ما لم أقله أو أكتبه عن توكل كرمان
بقلم/ عبدالفتاح الحكيمي
نشر منذ: سنة و 10 أشهر و 8 أيام
الخميس 05 يناير-كانون الثاني 2023 06:17 م
 

 تفاجأت مطلع هذا العام بتحية أخوية عزيزة على صفحتي في الفيس بوك لم أتنبه إلى أنها تعود إلى أكثر من سبعة أشهر ماضية، أيام الجدل الفكري(حامي الوطيس) حول قضايا تجديد الفقه الديني..

كانت من شخص الأستاذة العزيزة والشهيرة توكل عبدالسلام كرمان التي عرفتها قبل أكثر من عقدين. ولأنني شبه منقطع عن صفحتي في الفيس بوك من ٣ سنوات إلا فيما ندر، فسوف تأخذ الأستاذة القديرة ذلك في الإعتبار، وليس لموقف شخصي أو تجاهل لتحيتها الأخوية ، فمن عرف معدنها الأصيل يميز بين نقائها الشخصي وحالة تباين آراء بشرية لا تفرخ صغائر صبيانية بقدر ما تُنْضِج تقاربات لا تناطحات.

وسبب انقطاعي عن الفيس بوك ومشاغله هو توطين نفسي بعد تحسن حالتي الصحية خلال العامين الماضيين بفضل الله لاستكمال موسوعة نباتات وأعشاب اليمن الطبية بين القديم والشعبي والحديث التي صدر منها حتى الآن قبل شهرين الكتاب الأليكتروني الأول في جزئين ٥٠٠ صفحة، والبقية تأتي في أكثر من ألف صفحة بأذن الله تعالى، عدا انشغالي بالمعركة الفكرية مع مشروع الحوثة الكهنوت. ولعل العزيزة توكل كرمان المنهمكة برعاية مشاريع مؤسستها التنموية الخيرية المتميزة في اليمن التي تفاجأْتُ بمعظمها ، لم تلحظ مؤخراً ليلة رأس السنة الميلادية ردي المتأخر كثيراً على تحيتها القديمة في المسنجر ، وَإِنْ بِأثَر رجعي، وعلى طريقة الغَلَط مرجوع والزعل يا زين ممنوع كما يقول باعة الفل والكاذي في لحج الخضيرة. ومشاريع مؤسسة بنت كرمان الموثقة بحسب فيديوهات صفحتها على الفيس بوك تثلج الصدور، ومنتقاة ومدروسة بعمق ومواصفات عالية، وتروي ضمأ واحتياجات فئات إجتماعية، تعبر عن نفسها بانسياب دون ضجيج..

إلا من فكاهة لطيفة عابرة إن العزيزة توكل شغلت الناس بمعاركها الفكرية عن مشاريعها الكبيرة المرتبطة بحياتهم ومجتمعهم !!.

وحقيقة أن هذه المرأة لمن لا يعرفها تبدو من البساطة والتواضع، منكرة في عطائها لذاتها لتعيش كأي شخص عادي قد يكون تغير بالنسبة لهم في ظاهره ومعيشته لكن معدنها الأصيل لم يتغير. وربما تحلت بالتواضع برأيي الشخصي بعد كل هذه الثروة المالية الضخمة أكثر مما كانت عليه قبلها. لم تتنكر باعتقادي، وزاد ارتباطها بوطنها وناسها، كأنها تدفع بالتزاماتها الأخلاقية اليوم في مساعدة مجتمعها ثمن غربتها الآن، لتُبْقِي على حَبْل الهوية والأنتماء وما هو لله وآخرتها ، وكما لم يفعله كثيرون ممن فتح الله عليهم، أو فتحوا هم على أنفسهم.

