تأثيرات الأبتزاز الأمريكي الراهن للسعودية على اليمن.
بقلم/ عبدالفتاح الحكيمي
نشر منذ: 3 سنوات و 8 أشهر و 3 أيام
الخميس 11 مارس - آذار 2021 07:59 م
 

تهدف الإدارة الأمريكية الجديدة من خلال رفع شعار أولوية السلام والتسوية السياسية في اليمن أكثر إلى فك ارتباط حركة أنصار الحوثي الأرهابية عن نشاط الجماعات الشيعية المسلحة المتطرفة المناوئة للنفوذ الأمريكي في العراق ولبنان وسوريا واستمالتها .. وليس بهدف تحقيق السلام كضرورة بين أطراف الصراع في اليمن ولأمن المنطقة.

وفي سبيل ذلك يبدو طرف الشرعية اليمنية أقرب إلى كبش فداء ومقابل مغري للأمريكان في تسويتهم الخاصة مع الحوثيين.

وهذه تصورات وهمية ساذجة عند راسمي توجهات السياسة الخارجية الأمريكية الحالية تدلل على سطحية فهم العلاقة العقائدية الحوثية-الإيرانية وتعقيدات المشكلة اليمنية وتشابكاتها الداخلية المستعصية, مع قناعات جديدة تشكلت في الكواليس إن هؤلاء ليسوا أِنقلابيين ولا تنظيم إرهابي.

ينظر الأمريكان إلى أنفسهم كآلهة عندما يتوقعون إذعان الآخرين لرغباتهم دون قيد أو شرط.. وهذا قد ينطبق أكثر على طرف الحكومة الشرعية ودول التحالف العربي وليس على الطرف الآخر.. وأشادة الخارجية الأمريكية ومبعوثها المتكررة بتجاوب الرئاسة اليمنية والمملكة مع توجهات السلام عامل تخدير أشبه بإشارات تنازل مجانية للطرف الآخر بالإنابة.

مؤشرات لا تبدو مطمئنة للدور الأمريكي غير المتوازن عندما يتعلق الأمر بتحقيق مصالح واشنطن على حساب عدالة قضايا الشعوب الأخرى..

والملاحظ أن لكل من أمريكا وايران هدفاً خاصاً مختلف في اليمن.. فالأولى تستغل العقوبات الأقتصادية والعسكرية ضد طهران للحد من نفوذها ونشاطها في اليمن وباقي المنطقة(العراق بوجه خاص) لأهميته النفطية وغيرها.. والثانية تتشبث بسياسة تمددها في اليمن والمنطقة العربية كخيار استراتيجي لا رجعة عنه.. ولو تضاعف حجم العقوبات على صادراتها النفطية وأرصدتها المالية المجمدة.

من جانبهم أنصار الحوثي الأرهابيين لن يفرطوا بهدف إستكمال السيطرة العسكرية على اليمن سلطة وثروة.. وفي الحد الأدنى عند اقتراب انهيارهم النهائي ميدانياً سيراهنون على الأمريكان لفرضهم كطرف سياسي محوري في التسوية يتمتع بحق الأعتراض على قرارات سلطات الدولة على غرار حزب الله اللبناني مقابل تنازلات إيرانية محدودة للأمريكان في الملف النووي وغيره تمكنها من استئناف دعم وتمويل إعادة بناء قدرات حلفائها الحوثيين وغيرهم في المنطقة.

والمشكلة أن إيقاع التصريحات الأمريكية لا توحي برغبتهم في القضاء على الحوثيين بل تحجيمهم أو استمالتهم ونزع عنصر التهديد الصاروخي والطيران المتفجر دون اكتراث لطبيعة تأثير بقاء أسلحة الدولة الثقيلة والمتوسطة بأيديهم على مستقبل الحكم والخارطة السياسية في اليمن.

والمرجح إن استمرار دعم التحالف العربي السعودي لجيش الحكومة الشرعية بوتيرة معقولة كما حدث بصورة لافتة في ملحمة مأرب الأخيرة وأنهاك قدرات الأنقلابيين الحوثيين البشرية والمسلحة يجرد إيران من ورقة مساومة خبيثة في صراعها مع الأمريكان والسعودية طال ما راهنت عليها في جني مكاسب خاصة برفع العقوبات الأقتصادية والتجارية والمصرفية .. وأي إيقاف لأطلاق النار والمعارك مأرب في منتصف الطريق بضغط أمريكي على قيادة الشرعية يعني تمكين المشروع الإيراني من اليمن لوقت طويل كورقة ابتزاز مستدامة تهدد سلامة الممرات الملاحية الحيوية وأمن واستقرار اليمن والجوار والمنطقة.

