المختطفون في اليمن
بقلم/ أحمد عايض
نشر منذ: 16 سنة و 8 أشهر و 26 يوماً
الإثنين 04 فبراير-شباط 2008 05:54 م

ثمة متغيرات أدرجت عرضا في سلوكيات القبيلة في الوقت الراهن , وثمة مفردات جديدة دخلت في قاموسها , كانت إلى وقت قريب وخلال العقدين الماضيين من تاريخ اليمن يوصف من يمارسها بالوقوع في العيب الكبير .

مصطلح ألاختطاف في قاموس القبيلة مفهوم جديد , أدرج في سياق أحدث قلت فيها وسائل البحث عن إرجاع الحق لأهلة وإعادة الأمر إلى نصابة .

لن أخوض في تاريخ ألاختطافات في اليمن التي تنوعت واختلفت باختلاف المطالب , فإن كان الأمر متعلق بالدولة فإن اختطاف الأجانب يأتي في طليعة ألأهداف التي تفتح شهية المطالبين بتلك الحقوق, وإن كان الأمر يتعلق بقضايا " أشخاص فيما بينهم " فإن ألأمر يقتضي اختطاف فرد أو إفراد من الطرف الأخر .

ورغم أن موضوع اختطاف القبائل لبعضهم البعض حديث عهد على تاريخ القبيلة في اليمن , إلا أننا نجد تزايد هذه الظاهرة بشكل مخيف وتوسعها بشكل ملحوظ .

تعتبر حادثة الاختطاف التي جرت بين قبيلة نهم والحيمة قبل أكثر من خمس سنوات تقريبا هي أولي عمليات الاختطاف التي تجري بيننا كيمنيين ,والتي مثلت الشرارة الأولي لتلك العمليات, حيث تتالت بعدها العمليات في عدد من محافظات الجمهورية , كان أخرها ما جرى خلال نوفمبر الماضي للقاضي علي قاسم المتوكل – 93- عاما الذي ظل مختطفا في منطقة خولان قرابة خمسه أشهر ولم يشفع لة كبر سنة أمام خاطفيه .

وما تعرض له الطفل خالد محمد عواس صاحب العشر سنيين من اختطاف على أيدي قبيلة جهم في مأرب , وما جرى للطالب مناع حاتم أبو حاتم - 22 - عاما والمختطف من قبل قبائل الجوف .

ثلاث نماذج لثلاث عينات عمريه هي " الطفولة والشباب الشيبة " , وكل هذه الأعمار لم يحترم أي منها , فلا رحمة لشيبة كبير , ولا لصغير ضعيف ولا لشاب طموح , ورغم أن القبيلة لا تعترف أصلا بهذه الأساليب التي يعدها وجهاء القبائل " عيبا كبيرا " .

والباحث عن مواقف العرف القبلي إزاء هذه الظاهرة نجد أن الأحكام القبيلة الصادرة ضد من يقوم بتلك ألأعمال تكون مغلظة وتختلف من عملية إلى أخرى , فعلي سبيل المثال الأحكام القبيلة التي صدرت ضد قبائل صعدة الذين اختطفوا أحد إفراد قبيلة أرحب , والتي انتهت تلك العملية بعد يومين أثنين بعد تحرك عشرات الأفراد من قبيلة أرحب بسلاحها إلى صعدة لفك ذالك المختطف, حيث قامت قبائل صعدة بتحكيم قبيلة أرحب وصدر حكم مغلظ ضدهم ينص على تقديم 11 ثور مع كل ثور 100 ألف ريال, في حين نجد حالات أخرى تنتهي بإطلاق سراح المختطف فقط دون أي أحكام عرفية تصدر ضد الخاطفين .

كما نود الإشارة إلى أن قضية الحُكم في تلك العمليات يختلف من قبيلة إلى أخرى ومن شخص إلى أخر كما تلعب القبيلة وشخصية المُختطف في تغليظ الحٌكم أو تخفيفه .

وغير بعيد عن الموضوع نجد إن السنوات ألأخيرة شهدت ازديادا ملحوظا لتلك الحوادث التي تهدف في الأصل لأحداث عوامل ضغط على الطرف الأخر لتنفيذ ما يطالب به الطريف ألآخر .

