مليكة الزمان وربة العرفان وسيدة الإنس والجان
بقلم/ متابعات
نشر منذ: 16 سنة و 3 أشهر و يوم واحد
الجمعة 15 أغسطس-آب 2008 08:32 ص

مارب برس - إعداد:عبدالمنعم الجابري

تعتبر مدينة صنعاء واحدة من أهم وأقدم المدن التاريخية في العالم بل هي أقدم المدن العربية وأعرقها تاريخاً وحضارة ‘حيث تشير كُتب التاريخ إلى أن عمر مدينة صنعاء التاريخية الواقعة وسط الهضبة اليمنية على ارتفاع حوالي (2150) متراً عن مستوى سطح البحر بالسفح الغربي من نقم على خط عرض (21 - 15) شمالاً وخط الطول (12 - 44) شرقاً يزيد عن سبعة ألاف عام.

و تقع صنعاء كذلك بين جبلين كبيرين جبل "نقم"من الشرق وجبل "عيبان" من الغرب وترتفع عن سطح البحر بحوالي 7544 قدماً .. وهي شديدة البرودة شتاء معتدلة صيفاً ويحيط بها س ور عظيم أسس في القرن السادس الهجري ولها عشرة أبواب لم يبق منها اليوم سوى باب واحد والذي يسمى باب اليمن وسمي بذلك لوقوعه جنوب المدينة وقد رمم هذا الباب مرات عديدة إلى جانب الجزء المتبقي من السور‘وفيها توجد أعلى قمة جبلية في منطقة الجزيرة العربية وهو جبل النبي شعيب الذي يبلغ ارتفاعه 3766 مترا فوق سطح البحر... وهي إحدى المدن السبئية التي تكرر ذكرها في النقوش كأحد المواقع الهامة للملكة سبأ في عصور ما قبل الميلاد‘وحيث تضاربت المعلومات حول تاريخ تأسيس مدينة صنعاء القديمة لأول مرة ‘إلا أن معظم المصادر الإخبارية والروايات التاريخية تؤكد أن تاريخ هذه المدينة يعود إلى عصور ما قبل الميلاد‘كأول مدينة بنيت بعد الطوفان‘ وأن الذي بناها هو سام ابن نوح عليه السلام‘ولذلك سُميت مدينة(سام)‘ وبالنسبة للنقوش السبئية فإن أقدم ذكر لمدينة (صنعاء) في هذه النقوش يعود إلى عهد (هلك امر بن كرب إيل وتر يهنعم) ملك سبأ وذي ريدان الذي عاش في القرن الأول الميلادي، ويذكر النقش مدينة (شعوب) التي هي اليوم ح ي من أحياء المدينة وفيه يقع الباب الشمالي لصنعاء القديمة المسمى (باب شعوب).

كما حملت صنعاء القديمة بعد ذلك اسم مدينة(أزال) نسبة إلى أحد ملوك (سبأ)‘وهو آزال بن يقطن بن العبير بن عامر بن شالخ حفيد سام بن نوح الذي ورد اسمه كذلك في اللغة اليمنية القديمة وتعني القوة والمنعة ومنه اشتق كما تقول بعض المصادر اسم الملك السبئي (يأزل بين) الذي عاش في القرن الثالث الميلادي وقد ورد الاسم ( آزال) في التوراة أيضاً‘ثم جاء اسم (صنعاء) بعد ذلك واعتبر مرادفاً لاسم (أزال) واشتق اسم صنعاء من صنع بمعنى حصن و(منع) وهو يتوافق في المعنى مع (أزال).

كما يقال انها سميت " صنعاء" لجودة الصنعة واشتهارها ببعض الصناع ات النحاسية والفضية وغيرها‘ وفي رواية أخرى ان صنعاء أخذت من كلمة " صنعوا" التي وردت في أربعة نقوش من مجموعة نقوش مقرونة بالملك "إلى شرح يحصب" وهناك من يقول ان صنعاء هي لغة بعض قبائل خولان كما جاء في " معجم البلدان " وفي عام 525م غزاها الأحباش فوجدوها مبنية بالحجارة الحصينة فقالوا هذه " صنعه" وتعني حصينة فسميت " صنعاء"‘كما أنها اشتهرت عبر آلاف السنين بصناعة النحاس والسبائك المختلفة والتطريز وصناعة الجنابي "الخناجر" .

ويقول الباحث والمحقق اليمني الدكتور يوسف محمد عبدالله إن اسم صنعاء في النقوش هو (هجرن/ صنعو) وهجرن بلغة أهل اليمن القديمة هي مدينة..مشيراً إلى أن صنعاء ذكرت بعد ذلك في نقش من عهد الملك السبئي ذمار علي حوالى عام (90) ميلادية وفي نقش آخر من عهدي الملكين (س عد شمم أسرع ومر ثدم يهحمد) وفترة حكم الملك (وهب أي يحوز) وينتمي كل هؤلاء إلى أسر سبئية مختلفة وحكموا اليمن في الفترة (100-120) ميلادية..وبالتالي يرى الدكتور يوسف محمد عبدالله أنه من الممكن القول إن مدينة صنعاء قد عرفت بهذا الاسم في فترة ميلاد المسيح عليه السلام على الأرجح.