* توكل قبل ٢١ سنة *

أول مرة تعرفت على شخصها أحدث اسمها(توكل) عندي التباسات، وكانت كتاباتها المجلجلة منذ عام ٢٠٠٣م في صحيفة الثوري المقاتلة تحدث تفاعلات أكثر من الآن، بعد كسرها لتابو الحزبية إلى فضاء إنساني لا يفرق بين إسلامي واشتراكي وقومي. ظننت أن كاتب تلك المقالات النارية من الشبان الذكور بسبب لغتها الشاخطة والساخطة، حتى وهي تكتب(أخرج فإني لك من الناصحين) حيث ظاهر العنوان الإنسيابي اللطف، أما مضمون المقال كمن يحمل صاحبه العصي والأسياخ الحديدية لطرد ضيفه العزيز. هكذا هي توكل، روح خاصة متمردة لِمَحسوبة حينها على الإصلاحيين في صحيفة الاشتراكي اللدود، أو حتى وهي تكتب هذه الأيام عن الذين لا ينفعون ببصلة والذي ما ينفعش امه ما ينفع خالته، وليس في قلبها على ما يبدو أكثر مما قالته على صفحتها بالطريقة التي تحمل بصمة شخصيتها الهيروستراتية(*).

قلت لها مع التحضير لأحدى الفعاليات الصحافية التضامنية بمقر النقابة في صنعاء إعتقدت إن كتاباتك النارية هي لأحد الشبان الجدد المتحمسين، وكذلك إسم توكل المزدوج نفسه. ودَخلَت معي في جدل الأسماء، وأكدت لي أنها كرئيسة يومها لصحافيات بلا قيود استنكرت ضمن أحد البيانات تعرضي الشخصي لعسف وتعنت سلطوي، فشكرتها. وإلى اليوم لا يزال الألتباس لمن يحسبها على حزب سياسي معين، وهي بطبيعتها من قبل وإلى الآن ليست مستقلة بنظري وحسب بل ومتقدمة بمواقفها الفطرية قبل الفكرية على التنظيم المحسوب عليها الآن.. كانت أشد المدافعين عن حقوق الحَوَثة في حروب صعدة الأولى قبل انكشاف خداعهم وتَمَسكُنِهم التُّقْيَوِي وفسادهم المستطير. هاتفتني ذات شتاء من ٢٠٠٥م إلى عدن بقلق وانفعال، هل صحيح ما نشرته أنا عن انتهاكات ضد الإنسانية خطيرة حصلت في صعدة أثناء الحرب الثانية، وأصَرَّت بإلحاح على معرفة حقيقة ما نشرت لجهة تعرض نساء وأطفال لذلك، وببراءة تسألني عن مصدر معلوماتي الذي اعتبرته أنا(مِهنِيَّاً صرفاً) رغم مساحة الثقة الشخصية بها، ولم أقل لها يومها قبل ١٨ عاماً أنه أحد أصهار حسين وعبدالملك الحوثي شكا لي مزاعمه وجهاً لوجه في جلسة مقيل مباشر بالحصبة.

إلا أن التحفظ المهني وتوفير الحماية للمصدر مقدم على اعتبارات الزمالة والثقة الشخصية. والآن أصارح توكل بنصف الحقيقة أيضاً، وأترك إسم الشخص لحدسها الخاص، على رغم ١٨ عاماً كفيلة بجعل المعلومة مباحة دون محاذير أخلاقيات المهنة. وبسبب هذه المعلومة أقول لأول مرة لعلها مع بيان السيستاني من النجف كانت سبب إحالتي رسمياً إلى النيابة العامة وفصلي من موقعي الإداري كنائب رئيس مجلس إدارة مؤسسة ١٤ أكتوبر للصحافة ومصادرة حقوق مكتسبة..

ثم توقفت المحاكمة لملابسات انفراج علاقة نظام صالح بالحوثيين. كان غضب توكل كرمان في دفاعها عن خصومها الحاليين في سلطة صنعاء من صدقها وعواطفها الجياشة كأنها في محنة شخصية، لم تسأل عن مذهب هؤلاء ولا انتسابهم الإجتماعي والسياسي، إلا ذلك المشترك الإنساني النبيل الذي لم يتغير في طبعها ومشاعرها إلى اليوم، وهي تغدق بسخاء زائد على اللزوم برأيي أحياناً على من تعرف ومن لا تعرف.. وتحير كثيرون لعطاياها اللامحدودة في التمييز بين تلقائيتها وعفويتها أو أن وراء الأكمة حسابات السياسة وليس الإنسانية. أما المتباكون الحوثة في الماضي فتنكروا اليوم لأبسط الأخلاقيات والقيم، ووضعوا من دافع عنهم في الماضي لوجه الله على رأس قائمة المستهدفين..

