إيران وحروب الوكالة في المنطقة.. توظيف المليشيَّات
بقلم/ مارب برس
نشر منذ: 8 أشهر و يومين
الأحد 17 مارس - آذار 2024 11:13 م

مارب برس / د. ناصر الطويل

مقدِّمة:

أدَّت التطوُّرات التي عرفها العالم خلال نصف القرن الماضي إلى تغيير في نمط الحروب التي تنشأ بين الأطراف الدولية، فقد تراجعت إلى حد ما الحروب التقليدية التي تتقاتل فيها جيوش نظامية تابعة لدول، وبرز نمط جديد مِن الحروب يُطلق عليها الحرب اللَّا متماثلة (الحروب غير المتكافئة)، وهي أحد أنواع ما يُعرف بحروب الجيل الرابع، أو الحروب الحديثة؛ وهي حروب يكون أحد أطرافها دولة أو عدد مِن الدول، ويكون الطرف الثاني مليشيا أو تنظيم أو جماعة مسلَّحة، فيكون هناك فارق كبير في القوَّة بين الطرفين، غير أنَّ الطرف الثاني يستغلُّ التطوُّر الهائل في التكنولوجيا، واتِّساع ميدان المعركة، والتعبئة العقائدية، في الضغط على مواطن ضعف الطرف الأوَّل، بما لا يمكِّنه مِن التنكيل به، أو تحقيق أهدافه.

وقد دعمت إيران سيطرة مليشيَّات وجماعات مسلَّحة تابعة لها في عدد مِن الدول (لبنان، العراق، سوريا، اليمن)، ووظَّفتها في حروب لا متماثلة مع أطراف دولية وإقليمية، لتحقيق أهداف متعدَّدة تخدم إستراتيجيَّتها في الهيمنة على المنطقة؛ ومِن ذلك الضغط لإخراج القوَّات الأمريكية والبريطانية والتركية مِن المنطقة، وخلق فراغ تملؤه إيران. كما وظَّفتها كذلك للاعتداء على دول المنطقة، ومحاولة الضغط عليها، كما حدث في حالات متكرِّرة مع السعودية والإمارات، وبدرجة أقل مع الأردن. ومؤخَّرًا تزجُّ إيران بهذه الجماعات والكيانات المسلَّحة في الاشتباك الإقليمي الحاصل في المنطقة على خلفية حرب الإبادة التي تقوم بها إسرائيل ضدَّ الفلسطينيين في قطاع غزَّة.

فما هي الحرب اللَّا متماثلة؟ وما هي العوامل التي أدَّت إلى ظهورها؟ وما هي خصائصها؟ وكيف عملت إيران على توظيفها لتحقيق أهدافها العسكرية والسياسية في المنطقة؟

 

الحرب اللَّا متماثلة:

يشير مفهوم الحرب اللا متماثلة إلى نزاع عسكري يكون أحد أطرافه مليشيَّات أو جماعات مسلَّحة، والطرف الآخر دولة، ولا تكون قوَّة طرفي النزاع متماثلة (متكافئة)؛ وقد لا يقتصر عدم التماثل على القوَّة العسكرية فحسب، وإنَّما قد يتجاوزها إلى إستراتيجيَّات وتكتيكات الحرب أيضًا، حيث يعمل كلُّ طرف في هذا الصراع على استغلال نقاط ضعف الطرف الآخر، فيحاول الطرف الأضعف استخدام إستراتيجية تعوِّض عن النقص في نوعية وحجم القوَّات والعتاد ، وقد لا تكون تلك الإستراتيجيات عسكريَّة بالضرورة .

تعود جذور هذا المصطلح إلى أواخر السبعينيَّات مِن القرن الماضي، عندما أثار الكاتب الأمريكي، "أندرو مارك"، في مقالة له، عددًا مِن التساؤلات حول أسباب هزيمة الولايات المتَّحدة الأمريكية، رغم قوَّتها، أمام جماعات مسلَّحة متواضعة القوَّة تنتهج حرب العصابات، في فيتنام. وفي نفس الفترة الزمنية تقريبًا، طرح العديد مِن العسكريين والإستراتيجيين الأمريكيين تساؤلات مشابهة. وقاد ذلك كلُّه إلى تبلور مصطلح "الحرب اللَّا متماثلة"، الذي يعبِّر عن تقنيات الحروب الحديثة غير التقليدية وغير المتكافئة. والذي يُعدُّ أحد أنواع "حرب الجيل الرابع" ، (Fourth-Generation Warfare) (4GW) 

لم يحظ تحليل "ماك" بالاهتمام في عصره، لكن ومع نهاية الحرب الباردة اهتمَّت الأوساط الأكاديمية والعسكرية الأمريكية بهذا المفهوم، وبدأت القوات العسكرية الأمريكية منذ عام 2004م تأخذ المشكلات المتعلِّقة بالحرب غير المتكافئة على محمل الجد؛ وفي الغالب كان يتمُّ ربط هذا المفهوم بحرب العصابات، والتمرُّد، والإرهاب، ومكافحة التمرُّد، ومكافحة الإرهاب.