وهناك من يروي أن (صنعاء)هي لغة بعض قبائل (خولان) كما جاء في كتاب (معجم البلدان) وخولان من أشهر قبائل اليمن وتعيش حالياً في مناطق جنوب وجنوب شرق العاصمة اليمنية.

ويقول المؤرخون ان صنعاء مرت بمراحل تاريخية عديدة قبل الإسلام منها الاحتلال الحبشي لليمن وفي تلك الفترة شهدت صنعاء أهم مرحلة وهي حكم " ابرهة" الذي اتخذها عاصمة وبني فيها كنيسة" القليس " وزينها بالرخام والفسيفساء , وأراد نقل الكعبة المشرقة إلى صنعاء ليحج إليها العرب .

وكان "ذو نواس" آخر ملوك الدولة الحميرية قد اتخذها عاصمة لملكه في مطلع القرن السادس الميلادي، وكذلك أيضاً جعلها الأحباش الذين غزوا اليمن وحكموها من 525م حتى 575م.

وكما تشير مصادر المعلومات فقد تعرضت صنعاء للغزو حوالي 20مرة بين عامي 901-913م وقد تحدث كثير من المؤرخين الأوائل عن صنعاء وإخبارها فذكرها " أبو علي بن دسته" المتوفي سنة 300هـ في كتابه الأعلاق النفسية " بقوله .. هي مدينة اليمن وليس باليمن ولا بتهامة ولا بالحجاز مدينة أعظم منها ولا أكثر أهلا وخيراً ولا اشرف أصلا ولا أطيب طعاماً منها.

أصالة وعراقة:

وصنعاء اليوم تتألف من جزئين قديم وحديث إلا أنهما متداخلان ومتصلان ببعضهما .. أي ان بعض الأحياء تحتوي على مساكن قديمة وحديثة في آن واحد وبالذات تلك الأحياء الواقعة وسط المدينة وبما يمكن القول ان المباني والمساكن التي أنشئت خلال عقود القرن الحالي قد عملت على فصل عدد من احياء صنعاء القديمة عن بعضها .. ومع ذلك مازال قسم كبير من صنعاء القديمة عامراً بتراثه و أهله وطابعه القديم .. وهو الجزء الشرقي والجنوبي الشرقي من المدينة التاريخية بسوره الذي مازال هو الآخر قائماً حتى اليوم وقد شهد هذا الجزء عمليات ترميم وصيانة في عدة فترات اما الأجزاء الأخرى فأن ما بقي من مبانيها ومساكنها أصبح يتناثر في عدد من المناطق الواقعة وسط صنعاء والتي هي عبارة عن مزيج من الحديث والقديم..

واجمالاً فأن صنعاء مازالت تحتفظ بإصالتها وعراقتها وتراثها وفنها المعماري المتميز والمعروف هندسياً بالجزر الحدائقيه منذ آلاف السنين والذي تتجلى روعته وجماله بتلك القصور والمنازل المتناسقة البنيان والألوان والمحاذية أو المتقاربة من بعضها والمبنية من الأحجار المنحوته واللين والياجور والتي تزينها النقوش والرسومات والزخارف المتنوعة في الجدران وعلى النوافذ والعقود البيضاء " القمرية " المثبتة أعلى كل نافذة والمصنوعة من مادة الجص الأبيض والمزخرفة بقطع صغيرة من الزجاج الملون بأشكال بالغة الجمال بالإضافة إلى قبات المساجد والمآذن العالية البيضاء وما عليها من زخارف ونقوش والمنتشرة بعدد كبير داخل المدينة وكذا بساتين العنب والفرسك والرمان وغيره .. كل ذلك يجعل من صنعاء القديمة لوحة فنية ومتحفاً فريداً يكتظ بالسواح والزوار من المدن الأخر ومن مختلف دول العالم .. كما جعل منها فاتنة يتغنى بها الشعراء في مختلف العصور قديماً وحديثاً والذي اخذوا يسترسلون الشعر وينظمون المدح والغزل بمدينة الجمال صنعاء ومفاتنها ولم تغفل معظم الكتابات والأشعار التي قيلت في صنعاء عن ذكر سكانها وطباعهم وشمائلهم رجالاً ونساء.

يقول ابو لحسن الهمداني المتوفي سنة 340هـ " ليس يلحق بحسناء صنعاء امرأة من العالم ولا يلحق لشرعتهن وظرفهن امرأة وفيهن غيرة ولهن شكل ودلال وملق"

أما الرحالة ابن بطوطة فقد وصف صنعاء عند زيارته لها بقوله: (هي قاعدة بلاد اليمن الأولى ومدينة كبيرة حسنة العمارة بناؤها بالآجر والجص‘ كثيرة الأشجار والفواكه والزرع‘ معتدلة الهواء طيبة الماء)..كما يضيف: ومدينة صنعاء مفروشة بالأحجار فإذا نزل المطر غسل جميع أزقتها وأنقاها وجامع صنعاء من أحسن الجوامع.

وعن صنعاء قال أحمد القلقشندي المتوفي سنة 821هجرية:( هي من أعظم مدن اليمن وبها أسواق ومتاجر كثيرة ولها شبه بدمشق‘لكثرة مياهها وأشجارها‘وهي كرسي ملوك اليمن في القديم ويقال أنها كانت دار ملك التبابعة‘وعماراتها متصلة وليس في بلاد اليمن أقدم منها عمارة ولا أوسع منها قطراً وبها تل عظيم يُعرف بتل(غمدان) كان قصراً ينزله ملوكها..ووصف هذا القصر في كتابه(الروش المعطار) بقوله:إنه أحد البيوت السبعة التي بنيت على إسم الكواكب السبعة.

