جحيم التعليم في اليمن
بقلم/ علي الخيل
نشر منذ: 16 سنة و 11 شهراً و 21 يوماً
السبت 10 نوفمبر-تشرين الثاني 2007 10:43 ص

كشف تقرير حكومي صادر عن جهاز محو الأمية وتعليم الكبار أن عدد الأميين في اليمن ارتفع إلى خمسة ملايين ونصف المليون أمّي، يمثل الذكور منهم نسبة 33.3 %، والإناث 66.7 %، فيما تقول دراسات صادرة عن اليونسكو بان عدد الذين لايقرؤون ولا يكتبون على مستوى العالم بلغوا حتى العام الجاري 2007م نحو 774 مليون نسمة، فيما 72 مليون طفل غير ملتحقين في المدارس ،ما يؤكد ان القراءية تواجه أزمة كبيرة تضاعف من محنة الكتاب في كل دول العالم وعلى وجه الخصوص اليمن ما استدعى الوقوف على السؤال : ما اسباب عدم تراجع نسب الأمية في العالم العربي فيما تتراجع نسب القراءة لدى المتعلمون ؟ فوفقا لدراسة حديثة صدرت مؤخرا فان 76 مليون عربي بنسبة 40 % من إجمالي سكان العالم العربي لا يقرؤون.

قال الشيخ عائض القرني" إن الإنسان بلا قراءة قزم صغير، والأمة بلا كتاب قطيع هائم . و أضاف : طالعت سير العظماء العباقرة فاذا الصفة اللازمة لهم مصاحبتهم للحرف وهيامهم للمعرفة ، حتى الجاحظ مات تحت كتبه ، و توفى الإمام مسلم صاحب الصحيح وهو يطالع كتاب ، وكان أبن عقيل يقرأ وهو يمشي وقال ابن الجوزي قرأت في شبابي ألف مجلد وقال المتنبي وخير جليس في الزمان كتاب ، اما الروائي الروسي تيولوستي " يقول إن قراءة الكتب تداوي جراحات الزمن فماذا قراء شبابنا اليوم؟!"

في البداية سألنا أحد الطلاب الجامعيين في معرض الكتاب الأخير بصنعاء عن ماذا يبحث في المعرض؟ فاجاب الطالب حمدي الخاشة انه يبحث عن كتب تتعلق بتخصصه لكي تفيده في تحقيق النجاح .. معترفا بمشكلة افتقاد شبابنا العربي لعلاقة طيبة بالكتاب ارجع سببها الى البيئة التي لا تشجع على علاقة ايجابية بالكتاب بدءا بالاسرة ومرورا بالمدرسة فالجميع لا يعطون الكتاب اهميته !.

ويوافقه هزاع المطوع طالب جامعي في الرأي فيقول: نحن عرب نقرأ قليلا

وان قرانا لانعمل بما نقرأ ولانستفيد منه الا القليل وذلك بسبب انشغال العرب بمتابعة الملذات عبر وسائل الإعلام و الانترنت التي تهدم اليوم ولا تبني وتركنا لشريعة محمد والقران الكريم التي ان تمسكنا بهما نجونا وان اضعناها ظلينا الطريق.

ـ الاوضاع المعيشية

المستشار الثقافي لرئيس الجمهورية شاعر واديب اليمن الكبير الدكتور عبدالعزيز المقالح يقول " ان العرب اليوم يقرؤون ولكن بنسبة قليلة ، ولكن الأوضاع الأقتصادية والمعيشية الحاصلة اليوم هي السبب الرئيس فهي التي تحجم بعض الناس عن القراءة إضافة الى ارتفاع سعر الكتاب بالنسبة لبعض الناس وكذا هناك تخوف من النشر لدى بعض الناشرين حيث أن معدل طباعة الكتاب العربي لا يجد مساحته الكافية حيث تقوم دور النشر اليمنية مثلاً بطباعة الكتاب من 3 الى 5 الاف نسخة فقط فيما تجد أن الكتاب في اي بلد اوروبي يطبع و ينشر من الكتاب احياناً ملايين النسخ ولكن هناك امل في المستقبل".

وأضاف المقالح: لكي نستطيع إعادة ثقافة القراءة لدى الشعوب العربية يجب ان نُّفعل وسائل الإعلام المختلفة لكي تقوم بدورها الصحيح من حيث التوعية والتثقيف بأهمية القراءة مثلاً التلفزيون " أتمنى أن يقوم التلفزيون والقائمون عليه بإذاعة أي أشارة او حديث عن كتاب بين كل فقرة وأخرى يدعو من خلاله القارئ لقراءة كتاب وكذا الصحافة من خلال تخصيص جزء منها لعرض جديد من الاصدارات والكتب القيمة مشيراً الى أن الصحف الفرنسية تنشر احاديث عن الكتب وتعرضها بغرض تشجيع القارئ على إقتناء الكتاب وقراءته ،وهذا في بلادنا اليمن معدوم وغير موجود او على نطاق ضيق فقط ".