 

المتغيِّرات التي أدَّت إلى ظهور الحروب اللَّا متماثلة:

تراكمت عدد مِن المتغيِّرات السياسية والتكنولوجية والعسكرية التي أدَّت إلى بروز نمط الحروب الحديثة، بما فيها الحرب اللَّا متماثلة، ومِن أهمِّها:

1-        الكُلفة الباهظة للحروب التقليدية:

فقد أصبحت الحرب النظامية، وهي الحرب التي تندلع بين الجيوش التابعة للدول، شديدة الكُلفة مِن الناحية الاقتصادية والسياسية والبشرية، وفي أحيان كثيرة تكون ذات خطر وجودي على الدولة (الأقلَّ قوَّة)، خاصَّة عندما تكون في مواجهة عسكرية مع دولة عظمى. ولهذا السبب باتت الكثير مِن الدول تُحجم عن الانزلاق إلى حروب نظامية في مواجهة دول أخرى.

وعلى الأرجح فإنَّ المخاطر الوجودية العالية المحتملة نتيجة الحرب هي التي منعت دولًا عربية وإسلامية، بما في ذلك مصر وتركيا والأردن وإيران مِن الانخراط في الحرب الجارية حاليًّا في فلسطين دعمًا لأهل غزَّة، بعد أن أرسلت واشنطن ودول غربية أخرى حاملات الطائرات والمدمِّرات والأسلحة الفتَّاكة إلى المنطقة.

كما أنَّ الحروب النظامية التقليدية تكون شبه مستحيلة بين الدول التي تمتلك أسلحة نوويَّة. وحتَّى إذا ما حدث نوع من الصدام العسكري فإنَّه يكون صداما مقيَّدا؛ وقد يتحوَّل إلى حرب استنزاف ممتدَّة دون أن تصل إلى المستوى الذي يمكن معه استخدام السلاح النووي .

ولكلِّ ذلك، تتَّجه الدول التي تحرِّكها أطماع توسُّعية إلى امتلاك سلاح نووي، أو دعم وكلاء محلِّيين موالين لها للانخراط في حرب لا متماثلة ضدَّ الأطراف المعادية لها، وهو ما تقوم به إيران على النحو الذي سنشير إليه لاحقًا.

2-        هشاشة/ انهيار الدول لحساب مليشيَّات مسلَّحة:

فقد تعرَّضت عدد مِن الدول، منذ انتهاء الحرب الباردة عام 1990م، إلى حالات مِن الهشاشة والضعف، وفي حالات أخرى التفكُّك، ويعود ذلك إلى صعود هويَّات أثنية (دينية، أو طائفية، أو عرقية، أو جغرافية، أو قبلية، أو مزيج مِن بعضها)، وتشكُّل مليشيَّات أو جماعات مسلَّحة مسنودة إلى تلك الهويَّات تقوم باختطاف سلطة الدولة، أو تغتصب بعض وظائفها، وتكون طرفًا في حرب داخلية أو خارجية على نحو ما هو حاصل في الصومال والعراق وليبيا ولبنان وسوريا والسودان واليمن، وعدد آخر مِن الدول الأفريقية.

ونتيجة لذلك، تغيَّرت مصادر وأشكال الحروب والصراعات في العالم، و"بحسب منظَّمة الأمم المتحدة فإنَّ معظم النزاعات اليوم تنشب بين فاعلين مِن غير الدول، مِن قبيل الميليشيَّات السياسية والجماعات الإجرامية والجماعات الإرهابية الدولية، وأصبح مِن عوامل النزاع السائدة التوتُّرات الإقليمية التي لم تحل، وانهيار سيادة القانون، وغياب مؤسَّسات الدولة أو اختطافها.." .

