اليمن في ذاكرة الرحالة ابن بطوطة
بقلم/ محمد مصطفى العمراني
نشر منذ: 14 سنة و 3 أشهر و 30 يوماً
الأحد 18 يوليو-تموز 2010 05:01 م

لماذا أعجب ابن بطوطة بأهل زبيد؟! وكيف رأى صنعاء وعدن ؟ ولماذا وصف أهل تعز بالتجبر والفظاظة؟!

يعد أدب الرحلة من أهم ألوان الأدب العربي وتعد رحلة ابن بطوطة ( تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار ) من أشهر كتب الرحلة في الأدب العربي قديماً رغم شهرة كثير من المؤرخين والرحالة كابن ماجد وياقوت الحموي صاحب كتاب " معجم البلدان " والمؤرخ المسعودي صاحب كتاب " صفة جزيرة العرب " والإدريسي وغيرهم هذا قديماً ، أما في الأدب العربي في العصر الحديث والمعاصر فقد أبدع في هذا الفن كثيرون لا يستطيع كاتب في عجالة كهذه أن يحصيهم ويستقصي ذكر مؤلفاتهم فقد أصبح أدب الرحلة " الاستطلاع " باباً ثابتاً في معظم المجلات والصحف العربية الهامة ويتذكر كاتب هذه السطور كيف أنه وهو فتى في مرحلته الدراسية الإعدادية كان يرقب بفارغ الشوق مطلع مجلة العربي الثقافية لقراءة الاستطلاعات المصورة التي يقوم بها محمد المنسي قنديل وفهمي هويدي وأنور الياسين وسليمان حيدر وأشرف أبو اليزيد .

وتطور الأمر مع الفضائيات كثيراً فخصصت بعض الفضائيات برامج لهذا اللون من الأدب ، كما أن بعض الكتاب والروائيين الذين ضمّنوا مشاهداتهم وانطباعاتهم في كتبهم ورواياتهم قد عملوا على تداخل هذا اللون من الأدب مع ألوان أدبية أخرى فكتاب مثل " طالبان جند الله في المعركة الغلط " لمؤلفه المفكر فهمي هويدي يتحدث عن رحلتين قام بهما المؤلف إلى أفغانستان لا يستطيع أحد أن يصنفه ضمن أدب الرحلة رغم أن الكتاب تضمن وصف المؤلف لما رآه من مدن أفغانستان وما شاهده من غرائب وعجائب البلد وتقاليد أهله بسبب الطرح الفكري التحليلي الذي حفل به الكتاب ، كما أن كتاباً مثل " الطريق إلى مكة " رغم أسلوبه الروائي الشيق واكتمال عناصر القصة فيه لا يستطيع أحد أن يصنفه في باب الروايات ويخرجه من إطار أدب الرحلة ، كما أن كتاباً يتناول أدب الرحلة لا يستطيع إغفال كتاب الريحاني " ملوك العرب " ولا كتب محمد بن ناصر العبودي وهي كثيرة جداً ، فقد قام العبودي أيام عمله في رابطة العالم الإسلامي بزيارة أكثر من مائة دولة في إطار تفقده أحوال المسلمين فيها وكتب حوالي ( 100 ) مؤلف مدعم بالصور عن هذه البلدان .

وعلى مستوى بلادنا يرى الكثيرون أن الصحفي محمود ياسين أشهر من كتب في الصحافة اليمنية في فن الاستطلاع " أدب الرحلة " ولعل كتابه " مدن لا يعرفها العابرون " هو شاهد على إبداع هذا الشاب رغم توقفه منذ سنوات عن الكتابة في هذا الفن ورغم أن الكاتب الراحل الأستاذ حمود منصور ـ رحمه الله ـ قد سبقه إلى هذا الفن فأصدر في الثمانينات عدة كتب في أدب الرحلة مثل " قبيلي في الصين " ، " الرياض من الباب الخلفي " ، " وبكيت في الخرطوم " ، " إكرمه بدجاجة " ، لكن بُعد منصور ـ رحمه الله ـ عن الصحافة ووسائل الإعلام جعله مغموراً في حياته وبعد موته ـ رحمه الله ـ .

