الزواج العرفي في اليمن
بقلم/ متابعات
نشر منذ: 16 سنة و أسبوع و يومين
الخميس 30 أكتوبر-تشرين الأول 2008 11:46 ص

مأرب برس – السياسية - بسام عبد السلام ووئام سروري

"أ. م" ذات الرابعة والعشرين، ستتخرج من الجامعة قريبا. هي تعيش مأساة قلما تحدث في مجتمعنا اليمني المحافظ، ودائم ما نشاهد أمثالها في المسلسلات الدرامية.

 الفتاة إحدى ضحايا الزواج العرفي الدخيل على مجتمعنا. وعادة ما تشعر في بداية الأمر بحالة من السعادة والفرح، وذلك لأنها تشعر مع هذا الشخص بالأمان والاطمئنان وأنه أفضل إنسان في العالم، من حيث الطيبة والحنان وخفة الدم... لكن النهاية هروب الشاب وإنكاره وتقطيع ورقة الأمل التي تعلقت بها الفتاة (العقد) ووقعتها آملة أن يتقدم الشاب لخ طبتها والزواج بها كما تم التخطيط لذلك قبل توقيع الورقة.

 هذه حالة من حالات أخرى لم تظهر على السطح والتي لم يعرف سببها, هل هو اندفاع وعصبية أم إغواء...؟

 ظاهرة كهذه بها قدر كبير من الخطورة على المجتمع ومن هنا كانت المحاولة للكشف عن خيوطها المقلقة.

الحقيقة المرة

حكاية "أ. م" كما سردتها تبدو عجيبة وأبطالها ثلاثة: فتاة وشاب وتلفون "موبايل". تعرفت الفتاة على الشاب "م. م" عن طريق الدردشة المستخدمة في التلفونات "الموبايل" المعمول بها في شركات الاتصالات العاملة في اليمن، حيث تواصل الواهمان بالحب باستمرار في الدردشة بكلمات منمقة ومعطرة في سطور الرسالة حتى الوصول إلى قول الشعر بعد أن "أعطيته رقم جوالي"، تقول الفتاة.

وتابعت: "وقعت في وهم حب الشاب الذي بدأ يتعامل معي عن طريق الهاتف كأني زوجته. اتفقنا على اللقاء. تكررت اللقاءات أكثر من مرة، ليتم بعد ذلك توقيع اتفاق"؛ وأي اتفاق؟! لقد اعتبرته الفتاة طوق النجاة للخروج من حياة العزوبية أو الهروب من العنوسة التي ستبلغها بعد أعوام. فيما اعتبره الشاب فرصة لضمان الفتاة من أن يأخذها أي شاب غيره، وهذا هو الظاهر. لكن وبعد أن قضى الشاب وطره منها لم يعد يسمع للفتاة أو يرغب في مقابلتها، وكأنه لم يعمل شيئا. الفتاة التي لم تعرف عن الشاب أي شيء سوىحكايات أغلبها كاذبة، تواصلت معه عبر الهاتف الذي كان سببا في لقائهما، ليقول لها إنه "ضيقان" ولا يريد أن يسمع صوتها. "أما خيط الأمل فقد قطعه ومزقه، على حد قوله".

الحكم الشرعي

ظاهرة الزواج العرفي جديدة وخطيرة، تتشكل حاليـًا في بعض مجتمعات المسلمين. وخطورتها أنها تتشكل في الخفاء، فلم يعلم بها أكثر الناس الذين من الممكن أن تأخذهم على غرة، وتنالهم من حيث لا يحتسبون في أعز من يملكون، فهي تختص بالأعراض المصونة والحرمات المكنونة. والأشد خطورة أنها تتم بالمكر والخداع والتحايل على الشرع وتحاول إضفاء صفة الشرعية على ما ليس كذلك. وسبب ذلك هو الجهل بأحكام الدين الحنيف أو الجرأة على حدوده، ومع الجري وراء قناع زائل وشهوة مؤقتة، والفرار من مسؤوليات اجتماعية مقدمة يتم فيها إلباس الباطل بثوب الحق للتوصل إلى المحرمات باسم ما شرع الله ورسوله صلى الله عليه وسلم.