3-        التطوُّر الهائل في تكنولوجيا السلاح:

فقد شهدت تكنولوجيا الأسلحة العسكرية الكثير مِن التطوُّرات، خاصَّة بعد ظهور الطائرات المسيَّرة (غير المأهولة)، والتي باتت تضطلع بعدد كبير مِن المهام العسكرية والاستخباراتية، ومِنها الاستطلاع والرصد والمراقبة والتتبُّع، والهجوم على أهداف ثابتة أو متحرِّكة. وقد ساهمت مشاركة هذه الطائرات المسيَّرة القتالية الفاعلة في تغيير قواعد ونمط الحروب، وأضحى دورها مركزيًّا في المعارك والحروب الحديثة. ونتيجة لفاعليَّتها فقد حرصت الكثير مِن الأطراف على امتلاكها، وبات أكثر مِن مائة دولة وجماعة تمتلك هذه الطائرات، وصار مِن السهل للعديد مِن الجهات الوصول إلى مسيَّرات مسلَّحة. وتعدُّ "الصين المصدر الرئيس للطائرات المسيَّرة المسلَّحة في أنحاء العالم. ولم تعد الطائرات المسيَّرة في متناول القوى العسكرية البارزة فقط، فالقوى المتوسِّطة مثل إيران وتركيا لديها إمكانيَّة الوصول إلى تكنولوجيا هذا النوع مِن الطائرات، وبيع أنظمتها إلى الخارج".

كما أنَّ "تكنولوجيا الطائرات المسيَّرة التجارية متوفِّرة على نطاق واسع، ويمكن لأيِّ شخص تصنيع طائرة مسيَّرة هجومية بكلفة لا تتجاوز بضع مئات مِن الدولارات. وبعض الجماعات الإرهابية لديها هذه القدرات" .

وحدث نفس التطوُّر في السفن والغوَّاصات المسيَّرة (غير المأهولة)، وفي الصواريخ الذكيَّة والموجَّهة، خاصَّة صواريخ "كروز"؛ وفي الربط والتكامل في كثير مِن المهام بين كلٍّ مِن الطائرات والسفن والغواصَّات المسيَّرة (غير المأهولة).

وبالمجمل فإنَّ سهولة حصول المليشيَّات والجماعات المسلَّحة على الأنواع المتطوِّرة والذكيَّة مِن الأسلحة العسكرية عزَّز ووسَّع إلى حدٍّ كبير مِن دورها في الحروب اللَّا متماثلة، وجعل هذا النوع مِن الحروب هي الحروب المنتشرة في العالم. 

4-        التطوُّر في تكنولوجيا الاتِّصال ونقل المعلومات:

حدث تطوُّر فارق في تكنولوجيا الاتِّصال ونقل البيانات، سواء مِن خلال وسائل الاتِّصال المختلفة أو مِن خلال المواقع الإلكترونية وتطبيقات وسائل التواصل الاجتماعي، وهو ما ساهم في تسهيل وتكثيف نقل البيانات والمعلومات إلى عدد كبير مِن الناس في وقت قياسي؛ كما ساهم في تحوُّل الأفراد العاديين إلى مصدر للبيانات والمعلومات، ونقل الأفكار والمشاعر والمواقف. هذا التطوُّر ساعد المليشيَّات والجماعات المسلَّحة -وخصوصًا تلك التي تقوم على هويَّات طائفيَّة أو دينيَّة أو جغرافيَّة- على التعبئة والتحشيد، ونشر الأفكار المتعصِّبة والشعبوية وممارسة الشحن العاطفي، وخلق إرادة مستمرَّة للقتال.

 

خصائص الحروب اللَّا متماثلة:

تتَّسم الحروب اللَّا متماثلة بعدد مِن الخصائص التي تميِّزها عن الحروب التقليدية، ومِن أهمِّها:

1-        أنَّها حرب تدور بين دولة/ دول مِن جهة وجماعة/ جماعات مسلَّحة مِن جهة أخرى.

2-        وجود فرق شاسع في حجم القوَّة بين الأطراف المتحاربة، فالقدرات العسكرية للدولة المحاربة لا تقارن بالقوَّة التي تمتلكها الجماعة المسلَّحة.

3-        صعوبة تعيين حدود جغرافيا معيَّنة لهذه الحرب، حيث تبقى الحدود الجغرافيَّة مفتوحة لها، كما هو الحال في الاشتباك الحاصل في المنطقة بسبب الحرب على غزَّة، وذلك خلافًا للحرب النظامية التي توجد فيها أرض محدَّدة للقتال (كما هو الأمر في الحرب الروسية الأوكرانية الراهنة).

4-        أنَّ الحرب قد تمتدَّ لتشمل مصالح ورعايا الدولة المحاربة في المنطقة الجغرافيَّة التي يدور فيها الاشتباك، أو في العالم بأسره.