ـ منهجية التفكير

فيما يشير المفكر العربي الإسلامي الدكتور عبد الحميد سليمان رئيس المعهد العالمي للفكر الإسلامي إلى أن الأمة العربية اليوم أبتعدت عن مفاهيم القراءة المتعمقة فتأخرت عن ركب الحضارة ..وقال " إن ابتعاد الأمة عن منهجية التفكير السليم و مقومات العقيدة الإسلامية المنظمة لحياة الشعوب إدى إلى تردي حال الأمة لتغدو اليوم في خانة الهامش بعد ان كانت سادة العالم بعدلها وخيرها وقيمها السمحة".

وأضاف " اصبح بين العرب والكتاب عقدة نفسية وثقلت عليهم المعرفة وخفت عليهم القيل و القال و اصبحت في إزمة مع صراع الحضارات ولا تريد الامة اليوم ان تتبين اوجة قصورها التي ستؤدي إلى استمرار التخلف ، لأن الأمة العربية اليوم في حالة فجور وفسوق ومهانة وتخلف ، بسبب بعدها عن الشريعة الإسلامية وبعدها عن قراءة القرآن الكريم وتدبر معانيه التي تزرع الخير و الحب وتربي و تعلم ابنائنا واسرنا على القراءة المفيدة والمفاهيم الإسلامية ."

وأشار عبد الحميد إلى أن الإسلام جاء بقضيتين أساسيتين هما " العالمية "من خلال رسالته السماوية والتي جاء فيها اول كلمة نزلت في القرآن " أقرأ" والقضية "العلمية " في الدين التي تتماشى مع الفطرة وبعيدة عن امور الشعوذة والسحر والتضليل ..منوهاً بأن الامة العربية بعيدة كل البعد عن هاتين القضيتين التي تحث على القراءة الدائمة المعقمة ، العرب اليوم في حالة تشرذم وإنكفاء على الذات ، اما فيما يتعلق بأهمية إعادة ثقافة القراءة لدى الشعوب العربية ..أكد سليمان على أهمية تظافر جهود أبناء الأمة الإسلامية و بخاصة علماء الدين لانتشالها من الواقع المتردي الذي تعيشه بسبب أبتعادها عن منهجية القراءة السليمة والتفكير السليم.

ـ العرب .. للخطابة فقط

ويتفق وزير المالية السابق الدكتور سيف مهيوب العسلي مع المفكر الإسلامي الدكتور عبد الحميد سليمان في نظرية القراءة و منهجية التفكير السليم التي هي الأساس ويقول " إن عبارة العرب لا يقرؤون وان قرأوا لا يفهموا .. هي شبة صحيحة ، لأن العرب يركزون حالياً على الإلقاء والمخاطبة الشفوية المتمثلة بالشعر ، ولم يركزوا على الكتابة منذ التاريخ القديم ، لان العرب مبالغين في تعظيم أنفسهم ولم يحبذوا الكتابة ،لان الكتابة لابد ان تحمل نوعا من النقد والنقد عن العرب غير مقبول حتى يومنا هذا.

اما بما يتعلق بأهمية القراءة يقول العسلي : نحن أمة أقرأ و اول كلمة أنزلت في القرآن الكريم هي "أقرأ" و انزلت على رجل أمي لايقرأ فهذه دلالة واضحة على أن النبي الأمي (ص) خاطب هذه الامة من خلال القراءة ، وبهذا نقيس أنه لايمكن ان تكون هناك حضارة إذا لم يكن هناك كتابة وقراءة ومن خلال التراكم المعرفي للقراءة تتجمع جهود الأجيال فتصير هناك حياة افضل.

وقال العسلي " لسوء الحظ ان الكتابة انتشرت في فترة بسيطة في التاريخ الإسلامي وهي فترة التدوين والترجمة حين بدأ العرب يبدعون ويدرسون حضارات العالم الجديد ، و لكن هولاء العلماء اطلق عليهم آنذاك بالضالون ، والمظللون ، والسحرة ، والمنحرفين وغيرها من الالقاب المسيئة لهم " و من امثال أولئك العلماء الذي كان يطلق عليهم هذه الألقاب ( أبن سيناء ، أبن رشد ، وغيرهم من العباقرة الكبار ) ولم نعترف لهم بحججهم وابداعاتهم واختراعاتهم الا عندما أعترف الغرب بهم، وكان بعض المسلمين يصورهم في التاريخ الإسلامي بأنهم منحرفين واصحاب عقائد ولازال هذا التيار موجود الى يومنا."