 العلامة صادق العيدروس خطيب مسجد العيدروس بعدن بدأ بحديث لرسول الله صلى الله عليه وسلم، بقوله: "أيما امرأة تزوجت من غير رضى أهلها فهي زانية". وقال: "الزواج العرفي الذي يعقد في السر والخفاء يعتبر غير جائز شرعا، وباطلا وحراما، حيث تعتبر علاقة في إطار المحرمات، فما الذي يدفع الفتاة إلى سلوك هذا الطريق؟!".

 وأضاف: "من حق أهل الفتاة الذين ربوها وتعبوا عليها أن يعلموا بزواجها ويوافقوا ويباركوا عليه، وهنا تقع المسؤولية الجماعية على أهل الدين والأسرة والمجتمع في نبذ ومحاربة هذه الآفة التي انتشرت بين شبابنا وشاباتنا"، مؤكدا أن على الأسرة الدور الأكبر، فإذا صلحت الأسرة صلح المجتمع فدور التربية والإرشاد والمراقبة والنصح مطلوب بين أفراد الأسرة.

 وقال: "كما أن لأهل الدين دورا رئيسيا في إقامة المحاضرات والندوات في الوسائل الإعلامية المقروءة والمسموعة والمرئية وتوعية الآباء والأبناء حتى لا يقعوا في مثل هذه المحرمات"، مضيفا: "لا توجد أية ايجابيات لهذا الزواج إذ يفقد حق الزوجة في حالة الزواج أو الطلاق معا فليس لها أي حقوق ولا يخدم المجتمع من قريب ولا من بعيد".

النية موجودة بعدم الزواج

عن نية الزواج والاتفاق فإن الطرفين في هذا النكاح وقت إبرامه على أنه مؤقت إلى حين أن يتيسر للرجل التقدم لأهل المرأة، وليتم الزواج رسميـًا بمعرفتهم، وبهذا تعد نية الزواج الأول مؤقتة، وكثيراً ما يعرض للطرفين عارض يحول دون الإعلان الرسمي للزواج مستقبلاً، فلا يتقدم الرجل للمرأة.

 وكثير من الشباب المخادع استغل جهل البنات وهو لا يقصد زواجـًا، ولا هو في نيته، بل يريد أن يعقد عقداً لا يقصده ليتمكن من الاستمتاع دون أن يتحمل مسؤوليات الزواج الشرعي، وهذا نكاح لا يقع، لأنه ليس مقصوداً ولا معقوداً في النية مثل نكاح المحلل حيث المحلل عقد عقداً لا يقصده ولا ينتويه حقيقة لذا حكم الشرع ببطلانه.

وهنا نشير إلى ما قاله الشيخ عطية صقر رئيس لجنة الفتوى الأسبق بالأزهر عن الزواج العرفي: "يُطْلَقُ الزواج العُرْفي على عقد الزواج الذي لم يُوثَّق بوثيقة رسمية، وهو نوعان: نوع يكون مستوفياً للأركان والشروط، ونوعٌ لا يكون مُسْتوفيًا لذلك. والأول عقدٌ صحيح شرعًا يَحلُّ به التمتُّع وتَتَقَرَّر الحقوق للطرفين وللذُّرية الناتجة منهما، وكذلك التوارث، وكان هذا النظام هو السائد قبل أن تُوجد الأنظمة الحديثة التي توجِب توثيق هذه العقود. أما النوع الثاني من الزواج العُرْفي فله صورتان: صورة يُكْتَفَى فيها بتراضي الطرفين على الزواج دون أن يَعْلَمَ بذلك أحدٌ من شهود أو غيرهم، وصورة يكون العقد فيها لمدة معيَّنة كشهر أو سنة وهو ما يسمى "زواج المتعة"، وهما باطلان باتفاق مذاهب أهل السنة".

اضطرابات نفسية

 وبين عدد من الأخصائيين النفسانيين أن إقبال الشباب والفتيات على الزواج العرفي يرجع إلى عوامل نفسية عديدة أهمها: اضطراب البناء النفسي للشخصية، حيث يغلب عليهم الطابع العدواني، فهم ليس لديهم قيمة أخلاقية أو ضمير يحثهم على التمسك بالآداب والسلوك القويم بل يتصفون بالتمرد والاندفاع والتمركز حول الذات والتملك والأنانية، وعدم الصبر على تحقيق الآمال والطموحات، فهم يتعجلون إشباع حاجاتهم النفسية والمادية، دون النظر إلى عادات المجتمع، كما أنهم يفتقدون إلى القدوة والوازع الديني. ومن خلال بعض الحالات تبين أيضا أن اختلال العلاقات الأسرية وافتقادها للثقافة والوعي والحوار الدافئ العائلي يجعل الأسرة مشتتة ومن ثم تصبح قرارات الأبناء منفردة نتيجة فشل الأبوين في التربية وهو ما يؤدي إلى خلل في العاطفة وعدم النضج العاطفي، وقد يؤدي ذلك إلى انهيار المكون المعنوي للشاب أو الفتاة ويميل كلاهما إلى الانحراف والجموح إلى النزوات وتفريغ الكبت الداخلي بتعجيل إتمام العلاقة العاطفية.

