أولادي والصيف
بقلم/ زعفران علي المهناء
نشر منذ: 16 سنة و 4 أشهر و 12 يوماً
الثلاثاء 01 يوليو-تموز 2008 04:34 م

زعفران على المهنا مأرب برس – خاص
كنست حوش المنزل ورششته بالماء وناديت أولادي التوأم عبدا لله وأحمد لمساعدتي في نفض البساط الأحمر الداكن، فرشته ، ثم رتبت المساند وانتقلت إلى المطبخ مسرعة لأجول بناظريّ على اللمسات الأخيرة قبل أن أتجه إلى عملي ، تصادمنا أنا وعمتي في ممر المنزل وهي تحمل صغيرتي كي أرشفها رضعة الأمان قبل أن أوكل لجدتها رعايتها طوال يومي الوظيفي. احتضنت الصغيرة وعيني على عينيّ عمتي علّي ألمح تعبيراً أبحث عنه طوال عشر سنوات هي عمر زواجي بإبنها ولكني فشلت كعادتي.. فهي لم تمارس دور العمة أمّ الزوج معي على الإطلاق ولكني لم ألمس منها لا مشاعر الرضا ولا الغضب طيلة هذه السنوات، مشاعر جامدة وصلبة كسني عمرها العتيّة، ابتسمت لنفسي ووضعت صغيرتي في السرير الخاص بها في غرفة جدتها بهدوء شديد ووضعت قبلة باردة على جبين عمتي وانطلقت إلى عملي مستهلة يوماً وظيفياً جديداً.. استدرت أبحث عن الملف الخاص ببعض العملاء فوجدت زميلتي المجاورة لي خارج نطاق التغطية كما نقول في عصر الموبايلات.. اقتربت منها ملوّحة بيدي “ما الجديد اليوم؟!” ردت بغضب شديد “ما الجديد !!. كالعادة تشاجرنا، تبادلنا الكلمات الجارحة، والجارحة جداً ككل صباح فما الجديد في حياتي حتى أجيب على سؤالك.!!”
جلستُ بقربها وأجبتها “لذا سألتك ما الجديد ولماذا كل هذا الغضب مادام أنت تعيشين السيمفونية اليومية من شجاراتكم» وبكل حرقة وألم وبصوت متحشرج بغصة الدموع
- الجديد الأولاد، الأولاد، الأولاد .
أخذني الفزع وفي ثوان أحسست بأن مكروهاً أصابهم “وماذا بالأولاد يا أُخيّتي!!”
تبسمت بأسى “عفواً لم أقصد إخافتك، ولكن لغة الحوار التي أعيشها في المنزل بدت طاغية عليّ في كل مكان، أقصد أولادي والإجازة الصيفية”.
- كيف .. وقد أخذتُ نفساً عميقاً.
- الإجازة الصيفية بدأت، ولا أدري كيف أتصرف، أرضي زوجي وأوفر له الهدوء ليمارس طقوس القات، أو أرضي نشاط أولادي الزائد وأعطيهم مُطلق الحرية ليبددوا كل تلك الطاقة الحركية التي تزداد مع فراغ الصيف، فلا أدري ما هو الحل كي أريّح والدهم كأنهم أولادي لوحدي!! لا يشاركني بهم أبداً.
قطع حديثنا أحد العملاء وبعد أن أنجزنا له مصلحته عُدتُ بها لنفس الموضوع حتى أشاركها همها قائلة لها:
- يا سعاد لماذا لا تحاولي أن تجلسي مع زوجك جلسة مكاشفة حتى يتسنى لك أن تديري أمور حياتك بجو أكثر هدوءاً.
أجابتني وهي في قمة الاقتناع “زوجي ليس كزوجك، أنت امراة قوية «زي ما يقولوا المصريين» تمشيه على العجين ما يلخبطوش” تبسمت باندهاش وقلت لها “ومن أين لك هذا الاستنتاج الخطير ..!!؟
ردت بنفس القناعة”منك أنت”
- كيف.!!
إشراقة وجهك كل صباح، ترتيبك لمظهرك وبرنامجك اليومي، تواصلك مع زوجك من خلال الهاتف لكل صغيرة وكبيرة في حياتك، وحياة أولادكم وفوق ذلك لم أسمعك تشتكين من والدته على الإطلاق.”
تجمدت عيناي وأنا اسمع لاستنتاجاتها في الفترة الزمنية القصيرة من وقت ما التحقت مؤخراً معي في هذه المؤسسة بادرتها بالقول “سعاد، أشكرك على هذه الصورة الجميلة التي رسمتيها لي أنا وأسرتي في مخيلتك والحقيقة ليست بالمثالية التي تعتقدينها ولا يمكن أن يعيش زوجان على سطح عجين، لابد من أرض صلبة قوية يواجهان بها كل المحن والصعوبات والعراقيل التي تصادفنا في حياتنا ولكن أنا اختلفت عنكِ بشيء واحد. والتقت عيناي بعينيها “نعم شيء واحد.. إنني قبل زوجي مع رفيقة دربه.. وهنا شهقت سعاد شهقة دهشة وقالت بصوت ممزوج بالامتعاض وقد أشارت بيديها بطريقة معترضة “ماذا قلتِ؟!! أنت الزوجة الثانية..!! وهممت بتوضيح الأمر ولكن هاتف المكتب رن فأومأت لها بيدي بأن تتريّث وتتحكم باندهاشها وأكملت مكالمتي والتي على إثرها أرسلت ببعض الأوراق لإدارة أخرى واستقبلت بعض العملاء وانغمست هي قليلاً في أرشفة بعض الأوراق والفضول يقتلها وقد ظنت بأني الزوجة الثانية.. عدتُ إليها “نعم أنا الزوجة الثانية في مقاييس أي رجل يمني يتناول ست الحسن والجمال شجرة القات وهنا المحك يا سعاد إضافة إلى اقتناعي أن أي تقدم سيحسب لصالح الأسرة بالكامل ليس له وحده ولا لي وحدي ولا للأولاد وحدهم لذا أحسنتُ استخدام هذا السلاح.