واضاف الدكتور العسلي " إذا أردنا ان نندمج بالحضارة العالمية او نقودها فمفتاح ذلك القراءة ، ثم الكتابة و حرية التعبير التي يجب ان يكون لها قداسة ، والقبول بالنقد و إن كان جارحاً لأن النقد الجارح خير من النفاق الجامح " فها نحن نرى إلإنسان الأجنبي دائما يقرأ ولكن نحن نخاف من الكتاب لان الكتاب يشرح جزء من الحقيقة ، وذلك ينبغي على المجتمع بكل تكويناته ان تعلم الناس في المدارس والجامعات كيف يقرؤون لا كيف يفكون الخط كما هو حاصل اليوم نعلمهم كيف يفهمون ..ويحللون ..ويستنتجون ..ويلخصون ..وهذه مشكلة عويصة حتى في مناهجنا التعليمة

اليوم ."

ـ الميل للصمت

أما الناقد و الإعلامي اليمني المقيم في دولة الإمارات العربية المتحدة مدير تحرير مجلة الرافد الدكتور عمر عبد العزيز ، فيقول " من الصعب ان تصدر قرارا و احكاماً بهذا المعنى ، فالعرب يقرؤون ولا يقرؤون مثلهم كمثل بقية الشعوب، وهناك أمر تاريخياً يتعلق بزيادة الثقافة الشفاهية بالعربي ، من خلال الخطابة المنبرية ،والإستماع اضافة الى القراءة الصامته ،وفي المقابل نتحدث عن شعوب قارئة لانها بطبيعتها السيكولوجية والنفسية تميل للصمت وهو رديف للقراءة الورقية، وبطبيعة الإنسان العربي يميل إلى الإستماع إلى الشاشة وهي ظاهرة تتعلق بعوامل تاريخية ،وبدورها تزيد من الثقافة الشفاهية عبر التعاطي الذهني، والثقافة الشفاهية لاتختلف عن جوهر التعاطي الصامت المقروء .."

ويضيف عمر عبد العزيز " هناك أمر لابد من معرفته وهو إننا كعرب نعيش حالة من التخلف لسنا في مقامات إسلافنا الكبار وذلك لمسائل معقدة منها تواريخ المهانات، و الاستبدادات، و العلاقة السيئة بين الرعية والنخب

السياسية، ذلك ينعكس بشكل سلبي على المجتمع العربي وعلى الثقافة العربية العامة، فلابد من إعادة النظر بيننا و بين التاريخ ، بمعنى أن نبتعد عن الهتافات و المناكفات الدينية و السياسية ، وتسوية المقولات التاريخية ، وتسوية العلاقات بين اوساط المجتمع لنعمل على إنماء ثقافتنا بالقراءة في مختلف اشكالها وصورها".

ـ كلام يهودي

الدكتور عبد العزيز بن صالح الطويان عميد شؤون المكتبات في الجامعة الإسلامية وفهد ابراهيم الرشيد مدير المعارض بوزارة التعليم العالي بالمملكة العربية السعودية يختلفان وينفيان هذه العبارة جملة وتفصيلاً ..مشيرين إلى ان مقولة العرب لا يقرؤون وان قرأوا لا يفهمون عبارة قالها احد اليهود...وذلك لإحباط العزيمة لدى العرب، منوهين بأن العرب يقرؤون ولا يوجد هناك قطيعة بيننا وبين الكتاب وهذا اكبر دليل يتجسد في معرض صنعاء للكتاب الذي يشهد اقبالاً كثيراً لشراء واقتناء الكتاب رغم الصعاب والظروف الاقتصادية التي تواجه الإنسان اليمني وهذه حقيقة على حب العلم والتعلم فيما بعض المعارض الدولية الأخرى لا تجد إقبال مثل معرض صنعاء لأنه يتحول إلى مكان للترفية والتسلية للعائلات والأهالي ."

ـ أولى الامم

أما الصحفي والكاتب اليمني صادق ناشر ، فيقول"العرب كما ذكر اكثر من مصدر أمة القرأن الكريم ، و الأولى بالامة العربية ان تكون أولى الأمم بالقراءة وسباقة في تثقيف الذات، ولكن ما يحدث اليوم أن العرب نسوا القراءة ولم يعملوا بما عملوه سابقوهم ، وبالتالي فإن العرب يتقهقرون إلى الخلف وذلك لعدة أسباب منها" الأنظمة العربية معظمها لاتتيح فرصة لمواطنيها للتحول للقراءة الحقيقية لانها تحاول تجهيل المواطن حتى لاتتحول هذه الشعوب إلى قوة مناهضة لهذه الأنظمة ، وهي احدى سياسات هذه الأنظمة وبالتالي القارئ العربي يتجهه للقراءات الشكلية ولايهتم إلى القراءات المعمقة التي تزيد من وعيه وإدراكه واتساع معارفه ويحبذ اللجوء إلى القراءات السريعة ، او ما توصف (بقراءة السندويش) التي لاترهق ذهنه وفكره ولاتشغل عقله وهي جزء من ثقافة عامة صارت تتشكل في القرون الأخيرة اصبحت سمة من الشعوب العربية حتى لو قرأ المواطن العربي فأن قراءته تصبح ضيقة ومحدودة التأثير ولهذا السبب قيل بانهم لايفهموا واذا فهموا لايطبقوا على أرض الواقع .

