بعد فشل الفاشية الحوثية بحشد الناس تحت راية الدفاع عن المذهب الزيدي، لجأت إلى الدفاع عن مظلومية "آل البيت" ثم إلى الوقوف ضد الإصلاحات الاقتصادية "الجرعة".. ليكون التحشيد القبلي والدعوة إلى "النكف" ضد أبناء تعز هو العنوان الجديد الذي ابتدعته الحوثية خلال اليوميين الماضيين.
سريعا ما فشلت الحوثية في تحشيد الناس دفاعا عن الزيدية منذ العام 2004.. كان يومذاك رئيس الجمهورية ورئيس البرلمان وكثير من الوزراء و 80% من قادة الجيش هم من أبناء الزيدية، وصنعاء العاصمة هي قلب الزيدية، ولم يشعر أي يمني بنقمة مذهبية مطلقا، بل كان هناك استبداد وفساد مالي وإداري وأخلاقي يمارسه نظام صالح، وهو عدونا الوحيد.
وفشل الحوثي بحشد أبناء الأسرة الهاشمية ضد الدولة بحجة مظلوميتهم منذ قيام ثورة 26 سبتمبر 1962 التي أسقطت نظام آل البيت الكهنوتي الديني، وهي ثورة عارمة شارك فيها الكثر من الهاشميين لأن طغيان الأئمة استعبد الناس وعزل اليمن عن العالم ألف سنة، وجعل الفلاحة والمواشي هي كل ما يعرفه اليمني في هذه الدنيا، وزاد فوق ذلك نهب للأراضي والممتلكات وتجويع وتجهيل وإذلال للناس، حتى أشرقت الحياة وقدمت الشمس إلى أرض اليمن مع قدوم ثورة 26 سبتمبر 1962.
وبعد ثورة سبتمبر المجيدة عاد الهاشميون من باب التعليم الذي احتكروه لأنفسهم في السابق وتولوا أدوارا قيادية في الدولة لأسباب أهمها مصالحة جدة في مارس 1970 التي أعادتهم إلى الحكم، وتغلغلوا في مفاصل الدولة خاصة في القضاء والجيش والأمن والخارجية والتعليم العالي، وما من حكومة تشكلت إلا وفيها ما لا يقل عن 5 وزراء من أبناء الأسرة الهاشمية الذين لم يناصبهم أحد العداء، رغم عنصرية كثير منهم، وحقدهم على النظام الجمهوري الذي أسقط عرشهم الأسود.
ورغم انخراطهم في جميع وظائف الدولة ظلت عنصريتهم نارا تتلظى بهدوء تحت الرماد، حتى جاءت عواصف الحوثي المقيتة وجرفت الرماد وأسقطت القشور الزائفة وتبين أن أكثر من نصف الهاشميين الذين اعتقدنا أنهم رجال دولة ولهم شرف وطني هم في الحقيقة أذرع ناعمة للحركة الحوثية التي جاءت تعيد الأئمة إلى كرسي الحكم، ضمن مشروع إيراني أمريكي في منطقة الجزيرة العربية، يستهدف في المقام الأول أمن وسيادة دول الخليج.
وهنا سقط الرهان عن راية مظلومية آل البيت لأن الكثير من قيادة الدولة هم من أبناء الأسرة الهاشمية.
في أغسطس 2014 أعلنت الحكومة اليمنية عن قرار قاس للإصلاحات الاقتصادية وقررت رفع أسعار المشتقات النفطية بنسبة 60% تقريبا من أجل تحرير أسعار هذه السلع الحيوية ورفد ميزانية الدولة الهشة، وهنا أطل الحوثي برأسه من داخل كهف أثري بمحافظة صعدة وحشد أصحابه للتوجه نحو العاصمة للمطالبة بالدفاع عن الشعب وإسقاط الجرعة الاقتصادية، وكانت تلك خديعة انطلت على كثير من الناس، وبعد حصار أيام قليلة للعاصمة تم اجتياحها كطاعون قادم من غابر القرون.
أحرقت الأيام كل الكروت وذهبت جميع الذرائع ولم يجد الحوثي غير لصوص القبيلة ورعاعها وهمجها، فذهب يستثير فيهم حمية الجاهلية، ويدعوهم إلى الأخذ بالثأر لأولادهم الذين قتلوا في معاركه الخاسرة بتعز.. ومن دون أن يسألوه لماذا قُتِل أولادنا هناك؟! وافقوا رهبة منه، وطمعا في مال يغدقه عليهم، وهو أيضا لم يقل لهم أريد رؤوسكم لتكون وقودا إضافيا لمعركتي الهمجية في تعز، لأنه يعرف أنها رؤوس بلا قيمة.
وكلاهما يعرف جيدا أن تعز مدنية للسلام والتعايش والعلم والحضارة والتاريخ وعاصمة الثقافة اليمنية.. عرفوا ابن تعز منذ خمسين سنة وهو يأتي ببنطاله الأنيق وشعره المهندم وعقله الممتلئ يدرس أولادهم لسنين طويلة في المدارس والجامعات، يعرفون ابن تعز في العيادات ومكاتب المحاماة ومؤسسات الإعلام وشركات الهندسة، يعرفون أن أدوات وأوعية الدولة الرئيسية يديريها أبناء تعز، يعرفون أن مال الدولة الذي يستنزفونه شهريا يأتي من ضرائب رجال الأعمال بتعز... ويعرفون أيضا أنهم لصوص وقتلة ومجرمون ومستأجرون ومقاتلون بالأجر اليومي، طمعا بالمال أو رهبة من الحوثي، وفي كلا الأمرين لدعوة الحوثي نية مبطنة باجتياح تعز بأكبر عدد ممكن من رجال القبائل ولصوصها، قبل أن تغادر إدارة أوباما البيت الأبيض، وهي الإدارة التي يصر وزير خارجيتها "جون كيري" على تنفيذ خارطة طريقته لحل الأزمة اليمنية، وخلاصتها معاقبة القيادة الشرعية وتسليم اليمن قسرا لميليشيات إيران.
"النكف" في العُرف القبلي اليمني هو استغاثة لنصرة المظلوم وحشد الحوثي لقبائل حاشد وبني صُريم في عمران ودعوتهم للنكف بعد أسبوع مرير في تعز قُتِلَ فيه أكابر مرتزقته، وحقق أبناء تعز الذين حملوا السلاح اضطرارا للدفاع عن ممتلكاتهم وأموالهم وأعراضهم انتصارا عظيما ضد من الغزاة القادمين من بعد 700 كليومتر لقتالهم أمام عتبات بيوتهم.
في كل مراحل الحروب الحوثية ضد الوطن منذ ثلاث سنوات كانت بعض القبائل بعينها هي المخزن الاستراتيجي لمرتزقة الحوثي باستثناء القلة من شرفائها.. واليوم ندعوهم أن يجمعوا أولادهم من تخوم تعز قبل أن يعودوا معهم على ظهور النعوش.