مارب والحوثي بين معركتين : حق البقاء أم كسر العظم
بقلم/ يحي الثلايا
نشر منذ: 4 سنوات و 3 أشهر و 20 يوماً
الأحد 12 يوليو-تموز 2020 07:03 م

منذ اكثر من خمسة أشهر، تواجه محافظة مارب حربا وجبهات مفتوحة لم تتوقف ساعة واحدة بل تسير الحرب بوتيرة هي الاعنف منذ بداية الحروب بين اليمنيين والحوثي منذ اكثر من 7 سنوات.

لم تكن سهلة ابدا ارتدادات سقوط مديرية نهم ثم مدينة حزم الجوف بيد الحوثيين، وأغلب مايجري منذ بداية العام هو نتيجتها، كانت نهم بوابة الصد الاهم عن مارب والجوف، بسقوطها بيد جماعة الحوثي لم تنفتح نهم كبوابة عسكرية أمام الحوثي فقط، بل انفتحت معها ايضا شهية الحوثيين ومعنوياتهم بشكل غير مسبوق.

ظن الحوثيون بعد تجاوزهم الجبل أن المعركة صارت في متناولهم، واعتقدوها او قرروا ان تكون مارب هي معركتهم الاخيرة، تغلب عليهم هذا الشعور والفعل نتيجة انفتاح شهيتهم بسقوط نهم وتبعا لما اعتقدوه قراءتهم وتحليلهم لواقع وتفاصيل جبهة خصومهم الميدانية والسياسية والدولية .

الاستنفار والتحشيد الحوثي المستمر على اعلى مستوياته العسكرية والامنية والسياسية والاجتماعية تجاه جبهات مارب، والذي يتوازى مع الاستماتة المهولة والمجنونة ميدانيا من قبل مجاميعه وكتائبه وآلياته التي لم تتوقف ساعة يكشف ان الجماعة ألقت بكل ثقلها في هذه المعركة.

قبل اربعة اشهر سوّقت الجماعة داخليا وخارجيا بشكل واسع ان مارب على وشك السقوط خلال ساعات وأيام، مرت الايام والاسابيع والاشهر ليكتشف الحوثي نفسه يدور في الفراغ وفي ذات المربع حاصدا كم مهول من مقاتليه الذين أكلتهم السفوح والسهول بأعداد هي عشرات أضعاف ما خسرهم في معركة الجبل.

نتذكر جميعا إعلان التهديدات والأيمان الحوثية المغلّظة للحوثيين أنهم لن يصوموا رمضان إلا وسط مجمع مارب.

تقريبا كان ذلك الإعلان اخر ترسانته الجادة من المزاعم والتهديدات، لكنه من قبلها بأشهر حتى اليوم لم يربح كيلو متر واحد على امتداد الجبهات المفتوحة والمشتعلة من شرق حزم الجوف مرورا بمفرق الجوف وصلب وهيلان وصرواح وصولا إلى البيضاء، وكانت الخيبة ومواكب تشييع الاشلاء هي حصاده الوحيد باستثناء انكسارنا في قانية المرتبط بما شهدته مديرية ردمان.

في المقابل، تمكن الجيش الوطني خلال الفترة الماضية من لملمة بعضه اثر انكساره في نهم والجوف، وتمكن من تثبيت مواقعه واتخاذ سياسة دفاعية تصد العدو وتمكن من استعادة معنوياته وبدأ ينتقل إلى مربع الهجوم جزئيا في أكثر من محور حيث بدأ التحول لموقع المهاجم منذ شهر ونصف تقريبا وبشكل لا زال بالتأكيد رمزيا.

اجتماعيا وقبليا، خسر الحوثي اهم وأخطر الاوراق التي اشتغل عليها كنسق ثاني لفترة طويلة، اشتغل الحوثي بكل قوته وإمكاناته الاجتماعية والمخابراتية محاولا احداث إختراقة عبر مغازلة واستقطاب وتجنيد عناصر اجتماعية وأمنية من قبائل مارب بإمكانات مهولة خصصها لهذه المهمة لكنه انصدم بفشل كل محاولاته في التأثير على قبائل مأرب.