أما أبو علي بن دسته المتوفي سنة 300هجرية فكان قد تحدث عن صنعاء في كتابه (الأعلاق النفيسة) بقوله: هي مدينة اليمن وليس باليمن ولا بتهامة ولا بالحجاز مدينة أعظم منها ولا أكثر أهلاً وخيراً‘ولا أشرف أصلاً ولا أكثر طعاماً منها.

إما الكاتب اللبناني أمين الريحاني المتوفي عام 1940م فيقول في كتابه " ملوك العرب" عن صنعاء التي زارها في نيسان (ابريل) 1922م أي صنعاء مثلت لنا العالم فكنت مليكة الزمان مثلتك لنا الأساطير فكنت سيدة الإنس والجان ومثلك لنا العلم فكنت يوما ربة العرفان . إلى ان قال وهذا جمالك الطبيعي وبهاؤك العربي فما كذب الشعراء وفي خزانتك الكتب النفسية والمخطوطات فما كذب العلم وهذه كنوزك وسحر قصورك وسحر الأسماء فيك .. فما كذبت الأساطير .. كما نظنها أسماء ابتدعها الشعراء لعرائس الجن والخيال ولكنها في الحقيقية في أعلى مكان.

مدينة القصور:

وعرفت صنعاء القديمة بمدينة القصور نظراً لان منازلها تتألف من مجموعة طوابق أضافه إلى التقاسيم الجميلة التي كانت تتبع في عملية البناء.

كانت صنعاء تضم أربعة أنماط من المباني والأحياء هي

• النمط العربي الذي كان شائعاً قبل الإسلام.

• النمط الإسلامي الذي شاع بعد ظهور الإسلام ومن ابرز معالمه المساجد والمآذن.

• النمط العثماني 

• النمط اليهودي

وكانت صنعاء تتقسم إلى ثلاثة أقسام من حيث التكوين الجغرافي ويفصل بينها حاجزاً أو سوراً ولكل قسم طابع خاص ونمط متغير .

القسم الشرقي من المدينة وهو القسم الأكبر ويضم الأحياء القديمة والأسواق والمساجد تمتاز مبانيه بالفخامة والزخرفة وتعدد الطوابق والقسم الأوسط وهو مجموعة من الحدائق وقصور الإمام والأمراء والحاشية وبعض المنازل ذات الطابع العثماني بالنوافذ الخشبية .

أما القسم الثالث فكان يضم مدينة اليهود التي يفصل بينها وبين القسم الأوسط من المدينة سور ترابي له بابان يغلقان مع غروب الشمس ولا يفتحان إلا مع طلوع الفجر.. كما هو الحال بالنسبة لباقي أبواب المدينة .

كان اليهود اليمنيون في مدينة صنعاء يشكلون طبقة أحسن حالاً من بقية طبقات الشعب من حيث مستوى المعيشة وكانوا يزاولون أعمالهم وديانتهم ويتمتعون بحماية الإمام مقابل دفع الجزية لبيت المال.. وكانت منازلهم مبنية على نمط مختلف عن الأنماط الأخرى الشائعة في المدينة كما لا يزيد ارتفاعها عن طابقين .. وكانت جدرانها الخارجية تطلى بالطين الذي سرعان ما ينهار وبالتالي تبدو المنازل غير جميلة كما هي في الداخل وتلك خطة اليهود للإيحاء بسوء الحال والفقر حتى لا يعرف الآخرون بما في داخلها من أموال ليطمعوا فيها .

وبعد عام 1948م عندما غادر يهود صنعاء وطنهم إلى غيره باعوا منازلهم ومحلاتهم إلى أهالي المدينة الذي لم يحافظوا على طابعها القديم فقاموا بهدم الابنية التي كانت من اللبن البني واستبدلوها ببناء من الحجر والطوب المحروق ولم تمر سوى فترة قصيرة حتى كاد طابع البناء اليهودي يختفي من مدينة صنعاء لتصبح مدينة إسلامية بالطابع العربي المتميز وما تبقى من الطابع العثماني .

ويذكر "الرازي" المتوفي عام 460هـ ان صنعاء استكملت عمارتها في عهد الإسلام .

وتوسعت صنعاء في عهد الدولة الهمدانية في القرن الحادي عشر الميلادي ث م في عهد الدولة الأيوبية وفي العهد العثماني الأول ثم في القرن السابع عشر والثامن عشر ومن أعظم واشهر معالم مدينة صنعاء في العصر الإسلامي الجامع الكبير الذي يقال ان الصحابي معاذ بن جبل هو الذي وضع له حجر الأساس سنة 270هـ و قام الملك محمد بن يعفر بتوسيعه وتعميره بعد ان هدمته السيول عام 265هـ وكان وسع قبل ذلك في عهد العباسيين سنة 136هـ .

