وأنا أشاهد الآلاف من شعب السبعين أو الحشود المليونية كما وصفها وضبطها ورتبها إعلام المخلوع، وهم يهتفون "الشعب يريد علي عبدالله صالح"، و "ما لنا إلا علي"، أدركت جلياً عظمة هده الثورة الشبابية الشعبية السلمية التي اجبرت المخلوع على تسليم السلطة بعد أن نزع الله ملكه، والتي لولاها ما سلّم حتى سيارة واحدة من آلاف سياراته، فكيف بعرش مملكته،
فها هو المخلوع يظهر متشبثاً بكرسي السبعين، متظاهراً أنه سلّم طواعيةً، وأنه راضٍ عمّا آل إليه، بينما في قرارات نفسه تمنى لو أن كرسي السبعين يعود كما كان سابقا، وأن كل شيء ما زال بيده وتحت أمره حتى يطبق النهدين على من يسكنه ويزلزل الارض تحت أقدام الشعب الدي خلعه وقضى على ملكه، خاصة عندما كان يهتف شعبه - شعب السبعين – "الشعب يريد علي عبدالله صالح"، متناسياً أن الله هو من نزع ملكه وما يبقيه إلا ليرينا فيه آياته.
كما أدركت - أيضاً - عظمة سلمية هده الثورة السلمية التي حقنت دماء اليمنيين وأعتقته من الظلم والخنوع والاستعباد.
وبالمقابل حزنت كثيرا انه ما زال لنا إخوة من افراد شعبنا اليمني العظيم يسمّون "شعب السبعين"، ما زالوا يعيشون القرون الوسطى، ومغلوبين على امرهم، ولهم حق علينا أن نساعدهم ليتحرروا من تمجيد الشخوص الى تمجيد الشعوب والأوطان ومن تمجيد العباد الى تمجيد رب العباد.
وما لفت انتباهي أكثر أن شعب السبعين لم يحترموا حتى الرئيس الشرعي للبلاد، وهم يهتفون "الشعب يريد علي عبدالله صالح"، وكأنهم يريدون أن يوصلوا للرئيس هادي أنت لست رئيسنا فنحن لا نريدك، وهذه هي الحقيقة لأن من أتى بهادي الى السلطة هو الشعب اليمني الذي قام بالثورة وليس شعب السبعين الذي يهتف ضده،
فتساءلت يا ترى من يفترض أن يُحاكم؟ هل المخلوع صالح؟ ام اولئك الدين ظلوا ينتحلون شخصيتنا ويهتفون باسمنا في السبعين طوال ثلاثة وثلاثين عاما.. قائلين: "الشعب يريد علي عبدالله صالح"؟، و يا ترى من منحهم هذا الحق طوال ثلاثة عقود ونيف، وهم يمثلوننا دون ان نوكلهم عنا؟. ولماذا مازالوا يهتفون باسمنا رغم اننا قد خرجنا وانتزعنا منه حريتنا؟، وهل تمثيلهم لنا طوال ذلك الزمن هو وفق دستور وقوانين البلاد؟.. وإذا هو مخالف لدستور وقوانين البلاد فما هو العقاب؟ فلم اجد ما يوجب ذلك التمثيل في دستور البلاد، وللأسف ايضاً لم اجد العقاب,
وبينما انا أشاهد هذا الموقف الحزين والمؤلم لشعبنا في السبعين وهو يسبّح بحمد بشر لا يسمن ولا يغني من جوع، وللأسف بعد عامين من الثورة التي حررتنا من العبودية والاستعباد غفوت قليلاً بعيد ظهيرة ذلك اليوم واستحضرني في غفوتي مشهد آلمني وأحزنني اكثر، هو أن الثورة الشبابية لم تقم وأن انتخابات 2013 جاءت، والتي كان يقول المخلوع وشعب السبعين إبان قيام الثورة: إنه ما في داعي لخروج الشباب الى الشوارع لأن علي صالح لن يترشح مرة أخرى، وأنه سيسلّم السلطة في انتخابات 2013 سلميا، والتي كنا حينها نقول لإخواننا "شعب السبعين" يا جماعة صاحبكم كذاب وقد جربناه اكثر من مرة وكلكم تكذبوا علينا فماهي الضمانات؟، وكانوا يقولون لنا: لا.. هذه المرة على ضمانتنا فقط انتم غادروا الشوارع وارجعوا بيوتكم ولا يهمكم وبطيبتنا نحن او سذاجتنا صدّقناهم وغادرنا الشوارع وعدنا الى بيوتنا.