كما أن غالبية الحلول التي قدمت خلال السنوات الماضية في عمليات الإختطاف تمت من قبل القبيلة في ظل غياب كامل لدور السلطة وأجهزتها ألأمنية باستثناء حالات قليلة , حتى وإن كانت هناك تدخلات لجهات رسمية في الدولة فإن تحركاتها ومواقفها كانت تنطلق ضمن إطار القبيلة بعيدا عن رسميات السلطة وتشريعات القضاء .

ورغم مأساوية المشهد وتداعياته على السلم الاجتماعي في اليمن , إلا أن هناك بعض المشاهد التي يجب أن يطلع عليها القارئ وهو أن المختطف وفي أغلب ألأحيان يعامل معاملة الضيف باستثناء حالات معينة - كما حصل مع القاضي علي قاسم المتوكل- ولا يمارس علية أي أنواع من التعذيب أو الإهانات .

وعلى كل فإن تلك الظاهرة الدخيلة على أعراف القبيلة وقيمها تحتم على المدافعين عنها أن يبادروا إلى وضع ميثاق شرف يجرم تلك ألإعمال ووضع أحكام قبيلة مغلظة , باعتبار أن تلك الأعمال تقود القبيلة إلى مستنقع خطير سيعمل في قادم الأيام إلى تصدع في هيكلها العرفي ومنظومتها الداخلية .

كما أن على الجهات المسئولة في الدولة أن تقنن لمثل هذه الأعمال وتضع لها الردع الكافي حتى يضمن للفرد احترام مكانته في مجتمع يسير نحو التوحش .

ويأتي في طليعة الاهتمامات التي يجب أن تركز عليها السلطة جانب القضاء وتفعيل دور الحاكم وحسن اختيار القضاة خاصة في المناطق الريفية والقبلية بالتحديد , باعتبار أن الغالبية العظمى من الناس هناك تلجأ للعرف القبلي , ليس عزوفا عن الشرع وإنما روتين المحاكم والقضاء وتطويل البت في القضايا يكون حجر عثرة في إقبال الناس عليها .

سؤال للجميع

إذا وضعنا تساؤل عن ماهية الأسباب التي تجعل من أولئك القبائل يلجئون إلى مثل تلك ألأساليب نجد أن موضوع غياب القانون وفوضى المحاكم في طليعة ألأسباب .

وهي أسباب تجعلنا نتساءل هل نحاكم القبيلة على همجيتها في تلك التصرفات أم السلطة ودروها الهش الذي قاد الناس للبحث عن طرق مهما كانت – مبرراتها – للوصول إلى الحق المفقود في نظر أولئك .

كما أن قيام السلطة وأجهزة الأمن بممارسة مماثله لتلك الأعمال أعطى ضوءً أخضراً أخر للقبائل في ممارسة نفس الدور التي تلعبه تلك ألأجهزة مع المواطنين أنفسهم .

قاموس أجهزة الأمن في اليمن حافل بالعديد من عمليات ألاختطافات التي وصلت إلى الاختطاف من داخل غرف النوم ومن على أرصفة الشوارع واقتياد الناس إلى الغرف المظلمة وغياهب السجون بدون أي مبررات .

ممارسة العديد من أجهزة الدولة خاصة الأمنية لمثل تلك ألأساليب الغير قانونية عمل على كسر هيبة القانون والقضاء في نفوس الناس وأصبح المثل القائل " حاميها حرامها " هو السائد كثقافة لدى المجتمع .

واقعنا اليوم هو وطن يشرع القائمون علية مساحات من الفوضى الإستباحية لتقضي علي بقايا عرف وأجزاء من فضيلة مجتمع , عبر سكوت مخيف لسلطان مشغول بالذات ومسئول يبحث عن رفاهيات الحياة وحاكم يسير بنا خارج حدود الحياة .

إن بقاء الوضع الحالي كما هو علية الآن هو تشريع غير مباشر من القائمين على مقاليد الأمور إلى رفض دولة النظام والقانون وتعزيزا لدولة تؤسس للصراع الداخلي بين أهل الدار الوحدة , خاصة عندما يتصارع الناس ويأسر كل طرف الأخر , وتتحول الحياة إلى ساحة من الصراع وتصفية الحسابات .

* ينشر بالتزامن مع صحيفة المصدر