دبلوماسية النهب المنظم..
بقلم/ علي عبدالعال
نشر منذ: 17 سنة و أسبوعين و 3 أيام
الأحد 09 ديسمبر-كانون الأول 2007 08:30 م

طيرت وسائل الإعلام نبأ الزيارة الأولى، منذ عقدين من الزمان، لوزير بالخارجية الأمريكية إلى إثيوبيا، وهي الزيارة التي قامت بها كوندوليزا رايس يوم الأربعاء 5/12/2007م، ومنحها الإعلام والمراقبون على حد سواء أهمية كبيرة.. فلأي سبب تذكر الأمريكيون "إثيوبيا" حليفتهم الأفريقية الفقيرة حتى يرسلوا إليها الدكتورة (كوندي).

المعلن من أجندة رايس: مباحثاتها مع بعض الزعماء الأفارقة، حول قضايا مأزومة بمناطق القرن الأفريقي، والبحيرات العظمى، تتعلق بدول جنوب الصحراء (أوغندا، ورواندا، وبوروندي، والكونجو، والصومال، والسودان، وإريتريا، وجيبوتي، وإثوبيا)، وهي ملفات يريد الأمريكيون التخلص منها لما تحتويه من مخاطر.

فالمهمة الأساسية لجولة رايس هي التعامل مع البؤر الساخنة في أفريقية، والمساعدة على اخمادها أو حتى تهدئتها, لأن انتشار التوتر في القارة السمراء بالتأكيد ليس في صالح الولايات المتحدة، التي شاءت لها الأطماع التوسعية، وأمراض الهيمنة، والأحادية القطبية أن تغرق حتى أنفها في أوحال العراق وأفغانستان بالتزامن تماماً مع الرغبة المحمومة في الاشتباك مع الإيرانيين.

وقد أبلغت رايس الصحافيين الذين رافقوها على الطائرة، أنها تريد التوصل لسياسات مشتركة للتعامل مع ما تقول واشنطن أنها "قوى سلبية".

ولا تمتلك الولايات المتحدة حلولاً سحرية لمشاكل القارة الأفريقية، لكنها تملك السطوة والإغراءات المالية التي يمكن استخدامها لحث الأفارقة على التجاوب مع الخطط الأمريكية في اللقارة.

وقد نال "القرن الأفريقي" حيز هام من سلسلة اجتماعات أجرتها الوزيرة الأمريكية، حذرت خلالها من اندلاع الحرب مجدداً في هذه المنطقة، التي لازال بها أكثر من بؤرة قابلة للاشتعال في أي وقت.

وإن كانت الصومال حاضرة بقوة في القرن الإستراتيجي فإن رايس جاءت هذه المرة بالعصا والجزرة معاً. فهي من باب طالبت القادة الأفارقة بإرسال المزيد من القوات العسكرية إلى هناك لتحل محل القوات الإثيوبية، التي انهكتها عمليات المقاومة في هذا البلد، كما دعت ــ من باب آخر ــ الحكومة المؤقتة إلى التوصل لتسوية سلمية مع المعارضة المسلحة لوقف القتال. وحثت رئيس الوزراء الجديد، نور حسن حسين، على أن يكون أكثر "شمولاً" في عملية تشكيل حكومته الهشة، مؤكدة على ما قالت : إنه "موقف الولايات المتحدة حول أهمية الاستقرار وتعزيز مناخ المصالحة الوطنية". وهو منحى سلمي جديد لم يكن منذ عهد قريب من شيم واضعي السياسة الأمريكية، غير أن الأمريكيين ما كان ليفوتهم رمي الشباك في كل الاتجاهات. 

 

وفي إطار العصا، أثنت المسؤولة الأمريكية على القوات الأوغندية في الصومال، لكنها حرصت على القول: "بكل صراحة هم في حاجة إلى أن تنضم إليهم قوات عسكرية أخرى". خاصة إذا كانت الولايات المتحدة عرضت المعونات على الدول الأفريقية التي ستقبل بإرسال جنودها إلى الصومال.

