صاغت مسودته بريطانيا.. مجلس الأمن الدولي يصوت بالإجماع على قرار جديد بشأن اليمن الحكم على نجم رياضي كبير من أصل عربي بتهمة الاعتداء الجنسي الحوثيون يخنقون أفراح اليمنيين ..كيان نقابي جديد يتولى مهمة تشديد الرقابة على عمل صالات الأعراس مراقبون يكشفون لـ مأرب برس «سر» استهداف مليشيات الحوثي لـ أسرة آل الأحمر بصورة ممنهجة تفاصيل لقاء وزير الداخلية مع قائد القوات المشتركة لماذا دعت دراسة حديثة صندوق النقد الدولي لبيع جزء من الذهب الخاص به ؟ صدمة كبيرة بين فريق ترامب.. بسبب تعيين شخصية إعلامية في منصب سيادي حساس المركز الوطني للأرصاد والإنذار المبكر يوجه تحذيرا للمواطنين في خمس محافظات يمنية اليمن تزاحم كبرى دول العالم في قمة المناخ بإذربيجان .. وتبتعث 47 شخصًا يمثلون الحكومة و67 شخ يمثلون المنظمات غير الحكومية ترامب يفاجئ إيران بتعيين شخصية وزير الدفاع .. من قدامى المحاربين ومن خصوم طهران
هل للصراع المذهبي والطائفي وجود في اليمن أم أن التاريخ اليمني تاريخ خطي رسمي لسلطة تجسّدت فيها قيم العدالة والمساواة وحكم القانون والتوازن بين جميع مكونات المجتمع؟.
بداية لابد من التفريق ما بين نظرتين حول الصراع ذي الطابع الطائفي؛ الأولى تهرب من الاعتراف بأي صراع طائفي، وهي غالباً تمثل وجهة نظر الطرف الغالب الذي فرض هيمنته، والسبب الأساسي لهذا الهروب والتعاطي هو قيامها على أن ذلك سيقوض فكرة الوطن وليس هيمنة السلطة القائمة على صورة ملفقة ومزيفة تعكس رؤية الطرف المهيمن.
والنظرة الثانية تقوم على إزاحة كل حقائق الوجود الواقعية لكيان الأمة اليمنية والشعب اليمني «غالباً تكون وجهة نظر الطرف المغلوب والمهيمن عليه»، لتقرر صيغة متطرفة للصراع الطائفي والمذهبي والجهوي وكأنه يمثل حالة وجودية لا مجال معها لإقامة شكل من السلطة ينقل وجود الأمة اليمنية من الوجود الطبيعي إلى استكماله ببناء السلطة الوطنية المعبرة عن كل مكونات الشعب وإرادة جميع أطرافه المعنية وأفراده.
في كلا الحالتين هناك تيه ووهم يذهب بالأولى إلى الإنشاء المثالي دون النظر لوجود البلد والشعب ضمن صراع طبيعي حول المصالح وفرص الحياة والعيش، وكلها تتركز حول السلطة والثروة والقوة. والثاني يذهب إلى رؤية عدمية لمسار التاريخ، وكأن الصراع بين طرفين بغطاء مذهبي أو طائفي أو قبلي أو جهوي لا يُنْتِجْ أية سلطة تؤطر الوجود الطبيعي للأمة إلى وجود موضوعي ضمن دولة وطنية.
لقد كان تاريخ معظم الأمم هو تاريخ الصراع العرقي والديني الذي يتبلور بين طرفين، وهذا الصراع لا ينفي وجود أطرافه ضمن كيان وطني. وهذا الغلاف للصراعات لا يعني أنه ديني خالص، فلا يوجد أي صراع لا يكون منطوياً في مضمونه على التنافس والصراع حول السلطة والثروة والقوة، وهو صراع تاريخه هو تاريخ البشرية منذ تبلورها في أمم وشعوب ودول ومدن كبرى. وحتى الدولة الحديثة بشكلها النموذجي الذي يُدَّرَسْ في الجامعات والأكاديميات العليا ليست إلا نتاجاً لهيمنة طرف على آخر بحسب ما يقرره ميشيل فوكو الذي أنجز قراءة مختلفة لهذا التاريخ الرسمي الأكاديمي للسلطة.