معالم تاريخية:

وإلى جانب ما سبق هناك العديد من المعالم والآثار التاريخية البارزة التي تشتهر بها مدينة صنعاء القديمة سواء المعالم الإسلامية أو تلك التي تعود إلى فترات وعصور ما قبل الإسلام بل وقبل الميلاد..حيث يعتبر (الجامع الكبير ) من أبرز المعالم الإسلامية في المدينة ومن أقدم المساجد في اليمن وأكثرها صيتاً إلى جانب جامع الجند الذي بناه معاذ بن جبل في تعز..وما يزال الجامع الكبير بصنعاء شامخاً حتى الأن ويؤمه يومياً آلاف المصلين من أبناء المدينة وغيرهم وتشهد أروقته حلقات الدروس الدينية التي تنتظم بشكل يومي.

ويقول عدد من المؤرخين أن الصحابي (وبر بن يحنس الخزاعي الانصاري) هو الذي بنى الجامع الكبير بصنعاء في العام السادس من الهجرة بأمر من رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم..وقد كان بناء هذا المسجد على نفس الطراز المعماري للمدينة..ويقال أنه تمت توسعته في العصر العباسي وتحديداً عام 136هجرية‘ثم في عام 262هجرية شهدت صنعاء سيلاً عظيماً وهو السيل الثاني في الإسلام‘فألحق ذلك خراباً كبيراً في المدينة حيث تهدمت ستة ألآف دارا كما تهدم حينها الجامع الكبير فقام الامير محمد بن يعفر بإعادة بنائه وتوسيعه في العام 265هجرية على الحال الذي هو عليه اليوم غير أنه شهد عمليات ترميم لاحقة تمت بالسقوف ، وبأحزمة الكتابات تحت السقوف ومنها على سبيل المثال حزام كتابي بأسماء الائمة موجود بحائط القبلة كانت الملكة الصليحية سيدة بنت احمد قد قامت بعمله..وهناك ثلاث قباب فانوسية موجودة أمام محراب المسجد يقال أنها تعود إلى القرن الثالث الهجري.

وهناك رواية تشير إلى أنه في مؤخرة مسجد روضة من رياض الجنة ، وفي كتاب الرازي " تاريخ صنعاء " قال : وجدت بخط علي بن الحسن بن عبد الوارث حدثني الكشوري قال: حدثني ابراهيم بن يزيد عن عبيد النعامي، قال محمد بن داوود بن قيس يذكر لا بن مقسم قال له : يا ابا عبد الله ، اخبرني داوود ان موضع هذه الاسطوانة التي حذو الإمام عند الصوح " الصرح " في طرق الطاق الذي يلي الصوح من مسجد صنعاء روضة من رياض الجنة.

وقال ابو الحسن علي بن عبد الوارث قال ابو محمد الكشوري أرانيها النعامي وقد ارأناها ابو محمد وقال لي الكشوري : كان بعضهم يقول " قد صلى في هذا المقام عدة من أصحاب رسول الله صلوات الله عليه وسلامه " .

كما يروى أنه " من اعتكف في مسجد صنعاء في مؤخره فكأنما اعتكف في ملكوت السماء الرابعة ، ومن صلى فيه ركعتين خاض في الرحمة الى يوم البعث المعلوم عدلت له بخمسين صلاة ثم يضاعفها الله تعالى حتى لا تحصيها الملائكة الى يوم القيامة0". ولذلك نجد الكثير من علماء صنعاء يعتكفون في الجامع الكبير حتى يومنا هذا . 

ويذكر المؤرخ " الرازي " في كتابه " تاريخ مدينة صنعاء " انه في مسجد صنعاء قبر نبي يقال له " حنظلة " وان القبر يقع في المقصورة الغربية من مؤخرة الجامع.

وللجامع الكبير بصنعاء القديمة مكتبة كبيرة تضم أمهات الكتب في الفقه والدين والمخطوطات القديمة والكتب النفيسة والخط الأصيل ، واشهرها مخطوطة للقرآن الكريم بخط الخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنه.

وما تزال مكتبة الجامع الكبير قائمة الى يومنا هذا كأحد الكنوز الاسلامية التي تحتفظ بها اليمن والتي تمثل جزءاً مهماً من التراث والفكر الإسلامي.

قصر غمدان

وهناك قصر "غمدان" الذي هو من أشهر القصور في تاريخ العرب وهناك روايات مختلفة في وصفه ومن الذي بناه بعضها يقول ان الذي بنى قصر "غمدان" هو سليمان يعرب بن قحطان‘وذكر ابن هشام ان الذي بناه كان يعرب بن قحطان وأكمله من بعده وائل بن حمير بن سبأ بن يعرب وروي أ ن مؤسسه آزال بن قحطان بأمر أخيه يعرب‘وبعضها يقول ان سام ابن نوح هو الذي بناه‘ وأخرى تشير إلى أن الملك سليمان بن داوود عليه السلام أمر الجن ببناء ثلاثة قصور للملكة (بلقيس) التي حكمت اليمن في منتصف القرن العاشر قبل الميلاد وهي قصر غمدان وقصر سلحين وقصر بينون .