5-        أنَّ الطرف الأضعف تحرِّكه أيديولوجيا وأفكار وتصوُّرات متشدِّدة، أو قضية عادلة كما هو حال فصائل المقاومة الفلسطينية تخلق لديه إرادة قويَّة للقتال.

6-        أنَّ هذا النوع مِن الحرب يتَّسم باللَّا مركزية، بمعنى أنَّ الطرف/ الأطراف الضعيفة تتعامل مع المعركة بشكل لا مركزي، أي أنَّ كلَّ طرف أو مجموعة تنهض بدور ما في الحرب بشكل ذاتي ولا مركزي.

7-        أنَّها تقوم على استخدام تكتيكات وأساليب وتقنيَّات عسكرية متطوِّرة (طائرات، سفن، غوَّاصات مسيَّرة، صواريخ ذكية.. إلخ) للتخريب والإضرار وحرب العصابات.

كيف وظَّفت إيران المليشيَّات المسلَّحة لخوض حرب لا متماثلة نيابة عنها:

تقدِّم السياسية الإيرانية نموذجًا واضحًا لكيفية توظيف دولة ما لجماعات مسلَّحة تابعة لها في دول أخرى، لشنِّ مزيج مِن "الحرب بالوكالة" والـ"حرب اللَّا متماثلة" نيابة عنها، وبما يحقِّق أهدافها، ويُعزِّز مِن هيمنتها الإقليمية سياسيًّا وعسكريًّا.

ومِن المؤكَّد أنَّ القيادات الإيرانية تقوم بذلك عن وعي وتخطيط، فهي تدرك أهميَّة الحرب اللَّا متماثلة في تحقيق أهدافها، فقد كشف وزير الخارجية العراقي السابق، "هوشيار زيباري"، في مقابلة حديثة له مع وسيلة إعلامية: "أنَّ قيادات إيرانية رفيعة، ومِنها قاسم سليماني، أوضحت في لقاء مغلق معه أنَّ نظام الجمهورية الإسلامية مهدَّد ممَّن وصفوه بالاستكبار العالمي والصهيونية العالمية، وأنَّ إيران تحتاج إلى أن تحمي نظامها، وتقاتل خصومها وأعدائها خارج حدودها، مِن خلال تشكيل قوَّات غير نظامية. وأنَّ إيران ربَّما لا تقدر على دخول حروب تقليدية مع دول كبيرة بالتكنولوجيا وبقدراتها، لكن يمكن أن تهزمهم في الحروب غير التقليدية بالاعتماد على قوَّات محلِّية تدرِّبها وتهيِّئها. وهذا هو ما يحدث في المنطقة" .

ولهذا دعمت إيران منذ وقت مبكِّر "حزب الله" على حساب الدولة في لبنان، وساهمت في خلق الفوضى في العراق بعد الاحتلال الأمريكي له عام 2003م، واستغلَّت الحرب على تنظيم "داعش" لعسكرة التيَّارات الشيعية الموالية له، وتحويلها إلى ميليشيَّات مسلَّحة، بما في ذلك "كتائب حزب الله" العراقية، "حركة النجباء"، "عصائب أهل الحقِّ"، "ألوية أبو الفضل العبَّاس"، "لواء بدر"، وغيرها مِن الميليشيَّات المموَّلة مِن الحشد الشعبي في العراق، والذي بات يوازي الجيش العراقي، بل يتفوَّق عليه في بعض جوانب التسليح.

واستغلَّت إيران كذلك الحرب في سوريا، لتشكيل ونشر عدد مِن المليشيَّات العسكرية الموالية لها، ومِنها: "فاطميُّون" الأفغانية، و"زينبيُّون" الباكستانية، التي عملت بشكل مباشر تحت إمرة "فيلق القدس" في معظم المعارك التي خاضها الجيش السوري في حلب ومناطق دير الزور. وتتفاوت التقديرات بخصوص عدد أفراد الميليشيَّات الموالية لإيران المنتشرة في سوريا؛ لكنَّ بعض الخبراء يقدِّرون عددهم بما يتراوح ما بين 25 و40 ألف مقاتل، وقد يزيد أو ينقص هذا العدد حسب الحاجة .

ووفرت إيران دعما عسكريا وسياسيا وإعلاميا وماليا للحوثيين مكنهم من شن حروب لا متماثلة مع الدولة (2004 وحتى 2010)، وتاليا الاستيلاء على السلطة (2014)، والانخراط في حرب استنزاف مع منافسيها الإقليميين (السعودية والامارات) ومؤخرا شن هجمات على الملاحة الدولية والقطع الحربية الامريكية.

