حشود هادرة بمحافظة تعز تنديدا بجرائم الابادة والتهجير بقطاع غزة الذكاء الاصطناعي يورط عملاق التكنولوجيا «تسلا» ويقودها للمحاكمة عبر القضاء كلاب آلية تنظف أحد الجبال المصنفة ضمن قوائم التراث العالمي رابطة اللاعبين المحترفين تكشف عن المرشحين لجائزة أفضل لاعب في الدوري الإنجليزي لشهر أكتوبر دولة خليجية تبدأ بسحب الجنسية من المئات من مطلقات مواطنيها الإنذار المبكر ينشر توقعات الطقس خلال الساعات الـ24 القادمة في 11 محافظة يمنية قراءة تركية: من سيحسم المعركة الانتخابية في أمريكا ويفوز بكرسي الرئاسة؟ أول تعليق من أردوغان على تعيين نعيم قاسم خلفاً لـ نصر الله تحذير خطير في أحدث تقرير للبنك الدولي عن الوضع الاقتصادي والإنساني في اليمن اجتماع طارئ لمجلس الجامعة العربية على مستوى المندوبين الدائمين تترأسه اليمن
* حبيب عبدالرب سروري
الدماغَ البشري أهمُّ أعضاء الجسد وأكثرها تعقيداً وغموضاً، دون منازع. تزدحمُ في تلافيفه مائة مليار خليّة عصبية (عصبون)، لكل منها حوالي عشرة ألف نقطة تماس ( Synapse ) مع عصبونات أخرى. شبكة من حوالي مليون مليار نقطة تماس! 1000000000000000! رقمٌ بخمسة عشر صفراً «يَفْصَعُ» الظهر، يرتعش لِهولِه النخاع الشوكيّ!
لا يُقودُ الدماغُ كلَّ نشاطات الجسد وحواسه وحركته فقط، بل يُنتِج ويأوي كل النشاطات الذهنية والروحية: اللغة، الذاكرة، المعتقدات، الإدراك، التفكير، الخيال، الأحلام، المشاعر: العاطفة، الإرادة، الخوف... تنبثق كلُّ هذه النشاطات من تفاعلات «منظوماته الاستنباطية» المتخصِّصة المنسوجة في دوائر عصبوناته، وتتجسّدُ في خلجات التيارات الكهروكيماوية وهي تعبر نقاط تماس تلك العصبونات...
لعلّ أهم أحداث العقود الأخيرة من تاريخ العلم هي «الثورة الذهنية» التي سمحت بإجلاء هندسة الدماغ وميكانيكا نشاطاته، بِسبْرِ كثيرٍ من أغوار خارطته البيولوجية، وفهم أدوار ومهام معظم مناطقه... لذلك تزدحم النشاطات والمعارض العلميّة في الدول المتطورة لِشرحِ الاكتشافات الجديدة للثورة الذهنية. منها «أسبوع الدماغ» في فرنسا الذي يُنظَّمُ للجمهور في كل مدينة، في شهر مارس في كل عام، لِِعرضِ وشرحِ أحدث الاكتشافات الذهنية والفيزيولوجية والطبيّة المتعلقة بالدماغ، وجديد علوم «الذكاء الاصطناعي» الذي يهدف مشروعه الاستراتيجي البعيد المدى، والطموح جدّاً، إلى تصميم منظومات كمبيوتر تستوعب وتمارس كلَّ ملكات الذكاء والحدس البشري، إن لم تتجاوزها...
أستغلُّ هنا «أسبوع الدماغ» لِتقديمِ نماذج صغيرة توجِعُ الرأس من الخطاب اللا عقلاني السائد في المجتمعات العربية. أقصد الخطاب الذي يُكرِّسُ صناعةَ وصيانةَ التخلف في هذه المجتمعات، ويسخرُ من دماغ القارئ بكل اعتباط وفظاظة.
1) عقابٌ للطالح، ثوابٌ للصالح!