* ماذا على الشرعية*

ألحوثيون الانقلابيون بكل شعاراتهم الخادعة المتلحفة بالكرامة والسيادة والأستقلال ليسوا قوى وطنية في ممارساتها المهينة وإذلال الناس بل مجرد دمى خادمة لمشروع إيراني بغيض لا يختلف عن نموذج تخريب العراق وأنهاك شعبه ومقدراته .. وتمكين العنصريين الحوثيين من اليمن نهائياً كارثة بشرية وطائفية واقتصادية ومعيشية أسوأ بكثير.  

ألكرة الآن في ملعب قيادة الشرعية والتحالف العربي كمسؤولين عن انجازات معارك مأرب وبيد الأولى استغلال وتوظيف وتوجيه القرار السياسي والديبلوماسية والتقدم العسكري المطلوب بعد مأرب وتعز لخدمة استقرار اليمن ومستقبل المنطقة بعيداً عن ابتزاز الأمريكان والغرب للمملكة أو إرضاء نزوات الإدارة الأمريكية(المِثْلِيَّة) الجديدة وتلميع شخص العجوز الثمانيني جو بايدن و إرضاء غروره بتمييع إنجازات ومصالح الشعوب.

* *

ما حدث في اتفاقية استوكهولم بشأن تجميد انتصار الحديدة عزز رهان الانقلابيين على حبل إنقاذ دولي لهم في أي لحظة, وطمأنهم برضى بريطانيا وأمريكا عنهم كأدوات مذهبية رخيصة.. وهذا ما نجنيه أيضاً منهم منذ قُصِفَت مقدمة الجيش الوطني على تخوم صنعاء وتمكين الأنقلابيين بتهديد مأرب مرة أخرى من الفرضة بتواطؤ دولي.

وإذا تكرر سيناريو الحديدة في مأرب لأنقاذ الانقلابيين باتفاقات دولية ملزمة أو إملاءات غير مكتوبة فالمؤامرة تستهدف ابتزاز السعودية أكثر من اليمن .. فأدارة بايدن لا تريد انتصاراً لقوات الشرعية بدعم سعودي تشعر معه الرياض لاحقاً بعدم حاجتها للأمريكان في مواجهة بعض التهديدات.

مع التنبيه أن انتهازية رأس الإدارة الأمريكية الجديدة البشعة تخلط بين حق السلطة الشرعية الدستوري المعزز بقرار ٢٢١٦ في تحرير العاصمة صنعاء وإسقاط الأنقلاب في باقي المناطق وبين أن بعض الإنتصار سيحسب لمحمد بن سلمان الذي لا يروق لبايدن.

ومثله أيضاً تفعل إيران الخامينئي باستخدام هجمات الحوثيين على مأرب والسعودية كورقة ابتزاز لأمريكا في الملف النووي والعقوبات.

من هنا تبرز خطورة موقف بايدن العدائي من الرياض في ممارسة الضغط السهل على قيادة الشرعية اليمنية لكبح تقدمات قواتها العسكرية على الأرض والتنازل غير المباشر لإيران بظاهر الشعار(الأنساني) وغيره وتمكين الأنقلابيين كطرف مؤثر سلباً على مستقبل التسوية السياسية.

* نوايا مُلَغَّمَة *

مشكلة الشرعية اليمنية والسعودية مع سياسة جو بايدن بدرجة خطورة تداعيات المشروع الإيراني نفسه في المنطقة, فكلاهما يمارس ابتزاز الأطراف المختلفة بطريقته.. ورؤية طهران وواشنطن تتقاطعان عند نقطة استغلال حليف كل منهم في صفقته الخاصة, الأمريكان يساومون بالشرعية والسعودية لكسب تنازلات إيرانية في البرنامج النووي وغيره.. وإيران تتاجر بورقة الحوثة لأرضاء غرور إدارة بايدن في تحقيق إنجاز إعلامي لنجاح محدود في تخفيض تخصيب اليورانيوم دون التفريط بورقة نفوذها في المنطقة العربية الإستراتيجية أو تصنيع الصواريخ الباليستية.