لابد أن أقنع نفسي بالحقيقة المُرة وهي استحالة تعديل السلوك الخاص بطقوس القات من الصباح وحتى المساء ولابد أن تكون هذه القناعات نابعة من أعماق قلوبنا فيسهل علينا أن ننقب عن المميزات وسط هذا الكم من العيوب.. وقتها دخل عم عبده بموعده اليومي بعصير اليوم وهو يقول يالله اليوم بحق القات من بناتي الدكتورات، ضحكنا لترابط دعوة عم عبده مع محور حديثنا مع الاعتذار له بأنه لابد أن يصبر علينا ونحاسبه لحين استلام رواتبنا.. انهمكنا ببعض الأعمال قليلاً وعادت سعاد وهي أكثر هدوءاً، لا أدري هل هو عصير عم عبده أو فحوى حوارنا وبادرتني بالقول: ولكن زوجي عصبي وأولادي حركيون والصيف قاتل ولا أدري أين أذهب بهم؟!! الشارع مشاكله كثيرة تنتهي بأغلب الأحيان مع زوجي في قسم الشرطة وزوجي مشدد بأن لا يلتحقوا أولاده في أي مراكز خاصة التي تركز على تحفيظ الأمور الشرعية خوفاً من اكتشاف أمور أخرى لا علاقة لها بهذا الهدف وربطة القات أو الزوجة الأولى على حد قولك أهم من رسوم أي معهد من معاهد اللغات والكاراتيه الموجودة في الساحة والحدائق ليست متنفساً للعوائل، فما ذنبي أعيش هذا الصيف بكل هذا القلق أخبريني ..؟!!”.
أقسمت لها أني أعيش ما تعيشه تماماً فأنا وزوجي نتفق مع ما قالته فقد أحضرنا ورقه وقلماً ودوّنا كل ماله علاقة ببرامج الصيف والموجود على الساحة فكان نصيبه الرفض خوفاً من التعبئة الخاطئة والمصاريف المكلفة التي تضر بصاحبة الجلالة، وشجرة القات لنا بالمرصاد فكان مقترح زوجي أن يكتفوا بما وفرناه من جهد جهيد بتلك العيبات التي عفا عليها الزمن في حوش المنزل ولا خروج ولا دخول ولكني توصلت لحل وسط وهو عمل مركز صيفي لأولادي في المنزل .
هنا لمعت عينا زميلتي وقالت بصوت “ مركز صيفي بمنزلك!!.. رائع ألم أقل لك إنك ذكية ستجمعين الكثير من المال من جراء الرسوم” أومأت لها بالنفي وأنا أجيب على هاتف عميل آخر فنظرت لي بتشكيك بأن نفيي خوفي من الحسد وهي مؤمنة برأيها.. ضحكت وبيّنت لها بأنه مركز صيفي خاص بأولادي فقط وأجبت على سؤالها قبل أن تنطقه “منزلي يحتوي على أربع غرف، الغرفة الرابعة كانت تخص استقبال النساء وبما أننا موظفات فالزيارات النسائية قليلة بحكم انشغالنا طوال اليوم فإذاً لابد من استغلال هذه الغرفة وبحركة ديكور بسيط أفرغت محتويات الغرفة موزعة في المنزل وبمبلغ بسيط كنت قد ادخرته لمثل هذه الأزمات طليت جدران الغرفة بألوان على جهتين تجعلك تشعرين بأنك في غابة أو شاطئ بحر ووضعت بها ما استطعت من الأدوات التي ممكن أولادي يستنتجوا منها العاباً وصناعة بعض الأفكار من محتويات المنزل العاطلة والمهملة إضافة إلى رف بسيط وضعت فيه كل القصص والمجلات ودفتر الرسومات لحين وقت القراءة والرسم.. وستسألين وأين دور زوجك؟! سأقول لك يا سعاد لم أطلب منه على الإطلاق أن يساهم بحق القات بل طلبت أن يستثمر القات بما يعود بالنفع على أولادي بأن يمنحنا ساعتين بعد التخزينة ليشارك أولاده ورشة العمل هذه ولن ادعك تسألين هل نجحت الفكرة أم لا لأنني دهشت مثلك تماماً، لم يمضِ أسبوع إلا وزوجي اتخذ من إحدى زوايا الغرفة متكأ له وأصبح يستمتع أي استمتاع وهو يشاركهم صناعة سفينة البحر من العلب الفارغة والطائرات من بعض أعواد الأخشاب التي أصبح يجلبها لنا من بقايا ورشة النجارة التي في مطلع الحارة ويختتم معهم هذا النشاط بسيل الحكايا والقصص التي يقرأها لهم من رف المكتبة البسيط الموجودة في الغرفة، وفوق هذا وذاك يا سعاد أقف كالطفلة التي أضاعت شيئاً ثميناً أمام نظرات عمتي التي لم أفهمها إلى اليوم طوال العشر سنوات هي عمر زواجي بابنها” نظرت إلى ساعتي مُعلنة انتهاء الحديث وتأجيل البقية لليوم التالي لأخف الخُطى مسرعه إلى مملكتي الغالية.