ولنعد إلى حيث بدأنا إلى رحلة ابن بطوطة " تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار " لنتعرف على ابن بطوطة ونلقي الضوء على رحلته المشهورة.

فمن هو ابن بطوطة ؟

هو أمير الرحالة المسلمين كما تلقبه بعض المؤسسات البحثية الأوروبية في كتبها وأطالسها كجامعة كامبردج وهو من حيث النسب محمد بن عبد الله بن محمد بن إبراهيم اللواتي الطنجي نسبة إلى طنجة المدينة المغربية المعروفة ، ترجمت رحلته للإنجليزية والفرنسية والألمانية والبرتغالية ، وقد كان ابن بطوطة قاضياً شاعراً يجيد العربية والتركية والفارسية والأردو ، ولد ابن بطوطة سنة ( 703هـ ) الموافق ( 1304م ) وتوفي في مراكش ( 779هـ ) الموافق ( 1377م ) ودامت رحلته في أقطار الدنيا حوالي ( 27 ) عاماً .

ابن بطوطة في اليمن :

كانت اليمن من ضمن البلدان التي زارها ابن بطوطة في رحلته وكانت مدينة حلى لعلها الحديدة حالياً أول مدينة يمنية وصل إليها ابن بطوطة لنتركه هو يروي تفاصيل رحلته في اليمن يقول ابن بطوطة: لما قدمت مدينة حلى وسلطانها عامر بن ذؤيب من بني كنانة ، وهو من الفضلاء الأدباء الشعراء ، وكنت أثناء الحج قد صحبته من مكة إلى جدة فلما وصلت بلده أكرمني ، وأقمت في ضيافته أياماً وركبت بعد ذلك البحر في مركب له فوصلت إلى بلدة السَّرجة وهي بلدة صغيرة يسكنها جماعة من أولاد الهلبي ، وهم طائفة من تجار اليمن ، أكثرهم ساكنون بصنعاء ولهم فضل وكرم وإطعام لأبناء السبيل ، ويعينون الحجاج ويركَِّبونهم في مراكبهم ويزودونهم من أموالهم ، وقد عرفوا بذلك واشتهروا به ، وأكثر الله أموالهم وزادهم من فضله وأعانهم على فعل الخير ، وليس بالأرض من يماثلهم في ذلك إلا الشيخ بدر الدين النقاش الساكن ببلدة القحمة فله مثل ذلك من المآثر والإيثار .

وأقمنا بالسرجة ليلة واحدة في ضيافة المذكورين ثم رحلنا إلى مرسى الحادث ولم ننزل به ثم إلى مرسى الأبواب ثم إلى مدينة زبيد وهي مدينة عظيمة باليمن بينها وبين صنعاء أربعون فرسخاً ، وليس باليمن بعد صنعاء أكبر منها ، ولا أغنى من أهلها واسعة البساتين كثيرة المياه والفواكه من الموز وغيره .

وهي برية لا شطية إحدى قواعد بلاد اليمن مدينة كبيرة كثيرة العمارة ، بها النخل والبساتين والمياه ، أجمل بلاد اليمن وأحسنها، ولأهلها لطافة الشمائل وحسن الأخلاق وجمال الصور ، وهي وادي الخصيب الذي يذكر في بعض الآثار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لمعاذ في وصيته : ( يا معاذ إذا جئت وادي الخصيب فهرول ) ولأهل هذه المدينة سبوت النخل المشهور ، وذلك أنهم يخرجون في أيام البسر والرطب في كل سبت إلى حدائق النخل ولا يبقى بالمدينة أحد من أهلها ولا من الغرباء ويخرج أهل الطرب وأهل الأسواق لبيع الفواكه والحلاوات ، وتخرج النساء ممتطيات الجمال في المحامل ولهن مع ما ذكرناه من الجمال الفائق والأخلاق الحسنة والمكارم ، وللغريب عندهن مزية ولا يمتنعن من تزوجه كما يفعله نساء بلادنا ( يقصد المغرب) ، فإذا أراد السفر خرجت معه وودعته وإن كان بينهما ولد فهي تكفله وتقوم بما يجب له إلى أن يرجع أبوه ، ولا تطالبه في أيام الغيبة بنفقة ولا كسوة ولا سواها ، وإذا كان مقيماً فهي تقنع منه بقليل النفقة والكسوة لكنهن لا يخرجن عن بلدهن أبداً ، ولو أعطيت إحداهن ما عسى أن تعطاه على أن تخرج من بلدها لم تفعل ، وعلماء تلك البلاد وفقهاؤها أهل صلاح ودين وأمانة ومكارم وحسن خلق .