ويضيف الصحفي ناشر " إن هناك واقع نعيشه بألم وأن المثقف او المواطن العربي قليل القراءة قليل الأهتمام بالكتاب ، وذلك بسبب الأوضاع الاقتصادي و المعيشية الصعبة التي يعاني منها المواطن العربي او اثرت على الاقبال على الكتاب و القراءة ،كما أن هناك عقدة اساسية بين المواطن العربي و الكتاب ، عقده بينه وبين الثقافة ،وليس هناك فرص كبيرة على إقتناء الكتاب ،الكتاب في العالم الأوروبي يطبع بألاف بل بملايين النسخ بينما نحن نطبع نحو 3 الى 4 الاف نسخة فقط . من أجل ان نقرأ لابد ان يكون هناك تواجد مهم و كبير للدولة في أن تكون هناك استراتيجية واضحة المعالم للدولة في مايتعلق بدعم الكتاب وإنزاله إلى الأسواق باسعار مناسبة حتى يتمكن القارئ من شراء الكتاب ، وليس المهم أن نشتري كتاباً ولكن الأهم أن نفهم مافيه ،اضافة إلى أن معظم الكتب التي تطبع باليمن كتب نخبوية لايقرأها إلا النخبة وتبقى محصورة في دائرة ضيقة ".

ـ الفضائيات

رئيس الهيئة العامة للكتاب الدكتور فارس السقاف يقول " هناك عزوف أغلب الشباب عن القراءة بسبب مشاهدة ومتابعة الفضائيات والقنوات المختلفة والانترنت ..واضاف " هناك عزوف عن القراءة ولكن هذه العبارة كانت تكتيكية وأرادت أن تحبط العرب ، والعرب كأي أمة مرت عليهم ظروف إنحطاط وانصرفوا عن القراءة لانهم كانوا منشغلين باولوية السكن والدواء والغذاء وتأخرت أولية القراءة، ولكن الأن في السنوات القليلة الماضية شهدت الشعوب العربية صحوة ... وقد بدأت هذه بقراءات سطحية ثم إقبال فزيادة وتفاعل ورؤية وفي الاخير تتبلور إلى عملية عكسية للقراءة جماعية ودراسة وقراءة لتحقيق المقاصد والأهداف وتعميق الفهم.

ويتابع السقاف " ايضاً هناك عقدة نفسية بين الكتاب وبين أمريكا مثلاً صدر تقرير يقول ان المجتمع الأمريكي في خطر ، التعليم فاشل والطلاب لا يقرؤون ولا يطلعون ولا يعرفون شيء ولديهم معلومات سطحية فيما القارئ العربي اكثر إطلاعاً ومعرفة من القارئ الأمريكي.

ويستطرد: ولكي نعيد ثقافة القراءة يجب أن نحدد منهج القراءة :كيف تقرأ، ماذا تقراء، كيف نحول ما نقرأ إلى جوانب عملية ؟ يجب أن نعلم الناس القراءة ، يجب أن نعيد المكتبة المدرسية وإعادة مادة القراءة والمطالعة كمادة اساسية حتى يرتبط من البداية وحتى النهاية بالكتاب ، وكذا يجب ان يتم تدعيم المكتبات العامة والتعليم العالي والمدرسي بموازنات خاصة لكي تؤدي دورها لا ان يكون لدينا مسميات فقط دون إمكانيات فهي ستفشل وستسهم في إخراج جيل إنصاف جهلة لايفقهون شيئاً.

ويقول الشيخ الدكتور صالح الوعيل أستاذ الشريعة في جامعة صنعاء مؤكدا " إن الأمة العربية اليوم تغلب عليها الأمية، وإن كنا نقرأ، فنقرأ قليل الشأن وبدون فهم واستيعاب وتعمق ، لأنه كما أضاف الوعيل لا يوجد لدى العرب عزيمة ولا إرادة او أمل تجعلهم يفكرون كيف يفهمون ويفكرون. مشيراً إلى أن الإنسان الغربي اذا وجدته راكباً او مسافراً او يعمل او في النادي تجده يقرأ وينظر إلى ما هو الجديد وما هو المبتكر في صالح حالهم و دنياهم و إن وجدت إنسان عربيا مسافرا او في مكان تجده يطالع ويتلفت شمال يمين كالذئب العاوي.

* سبأ نت