تصاعد العنف المصاحب لحمل السلاح في معظم المدن اليمنية أعاد الحديث عن علاقة حمل السلاح بارتفاع نسبة الجريمة. ولكن ما هي دوافع حمل السلاح؟ ولماذا غاب دور الدولة في تنظيم حيازة وحمل السلاح واستخدامه؟ وما هو دور المجتمع؟
كان حمل السلاح في اليمن مقتصرا على رجال القبائل في المناطق الريفية، فيما كانت صنعاء هجرة اليمن - وهو مصطلح في العرف القبلي يمنع دخول المسلحين بأسلحتهم للمدينة، كما يحرم أخذ الثأر فيها - لكن هذا الواقع لم يعد قائما حيث أصبح مألوفا مشاهدة المسلحين يتجولون في شوارع صنعاء ويرتادون أسواقها يخطفون ويقتلون بحرية. والحالة نفسها نجدها في معظم المدن اليمنية كـ عدن وتعز والحديدة وحضرموت، وهي مدن يغلب على حياة سكانها السلوك المدني كالعمل بالتجارة والصناعة وفي سلك التربية والتعليم، فيما يحظر القانون على أي شخص أن "يحوز سلاحاً نارياً وحمله في العاصمة صنعاء، وعواصم المحافظات والمدن التي يصدر بتحديدها قرار من الوزير، إلا بترخيص من سلطة الترخيص ساري المفعول".
غياب الدولة يستدعي الجريمة
أشار تقرير لوزارة الداخلية اليمنية صدر حديثا إلى أن إجمالي الإصابات بالحوادث والجرائم خلال ثلاث سنوات بلغ 31711 إصابة منها 23577 ناتج عن استخدام السلاح الناري وبنسبة 84,72%. وكان الحزب الاشتراكي اليمني في عام 1992 قد اقترح إصدار قانون ينظيم حيازة وحمل السلاح في الجمهورية اليمنية وإخراج معسكرات الجيش من المدن حفاظا على أمن واستقرار المدن الرئيسية وعلى رأسها العاصمة صنعاء المتخمة بمعسكرات الحرس الجمهوري والفرقة الأولى مدرع. بيد أن الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح والشيخ القبلي الراحل عبد الله الأحمر، الرئيس السابق لحزب تجمع الإصلاح، ورجل الدين، عبد المجيد الزنداني، حالوا يومها دون تطبيق القانون أو إخراج المعسكرات من المدن بحجة أن الحزب الاشتراكي يريد سحب السلاح من القبائل وأفراد الشعب وإبعاد الجيش عن العاصمة والمدن الرئيسية ليسهل له فيما بعد السيطرة على السلطة والانفراد بحكم اليمن.
وأكدت دراسة ميدانية عن سوء استخدام السلاح ومعوقات التنمية أجراها في عشر محافظات يمنية الدكتورعبد السلام الدار، أستاذ علم الاجتماع بجامعة تعز أن نسبة حيازة السلاح لدى اليمنيين تبلغ وفقا للعينة المختارة 60,8 %، وفيما كشفت الدراسة عن وجود فارق بين الحضر والريف في حيازة السلاح، فإنها أكدت أن الفارق بسيط فهو بحسب النتائج 66,6 % في الريف و56,1 % في المدينة.
وفيما غاب دور الدولة اليمنية عن مواجهة مخاطر حمل السلاح واستخدامه بطريقة عشوائية، حضر دور المبادرات الاجتماعية والشعبية ولكن بحالات قليلة وإمكانيات بسيطة من أبرزها منظمة "دار السلام لمكافحة الثأر والعنف" التي تأسست عام 1997 بجهود اجتماعية ذاتية وجعلت من بين أهدافها التوعية بمخاطر حمل السلاح وتشجيع المجتمع على مساعدة نفسه لتجنب نتائجه السيئة، والتدخل لحل النزاعات المسلحة سلميا وكشف معانات الفرد والمجتمع منها. وفي تصريح لـ DW عربية قال سعيد محمد المروني أحد مسؤولي منظمة دار السلام، إن المنظمة قامت منذ تأسيسها "بتنظيم المسيرات للمطالبة بتطبيق قانون تنظيم حمل السلاح، وتوعية المتطوعين بمخاطر استخدام السلاح وعواقب الثأر، والتدريب على كيفية التدخل لحل النزاعات المسلحة." ويشير المروني إلى أن المنظمة قامت على مدى العامين الماضيين بتنفيذ "مشروع السلام والتماسك الاجتماعي في محافظات: الجوف وأبين ولحج، بدعم من الاتحاد الاوربي" مؤكدا أن المشروع ما زال مستمرا حتى الآن. ويقول سعيد إن المنظمة تقوم "بتشكيل لجان للسلام في بعض المحافظات للوصول إلى تأسيس الشبكة المجتمعية لتحقيق الشراكة مع المجتمع." مشيرا إلى أهمية العمل مع المجالس المحلية والمشايخ والشخصيات الاجتماعية ورجال الدين. ويؤكد محمد في ختام تصريحه لـ DW عربية أن المنظمة تنوي تنفيذ حملات توعية في المحافظات التي برز فيها حمل السلاح نتيجة للأزمة السياسية، بالإضافة إلى برامجها في مكافحة الإرهاب والعنف والتطرف.
تراخي الجهات الرسمية سهل انتقال السلاح للمدينة
أما عن دوافع حمل السلاح وانتشاره في المدن الرئيسية فيقول لـــ DW عربية الشيخ خالد محسن الغولي الأمين العام للمجلس المحلي بمديرية ريده محافظة عمران إن "تراخي وتساهل الجهات الحكومية المعنية بضبط مداخل المدن سهل عملية انتقال الثأر إلى المدينة فاضطر الكثير ممن لديهم قضايا ثأر في مناطقهم القبلية الريفية لاصطحاب سلاحهم معهم وسهل لهم الأمر كثيرا السماح لأعضاء البرلمان وبعض الشخصيات الاجتماعية اصطحاب أعداد كبيرة من المرافقين المسلحين." ومن جانبه يرى عبد الرحمن الوادعي الأمين المساعد لجامعة عمران أن "التنافس الحزبي جعل الأحزاب المتواجدة في السلطة تحرص على إظهار بعض رموزها كأصحاب هيبة ونفوذ اجتماعي فتمنحهم الإمكانيات وتسهل لهم العبور للمدينة بالمرافقين والسلاح ." ولكن عز الدين الأصبحي رئيس مركز المعلومات والتأهيل لحقوق الإنسان يرى في دراسة له أن القانون اليمني "لا يجرم حيازة الأسلحة النارية من قبل المواطنين، بل يعتبره حقاً لهم " مشيرا إلى نص المادة التاسعة من قانون تنظيم حيازة وحمل السلاح التي تؤكد حق مواطني الجمهورية اليمنية بـ "حيازة البنادق الآلية والمسدسات وبنادق الصيد اللازمة لاستعمالهم الشخصي مع قدر من الذخيرة لها لغرض الدفاع الشرعي" ويعتقد الأصبحي أن هذا النص يمنح الحق لكل مواطن أن يحوز ويحمل ما يقدر عليه من الأسلحة والذخائر دون تحديد لعددها أو ربطها بشرط مسبق .