لقيت بمدينة زبيد الشيخ العالم الصالح أبا زيد عبد الرحمن الصوفي أحد فضلاء اليمن ووقع عنده ذكر العابد الزاهد الخاشع أحمد بن العجيل اليمني وكان من كبار الرجال وأهل الكرامات .

وخرجت لزيارة قبر هذا الرجل الصالح وهو بقرية يقال لها : غسانة خارج زبيد ولقيت ولده الصالح أبا الوليد إسماعيل فأضافني وبت عنده ، وزرت ضريح الشيخ وأقمت معه ثلاثاً .

وسافرت في صحبته إلى زيارة الفقيه أبي الحسن الزيلعي ، وهو من كبار الصالحين ويقدم عليه حجاج اليمن إذا توجهوا للحج وأهل تلك البلاد وأعرابها يعظمونه ويحترمونه فوصلنا إلى جبلة وهي بلدة صغيرة حسنة ذات نخل وفواكه وأنهار فلما سمع الفقيه أبو الحسن الزيلعي بقدوم الشيخ أبي الوليد استقبله وأنزله بزاويته وسلمت عليه معه ، وأقمنا عنده ثلاثة أيام في خير مقام ، ثم انصرفنا وبعث معنا أحد الفقراء فتوجهنا إلى مدينة تعز حاضرة ملوك اليمن وهي من أحسن مدن اليمن وأعظمها وأهلها ذوو تجبر وتكبر وفظاظة وكذلك الغالب على البلاد التي يسكنها الملوك ، وهي ثلاث محلات :

إحداها : يسكنها السلطان ومماليكه وحاشيته وأرباب دولته وتسمى باسم لا أذكره .

والثانية : يسكنها الأمراء والأجناد وتسمى عدينة .

والثالثة : يسكنها عامة الناس وبها السوق العظمى وتسمى المحالب .

ذكر سلطان اليمن :

وهو السلطان المجاهد نور الدين علي ابن السلطان المؤيد هزبر الدين داود ابن السلطان المظفر يوسف بن علي بن رسول ، شهر جده برسول لأن أحد خلفاء بني العباس أرسله إلى اليمن ليكون أميراً ثم استقل أولاده بالملك وله ترتيب عجيب في قعوده وركوبه .

وكنت لما وصلت هذه المدينة مع الفقير الذي بعثه الشيخ الفقيه أبو الحسن الزيلعي في صحبتي قصد بي إلى قاضي القضاة الإمام المحدث صفي الدين الطبري المكي ، فسلمنا عليه ورحب بنا وأقمنا بداره في ضيافته ثلاثاً فلما كان اليوم الرابع وهو يوم الخميس وفيه يجلس السلطان لعامة الناس دخل بي عليه فسلمت عليه ، وكيفية السلام عليه أن يمس الإنسان الأرض بسبابته ثم يرفعها إلى رأسه ويقول : أدام الله عزك ، ففعلت كمثل ما فعله القاضي عن يمين الملك وأمرني فقعدت بين يديه .

فسألني عن بلادي وعن مولانا أمير المسلمين جواد الأجواد أبي سعيد رضي الله عنه وعن ملك مصر وملك العراق وملك اللور فأجبته عما سأل من أحوالهم وكان وزيره بين يديه فأمره بإكرامي وإنزالي وترتيب قعود هذا الملك أنه يجلس فوق دكانة مفروشة مزينة بثياب الحرير وعن يمينه ويساره أهل السلاح ، ويليه منهم أصحاب السيوف والدرق ويليهم أصحاب القسي وبين أيديهم في الميمنة والميسرة الحاجب وأرباب الدولة وكاتب السر وأمير جندار على رأسه والشاويشية وهم من الجنادرة وقوف على بعد ، فإذا قعد السلطان صاحوا صيحة واحدة : بسم الله فإذا قام فعلوا مثل ذلك فيعلم جميع من بالمشور وقت قيامه ووقت قعوده فإذا استوى قاعداً دخل كل من عادته أن يسلم عليه فسلم ووقف حيث رسم له في الميمنة أو الميسرة لا يتعدى أحد موضعه ولا يقعد إلا من أمر بالقعود .