ووظَّفت إيران المليشيَّات المسلَّحة التابعة لها لمهاجمة القواعد العسكرية الأمريكية في كلٍّ مِن العراق وسوريا، سعيًا مِنها لإخراجها مِن الدولتين، لإفساح المجال لتمدُّد النفوذ الإيراني؛ لأنَّ طهران تعتبر الوجود العسكري الأمريكي عائقًا أمام هيمنتها الكاملة على الدولتين في إطار صراع النفوذ بينها وبين الولايات المتَّحدة.

 

الانخراط في الاشتباك نتيجة الحرب على غزَّة:

بمجرد بدء العدوان العسكري الإسرائيلي على غزَّة توفَّر للجماعات المسلَّحة التابعة لإيران في المنطقة مبرر سياسيٌّ لشنِّ هجماتها ضدَّ إسرائيل أو الوجود العسكري الأمريكي في كلٍّ مِن العراق وسوريا، تحت لافتة نصرة غزَّة. وحرصت إيران مِن جهتها على دعم تلك الجماعات مِن خلال إرسال مستشارين وجنود في "الحرس الثوري" الإيراني، للعمل إلى جانب تلك الميليشيَّات في العراق، وكذلك في سوريا إضافة إلى قوَّات النظام السوري الموالي لها. كما قامت إيران بتزويد تلك المليشيَّات التابعة لها في المنطقة بالطائرات المسيَّرة والصواريخ الذكيَّة، بما يمكِّنها مِن التأثير في الحرب اللَّا متماثلة في الاشتباك الحاصل مع الولايَّات المتحدة وبريطانيا، كما هو حاصل مع جماعة الحوثي في اليمن. ولتعزيز قدرة جماعة الحوثي في اليمن على التأثير عملت إيران على تزويدها بغوَّاصات مسيَّرة -بحسب ما أشارت له بعض التقارير. فقد "كشفت منصَّة تابعة لمعهد البحرية الأمريكية عن إرسال إيران غوَّاصات مسيَّرة للحوثيين في اليمن، وأنَّها تستخدمها لمهاجمة السفن في البحر الأحمر. وحسب مقال نشره موقع "يو. إس. نيفي نيوز"، التابع للبحرية الأمريكية، فإنَّ إعلان القيادة المركزية الأمريكية تدمير قوَّاتها البحرية مركبة مسيَّرة تحت الماء، في المياه التي يسيطر عليها الحوثيُّون حول اليمن، يُعتبر تهديدًا جديدًا يدخل على خطِّ الصراع" .

 

أمور أخرى داعمة:

تستند مشاركة الجماعات والمليشيَّات المسلَّحة المحسوبة على المحور الإيراني إلى طبيعة تركيبتها المسلَّحة، والدعم والتخطيط الإيراني، وبدرجة ما على الموقف الغربي، فقد أظهرت العقود الأخيرة أنَّ الغرب لا يتعامل مع التنظيمات والمليشيَّات التي تدعمها إيران بنفس التحسُّس والتحوُّط والعنف الذي يتعامل به مع الجماعات الأخرى في المنطقة. وقد بدا هذا الأمر واضحًا خلال الحرب على غزَّة، فتحت شعار تجنُّب توسيع الحرب في المنطقة تغاضت الولايات المتَّحدة عن عدد واسع مِن الضربات التي استهدفت مصالحها، وحتَّى قوَّاتها، سواء في العراق أو في سوريا أو في مياه البحر الأحمر وخليج عدن، وتعاملت مع معظم تلك الضربات بنفس احتوائي شديد المرونة، وهذا النفس يغيب تمامًا في تعامل الدول الغربية مع الجماعات المحسوبة على التيَّار السنِّي الأعم، بشقيه العنيف والسياسي.

واضافة إلى الموقف الغربي منها، فقد حال عدد من الأسباب الأخرى دون الانخراط العلني والمباشر للجماعات غير الشيعية في الاشتباك الحاصل في المنطقة ومنها:

1-        أنَّها ليست ذات طبيعة مليشاوية مسلَّحة، وما هو ذو طابع عنيف مِنها فقد استزف في جولات الصراع التي انزلقت إليها المنطقة منذ عقد، أو يتعرَّض لمستوى عال من التنكيل على المستويات الوطنية والإقليمية والدولية.

2-        يرفض معظمها العمل خارج سلطة الدولة.

3-        يتحمَّل أغلبها مسئوليَّات إعادة دولها الممزَّقة، وهي بالتالي تتحسَّب لأيِّ موقف غربي قد يعيقها عن ذلك.

 

 المصدر/ مركز المخا للدراسات الاستراتيجية