في اليمن كانت نشأة الدولة في الشمال نشأة طائفية مع نظام الإمام يحيى الذي أسّس دولة بمرجعية طائفية مذهبية، وعندما قامت ثورة سبتمبر بكسر النظام الطائفي وإسقاط الطابع المذهبي عن سلطة الدولة لم ينجز النظام الجديد وإنما استمر الصراع ثماني سنوات حتى آل الأمر في نهاية المطاف إلى انتصار الطرف العصبوي القبلي المتوزع داخل الجيش والدولة على الطرف المهمش والمقصي تاريخياً الذي يمثل المناطق الشافعية الزراعية، وكانت لحظة إعلان الهيمنة الضمنية الجديدة هي اغتيال بطل السبعين يوماً عبدالرقيب عبدالوهاب نعمان «نزل بوجه عبدالله الأحمر، ومن ثم اغتيل»، وكانت سلطة علي عبدالله صالح تجسيداً لهذه الهيمنة لطرف وفرض إرادته على سلطة الدولة، والذي يلخص اقتحام القبيلة للجيش والدولة.
وفي التاريخ كله يحدث أن يهيمن طرف ومن ثم يتم بالتدريج إنجاز غلاف حديث بالتسميات الحديثة: العقد الاجتماعي والمنظومة القانونية وأسس العدالة والقانون والمساواة، والتي تتحول بالتدريج لتشكل المضمون بدلاً من كونها شكلاً يغلف الهيمنة في بداية تأسيس النطام، غير أن النظام المهيمن في اليمن بطابعه العصبوي المتخلف لم يتمكن من إنجاز هذا التحول لـ«هيمنته». حتى تحقيق الوحدة لم يسلم من هذه الهيمنة التي استكملت دورتها في حرب 94.
وكل الشعوب تخوض حروباً، وتشهد غلبة طرف على آخر، غير أن مسار الهيمنة بقى إلى حد كبير عاجزاً عن دمج نواته الصلبة المتخلفة بالأطر الشكلية الحديثة التي اتخذها رداء لهيمنته، والذي كسر الستار الحديدي عن النظام وفتح آفاقاً لإعادة صياغة العقد الاجتماعي بصورة أكثر قرباً من قيم العدالة وحكم القانون والمساواة والمواطنة، لم يكن الحراك الجنوبي، الذي بقدر تعبيره عن رفض شعبي لصيغة الهيمنة قد عبر أيضاً عن أزمة عميقة ومزمنة في وعي النخب الجنوبية وعقلها الانقسامي الصراعي التاريخي.
الذي كسر الستار الحديدي وأعاد الكرة إلى الملعب من جديد هي الثورة الشعبية الشبابية في 11 فبراير 2011، وتحديداً تعز «روح الثورة الشعبية».
كسر صيغة الهيمنة التاريخية في 2011 هو الذي فتح الباب لاندفاع جماعة الحوثي من صعدة إلى العاصمة كبديل لصيغة «العصبوية القبلية» التي انتهت صيغتها إلى الفشل.
جاء الحوثي كجِلْد جديد أفرزته الهضبة بعد أن تقطع الجلد القديم وأصبح بالياً ومتقادماً بكافة رموزه ومسمياته ونافذيه.
الفرق أن الصيغة القبلية للهيمنة أنتجت أواخر السبعينيات من داخل مؤسسات الدولة نفسها التي كانوا شركاء فيها الجيش والأمن ومؤسسات الدولة الوليدة في سبتمبر 62، بينما جاءت جماعة الحوثي من عمق المناطق القبلية وأريافها ومن خارج الدولة، وبالصيغة المذهبية الأصلية التي غابت لدى المذهبية السياسية الجهوية لنخبة الهضبة القبلية التي أسست نظام «صالح».
وإذا كان نظام العصبوية القبلية قد فشل في التحول من الهيمنة المباشرة والانتقال لإبداع صيغ مشاركة واسعة النطاق على قاعدة المواطنة والمساواة والعدالة وحكم القانون خلال الأربعين عاماً الماضية، فلن يكون بمقدور جماعة الحوثي حتى أن تجد لنفسها شرعية ما لتغليف هيمنتها شكلياً؛ كونها قادمة من خارج إطار الدولة بشكل كلي، ولكونها في تكوينها تكاد أن تكون حصرية على المناطق القبلية، ولعدة مؤثرات أخرى داخلية وخارجية.
ويبقى القول: إن أسباب فشل ثورة 11 فبراير في إنجاز صيغة جديدة للدولة تحل محل صيغة الهيمنة أسباب متعددة وواسعة النطاق، ولا تقتصر على ما تناولته في هذا المقال، وتتعدى اليمن إلى الخارج الذي تمثل هيمنته وارتباط كثير من النخب به وفق صيغة «عمالة عصرية» مموّهة، تمثل أحد أهم أسباب إخفاق المسار الانتقالي في اليمن، وانفتاح الأفق على كل الاحتمالات السيئة.