غير أن بعض الرويات ترجح أن سام بن نوح هو الذي بنى هذا القصر‘حيث تقول تلك الروايات أن سام بن نوح فكر في السكن في ارض الشمال. فأقبل طالعاً من الجنوب، يرتاد أطيب البلاد، حتى صار إلى الإقليم الأول، فوجد اليمن أطيبه مسكناً، وارتاد اليمن فوجد حقل صنعاء أطيبها، فوضع مقرانة (وهو الخيط الرفيع الذي يقدر به البناء إذا مد بموضع الأساس) في ناحية منطقة من صنعاء تسمى حالياً (فج عطان) عند جبل(عيبان) فبنى الركن الذي يوضع عليه الأساس‘ فلما ارتفع الركن، بعث الله طائراً اختطف المقرانة وطار بها وسار يتبعه لينظر أين يسقطه، فتوجه الطائر الى جيوب النعيم (الجيوب ما ارتفع من الارض ودون الهضبة) من سفح جبل (نقم) فوقع بها، فلما اقترب منه، طار بها وطرحها على حرة غمدان (الحرة بلهجة أهل اليمن هي الارض المدرجة في المرتفعات) فلما استقرت المقرانة على حرة غمدان، علم سام انه قد اُمر بالبناء هناك، فأقام قصر غمدان، وحفر بئره.

وحول هذا الجانب يقول أشهر مؤرخي اليمن أبو محمد الحسن الهمداني في كتابه المعروف (الاكليل)‘ إن قصر غمدان هو أول قصور اليمن وأعجبها ذكراً وأبعدها صيتاً، والذي أسس غمدان وابتدأ بناءه وحفر بئره هو سام بن نوح.

وذكر الالوسي وجود غرف شهيرة في غمدان يسمونها(المحاريب) وكانت محكمة البناء ومن ضمن ما ذكره الرواة عن قصر غمدان ان ملوك اليمن كانوا اذا جلسوا في أعلى هذا البنيا ن ليلاً وأشعلت الشموع رأي الناس ذلك من مسيرة ثلاثة ايام.

وقيل ان قصر غمدان كان يتألف من عشرين طابقاً كل طابق يبلغ ارتفاعه "20ذراعاً ‘ وان الغرفة الواقعة في الطابق الأخير كانت مخصصة للملك وكان في أركانها الأربعة أربعة اسود نحاسية صفراء صدورها خارج الغرفة فإذا هبت الريح في اجوافها زأرت كما يزأر الأسد .. ورواية أخرى تقول ان قصر غمدان كان مربعا ..وأركانه مبنية من الرخام الملون ويتألف من سبعة طوابق ..ارتفاع كل طابق منها "50 ذراعاً ‘لكن الهمداني يذكر ان القصر كان يتألف من عشرين طابقاً وتصل ارتفاع كل طابق إلى عشرة أذرع‘وكانت غرفة الطابق الأخير مجلساً للملك وفي زواياه الأسود الأربعة.

وهناك من الباحثين من يشير إلى أن البناء الذي ذكره الله سبحانه وتعالى بقوله:(لا يزال بنيانهم الذي بنوا ريبة في قلوبهم).. ‘هو قصر غمدان وأنه عندما نزلت هذه الآية أرسل النبي محمد رسول الله صلى الله عليه وسلام ‘فروة بن مسيك المرادي ليهدمه، فلما أراد هدمه لم يقدر عليه حتي احرقه بالنار، ولم يهدم الا بعد وفاة الرسول الله محمد صلى الله عليه وسلم.

غير أن أي من المفسرين لم يفسر هذه الأية بهذا المعنى‘حيث يقول ( الطبري) ان البناء المقصود هو مسجد المنافقين ويتفق معه الزمخشري في هذا التفسير. 

وروي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قوله: (لا يستقيم امر العرب مادام فيها غمدانها)‘وفي كتاب النويري (نهاية الأرب) أن هذا القول حض عثمان بن عفان على هدم القصر وقال ياقوت الحموي: (زعم كهان اليمن، ان من يهدم غمدان يقتل، ولذلك علل قتل عثمان عليه السلام).

وفي عام 618هـ بني قصراً كبيراً مكان قصر غمدان الذي هدم وبناه الملك بدر الدين حسن بن على الرسولي ولا يزال هذا القصر قائما حتى اليوم في صنعاء القديمة ويسمى بقصر السلاح‘حيث كان قد شهد عمليات ترميم في فترات مختلفة.

وكان أبو محمد اليزيدي المتوفي سنة 202هجرية قال في إحدى قصائده عن صنعاء:

فإن تكن جنة الفردوس عالية / فوق السماء فغمدان يحاذيها.

وإن تكن فوق وجه الأرض قد خلقت /فذاك بالقرب منها أو يصاليها. 

محطة تجارية:

وصنعاء التي يجمع كثير من الباحثين والمؤرخين والمستشرقين أنها من أقدم وأعرق مدن العرب وأكثرها شهرة ومكانة‘كانت تشكل أهم محطة تجارية وأشهر سوق بالنسبة للعرب على مدى قرون عديدة قبل الاسلام وبعده‘ كما قيل أنها كانت وجهة كل تاجر وعالم‘ولذلك فقد شاع عن العرب قديماً قولهم:

(لابد من صنعاء وإن طال السفر ** * وإن تحنى كل عود وأنعقر).

وتذكر بعض المؤلفات أن صنعاء كانت تضم 49 سوقاً تضم مختلف السلع التجارية وأنواع الصناعات الحرفية وهناك العديد من تلك الأسواق ما زال قائما إلى اليوم بنمطه التاريخي القديم‘كما كانت هناك منظمات مسئولة عن تنظيم هذه الأسواق وتوزيع السلع التجارية والمواد الأولية بالنسبة للصناعات الحرفية إضافة إلى الجوانب المتصلة بالأسعار وأداء أموال الزكاة والضريبة..وهذه المنظمات التي تولت كذلك الفصل في النزاعات بين التجار‘كان لها منظمة علياء سُميت(مجلس التجارة).

