الناقد عبد الرحمن مراد: حجة تدفع ثمن موقفها من ثورة 1948
بقلم/ مأرب برس
نشر منذ: 14 سنة و شهرين و 5 أيام
الأحد 29 أغسطس-آب 2010 09:20 م

ثمة نشاط ثقافي وإعلامي في حجة جعلها علامة استفهام في أذهان الكثير من القيادات ومن البسطاء ومن المتابعين .. ما الذي يحدث ؟ وما ذا يريد أولئك النفر من الشباب بحجة ؟ البعض قرأ خطابهم على أنه خطاب جهوي وآخر قرأه على أنه إعادة لترميم الذات المنكسرة وثمة طرف آخر يقول أنه لم يتبين ما يحدث وحتى نستبين ما الذي يحدث حملنا أسألتنا إلى أحد رموز ذلك النشاط واحد الفاعلين فيه الشاعر والكاتب والناقد /عبد الرحمن مراد ، الذي أجاب عن أسألتنا بعفوية ودون تحفظ فإلي نص الحوار :

 حاوره / علي حسن

- يتساءل الكثير هذه الأيام ما الذي يبزغ تحت سماء حجة ؟ وبصفتكم واحد من نجوم هذا الحراك الثقافي .. من أنتم وما هو مشروعكم ؟

-- نحن مجموعة من المثقفين من انتماءات سياسية متعددة منا اليسار واليمين ومنا الوسط والمستقل .. أي أننا طيف سياسي متعدد، جمعتنا قضية، وألف ما بيننا الهم المشترك في ذلك لأن ما يحدث في الواقع من شيوع للظلم وضعف في روح المواطنة وانقسام في الهوية والتباس في الوعي الاجتماعي وتقاسم لمقدرات الوطن وما نجده من سيادة للعنف والفوضى وغياب للأمن النفسي والأمن الغذائي مما صبغ الحياة بصبغة قاتمة ، كانت ضد روح الحياة والنماء والسلام والجمال، مما أفضي إلى إنسان محبط ومشوه ثقافياً وحضارياً، وواقع تحت تنائيه التسلط والخضوع، يعاني من التباس في المفهوم في الهوية وفي السلطة، ويقاسي ذلك التراجع المذهل في مؤشر التطور في دولة النظام والقانون ومؤسسات المجتمع المدني، هذا المناخ طبعاً جعلنا أمام أسئلة الواقع وأيضاً وضعنا بشكل تلقائي في مواجهته، من أجل قراءته واستخلاص نافذة منه للمستقبل مع الإيمان طبعاً بقيم التجديد والتحديث وخلق المناخات الملائمة لصناعة اللحظة الحضارية الراهنة ومنطلقاتنا تتمثل في الإيمان بالذات كمكون أساسي لمصادر الطاقة والإمكانات النفسية والذهنية والإبداعية القادرة على تنمية القدرات لإحداث المتغير الحضاري من خلال التفاعل مع المدركات ومحاولة تجديد روابطها وعلائقها، دفعاً لقيم الصراع والظلم وانتصاراً لقيم الخير والعدل والمساواة، وبما يحقق مجتمعاً متوازناً مؤمناً بهويته التاريخية والثقافية والحضارية وصولاً إلى الأفق الحضاري المتجدد والمنفتح على كل ما هو إنساني ويحمل قيماً جمالية متوافقة مع روح النماء والسلام، ونحن ندرك أن العقل أداة تمثيل وتوحيد وهو قادر على فهم الروابط بين الأشياء وقادر على خلق روابط جديدة تؤمن بالصيرورة والزمان وبدور المدركات في التعبير عن الواقع وبقدرة الفكرة ووظيفتها في التفاعل مع الواقع لحل كل إشكالاته حتى يتجاوب الواقع مع حاجات الناس وميولاتهم ويملك القدرة على إحداث المتغير من خلال مرونته وقابليته للعمل تأكيداً للطابع الحضاري الجديد الذي ينشده الإنسان في هذا الإطار الإنساني والمكاني الذي تمثله محافظة حجة . 