وبفعل اليقظة الامنية والمجتمعية في مارب تساقطت وانكشفت تباعا أغلب الخلايا الاجرامية والمخابراتية التي كان يعول الحوثي على زراعتها وتجنيدها في مدينة مارب ومديرياتها قبل أن تتمكن من تحقيق احلامه وعاد للتباكي الفاضح عليها كما تابعناه عقب ماجرى مع خلية سبيعيان.

الحسبة والتحليل الذي بنى عليه الحوثي قرار معركته هذه، كانت منطلقة من اعتقاده أنه سيعلن خوض معركة ضد حزب الاصلاح فيظفر بدعم خصوم ومنافسي الاصلاح كما كان يفعل من قبل، واعتقد ايضا ان المهاترات التي احدثها الخلاف الخليجي داخليا وتحركات الانتقالي والامارات جنوبا ستصب في صالحه، لكنه في مارب خسر رهانه هذا.

بعد أشهر من المعركة المستمرة، اكتشف الحوثي ان ضحاياه واوراقه القديمة من خصوم الاصلاح لم يعودوا كروتا رابحة ابدا، لم يستطع انتزاع اي صوت او موقف حتى اعلامي، ولو من شخصية ماربية محترمة واحدة لها اسمها السياسي والقبلي بما في ذلك الذين كانوا يخاتلونه سرا، كل اليمن ومكوناتها لم تعد تثق بالحوثي أو تأمنه وإن كان الكثير لا زالوا يهابون ويجاملون سطوته مؤقتا.

أما الاصلاح فقد أحس اكثر بالخطر وتيقن من حجم الحقد والفجور السلالي ضده، فالتحم بكل قوته مع الجيش كمكون رئيسي في المعركة.

بل زادات الاحداث والمخاطر من تماسك وانسجام حزب الاصلاح ميدانيا مع قيادة الجيش والاشقاء في التحالف السعودي، الجميع يدرك هنا في مارب ان تناغم اداء وتنسيق الجيش والاصلاح والتحالف خلال الاشهر الماضية هو الافضل والاكثر ايجابية وفي أعلى مستوياته ربما منذ بداية المعركة.

يخوض الحوثي ما أطلق عليها معركة "كسر العظم" التي يريدها لخصومه، ومعركة بهذا الاسم والعنوان هي معارك قابلة للربح والخسارة واحيانا قد تبدو ترفا أو نزوات.

بينما تخوض مارب (مأرب كقضية وجغرافيا ومجتمع ووطن) معركة "البقاء" وقررت أن تستميت دفاعا عن حق الحياة الذي استهدفه الحوثيون.

مأرب اليوم، تدرك جيدا وبيقين تام وكل من فيها ان الحوثي لو تمكن أو وجد ضعفا فلن يكتفي بكسر العظام وحتى ازهاق الارواح بل سيوغل في الحقد والتدمير

والفجور، لن يترك أمامه احدا ولا شيئا، لكنها رغم ذلك لا تدافع عن مجتمعها وساكنيها فقط او برميل نفط هنا او محطة هناك.

تقف مارب اليوم كحائط صد يحمي البلاد كلها من الكارثة التي قد تحرق كل اليمن وتمتد إلى الاقليم ايضا بشكل اخطر وابشع من الذي رأيناه وعشناه خلال السنوات الماضية.

سنن الكون، وقصص التاريخ، وعدالة الله، كلها حقائق وتجارب تقول ان الحركات الشاذة مهما انتفشت وتمددت لا يمكن ان تهزم ارادة الشعوب او تفني أمة بأكملها، وقدر مارب اليوم ان تكون هي النافذة التي يتسلل منها الضوء ليبدد سواد أعوام الإمامة العجاف التي تسللت إلى حياة الشعب وأطبقت عليه الظلام في رابعة النهار.

وسيسجل التاريخ لكل صاحب موقف كلمته وموقفه كما هو، اما مارب واليمن فستظل اكبر من الاشخاص والمنافع والتفاصيل.

والله مع المتقين.