وإلى جانب ذلك أيضاً فقد كانت صنعاء محطة على طريق التجارة عبر الهضبة اليمنية، وهو الطريق الذي حل محل طريق (اللبان) في المناطق الشرقية من اليمن والذي أشتهر منذ عصور ما قبل الميلاد، وهو الطريق الممتد من (ظفار) عاصمة مملكة (حمير) القديمة إلى (الطائف)‘وثمة من يعتقد أنه درب أصحاب (الفيل) ويبدأ من (عدن) مروراً (بصنعاء) حتى (مكة المكرمة) وهو نفسه طريق القوافل التي كانت تحضر أسواق العرب الموسمية قبل الإسلام، وكان هناك سوق (صنعاء) الذي يقام في النصف من شهر رمضان من كل عام ضمن ما عُرف بمواسم أسواق العرب التي كانت تبدأ في (دومة الجندل) بين الشام والحجاز في أول يوم من شهر ربيع الأول ثم سوق (المشقر) بهجر الهفوف حالياً ثم سوق (صحار ودبا) وسوق (شحر مهرة) على ساحل بحر العرب إضافة إلى سوق (عدن) وسوق (عكاظ) والتي تعتبر من أعظم أسواق العرب في العصور الماضية.

وبالتالي فقد كانت المقومات الاقتصادية والاجتماعية والامتداد التاريخي العريق لصنعاء وما تمتلكه من موروث ثقافي واسع وتراث حضاري إنساني رائع وعظيم‘بما في ذلك الفن المعماري المتميز الذي تتفرد به عن باقي مدن العالم من الأشياء التي زادت من مكانة وأهمية هذه المدينة.

ووفقاً للإحصائيات المتوفرة فإن الأحياء التي ما تزال قائمة من صنعاء القديمة تضم حالياً أربعة عشرة ألف منزل جميعها عامرة بالسكان‘في حين يذكر (الرازي) المتوفي عام 460 للهجرة أي قبل 965عاماً أن عدد منازل هذه المدينة بلغ في عهد الخليفة هارون الرشيد نحو 120 ألف منزل أما عدد سكانها فكان 280 ألف نسمة.

وقد اشتهرت منازل صنعاء منذ القدم بارتفاعاتها العالية من خلال تعدد طوابقها التي تصل في كثير منها إلى ثمانية طوابق‘وعليه فقد ظلت هذه المدينة محتفظة بأصالتها وعراقتها وهويتها التاريخية وتراثها وفنها المعماري بطابعه المميز وطرازاته الرائعة وجماله البديع وكل ماله من مقومات وألوان فريدة وجذابة.

فالحياة في مدينة صنعاء القديمة تختلف تماما عن أي مكان آخر .. فبالإضافة إلى ما تتفرد به هذه المدينة من فن العمارة ذو الطابع الفريد المتميز على مستوى مدن العالم بأشكاله الهندسية البديعة التي تعبر عن مدى براعة الإنسان اليمني منذ القدم في فن العمارة فان النشاط اليومي داخل أحياء وشوارع "صنعاء" القديمة وأسواقها التأريخية التي تمثل في حركتها ونشاطها ورشات عمل يومية غير متوقفة، هذا النشاط في طبيعته هو الأخر له مميزاته وخصوصياته، وبالذات فيما يتعلق بمجال الصناعات اليدوية والأعمال الحرفية التقليدية المتوارثة منذ مراحل تاريخية بعيدة .

روائع الابداع:

فبالقدر الذي ما تزال منازل وأبنية هذه المدينة تحتفظ بطابعها المعماري الأصيل بنمطه الهندسي الفريد الذي يمتد عمره إلى ألآف السنين، بالقدر الذي تجد العديد من الحرف والأعمال المهنية داخل اسواقها ايضا لا تزال قائمة وحية، ولم تندثر بفعل عوامل الزمن وتقلبات الدهر وتحولاته المختلفة‘وبعض هذه الحرف التراثية التي احتفظت بهويتها التاريخية وظلت حية حتى اليوم‘لا شك أنها تمتلك العديد من المقومات وعوامل الاستمرارية والصمود لمراحل تاريخية مقبلة‘وذلك من منظور ما لهذه المنتوجات والمشغولات من ارتباط تقليدي بحياة وشخصية الإنسان اليمني.

ففي صنعاء القديمة تمتزج فنون التراث التاريخي الحضاري من تشكيلات النمط المعماري البديع والمصنوعات اليدوية الرائعة وتقاسيم الأزقة والشوارع الضيقة المرصوفة بالأحجار المل ونة وحوانيت الباعة والصناعيون الحرفيون والباعة المنتشرون وسط الساحات الصغيرة وزوايا الشوارع إلى جانب منظر حركة الناس وازدحامهم في أسواق هذه المدينة، وغيرها من مظاهر الحياة اليومية، كل ذلك يشكل لوحة في غاية الجمال تجعلك تعيش واقعاً تراثياً وثقافياً وحضارياً أصيل، تستنشق عبق التاريخ وتغوص في أعماق دواخله ويطوف بك الخيال في رحاب الحضارة الإنسانية القديمة التي تتجلى روائعها من خلال تلك القصور، ذات الأبراج ومن خلال السماسر والأسواق في المدينة القديمة وهي المدينة التي الهمت الشعراء والأدباء والكتاب والباحثين العرب والأجانب عبر مختلف مراحل التاريخ، والتي نجدها في عشرات الكتب والمؤلفات القديمة والحديثة التي تتحدث جميعها عن صنعاء.