يقول السلطان للأمير جندار : مر فلانا يقعد فيتقدم ذلك المأمور بالقعود عن موقفه قليلاً ، ويقعد على بساط هناك بين أيدي القائمين في الميمنة والميسرة ثم يؤتى بالطعام وهو طعامان طعام العامة وطعام الخاصة فأما الطعام الخاص فيأكل منه السلطان وقاضي القضاة والكبار من الشرفاء ومن الفقهاء والضيوف ، وأما الطعام العام فيأكل منه سائر الشرفاء والفقهاء والقضاة والمشايخ والأمراء ووجوه الأجناد ومجلس كل إنسان للطعام معين لا يتعداه ولا يزاحم أحد منهم أحد .

وعلى مثل هذا الترتيب سواء هو ترتيب ملك الهند في طعامه فلا أعلم أن سلاطين الهند أخذوا ذلك عن سلاطين اليمن أم سلاطين اليمن أخذوه عن سلاطين الهند .

ابن بطوطة في صنعاء

وأقمت في ضيافة سلطان اليمن أياماً ، وأحسن إليّ وأركبني وانصرفت مسافراً إلى مدينة صنعاء وهي قاعدة بلاد اليمن الأولى ، مدينة كبيرة حسنة العمارة ، بناؤها بالآجر والجص كثيرة الأشجار والفواكه والزرع ، معتدلة الهواء طيبة الماء ومن الغريب أن المطر في بلاد الهند واليمن والحبشة إنما ينزل في أيام القيظ وأكثر ما يكون نزوله بعد الظهر من كل يوم في ذلك الأوان.

فالمسافرون يكفون عن السفر عند الزوال لئلا يصيبهم المطر وأهل المدينة ينصرفون إلى منازلهم لأن أمطارها وابلة متدفقة ، والمدينة مفروشة كلها ، فإذا نزل المطر غسل جميع أزقتها وأنقاها .

وجامع صنعاء من أحسن الجوامع ، وفيه قبر نبي من الأنبياء عليهم السلام ( لم يذكر ابن بطوطة اسم هذا النبي)

ابن بطوطة في عدن

ثم سافرت منها إلى مدينة عدن، مرسى بلاد اليمن على ساحل البحر الأعظم والجبال تحف بها ولا مدخل إليها إلا من جانب واحد وهي مدينة كبيرة ولا زرع بها ولا شجر ولا ماء وبها صهاريج يجتمع فيها الماء أيام المطر والماء على بعد منها ، فربما منعته العرب وحالوا بين أهل المدينة وبينه حتى يصانعوهم بالمال والثياب . وهي شديدة الحر وهي مرسى أهل الهند تأتي إليها المراكب العظيمة من مدن الهند مثل كنبايت وتانه وكولم وقالقوط وفندراينه والشاليات ومنجرور وفاكنور وهنور وسندابور وغيرها وتجار الهند ساكنون بها وتجار مصر أيضاً وأهل عدن ما بين تجار وحمالين وصيادين للسمك وللتجار منهم أموال عريضة وربما يكون لأحدهم المركب العظيم بجميع ما فيه لا يشاركه فيه غيره لسعة ما بين يديه من الأموال ولهم في ذلك تفاخر ومباهاة .

هامش:

وصلتني على الإيميل رسائل كثيرة تدعوني لسرعة كتابة الجزء الثاني من التقرير المنشور قبل أيام في مأرب برس بعنوان "يمانيون في القاهرة ومقهورون في اليمن" وبدوري أتعهد يإرسال المادة قريبا وأحيي كل من تفاعل إيجابا وسلبا .