وبينما انا ما زلت في غفوتي إدا بعام 2013 قد اقبل وبدأ الناس يستعدون للانتخابات الرئاسية وكلنا في فرحة عظيمة ان علي صالح لن يترشح كما وعدنا اخواننا شعب السبعين، نفاجأ بإخواننا "شعب السبعين" الضامنين لنا يملأون السبعين ويهتفون: "الشعب يريد علي عبدالله صالح"، و"ما لنا إلا علي"، وإذا بالمخلوع يعتلي منبر السبعين ويخطب كعادته قائلا: لقد سئمنا السلطة والسلطة مغرم مش مغنم وأنا ملّيت السلطة ولا اريدها لكن نزولا عند رغبة الشعب وحتى لا يموت الشعب، وكي لا يجوع الشعب، وحتى لا يحزن الشعب، ومن اجل الشعب سأظل على كرسي السلطة ليس حبا في الكرسي - لا سمح الله - ولكن حبا في الشعب وطبعا الشعب في نظره هم الذين حشدهم في السبعين، أما من هم خارج السبعين فليسوا بالشعب.
فقلت: يا الله أليس هؤلاء هم الضامنون الذين أقسموا لنا الأيمان أنه لن يترشح ابدا وطبعوا وجوههم لنا عندما خرجنا نطالب بإسقاطه في فبراير 2011، وقالوا لنا: خلوه يكمل فترته الى 2013، وعودوا بيوتكم وعلى ضمانتنا، إنه لن يترشح وسيسلم السلطة ويغادر، وايضاً لن يرشح ابنه أحمد أبدا، وصدّقناهم وغادرنا الساحات.
فإذا بهم يخونون العهد الذي عهدوا لنا ويخلون بالضمانة ويصرون هم على بقائه اكثر من اصراره هو بل ويقسمون الأيمان المغلظة ما يغادر لو يسيل الدم للركب، ويهتفون باسمنا "ما لنا إلا علي"، و"الشعب يريد علي عبدالله صالح"
ويظهر هو وكأنه صادق لأنه يقول أمام العالم وأمامهم: انا لا اريد السلطة لكن هم من اجبروني عليها
وبالمقابل هم، وبدون أي ذرة من حياء أو خجل، يؤكدون ذلك، ويقولون: نعم هو ما يريدها ابدا ونحن اجبرناه عليها.
فتألمت كثيرا لأنه تم استغفالنا والغدر بنا من قبل اخوتنا "شعب السبعين"، وأدركت أنهم هم من يحتاجون لضامن عليهم، وكان علينا ان نأخذ ضمانات عليهم أنهم لن يرشحوه مرة اخرى، وأنهم لن يخرجوا ابدا الى السبعين، وإن خرجوا فلن ينتحلوا شخصيتنا ويهتفوا باسمنا "الشعب يريد علي عبدالله صالح".
وبينما انا استحضر في غفوتي هذا المشهد المؤلم والمحزن قلت لنفسي: يا الله ليتنا ما غادرنا الشوارع، وليتنا واصلنا ثورتنا ولا صدقنا اخواننا "شعب السبعين" عندما وعدونا وضمنوا لنا أنها اخر فترة لعلي صالح، بل وضمنوا لنا - ايضاً - أنه حتى ابنه احمد لن يترشح
وبين مد وجزر وألم وحزن وتقلّب يمنة ويسرة صحوت من غفوتي وكلي حزن وألم وندم لما حصل وبدأت أسترجع أنفاسي قليلا من الصدمة التي لحقت بي، فإذا كل ما حصل كان حلما، ومشهد تركنا لشوارعنا لم يحصل بعد وثورتنا قد أسقطت علي صالح، وما زالت قائمة، وأننا قد دخلنا عهدا جديدا، ولدينا رئيس جديد ففرحت كثيرا وحمدت الله عز وجل أن كل ما حصل في غفوتي كان اضغاث احلام وليس حقيقياً
إلا مشهداً واحدً - للأسف الشديد - كان واقعياً، وكم تمنيت أنه كان حلماً وهو عقلية علي صالح وشعب السبعين الذي تكون لديهم مرض مزمن اكتسبوه طوال ثلاثة عقود، وهو أن الشعب عند علي صالح وأزلامه حتى بعد ان اسقطته الثورة هو من يحتشد في السبعين فقط وما سواهم ليسوا بالشعب،
ومن جهته شعب السبعين حتى بعد أن هدى الله معظمه للانضمام الى الثورة وبعد خلع زعيمه وبعد قدوم رئيس جديد اكتسب نفس المرض، حيث يرى أنه هو الشعب ولا شعب سواه، وأن رئيسه هو علي صالح ولا سواه،
ويثبت ذلك المرض المزمن لدى علي صالح وشعب السبعين انه عندما خرج ملايين الشعب اليمني من كل حدب وصوب مطالبا برحيله خرج المخلوع مغاضباً، هؤلاء مجموعة مخربين شرذمة وليرحلوا هم لأن الشعب عنده هو شعب السبعين الذي ظل ينتحل شخصية الشعب اليمني كله طوال عقود ثلاثة، هاتفاً الشعب يريد علي عبدالله صالح وما يزال حتى بعد عامين من إسقاط عرش زعيمه.