ولعل ما تجدر الإشارة إليه هنا هو ان ثمة إجماع من قبل أصحاب تلك المؤلفات على ان مدينة صنعاء القديمة تمثل متحفاً تاريخياً حياً‘ وكان احد المستشرقين الأوروبيين قد زار المدينة بعد ان تجول في العديد من مدن العالم.. ثم كتب في مذكراته بأنه لأول مرة – أي التاريخ – يسير على قدميه في صنعاء اليمن.

والحديث عن صنعاء طويل لا نهاية له، وبالوقوف امام ما اشتهرت به وما زالت من صناعات ومشغولات يدوية تقليدية نجد ان ثمة من الأشياء ما تتجسد فيها روح الأصالة وجوهر الابداع وفنون التراث وما تحمله من جماليات وروائع وقبسات تاريخية ترتسم معها صورة وجدانية حية لا صالة التراث بفنه وثقافته وكل معانيه.

أسواق صنعاء:

ومن الاسواق التي تتجلى منها روعة الابداع الحرفي التراثي ، سوق "الفضة". والنشاط في هذا السوق يتم في شقين: أحدهما يمثل بعملية بيع وشراء المصوغات والحلي غيرها من التحف والأدوات الفضية، وفي الجانب الآخر هناك من يقوم بعملية التصينع وإعادة التصنيع لأنواع مختلفة من المصوغات والمشغولات الفضية. وان كان هذا النوع من النشاط محصوراً في نطاق محدود وعلى عدد معين من الحرفيين.

ولعل "العقيق" اليماني الشهير يشكل احد ابرز الصناعات اليدوية القائمة في سوق "الفضة". والعقيق اليماني كما تؤكد المصادر والروايات القديمة، يعتبر من أفضل انواع العقيق وهناك من يرجع سبب شهرته إلى حديث يروى عن رسول الله محمد "ص" بأنه قال "تختموا بالعقيق اليماني فانه أول من امن لله بالوحدانية و شهد لمحمد بالرسالة " والكثير من زوار سوق الفضة بصنعاء القديمة من اليمنيين والوافدين من الدول العربية والإسلامية يحرصون على تزيين خواتمهم بحبيبات العقيق اليماني الذي يقال إن هناك انواعا منه تقي حاملها من السحر والحسد، وأنواع أخرى ضد لسعات الثعابين والعقارب السامة، وأخرى تقى وتساعد على الشفاء من امراض عديدة. 

وأجود أنواع العقيق اليمني والتي تحظى باقبال واسع ما يسمى بالعقيق "الرماني" و"المزهر" ويتميز هذان النوعان بالوانهما المختلفة الناصعة. 

ويجري استخراج احجار العقيق اليماني من الجبال في مناطق معينة من اليمن. وعملية صناعة العقيق تتطلب الكثير من الجهد، وهي تمر بمراحل عدة بدأ من استخلاص "الفصوص" من أوساط تلك الأحجار الكبيرة المقتطعة من الجبال والتي يتم نقلها إلى سوق الفضية بصنعاء، ويقوم المتخصصون بتكسيرها ونحتها حتى يتم الوصول إلى فص العقيق، ومن ثم تبدأ عملية صناعة وتشكيل الفص في اربع مراحل يتم فيها نحته بواسطة أربع أحجار كبيرة دائرية، وكل حجر منها على درجة معينة من الخشونة حتى يتم اخراج فص العقيق بشكله النهائي.. وبتلك الأشكال المتعددة الجمال يتم تزيين الخواتم وبعض انواع الحلي والمصوغات الفضية وكذلك الذهبية.

والى جانب العقيق اليماني هناك ايضا "المرجان" و "اليسر" و"الكرب" الأصفر والأحمر وغيرها من الاحجار الكريمة التي تدخل في إطار الصناعات الفضية بصنعاء القديمة، ومن الفضة يتم تزيين الخناجر اليمنية المعروفة "بالجنبية" والأحزمة والسيوف وغيرها.

وهناك سوق "الجنابي والعسوب" و "الجنبية" أو الخنجر اليمني ، عبارة عن آلة حادة تثبت على مقبض خاص ومن الجنبية في اليمن عدة انواع بعضها رخيص الثمن وبعضها متوسط السعر، والبعض الاخر مرتفع الثمن، وهناك انواع من الجنابي تصل اسعاره إلى نسب خيالية تقدر بعشرات الآلاف من الدولارات .. وهذا النوع من الجنابي له مواصفات خاصة لا يعرفها سوى اناس من ذوي الخبرة، وعادة ما تكون الآلة الحادة مصنوعة من نوع خاص .. من الحديد أو "الهندوان" وقبضها ما خوذ من قرون الحيوانات النادرة كالغزلان ووحيد القرن.