- هناك من يظن فيكم النزعة المناطقية .. ويصفكم بعصابة تحاول طمس وإلغاء كل المنجزات وأشياء اخرى من هذا القبيل ؟

 

ج- نعم ..نحن عصابة، لكنه بمفهوم جدنا حسان بن ثابت وليس وفق مفهوم من يطلقون الكلام علي عواهنه ، ثانياً لسنا مناطقيين وخطابنا لا يحمل هذه النزعة وسلوكنا أنزه من هذا الكلام وقد أكدنا مراراً ونؤكد أننا تيار يرفض الكراهية ونبذ الأخر ولسنا ضد أحد ولدينا إستعداد بالتعاون مع كل أحد يشترك معنا في الرؤية والهدف والغاية كما أننا نرى في الحوار وسيله مثلى لتطهير الذات من أنانيتها وطغيانها وفرديتها ونرجسيتها المتعالية، ونحن ننتصر للأمثل والأجمل والأبقى من القيم الإنسانية التي اشتغلت على تنميتها كل الأديان السماوية حتى أضحت قاسما مشتركاً بين بني أدم كلهم .

- أنت أجبت وأبنت لكن السؤال يظل قائماً بصيغة أخرى وهي لماذا حجة ؟

-- أقول لك لأن حجة تم إستهدافها من قبل النظام الحالي إلى درجة الانتقاص منها فهي الأخيرة وهي الأذل والأصغر، وقد تلاحظ في الزيارات الرسمية للقيادات عدم الاهتمام بشرائح المجتمع المختلفة بحجة، وقد صاحب هذا الانتقاص الشعور بالقيمة المفقودة، وما نقوم به الآن ما هو إلا إعادة لترميم الذات المنكسرة والذليلة، وذلك بالاشتغال على الهوية التاريخية، حفاظاً على الطابع السلمي للمحافظة، وحتى لا يتحول بسبب الظروف الضاغطة إلى حزام ناسف يستهدف الآمنين.

- تحدثت في سياق ردك عن استهداف النظام الحالي لحجة .. كيف ؟ نريد توضيحاً أكثر ؟

-- استهداف النظام تم بأبعاد متعددة منها الظاهر ومنها الباطن ومنها طريقة تعاطيه وتفاعله مع قضايا أبناء حجة ومشاكلهم الانمائية أو الاجتماعية وتعزيزه للأسرية ، واختزاله لكل الناس في حجة في ذات أو أكثر، ودعمه للمشاريع التي لا تلبي طموحات الناس في حجة ولا تعبر عن هويتهم، لقد أسلم رقابنا لمشروع الشيخ الفوضوي التدميري، ومشروع الأسرية الأناني المتسلط، وأصبح التنازع لا يتجاوز ظل قامة الدولة بكل ظلالها وعدلها وأمنها ، أضحت حلماً لدينا نراود أنفسنا بتحقيقه.

- هناك من يري أن اشتغالكم على الهم المناطقي سيجعلكم أكثر عزلة ؟

-- هل معنى هذا أننا حين نقول أن لدينا إشكالات في حجة نصبح مناطقيين في حين تصبح مطالب الضالع وأبين ولحج وصعدة مطالب مشروعة ويصبح التخريب وإقلاق الأمن والسكينة العامة مشروعاً بحكم الدستور والقوانين النافذة، يا (أخي) نحن في حجة لم نتفوه بكلمة نابية تحمل شعوراً مناطقياً لكل الهيكل الإداري للمجلس التنفيذي رغم أن ( 70 % ) ممن يشغلون مواقعه من غير أنباء المحافظة، وهذا يحدث في كثير من المحافظات الأخرى ، نزعة مناطقية صرفة تجعلك تكره نفسك كما أخبرنا الكثير .. نحن أكبر من هذا الاتجاه ولن نقول به رغم شعورنا أن نسبة تمثلينا في الحكومة صفر! وفي السلك العسكري صفر! والدبلوماسي صفر! وحتى القيادات الوسطية صفر! ومن يتعامل معهم النظام لا يمثلون إلا أنفسهم.

-إذن أين المناطقيه هنا ... ؟ 

--نحن أصحاب قضية وأصحاب رؤية ومشروع، على الجميع أن يقرأ مفردات خطابنا بتأني وروية ولا يتسرع بالحكم علينا لأننا لسنا بديلاً عن أحد ولا نهدد مكانة أحد ، ومن العدل أن يقفوا معنا وينتصروا لقضايانا لأنها قضايا مشروعة وعادلة، بديلاً من توزيع الصفات والألقاب، كما أن نظام السلطة المحلية وقانونها جعلنا أمام خيار التعبير عن أوجاع الناس وآلامهم والأجزاء تتكامل حتى تصبح قضية وطن بأكمله، مثلنا مثل كثير من المحافظات التي عبر عن قضاياها أبناءها حتى بات الوضع أكثر مرونة وقابلية وأكثر تجاوباً مع حاجات الناس وميولاتهم .