تكدِّرُني، منذ أولى الأيام التي تلت كارثة التسونامي، هذه العبارة التي تلخِّصُ تفسير بعض علماء الدين لتلك الكارثة. لم أفهم لماذا يقحمون الغيب في ظواهر طبيعية تحصل منذ الأزل، قبل ظهور الإنسان على الأرض وبعده، تطمُّ كلَّ ما يعترض طريقها، خلا أو لم يخل من الوجود البشري! أكثرُ ما أثارني في تفسيرهم هو خلوّهُ الكامل من أدنى منطق! إذ كيف يمكن استخدام نفس الإجراء (التسونامي) إزاء سلوكين متناقضين (صالح وطالح)؟... لا ينقص إذن إلا الدعاء لله بزيادة كوارث التسونامي لأنها (في ضوء تفسيرهم) رمزُ العدلِ الإلهيِّ المطلق! الحقّ، لا يختلف منطق تفسيرهم هذا عن منطق هذه العبارة المخبولة: «ثمّة امرأتان، الأولى لا تمارس الجنس لتظلَّ عذراء، والثانية تمارس الجنس لتظلَّ عذراء!» (العبارة الخاصة بالمرأة الثانية سيريالية جدا، اقتطفتُها من رواية حديثة لِفيليب سوليرس حول الفيلسوف نيتشه).
2) زعيم الأمة مواطن من اليمن!
النموذج الثاني اقتبسُهُ من مقال في موقع مؤتمرنت للحزب الحاكم في اليمن، باغتني في معمعان «أسبوع الدماغ» قبيل أيام قليلة، بعنوان: «زعيم الأمة مواطن من اليمن». يبدأ المقال بالتالي: «القرار الذي اتخذه المجلس الأعلى للمنظمة العالمية للكتاب الأفروآسيويين تكريم فخامة الأخ علي عبدالله صالح-رئيس الجمهورية- باختياره كأبرز شخصية عالمية للعام 2006م، وأوضح أنه سيتم تقليد فخامته درع المنظمة في الاحتفال السنوي الذي ستنظمه المنظمة في يونيو القادم بالعاصمة المصرية القاهرة، بحضور عدد من زعماء العالم العربي والأفريقي، وبهذا التكريم سينضم فخامة الأخ الرئيس علي عبدالله صالح إلى مجموعة القادة الصفوه الكبار في القارتين الأفريقية والآسيوية...» وينتهي المقال بالتالي: «والخلاصة إن زعيم الأمة اليوم هو مواطن من اليمن.»
سؤالان ارتطما في رأسي حال قراءة العنوان: 1) من كان زعيم الأمة، في العام الماضي 2005، الذي لم نسمع به حتّى الآن؟ 2) ثمَّ، قبل كلّ شيء، عن أي أمة يتحدّث المقال: العربية؟ الإسلامية؟ الأفروآسيوية؟... ربما لا ينقص العربُ والمسلمون «زعماءَ أمة». كلُّ زعيمٍ عربيٍّ تقريباً هو حسب الإعلام الرسميّ لِبلده زعيم الأمّة. لا تنقصنا فقط إلا «الأمّة»، إذا جاز لنا أن نبحث عنها في هشيم شعوبٍ ممزَّقةٍ مسحوقةٍ مُهمَّشة، تعيش منذ قرون في عصر انحطاطٍ شاملٍ لم ينتهِ بعد!... المزعج لي هو أني لم أهضم حتى اليوم عنوان «جناح آسيا الأيسر» لافتتاحيةِ صحيفةٍ رسمية يمنيّة اعتبرَتْ اليمن الجناح الأيسر لِقارّة آسيا واليابان جناحه الأيمن.. ثمّ ها هي اليمن اليوم، بشكلٍ أو بآخر، الجناح الأوحد لأفريقيا وآسيا معاً، لعام 2006 على الأقل!... (تحدَّثتُ عن «جناح آسيا الأيسر» في مقال نُشِرَ في عدد 4672 من صحيفة «الأيام»، في 27 ديسمبرالماضي.)
لسوء حظ الإعلاميين أن «موتورات البحث» على إنترنت (مثل موقع جوجُل الشهير) لا تسمح اليوم بالضجيج الأجوف على غرار مذيع «صوت العرب» الشهير أحمد سعيد. لأن مجرّدُ وضع عبارة «منظمة الكتاب الأفريقيين الآسيوين» في الشريط العلوي لِموقع جوجُل سيسمح لأي مستخدم انترنت، في أقل من دقيقتين ومن أي مقهى إنترنت في العالم، بملاحظة أنه لا يوجد أي كاتب أفروآسيوي معروف ينتمي اليوم لهذه المنظمة.
