من الداية إلى الولاية
بقلم/ هاني غيلان عبد القادر
نشر منذ: 12 سنة و شهر و 10 أيام
الأربعاء 03 أكتوبر-تشرين الأول 2012 05:59 م

ما هي المؤهلات والميزات التي إمتلكها، وهل عقمت النساء أن يلدن مثله، حتى يقرر البرلمان السوري عام ألفين ميلادية بالإجماع تغيير النص الدستوري الذي يشترط سن الأربعين لمن يترشح للرئاسة، ليصبح فجأة طبيب العيون خريج جامعة دمشق ابن الرابعة والثلاثين سنة أول رئيس جمهورية عربي يخلف والده في رئاسة الدولة، أما بقية القصة الدامية فتعرفونها وتعايشونها كل يوم!!

تذكر كتب التاريخ أنه في دولة الأدارسة التي ظهرت في المغرب في القرن الثاني الهجرى حدث وأن انتظر أهلها بعد موت مؤسسها (إدريس بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي) حتى تضع زوجته التي كانت حاملاً ولدها الذكر ليحتفل يومها شيوخ القبائل والعامة بيوم ميلاده ويوم توليه العرش ويسمّوه إدريس الثاني على اسم أبيه!!

فانظر حال أمة فيها الألوف من أهل العلم والدين والعقل وأرباب الفكر والسياسة والإقتصاد تنحدر وتهبط إلى هذا المستوى حتى تولي عليها ولداً في الأسبوع الأول من عمره فقط لإدعاء إنتسابه لآل بيت رسول الله (ص)، و من منطلق عرقي وطائفي بحت لا يوجد له أي تأصيل أو سند ديني يبرره، ولا يقتصر تاريخنا الفريد العجيب على هاتين الحادثتين فحسب فمن نماذج من بويعوا وهم صغارا من الملوك هشام المؤيد بن الحكم المستنصر الفاطمي الذي ولي وعمره عشر سنوات والحاكم بأمر الله الفاطمي مدعي الألوهية وإمام الديانة الدرزية الذي ولي وعمره 11 سنة والآمر بأحكام الله ابن المستعلي الذي ولي وعمره خمس سنوات والخليفة العباسي المقتدر بالله أبو الفضل الذي ولي وهو ابن 13 سنة وغيرهم الكثير ممن لا يتسع المجال لذكرهم!!

فلماذا يا ترى لم يتفق أهل الحل والعقد في هذه الأمة منذ أربعة عشر قرن على ملامح وأسس دستورية قويمة وواضحة لا تقبل العبث أو التلاعب بها يتم عبرها إنتخاب الحاكم لفترة محددة ومن ثم إنتقال السلطة إلى الأكفاء علما وسنا، والأقدر قيادة وسياسة، والأكثر حكمة وشجاعة وإخلاصا بغض النظر عن لونه ومذهبه وحسبه ونسبه وبما يمنع التمديد والتوريث والصراع والإقتتال ويحقن أنهر الدماء التي نزفتها الأمة وما زالت، بين سلالات وعائلات وفرق وجماعات تدعي جدارتها وأحقيتها للحكم والأمر من دون الناس!!

ولماذا يا ترى إختلفت فرق الشيعة وتعددت مذاهبهم حول (نسب الحاكم) وهل يشترط كونه من قريش أو من بني هاشم أو من البطنين أو كما يرى أتباع (الفرقة الإثناعشرية) بأن الإمامة محصورة في الأئمة الإثناعشر فقط، ولم يلتفتوا أو يأبهوا بالشروط الأكثر أهمية كالكفاءة والعلم والعدالة والشورى، لنجد في كتب التاريخ نماذج تبعث على الضحك - وشر البلية ما يضحك- لحكام يدعون الإنتساب لآل بيت رسول الله (ص) وسلوكياتهم بعيدة كل البعد عن منهجه (ص) وأخلاقه فمنهم المجنون والعربيد والسفاح والسكران والسفيه والأهبل كالحاكم بأمر الله الفاطمي مثلا الذي إدعى الألوهية وغيره وغيره!!

