن حزب الله هم الغالبون"!! وذلك أمام علماء الدين الذين لم يجرؤ أحدهم على التصحيح له تجنباً للسحل حتى الموت مثلما جرى قبلها بأعوام لعلماء دين في مختلف أنحاء الجنوب وأكثره وقع في أرجاء ما يعرف حالياً بمحافظتي شبوة وحضرموت بزعم أنهم كهنوت وأنهم سبب تخلف المجتمع!.

ثانياً: ذكر اسم "محمد" (صلى الله عليه وسلم) مراراً لكنه لم يقل ولو لمرة واحدة "صلى الله عليه وسلم" أو "عليه أفضل السلام" ولا حتى "عليه السلام"!

ثالثاً: تجنب تماماً أن يسبق أو يتبع اسم "محمد" (صلى الله عليه وسلم) بعبارة رسول الله أو نبي الله! وأحياناً كان يقول "النبي محمد" لكن دون أن يقول أبداً "نبي الله محمد"!

رابعاً: وذكر اسم علي بن أبي طالب (كرم الله وجهه) مجرداً فلم يقل "كرّم الله وجهه" أو "رضي الله عنه"!

كما أن الاستشهاد بورود عبارة "حزب الله" في القرآن لتبرير الأخذ بالحزبية إنما هو استشهاد خاطئ وتبرير ساذج فكلمة "حزب" الواردة بالقرآن لا يقصد بها أبداً حزباً سياسياً فحينئذ لم تكن قد ظهرت الأحزاب السياسية ولكن يقصد بها "جماعة" وهذه الجماعة حددها الله بما يلي "من يتولُّ الله ورسوله والذين آمنوا" (المائدة،56) لكن ثقافة عبدالفتاح "الرفيعة جداً" جعلته يتوهم بأن المقصود فيما جاء بالقرآن هو الحزب السياسي!! ولأن الشيئ بالشيئ يذكر, فإن عبدالفتاح مؤسس الحزب الاشتراكي اليمني ورفاقه "المثقفون على الطاير" (في حديث متلفز قال علي عنتر "أنا أفهم الماركسية على الطاير" وعلى الأقل تواضع فلم يدّعي أنه منّظر ومفكر مثلما فعل بعض خلفاء أبي جهل) إنما ينطبق عليهم ما جاء بالآية 19 من سورة "المجادلة" حيث قال سبحانه وتعالى "استحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله أولئك حزب الشيطان ألا إن حزب الشيطان هم الخاسرون".

ومما جاء في كلمه عبدالفتاح أن قانون الأسرة الذي صدر وألغى حق الرجل في تعدد الزوجات إنما "ينسجم مع جوهر الإسلام"! واستشهد بأن القرآن قال "وإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة" والصحيح هو "فإن خفتم" وليس "وإن خفتم" لكنه فوق ذلك أخذ يتفلسف قائلاً "وهذا يعني أن الإنسان كبشر, إن الإنسان كعواطف لا يمكن أن يكون له عدد من القلوب وعدد من العواطف يوزعها على عدد من الزوجات"!! وبالطبع لم يجرؤ أحد من علماء الدين الحاضرين أن يقول له "أنت تفتي بغير علم فالإسلام لم يشترط لتعدد الزوجات المساواة في العواطف ولكن المساواة المادية كالمساواة في المبيت وأن يعدل الرجل بين نسائه في الامور الحياتية والزوجية من مسكن وطعام ولباس وغير ذلك من أمور مادية أما مسألة العواطف فلا يمكن أصلاً المساواة فيها فالإنسان لا يستطيع التحكم بعواطفه ليوزع حبه للآخرين بالمساواة فسيكون بين أصدقائه من هو أقرب إلى قلبه وحتى أبناؤه سيكون بينهم من هو أقرب إلى نفسه.. لكن هكذا هو عبدالفتاح اسماعيل الذي زعم بعض رفاقه بعد الوحدة اليمنية بأنه وهو في السلطة كان يحفظ القرآن كاملاً! وكان يصوم رمضان! بل يصوم من قبل رمضان بشهر وإلى ما بعده بشهر! وأنه كان يقيم حلقات الذكر في استراحته بجبل معاشيق بعدن! وسأدخر لوقت آخر أموراً أخرى حرض عليها عبدالفتاح ضد ما أمر الله به فليس من الحكمة أن أفرغ هنا كل ما في جعبتي ورفاقه يتربصون ليحاولوا تكذيبي ومن يريد تكذيبي فعليه أولا أن يطالع "التنويه" بالسطر القادم فسيكفي لردعه.

تنويه: من لا يصدقني فيما سردته عن حديث عبدالفتاح اسماعيل لعلماء الدين فعليه أن يبحث مثلاً عن صحيفة "الثوري" الصادرة في 6 مايو 1978 فسيجد كلمة المذكور منشورة بها.

توضيح: حتى لا يرد أحد بأنني أنا أيضاً لم أقل في عقب آيات القرآن عبارة "صدق الله العظيم" فإنني أوضح بأنه في إعتقادي لا يصح أن نحكم نحن البشر بصحة أو عدم صحة ما قاله الله وقد يعتبر البعض أن عبارة "صدق الله العظيم" بدعة لكنني أعتبر-والله أعلم- ترديدها حراماً فكلام الله جل جلاله لا يحتمل الخطأ. ولست مستعداً لمناقشة من سيدلل بأن قراء القرآن الشهيرين فلان وفلان وفلان يقولون "صدق الله العظيم" فمقدماً أرد بأنهم مخطئين وحجتي أوردتها.. لست من علماء الدين ورحم الله من عرف قدر نفسه ولكن الله وهبني عقلاً لأفكر به فتوصلت لذلك والحمد لله رب العالمين ولن يكون بين علماء الدين من لديه حجة تهدم حجتي وتثبت سلامة ترديد عبارة (صدق الله العظيم) عقب تلاوة آيات القرآن.