سيسمح للمستخدم بقراءة أخبار صغيرة دون أدنى أهمية على غرار: رئيس هذه المنظمة المستشار محمد مرجان (الذي لم أسمع باسمهِ قبل مقال مؤتمرنت، والذي يبدو أنه ماكينة خارقة تنضحُ بالتكريمات) أعطى سفير الصين في مصر درع المنظمة في 20 فبراير 2006 في فندق هلتان شبرد في القاهرة، أعطاه مفتي نيجيريا، الشيخة لطيفة الصباح، تحدَّث عن «الكاتب المبدع معمّر القذافي»، يوزّع جائرة سنوية اسمها «جائزة مبارك للسلام والتنمية من منظمة الكتاب الأفريقيين الآسيويين»... أعطى درع المنظمة للعام 2005 في 15 يونيو الماضي في نفس ذلك الفندق لكلٍّ من «ذكرى» الشيخ زايد، المهاتما غاندي، بابا الفاتيكان، زعيم أفريقي اسمه ابوبكر بالي... بالطبع، لا أحد من دوائر الإعلام الرسمي لهؤلاء يعطى أي قيمة جادّة لهذه التكريمات المُمِلَّة، التي لم يحضر «احتفالها السنوي» بالتأكيد أي زعيم أفريقي أو عربي، أو حتّى أي مسئول ذي أهمية.
لعلّه يُستحسنُ جدّا أن يُقدِّم الإعلاميُّ اليوم أخبارَهُ بحجمٍ معقولٍ يحترمُ دماغَ القارئ، وأن يستوعبَ أنه يصعب جدّا في عصر إنترنت النهجَ على منوال المذيع الخارق أحمد سعيد.
3) كأسٌ مثلَّجٌ من بول الإبل!
النموذج الثالث أستعيرهُ من مقال ممتع وجدتْهُ على إنترنت بعنوان «ادعوا لنا نأخذ نوبل في بول الإبل!» للكاتب المصري حسن اسماعيل. تحدّثَ فيه عن زيارته وبعض أصدقائه لمعرض الكتاب في فبراير الماضي في القاهرة (قدس أقداس الحياة الثقافية في مصر، على حدِّ تعبير الكاتب) ومروره بِكُشك لِبيع «بول إبل» مزدحم بطوابير الزوار. ينطلق أصحاب الكشك (حسب قولهم) من حديث شريف يتحدّث عن فوائد ذلك البول!.
أختتمُ مقالي هذا بنفس خاتمة مقال ذلك الكاتب الحصيف، متمنيّاً أن لا أوجع بذلك دماغ وقلب القارئ معاً: «ويؤكد الشيخ محمد النائي أن التجارب الذاتية لمزارع إبل الخير أكدت ما أثبتته النتائج العلمية بفضل الله تعالى. طريقة الاستخدام :- مقدار من فنجان قهوة أي ما يعادل حوالي ثلاث ملاعق طعام من بول الإبل ويفضل أن تكون بكراً. - ثم يخلط مع كأس من حليب الناقة ويشرب على الريق ويؤكد أن المريض يشعر بتحسن حالته الصحية خلال أيام قليلة. وبعد التجربة العلاجية التي تستمر من 40- 60 يوما يؤكد أن الحالات تحسنت وشفيت تماماً بإذن الله تعالى.» وهناك فروع في كل مصر العظيمة وأرقام تليفونات لتوصيل البول للمنازل. وبعد هذا الحوار المدهش والقراءة وعلامات الاستفهام وعلامات التعجب ولأننا لسنا من أهل الفتوى ولا من وزارة الصحة، ولا من وزارة الثقافة نسأل كل من يهمه الأمر الصحي في مصر التي تعيش أزهى عصور الديمقراطية، وأزهى عصور العلم، وأزهى عصور حقوق الإنسان، وأزهى عصور الصحة. الكلام ده جد؟ ولو جد يا جماعة.. نريد أن أي حد من المسئولين مش لازم يرد علينا في الجريدة إنما حتى يغمز لنا. لأننا كرأسماليين، من بكرة هنعمل أكبر مزرعة ومبولة للإبل في الشرق الأوسط وهنسميها MABWALKO . وكده نبقى ضربنا عصفورين بحجر: البطالة والصحة. الجمال تشتغل أقصد الشباب يشتغل، والمرضى يشربوا البول ويشفوا. عموماً إحنا متعودين نعيش على إنتاج الغير.. عشنا كل القرون اللي فاتت على منتجات الغرب من الإبرة للصاروخ. والآن هنعيش على منتجات الإبل، بس على الأقل الإبل مش كُفّار. «في صحتك!»