لذلك يبدو أن عمق التجاذبات بين الطرفين سيجزئ طبيعة أي تسوية سياسية بعيدة محتملة إلى مراحل( تخصيب اليورانيوم/الصواريخ الباليستية/ نفوذ إيران في البلاد العربية).. ناهيكم أن محددات رؤية كل طرف المعلنة للتسوية تخلو من حسن النوايا وملغمة بعوامل تنفير وتنغيص مقصودة للآخر من أول سطر.

فالإيرانيون الذين دسوا أنوفهم في قضية يمنية محضة لا يعترفون بانقلاب عملائهم على شرعية الدولة وأكثر من ذلك يعتبرون أن ما حصل هو حرب سعودية على اليمن وليست عدواناً داخليا(حوثياً) على سلطات وكيان الدولة بدعم مباشر من طهران نفسها.. وأنهم في موقع الدفاع عن النفس.

وتبرر إيران بذلك تدخلها ووصايتها على اليمن وشعبها كطرف في مقابل السعودية التي استعانت بها سلطة الشرعية رسمياً بحسب القانون الدولي لحماية الدولة من الأنهيار.

ونجحت طهران بذلك في دفع المجتمع الدولي عبر المبعوث الأممي إلى اليمن للتباحث معها بالإنابة عن الأنقلابيين بمنحها فرصة الابتزاز ومساومة أمريكا والأوروبيين على العقوبات المفروضة عليها في شأن آخر دون تحقيق أي تقدم غير أيعاز طهران للحوثيين بالهجوم الكاسح على مأرب عشية استقبالها(حمامة السلام) البريطاني المراوغ مارتن غريفيث.

وبالأشتراطات الحوثية نفسها تلخص طهران رؤيتها للتسوية في إيقاف ما تعتبره عدوان وحرب السعودية على أدواتها العميلة, ورفع الحصار عن موانئ الحديدة والصليف وميدي ومطار صنعاء الدولي قبل أي تفاهمات, تليها(بعد إعادة تمويل الحوثة بالنفط الإيراني والسلاح) هدنة ومفاوضات سلام بين اليمنيين تؤدي إلى مشاركة الأطراف في السلطة القادمة بعد خروج التحالف العربي من البلد دون ضمانات لتسليم الانقلابيين أسلحة ومؤسسات الدولة مع رهانهم على أسقاط مأرب اولًا.

أكثر من ذلك يرى محمد علي الحوثي رئيس مجلس الانقلابيين السياسي السابق أن أي مباحثات وحوارات ستكون مع السعودية وليس مع ما يسميهم (مرتزقتها التابعين), ولا حل سياسي قبل وقف ما يسميه العدوان السعودي ورفع الحصار .. وبعدها الإتفاق على مبادئ يستفتي عليها الشعب .. وهي مبادئ مجهولة يفهم منها سعي الأنقلابيين إلى التحكم بإدارة سياسة وتوجهات اليمن لاحقاً !!.

وما جرى تسريبه عن مقترح أمريكي للحل السياسي يبارك وقف الحرب من طرف واحد( الشرعية والتحالف) وفك الحصار الخانق على الحوثة دون قيد أو شرط هو مشروع إيراني مطابق لرغبات الانقلابيين.. ودعوة خارجية بايدن الحَوَثَة إلى إيقاف الهجوم على مأرب لا تحمل أي إدانة عملية صريحة للأنقلاب برمته. 

ويلعب تحالف إيران الشيطاني في ذلك على رغبة إدارة بايدن المحمومة المتعجلة لتحقيق وقف إطلاق نار أو هدنة طويلة شاملة كإنجاز لشخصه في ال١٠٠ يوم الأولى لولايته لا أكثر بعيداً عن مصلحة الأمن القومي الأمريكي نفسه !!.

وبعد حجم الأستهدافات الحوثية الضخمة للمصالح السعودية الأمريكية المشتركة مؤخراً بالصواريخ والطائرات المسيرة وتوجيه السعودية أصابع الأتهام في الجريمة إلى أطراف مشاركة من البحر العربي(إيران) في الهجمات قد يفرمل صقور الأمن القومي الأمريكي اندفاعة بايدن في فرض ضغوط على تحالف دعم الشرعية تضر بمستقبل النفوذ الأمريكي في المنطقة بين مضيق هرمز وخليج وبحر العرب وباب المندب !!.