ولا شك ان عملية صناعة الجنبية تتطلب خبرة ومهارة خاصة. وهذه العملية تمر بعدة مراحل حتى تخرج الجنبية بشكلها النهائي، وهناك ادوات ومواد خاصة يستخدمها أصحاب هذه المهنة.. ولان الجنبية أساسا هي عبارة عن سلاح شخصي (ابيض) وزينة محببة للانسان اليمني الذي يعتبرها مكملة لشخصيته ومظهره الخارجي، فهناك ما يعرف "بالعسيب" وهو الجزء الخشبي الذي توضع بداخله الجنبية أو ما يمكن تسميته بالغمد وعادة ما يصنع من الخشب الخفيف مثل خشب "البرقوق" أو "العنبرود" ، يتم نحته وتجهيزه ثم تغليفه "بالجلد" وخيوط "الخيزران" ويأتي بعد ذلك "الحزام " الذي يثبت العسيب (غمدا) الجنبية في منتصفة . وبواسطة هذا الحزام يستطيع الرجل ارتداء الجنبية بتثبيتها أسفل بطنه حيث يتم لف الحزام على الخصر..

وصناعة "العسوب" و "الاحزمة" الخاصة بالجنابي هى الاخرى لها طابعها الخاص وفنونها المتميزة ، ويتم تطريز الاحزمة بواسطة "الخيوط". والتطريز الجيد هو الذي يتم يدويا وعادة ما يتم ذلك من قبل النساء .. والتطريز في طبيعته يأخذ عدة ألوان ورسومات متناسقة وجميلة.

ولا بد من الاشارة إلى أن العادة جرت على استخدام الذهب والفضة في تزيين مقبض الجنبية وكذلك الغمد والحزام.. فعملية صناعة الجنابي وان وجدت في معظم المدن اليمنية، لكن مدينة صنعاء القديمة لها شهرة خاصة في هذا الجانب، على اعتبار ان لمثل هذه الصناعات الحرفية في ه ذه المدينة ابعاد ثقافية وتراثية وتاريخية.

وهناك سوق "النحاس" الذي يشتمل على العديد من الصناعات النحاسية المختلفة والتي لا زال الكثير منها يحتفظ بطابع التراث "الصنعاني" الرائع .. الى جانب الاواني والأدوات المنزلية، ثمة ايضا صناعة "المدائع" و "المزهريات" و "المباخر" و "التحف" وغيرها من المنتوجات اليدوية النحاسية بما تحمله من أشكال وزخارف تعكس عمق ارتباط أصحاب هذه الحرف بالإبداع وصلتهم بالتراث.

ومن سوق "النحاس" إلى سوق "المحدادة" وكذلك سوق "المنجارة" وفي هذين السوقين العتيقين تتم صناعة الأدوات الزراعية "القديمة – الجديدة" التي تستخدم على نطاق واسع في كثير من المناطق اليمنية وبدرجة اساسية في المناطق الجبلية حيث لا يزال الناس يحرثون الأرض بواسطة الحمير والبقر مستخدمين المحاريث والأدوات التي يتم تجهيزها محليا ، كما هو الحال في سوق "المحدادة" بصنعاء القديمة والذي يتم فيه ايضا صناعة الفؤوس والمعاول والعتلات والسكاكين وغيرها من الأدوات المصنوعة من الحديد..

 اما سوق "المنجارة" ففيه تتم صناعة الابواب والنوافذ الخشبية على الطريقة القديمة..وان كانت الاخشاب المستوردة المستخدمة في هذه الصناعة قد طغت إلى حد كبير على الاخشاب المأخوذة من جذوع الاشجار المحلية، فان الطابع المميز لصناع الشبابيك والأبواب لا يزال يحتفظ بذلك القدر من التراث حتى ان المغالق والخطاطيف وكل ما يستخدم أو يدخل في صناعة الابواب والنوافذ من مادة الحديد هو من ال نوع المصنوع يدويا في سوق "المحدادة" المجاور لسوق "المنجارة".

 وعلى الرغم من قسوة العمل ومشقته في هذين السوقين حيث يستخدم الحرفيون الاساليب البدائية في عملية طرق وصهر وتقطيع الحديد وصناعة تلك الأدوات والمنتجات المختلفة، وما يبذلونه من جهد كبير في ذلك على الرغم من الازعاج الذي تحدثه عملية طرق الحديد وتجارة الخشب إلا ان دقة العمل وروعة الابداع ووجود العامل التراثي والارتباط التاريخي لهذه المهن ، يجعل من ذلك أمر هينا، ويحول الاصوات المنبعثة من جراء طرق كتل الحديد أو تقطيع جذوع الأشجار إلى مقطوعات موسيقية يستمتع بها الزائر وهو يقف اما حانوت "الحداد" أو "النجار" في صنعاء القديمة.

نعم.. هذه هي صنعاء..مدينة الحُسن والجمال وقبلة التاريخ ومنبع الحضارة والتراث..صنعاء التي ظلت على مر العصور قديسة في أفئدة الشعراء الذين راحوا يسترسلون الشعر وينظمون قصائد الغرام والقوافي التي تتغني بصنعاء وما حوته من قيم الجمال والأصالة التي تتجسد من خلال ما تتفرد به من مقومات التراث وجماليات فنها المعماري بطرازاته وألوانه التي تُشكل لوحة فنية بديعة تجلت اليوم في أروع وأزهى صورها لتبدو معها صنعاء كحسناء فاتنة وهي تحطم طوق الخجل وتخرج عن صمتها معلنة نفسها عاصمة للثقافة العربية.

 * 26
سبتمبر نت