 وأشار الأخصائيون إلى ان هناك أسبابا اجتماعية واقتصادية وسياسية وراء إصابة هؤلاء بحالات وأعراض نفسية، فهناك الرجل السيكوباتي الذي يميل للعدوانية ويرفض تقاليد المجتمع وأعرافه، وهو يسعى لتكرار مثل هذا الزواج، وقد يكون مرتبطا بزوجة أو أكثر زواجا شرعيا، ومع ذلك يلجأ إلى الزواج العرفي!! أيضا حالات أخرى تبين معاناتها من بعض الأعراض الهستيرية والميل للنرجسية. وهناك من افتقد إلى الحنان والعاطفة والحب داخل الأسرة وخارجها سواء في محيط الأصدقاء أم المدرسة أم الجامعة، فضلا على قتل الطموحات وافتقاد الأمل في المستقبل لارتفاع نسبة البطالة بين الشباب وتردي وانخفاض الحالة الاقتصادية مع ارتفاع تكاليف الزواج، وهي عوامل تتسبب في اكتئاب لا يزول إلا بزوال وانفراج هذه العوامل.

الموقف الاجتماعي

أما عن الموقف الاجتماعي من هذا الزواج فأشار عدد من الأخصائيين الاجتماعيين إلى أن الزواج غير الرسمي‏ (العرفي)‏ هو ظاهرة عصرية يلتقي فيها الرجل بالمرأة تحت وثيقة ورقية لكنها ورقة ليست فيها قوة وثيقة الزواج، لأن وثيقة الزواج شيء مقدس تحترمه المحاكم والمؤسسات الحكومية والمجتمع إلى جانب أن الزواج الحقيقي يعتمد على الإعلان والإشهار وإعلام المجتمع به وهو تحصين للمرأة وصيانة لشرفها وحقوقها‏.

 وبالإضافة إلى ذلك فإن الزواج العرفي تنتج عنه آثار اجتماعية سيئة أهمها ضياع حقوق الزوجة حيث أن دعواها بأي حق من حقوق الزوجية لا تسمع أمام القضاء إلا بوجود وثيقة الزواج الرسمية معها‏. كما أن الأولاد الذين يأتون عن طريق الزواج العرفي قد يتعرضون لكثير من المتاعب التي تؤدي إلى ضياعهم وإنكار نسبهم‏. والزوجة قد تبقى معلقة لا تستطيع الزواج بآخر إذا تركها من تزوجها زواجا عرفيا دون أن يطلقها وانقطعت أخباره عنها، بالإضافة إلى ذلك فإن الزواج العرفي كثيرا ما يكون وسيلة للتحايل على القوانين كأن يقصد به الحصول على منافع مادية غير مشروعة مثل حصول الزوجة على معاش ليس من حقها لو تزوجت زواجا رسميا‏.

أسباب عديدة

وفي البحث في الحالة التي تم التحدث عنها، أو التي لم يتم التطرق إلى ذكرها من شدة التحفظ في مجتمعنا اليمني المحافظ، يمكن هنا أن نشير إلى أن الأسباب التي تؤدي إلى انتشار هذه الظاهرة تتمثل في غلاء المهور، والمبالغة في تكاليف الزواج، إضافة إلى قلة الأجور، وانتشار البطالة، وغلاء المعيشة، وعدم توفر المسكن الملائم، والخلافات العائلية التي قد تمنع بعض حالات الزواج بين بعض العائلات، والفارق الطبقي، والتفاوت في المستوى الاجتماعي بين المرأة والرجل، وربما كذلك رغبة أحد الأزواج في الزواج من غير زوجته الأولى بالخفاء بحجة الحفاظ عليها وعلى أولاده والمحافظة على مشاعر الأبناء وتمكينه من رعايتهم.