- هناك من يقول أو يرى أن مشاكل المحافظات الأخرى مشاكل جوهرية لا بد من التفاعل معها أما حجة فليس لديها مشكلة يمكن الوقوف أمامها والتفاعل مع تموجاتها ؟

-- الذين يقولون هذا يعيشون في أبراج عاجية، ويتعاملون مع قضايا المجتمعات الإنسانية بترف ذهني مبالغ فيه ، وعلينا أن نسألهم هل قامت الحركات التحولية في التاريخ الإنساني بحثاً عن سلطة أو جاه أو مكانة سياسية أو اجتماعية ؟ أم شعوراً بظلم أو انتقاص أو مصادرة أو إلغاء أو تهميش .. هذه هي حقيقة الثورات، ضرورة اجتماعية ترتكز على رصيد من مشاعر الغضب والضيم إلى أن تصبح رؤية وحلم كما حدث مع (العقد الاجتماعي) لـ(جان جاك روسو) أو (طبائع الاستبداد) لـ(عبدالرحمن الكواكبي) ، وكلنا يعلم ما الذي حدث بعد ذلك وكيف تحول الحلم إلى حقيقة .

ما يحدث أن أبناء حجة اعتصموا في مديرية عبس مثلاً بكل مكوناتهم الاجتماعية والسياسية والثقافية من أجل قضية "بني نهشل" التي دل تعاطي النظام معها على أنها ترف! وقد عرف المعتصمون في عبس أن قيمتهم مفقودة .... إذن مشاعر الغضب ومشاعر الانتقاص ومشاعر الظلم تسيطر على الناس وهذا مثال واحد فقط من جملة احتقانات تعيشها المحافظة ، ونحن نستشعر الخطر ولذلك نحن نصرخ .

- تصرخون من ماذا؟

-- نصرخ من ألم .. نحن نتألم كثيراً حين نجد أنفسنا هامشاً في كتاب التاريخ بعد أن كنا متناً فيه مع نهاية الثمانيات.. مثلاً.. تم وضع حجر الأساس لجامعة حجة وتم تسوير الأرض فأصبحت سرابا .. ، حلم يتبدد أمام عينيك ولكنه يتحقق في أكثر من محافظة من محافظات الجمهورية اليمنية .

المعالم التاريخية والحضارية يتم طمسها بقرار سلطوي وباسم الاستثمار او باسم مشروع إنمائي كما حدث مع بركة حورة بحجة أو قلعة القاهرة بالمحابشة وغير ذلك كثر ، .. لقد وقفنا عاجزين عن تحقيق متحف إقليمي للمحافظة ، وقفنا عاجزين عن موضوع الحفاظ على الحرف اليدوية ، وإيجاد مكان للتدريب وللمزارات السياحية وللعرض، نقف عاجزين عن القيام بمشاريع إنمائية تحد من ظاهرة الفقر ومشاريع استثمارية تمنع أطفالنا من التسلل إلى دول الجوار وتقيهم ذل السؤال والهوان على النيران في مقالب القمامة دون أن يشعر أحد بالمأساة .

لدينا من الإمكانات الكثير لكن البنى التحتية اللازمة ما تزال هي العائق الأكبر أمام جذب رأس المال للاستثمار في المجالات المختلفة ومنها؛ المقومات السياحية الهائلة التي لو استغلت الاستغلال الأمثل لرأيت نماءً مضطرداً ومجتمعاً متوازناً قادراً على التفاعل مع الضرورات الحياتية وحاملاً المفردات الولاء الوطني ومعتزاً بإنتمائه .

- لكننا فهمنا من ردك أنكم من ثورة تعيد التوازن للحياة خاصة مع مفردة (العقد الاجتماع) وسياق الرد يوحي بذلك . ؟

-- لا ..لا.. لا أقصد ثورة بالمفهوم العسكري ربما خانني التعبير السليم عن إيصال الفكرة في محمولاتها اللفظية، نحن نرمي أو نهدف إلى ثورة حقيقية، ثورة ثقافية لا تريق دماً ولكنها تغير وضعاً قائماً هذا الوضع التبس فيه المفهوم وانقسمت فيه الهوية.