ثم لم تعد الولاية في سن مبكرة هي المشكلة فحسب؛ فهناك حكام يعيشون مرحلة الطفولة بما فيها من عدم نضوج وهم في الستين وما بعدها – وليت أنهم أخذوا من الطفولة براءتها وصفاءها- فتراهم يهتمون بإشباع غرائزهم ونزواتهم أكثر من اهتمامهم بمستشفيات وجامعات بلادهم العاجزة وتخلُّف البحث العلمي فيها فضلاً عن عدم مبالاتهم بجيوش العاطلين والعوانس والمقهورين الذين لا يجدون عملا ولا قمحاً ولا سكناً ولا سكينة!!

والأمثلة شاهدة للعيان لحكام عرب معاصرين ثارت عليهم شعوبهم لسيطرة (المراهقة الفكرية) على سياساتهم وسلوكياتهم، فرأيناهم يتسرعون ويتهورون في إصدار قراراتهم الطائشة التي أضرت بهم وبشعوبهم، ورأيناهم يستبدون بآرائهم ويعتدون وينكلون بكل من يتجرأ على معارضتها أو مناقشتها ويتشبثون بالسلطة تشبث الأطفال بلعبهم المحببة مهما كانت التكلفة باهضة، ورأيناهم يولون ويعينون أقاربهم وأولادهم أهم المناصب في الدولة ويستشيرون بطانة السوء من المنتفعين وعبيد المصالح الذين أفقدوهم رشدهم وقدرتهم على رؤية مدى السوء الذي وصلت إليه الأمور وإبصار ظروف شعوبهم على حقيقتها، ليصبح هؤلاء المتسلقين عيونهم التي يبصرون بها وأيديهم التي يبطشون بها وعقولهم الذي يفكرون به، وكثيراً ما يقع الانفصال شبه الكامل بينهم وبين شعوبهم نتيجة نفاق هذه البطانة وأكاذيبها وتقاريرها المزيفة وتفخيمها لشخص الحاكم وبطولاته الوهمية حتى يصدق ذلك الحاكم ويتصور في لحظة من الزمن أنه معصوم يستحق التقديس أو التأليه، لنرى البعض يذهب به الخرف والهوس والنرجسية مذهبا بعيدا حتى يتخيل بأن الكون كله يقف ضده ويتآمر عليه!!

إن المراهقة المتأخرة والأزمات العقلية والنفسية التي يعاني منها بعض الحكام لا تقل خطورة عن صغر السن أو عدم النضوج العمري، وأخطر من كليهما (التعصب الطائفي) والعنصرية والسلالية المقيتة التي نخرت في جسد هذه الأمة فأنهكته وشوهته، وكأن قدر هذه الأمة أن تبتلى بها قديما وحديثا فكانت والله أعظم مصيبة وأشد فتكا ربما من كل أعدائها من الخارج، ولهذا شدد الإسلام وأكد على شمولية (شروط الولاية) الصارمة التي يتجاهل ويتعامى عنها هؤلاء الطائفيين الذين ينادون اليوم كما نادوا بالأمس بأفضليتهم وأحقيتهم بالحكم والأمر فقط لنسبهم وإدعاء إنتمائهم لآل بيت رسول الله (ص) وهم يناقضون سنته ويضادون منهجه ويعيشون حياة ما قبل الاحتلام أو الفطام، أولئك شطروا الأمة وجلبوا لها الشرّ الوبيل في السابق وما يزالون ونحن لا نملك إلا أن نحذر منهم ونشهد عليهم مؤمنين بصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي اعتبر توسيد الأمر إلى غير أهله من أمارات قيام الساعة!!

د. محمد حسين النظاريشرف التعليم العالي
د. محمد حسين النظاري
مشاهدة المزيد