دراسات أكاديمية

وأشارت دراسات أكاديمية عربية حول هذا الزواج إلى أن هناك أسبابا أساسية تكمن وراء انتشار الزواج العرفي، أهمها فقدان التكامل العاطفي داخل الأسرة نتيجة انشغال الأب والأم وعدم اهتمامهما بسلوك الأبناء وتركهم لوسائل الإعلام وجماعات الرفاق لتشكيل ثقافتهم الجنسية والزوجية‏.‏ وكذلك الظروف الاقتصادية والمادية التي تحول دون إقامة زواج شرعي وتوفير متطلباته من مهر وشقة وأثاث وخلافه‏,‏ والكبت والحرمان الثقافي، إلى جانب الحرية غير المسؤولة سواء في الأسرة أم المدرسة أم الجامعة، وضعف التوعية التي يقوم بها الإعلام تجاه هذه المشكلة. وبالإضافة إلى ذلك فهناك أيضا التناقض الواضح والازدواجية بين الرموز والقيادات الإعلامية والدينية نحو الاتفاق على خطورة هذا النوع من الزواج علي المجتمع‏,‏ وكذلك الانفتاح الإعلامي أو التبعية الثقافية الإعلامية في ظل ثورة الاتصالات وانعدام الرقابة وزيادة البحث عن المجهول من المعرفة الجنسية‏،‏ خاصة أن الثقافة الزوجية والأسرية لا تحظى بالقدر الكافي من اهتمام ورعاية من وسائل الإعلام على اعتبار أنها من المحرمات الثقافية‏.

المرأة هي الضحية

رنا، 29 عاما، إحدى الشابات اللاتي لم تستطع أن تكبت غيظها من هذا الزواج حيث قالت: "المرأة في مجتمعنا هي دائماً كبش الفداء فهي الوحيدة التي تدفع ثمناً باهظاً وأليماً. فمثل هذا الزواج يحمّل المرأة الكثير من الأعباء والأخطار، لكونها في النهاية المتضررة شبه الوحيدة من تبعاته، وتكون نتائجه سلبية على المرأة بالدرجة الأولى، وعلى الأطفال في حال وجودهم، وتجعل المجتمع يعيش حالة من الفوضى اللا أخلاقية، فيختل ميزان الأسرة ومفهومها، وتعشش الاضطرابات السلوكية والنفسية لدى الأبناء، ولدى الزوجين".

صعوبة القضاء على الظاهرة

تقول الشابة فاطمة محمد إن وسائل الإعلام قد تؤثر في شريحة معينة من الشباب والشابات، بل وقد تصور لهم الذريعة التي يحتاجون إليها لمثل هذه الأفعال. وأضافت: "أعتقد أن الشباب وخاصة المتعلم تعليما جامعيا لن ينخدع بمثل هذه المسميات (الزواج العرفي) فالزواج العرفي معروف بأنه زواج غير مكتمل وينقصه أهم شرط من شروط انعقاد الزواج وهو الإشهار".

 وعن الوسائل التي يجب أن تتخذ للقضاء على جذور هذه الظاهرة تقول فاطمة: "لا أستطيع أن أقول إن هناك وسيلة معينة بإمكانها القضاء على مثل هذه الظاهرة، لأن وسائل الإعلام لا تعطينا مجالا واسعا للتعريف بها وبمخاطرها، ليبقى الأمر في طي الكتمان".

 وتعتبر الإعلامية "فاطمة" الندوات وحلقات التوعية التعريفية بالشباب أمرا هاما لتفادي القيام بأي خطوة تكون آثارها وخيمة فيما بعد.

 أما زميلتها "منال" فترى أن وسائل الإعلام تساهم بشكل غير مباشر في انتشار هذه الظاهرة بين الشباب، وذلك من خلال الأفلام والمسلسلات التي لها تأثيرها الكبير عليهم وخاصة الفتيات، بالإضافة إلى أن نقص الوازع الديني لدى الشباب يسبب انحرافات عديدة إلى جانب الحالة الاقتصادية والاجتماعية التي لها دورها في عدم معرفة الصواب من الخطأ مما يؤدي إلى انتشار الظاهرة. "برأيي يجب أن يكون هناك مؤسسات إسلامية وجمعيات نسوية أو شبابية تنتشر في الجامعات والمدارس لتوضيح هذه الظاهرة وانعكاساتها على المجتمع بشكل عام".