وتوكل كرمان واحدة من هؤلاء الذين داهموا منزلها بصنعاء واستباحوا ونهبوا محتوياته وعاثوا للإنتقام الشخصي من مواقفها القوية المعلنة ضد الإنقلاب. ولا أزعم إلا أنني كنت مع قناعتي حينها في رفض الحل العسكري ضدهم قبل أن تتكشف أقنعتهم القبيحة ويظهرون اليوم على شاكلة مخيفة مفزعة طالما أخفوها. والسبب كنت أحسبهم من أهل الزيدية التي كشروا في وجه أصحابها الآن قبل غيرهم. وأتذكر محاولة استهدافي الغبية مؤخراً عبر موجة المكالمات الهاتفية قبل عامين وتمويه عيال أبو علي الحاكم باسم إحدى المنظمات الإنسانية عبر شريحة يمن موبايل ورنة زامل سخيف ، رفعت بها بلاغ شكوى بالسفير الإيراني الهالك حسن إيرلو إلى النائب العام للعلم فقط كون الحلقات الأستخباراتية والأمنية نشطت أيامه، وملاحقتي بسببه ..

ولم تفلح مساعي الإبتزاز والتشهير الأخرى لتغيير قناعتي بسقوط هؤلاء عقائدياً وإنسانياً إلى حضيض الخمينية الذيلية العفنة، أما الزيدية سلام الله عليها فهي ضحية الحوثية التي أكلتها لحماَ وطاردتها عظماً. 

*مع توكل في عدن* 

أتذكر ندوة واقع الصحافة الحكومية التي رعتها الأستاذة توكل كرمان أواخر ٢٠٠٦م في فندق عدن موفنبيك(الكونتيننتال)، قالت لي أنها لا تعرف الكثير عن صحفيات ومثقفات عدن لأشراكهن في الندوة، فرشحت لها أستاذتي السابقة في معهد الإعلام وزميلتنا العزيزة نادرة عبدالقدوس، وشاركت أنا بمداخلة قصيرة.. فكان هدف توكل من إقحامي مساعدة رمزية غير مباشرة، أهميتها في الإحساس بظروف الآخر لا غير، ومدخول منظمتها النسوية صحافيات بلا حدود حينها لا يقارن اليوم.

ولا تحتاج توكل لأشادات كهذه، وأورد فقط بعض المواقف الأخلاقية عن هذه المرأة عن قرب لمن لا يعرفها. لم تكن اللحظة التي اقتيدت فيها توكل كرمان بالقوة القهرية كمعتقل سياسي فاتحة ثورة ١١ فبراير سيئة بنظري، بل الأسوأ هو ما تعرضت له من محسوبين على الثورة نفسها، فلا زالت في ذهني طريقة التفتيش الموجعة التي تعرضت لها وزميلاتها عند مدخل بوابة ساحة التغيير.. ولعل هذه اللحظة البائسة عززت قناعاتها الشخصية من وجهة نظري إلى اليوم في تغليب الحياد الايجابي على الإنحياز الحزبي الأعمى والضار ..

(*) أما إن توكل كرمان شخصية هيروستراتية فذلك وصف يطلق على كل من ذاع صيته وبلغ الأوج وانقسم الناس حوله بين متفق ومؤتلف أو مختلف ومعترض، تماماً كما حدث مع هيروسترات في الأسطورة اليونانية الذي أحرق معبد الأرتميدا لقناعته بتخليص الناس من وطأة الصلوات، فكان ما كان في ذلك الزمان في رائعة مسرحية الكاتب الروسي العالمي غيوغوري غورين(أنسوا هيروسترات).

ولن ننسى توكل كرمان الأخت الفاضلة والأنسان الراقي بطبعه وذوقه ومن ليس في قلبه سوى الصفاء والنقاء والعطاء لأبناء مجتمعها ووطنها. أما البشر فإن اختلافهم تجديد ودفع وتطوير وتصحيح للحياة.