ينسحب ذلك على تنطعات مارتن غريفيث ومبعوث أمريكا إلى اليمن تيموثي ليندركينج وحتى أصحاب النوايا الحميدة في تقريب وجهات نظر الفرقاء مثل الكويت أو سلطنة عمان(غير المحايدة).

والمعيب هو منح إدارة الرئيس جو بايدن إيران دوراً أكبر منها في المشكلة اليمنية بحسابات براغماتية دون اعتبار للعمق الأيديولوجي العقائدي الذي يحرك هواجس سلطة الولي الفقيه في قم ((المقدسة)) لاستعادة مجد بلاد فارس القديم وكأن طهران طرف ووسيط محايد.

وحال كهذا يفترض معه تحجيم دور إيران وتجاهلها نهائياً بعد اعتبارها وصول المبعوث الدولي إليها غريفيث لأول مرة بعد تولي بايدن الرئاسة دليل ضعف أمريكا وليس ضمن توجهاتها لإشراك الأمم المتحدة وتقاسم أعباء مبادرة التسوية الإفتراضية ألتي يعتقد فرص نجاحها أكثر بهذه الكيفية.

وأشعَر غباء إدارة بايدن الإيرانيين بالندية معها خصوصاً مع السعي إلى تحجيم السعودية وابتزازها من أول مكالمة للرجل مع الملك سلمان وتذكيره بحادثة خاشوقجي الذي عفى إبنه الأكبر على الجناة قبل أشهر لوجه الله بحسب فيديو وتسجيل صوتي.

والواضح إن إدارة جو بايدن في توظيف هذه الجزئية تسعى إلى النيل من شخصية محمد بن سلمان القوية لأضعافه وليس الدفاع عن حقوق الإنسان.. والحقيقة أن الأمريكان لم يتحمسوا للدفاع عن خاشوقجي أكثر لحمله الجنسية الأمريكية بل لرغبتهم في تمكين الطبقة السياسية والمؤسسة الأمنية التقليدية السعودية القديمة ألتي كنسها بن سلمان وشَكَّل الأمريكان عقليتها ودجنوا قناعاتها لأجيال قادمة كمصدر ثقة مطلقة.. وإلا أين مواقف واشنطن الإنسانية من مصير مواطنيها الأصليين في سجون الحوثي منذ سنوات وجرائمهم المخجلة..

وترى واشنطن بايدن أهمية قصوى لعودة تركيبة مؤسسة الحكم البائدة أكبر من انتزاعها مكاسب كبيرة من شخص محمد بن سلمان .. فبدت رؤية المملكة الأستقلالية مخيبة لعقلية الهيمنة التاريخية الأمريكية.

* مشاريع التسوية* 

بعيداً عن التفاصيل تختصر قيادة الشرعية اليمنية أي تسوية سياسية للنزاع بالأحتكام إلى المرجعيات الثلاث الشهيرة(المبادرة الخليجية/مخرجات مؤتمر الحوار الوطني/قرارات الأمم المتحدة المتعلقة بإنهاء انقلاب والعقوبات الدولية على المعرقلين).

ومبادرة جون كيري(الكويت ٢٠١٦) مزيج مختلف يعطي الانقلابيين حق التأثير على مستقبل الحكم وتقرير شخوص رجال السلطة العليا للدولة(الرئاسة/الحكومة) ويسقط مساءلة أو إدانة الانقلابيين .. وتركز أكثر على تسليم الصواريخ إلى طرف ثالث ومنطقة عازلة مع السعودية, تعطي حالياً فرصة للأنقلابيين بمقايضة أمريكا بالصواريخ حال فشلهم في الاستيلاء على مأرب أو تطويقهم في صنعاء.

وقبل انفراد الحوثيين بالتسلط على جزء من شمال اليمن وتصفية الرئيس السابق علي عبدالله صالح كان تركيز الحوثة مع الثاني على أسقاط شرعية الرئيس هادي من أي سلطة قادمة أو جعل منصبه الأول رمزياً بعد نقل سلطات الرئيس الفعلية إلى نائب يوافق رغبة الحوثيين وصالح.