وفي إشارة إلى الحليف الإستراتيجي المتورط وحده بـ40 ألف جندي في المستنقع الصومالي، قالت رايس: "لا ينبغي أن تظل القوات الإثيوبية بالصومال بعد مدة معينة، لذا فالحاجة تدعو إلى قوات" من دول أخرى.

واشنطن التي تنظر إلى الصومال باعتباره "مفتاح عدم الاستقرار في القرن الأفريقي" أغرت نظام ميليس زناوي بغزوها وإسقاط سلطة "المحاكم الشريعية" الإسلامية فيها، بما أرسته من استقرار وعدالة في هذا البلد العربي المسلم الفقير، ولما تم للحليفين ما أرادا استيقظا على كابوس المقاومة الوطنية، ذلك الشبح الذي استخدم معه الأمريكيون وحلفاؤهم ــ في الشرق والغرب ــ كل الإمكانات من أجل استئصال شأفته دون نتيجة.

وقد جاءت رايس هذه المرة لتقول : إنها ورئيس وزراء إثيوبيا "أكدا على ضرورة التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار" بين الحكومة والمعارضة المسلحة، إلا أن الأوضاع هناك بحاجة إلى المزيد من القوات الأجنبية لحفظ السلام ــ الذي استباحه الأمريكيون بأيدي إثيوبية وصمت أممي ــ في الصومال.

أما الحليف الذي كان يأمل في إعلان الصومال جزء لا يتجزء من الأراضي الإثيوبية، فقد استبق قدوم رايس بيوم واحد وناشد (المجتمع الدولي) التدخل. إذ تضمن بيان لوزارة الإعلام الإثيوبية، أن: "إثيوبيا تقوم وحدها، دون معاونة"، لذا فإن حكومة زناوي تعول على نشر قوة أفريقية كي تتمكن من سحب جيشها المتورط هناك.

فبعد سيطرة قواتها المسلحة على الصومال، كانت إثيوبيا ــ الدولة التي لا تملك منفذًا بحريًا ــ أعلنت تأسيسها قوة بحرية قوامها خمسة وعشرون ألف جندي كنواة لقواتها البحرية الجديدة، على السواحل والأراضي الصومالية، وهي القوة التي شرع ضباط أمريكيون في تدريبها وإمدادها بالسلاح، وهو أمر كان يشير إلى مدى عزم أديس أبابا على البقاء طويلاً هناك.

وقد أتت الرياح بما لم تشتهيه سفن زناوي، إذ تقول التقارير والمراقبون للقتال الدائر ، أن قوات المحاكم الإسلامية باتت تسيطر على ثلث الأراضي الصومالية، بالرغم من إقصائها عن الحكم بقوة السلاح منذ ما يقرب من عام. ويقول الخبير الصومالي في الشئون الإستراتيجية محمد الأمين الشيخ: "على الأرض تسيطر المحاكم الإسلامية الصومالية على ما يقرب من 30% من التراب الصومالي، حيث تحكم سيطرتها على المحافظات الجنوبية (جوبا الوسطى وجوبا السفلى والشبيلي السفلى وهيران وجلجدود) باستثناء المدن الرئيسة.

وأضاف: "إن جماعات قبلية وأغلبها معادية للحكومة وقريبة من المحاكم تسيطر على 40% الأراضي الصومالية، في حين تخضع نحو 25% من الأراضي الصومالية لحكم ذاتي مثل ولايات (بونت لاند) و(صومال لاند)، أما الحكومة ــ الموالية للاحتلالين الأمريكي والإثيوبي ــ فلا تسيطر إلا على نحو 5% من الأراضي الصومالية وهي غالبًا المدن الرئيسة".

ولا تكاد هذه الحكومة التي يعتبرها الشعب الصومالي أداة بيد الاحتلال أن تسيطر حتى على المباني التي من المفترض أن يقيم فيها وزراؤها، الذين فضل معظمهم الإقامة في بلدان أخرى كإثيوبيا وكينيا، في اعتراف واضح بانعدام سيطرة القوات الموالية لهم على جزء من مقاليد البلاد.