حين نصل إلى فهم أن السلطة هي للقانون والدستور وأن الرئيس موظف يستمد سلطته من القانون والدستور، وحين يتحرر المواطن من مفهوم أن الراتب من الرئيس والأمن من الرئيس نكون قد قطعنا شوطاً كبيراً في تحرير الذات من رق التباس المفهوم، وهذا في حد ذاته ثورة وإنعتاق، لأن التباس المفهوم في أذهان الناس هو المشكلة الأعظم وحتى نجتاز عثرات الواقع لا بد من ثورة ثقافية تعيد الأمور إلى نصابها الحقيقي هذا مقصدنا .

..هوية حجة التاريخية ثقافية وأكثر ميلاً إلى السلم والتعايش مع الأخر، ولم تكن غير ذلك طوال حقب التاريخ المختلفة إلا في حالات استثنائية ولظروف استثنائية أيضاً وغالب تلك الظروف كان استشعاراً لظلم كما هو عند الهيصم بن عبد الرحمن الحميري، أو إنتصاراً لمظلوم كما في كثير من الأحداث حتى في إنقلاب 48 م انتصروا " لعين جودي بعبرة وعويل .. " ولم ينتصروا للظالمين، لأن وقع قتل الشيخ العالم المسن كان أشد ألماً في نفوسهم من أي نشدان للتغير لذلك استنهض هممهم وطوال العقود الخمسة من عمر الثورة وحجة تدفع ثمن موقفها من 48م.

- أستاذ عبد الرحمن ربما سبب إشتغالكم على موضوع الهوية سبب ضيقاً وعدم رضى عند قوى بعينها ونظروا إليكم بعيون المرتابين ؟؟

-- نحن أكدنا مراراً أن مفهومنا للهوية هو الوعي بالذات واشتغالنا عليه إعادة ترميم للذات وإعادة توظيف لها حتى تؤدي دورها في الحياه ومنطلقاتنا الفكرية واضحة فهي تقول بالإيمان بالذات كمكون أساسي لمصادر الطاقة والإمكانيات النفسية والذهنية والإبداعية القادرة على تنمية القدرات لاحداث المتغير الحضاري، وذلك من خلال التفاعل مع المدركات ومحاولة تجديد روابطها وعلائقها دفعاً لقيم الصراع، وهذا ما نعمل عليه فنحن نقول أن الطابع العام لهوية حجة هو السلام ولذلك ناشدنا عبر وسائل الأعلام بالإبقاء على هذا الطابع، ورجونا أن يتفهموا ذلك لأننا نرفض إعادة إنتاج صعدة أخرى في حجة خاصة نشاهد النشاط الملحوظ لبعض التيارات واستحداثها لمراكز تعليمية في المحافظة وما يصحب ذلك من خطاب استفزازي وتكفيري خاصة في المطويات والنشرات التي تصدر عن تلك المراكز.

نحن نرى أنه ليس من حق أحد زرع بؤر الصراع، كما أننا ندرك أنه ليس من حقنا مصادرة أحد أو الحجر على نشاطه، معادلة صعبة.. لكنها قابلة للتحقق إذا أيقنا أن العقل أداة للتمثيل والتوحيد وحين نشيع ثقافة الحوار أو ثقافة (جادلهم بالتي هي أحسن) ومثل ذلك واحد من منطلقاتنا الفكرية.

- هناك من يرى أن نشاطكم الإعلامي ظاهرة ستنتهي ويرى أن وجودكم محكوم عليه بالفشل ؟

- والله ان كنا نقوم بما ينفع الناس فسيمكث في الأرض وسينمو وان كان ما نقوم به زبداً فسيذهب جفاء لكن ما هو كائن أن الفكرة كانت فكرة فرد واحد وأصبحت الآن جماعة، وطالما وهناك نمو مضطرد فإحساسنا بالفشل ضئيل لأننا ندعو إلى قيم يحبها الله وهي السلام والنمووالتعايش وإشاعة ثقافة الحوار وثقافة (جادلهم بالتي هي أحسن) بعيداً عن مراجل الصراع ورائحه الدماء والأحزمة الناسفة التي أرهقت هذا الوطن.

- كلمة أخيرة تود قولها ؟

-- أود التأكيد أننا لسنا مناطقيين ،قلوبنا تسع الوطن، لكننا في إطار السلطة المحلية وقانون السلطة أردنا أن نحدث نماء ً في حجة بحكم الانتماء المكاني ليس أكثر واشتغالنا على هذا الهم لإحساسنا أن حجة إنساناً وأرضاً ومكاناً في ظلم قياسا إلى بقية المحافظات وهذه كل الحكاية.