وللأسف أدركت حينها ان العيب ليس في شعب السبعين المغلوب على امره بل في الثورة الشبابية التي انتزعت من صالح كرسي الحكم وحررت اليمن شرقه وغربه أنها لم تتنبه لذلك المرض المزمن الذي اكتسبه علي صالح وشعب السبعين.
حتى غدا شعب السبعين يكتسب مرضاً جديدا اسوأ وأخطر من سابقه وهو عدم الاستطاعة على التفريق بين بديهيات الحياة )الابيض والأسود والليل والنهار والنور والظلام والشر والخير وعلي وعبدربه) وأصبح همه الاول والأخير هو ما حصل في البلاد ازمة وليس ثورة وأي شيء آخر لا يهمه حتى لو أطعمته ذهبا.
وكأنهم لن يقتنعوا انها ثورة إلا إذا رأوا زعيمهم الذي علمهم السحر يحاكم خلف القضبان كرفيقه حسني مبارك او هاربا كرفيقه زين العابدين، او مختبئاً في احد المجاري الضيقة كرفيقه القدافي لأنهم لم ولن يدركوا ابدا ان الشعب اليمني ارادها سلمية.. قائلا: كفا الله المؤمنين شر القتال،
ولكي نقضي على هذه الامراض المزمنة التي سكنت المخلوع وشعب السبعين وحتى لا تتفشى هذه الامراض الى أي رئيس آخر أو الى كل افراد الشعب فإنني ادعو شباب الثورة الذين يمثلون الشعب كل الشعب للتوجه في الثامن عشر من مارس الى السبعين لتدشين الحوار منه وتحريره وتحرير شعبه والاحتفال فيه بالثورة التي حررت الشعب وكل بقاع اليمن من العبودية. والاستعباد ولم يبقَ سوى ميدان السبعين ومن يخرج الى ميدان السبعين وليرفعوا راية الثورة على أسواره ويبطلون اسحاره ويهتفون من على مدرجاته للوطن والشعب والحوار.
وهذا ليس للتعريف بالثورة التي لا تحتاج لتعريف بل من اجل القضاء على الامراض المزمنة التي اكتسبها المخلوع وميدان السبعين وشعب السبعين المسكين المغلوب على امره
وبعد القضاء على تلك الامراض المزمنة التي لحقت بشعب السبعين الذي هو جزء من شعبنا اليمني العظيم يعلن الشعب اجمع تحرير اليمن بتحرير السبعين ويدعون جميع الاطراف المتصارعة الى نبذ الفرقة والأحقاد والانتقام وطي صفحة الماضي والذهاب الى الحوار ولا سوى الحوار.
ثم يشيّدون في السبعين مجسما للثورة الشبابية الشعبية السلمية الاولى من نوعها في التاريخ اليمني المعاصر، ويكون اعلى هرمه بناء اليمن الجديد وأعمدته النظام والقانون والمحبة والسلام وقواعده العدل والمساواة والتسامح والحوار.
وحتى تتطهر المنطقة اجمع يتم رفع لوحة كبيرة على الجامع المغتصب من قبل الصالح او غير الصالح، ويكتب عليها بالبنط العريض، والعريض جدا، جامع الشعب لأن ارضه ارض الشعب، وبُني من مال الشعب.
بعد ذلك يعلنون السبعين المترامي الاطراف ودار الرئاسة مدنا تجارية وطبية وعلمية وحدائق وملاهٍ ونوادٍ للشعب علّه ينسى مآسي وويلات سنين الزعيم العجاف.