وتحولت نزعة الحوثيين العنصريين بعد القضاء على حليفهم صالح إلى مشروع الاستئثار بالسلطة والحكم في كل اليمن بالتمدد والهيمنة العسكرية وترسيخ ثقافة حاكمية الحق الإلهي(العائلي العنصري) كمنهج حياة قسري في مناهج التعليم والتثقيف العام والديني في مناطق سيطرتهم كإطار نظري عقائدي لدولة جديدة بديلة عن الجمهورية اليمنية وفكرها الوطني والدستوري.. بمزيج من شكل جمهورية إيران الأسلامية وحكم الأمامة الهادوية السلالية القديمة.

* مناورات في مبادرات*

وبهزيمة معركة الحديدة على يد قوات العمالقة الشرعية والمقاومة التهامية برزت مبادرة ((مسقط)) الأستخبارية البريطانية الإماراتية بوساطة عُمانية ديسمبر ٢٠١٨ م أكثر بهدف وقف شامل لإطلاق النار لتثبيت حدود خارطة المصالح الدولية ونغمة تقاسم القوى والمليشيات المحلية وجيش الشرعية النفوذ في مناطق سيطرتها واعتباره معيار تمثيل الأطراف في السلطة القادمة.

وتمثل مبادرة مبعوث الأمم المتحدة مارتن غريفيث ٢٠٢٠ م(مبادرة كورونا) خلاصة لما قبلها مع دور واضح لقوات حفظ سلام ومراقبة أممية بين الفرقاء وكتكملة لمبادرة مسقط وتكريس مبدأ التمثيل مقابل السيطرة على الارض مع توسيع أطراف التسوية بأضافة المستقلين والمرأة ومكونات جنوبية تصطدم في مآلها بواقع الصراع العسكري على الأرض وعدم ثقة القوى المسلحة ببعضها كما تشرعن لتمدد نفوذ المليشيات وتهديد وحدة البلاد بتمردات قادمة.

* إيران تتكشف *

بعد خسارتهم معركة الحديدة أتضح إن حماسة الأنقلابيين الحوثيين لمبادرة مسقط لكسب الوقت فقط ومخرج لتنفيس بعض قيادات المليشيات ضغوط الحصار وإدارة بعض صفقات النفط والأرصدة المالية بأريحية.

وبمعركة فرضة نهم العام الماضي واستيلاء الحوثيين عليها وإخضاع مركز محافظة الجوف بأيديهم أرادوا التحكم النهائي بمصير التسوية السياسية على طريقتهم .. ومضوا لاحقاً الشهر الماضي فبراير بمخطط يديره السفير الإيراني المتسلل(حسن أيرلو) في محاولة إسقاط أبرز معقل قيادي واقتصادي للسلطة الشرعية بالأستيلاء على آبار نفط وغاز مأرب قبل مركزها الإداري لفرض أمر واقع جديد آخر يخرج السلطة الشرعية من معادلة التسوية وحق تمثيل إرادة غالبية اليمنيين.

وتخلو المواقف الدولية الجديدة بعد هجوم الأنقلابيين العنصريين الأخير على مأرب من الصرامة أو الحرص على إحلال سلام حقيقي متوازن في اليمن وفق قرارات الأمم المتحدة الملزمة بإنهاء الأنقلاب واستعادة سلطة الدولة الشرعية وحماية وحدة أراضي وسيادة البلاد.

وتراوح دعوة إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن للحل والتسوية السياسية في اليمن في كونها ورقة مناورة مع الإيرانيين فقط تخضع لمنطق الربح والخسارة تماماً كما فعل الرجل في توجهات سياسة ابتزاز السعودية الصديق الإستراتيجي من أول مكالمة لبايدن مع الملك سلمان.

والغريب أن هناك في اليمن قبل غيرها من أوساط النخبة السياسية المُتَأمْرِكة من لا يزال يروج لفكرة أن هدف هجوم الأنقلابيين الشامل الأخيرة على مأرب لدفع الشرعية إلى المفاوضات وضمان مشاركتهم في السلطة القادمة بعد التسوية وليس لحقيقة سعيهم للأنفراد بحكم البلاد والتحكم بمركزها الإقتصادي الحالي(صافر) وأرغام الخارج والداخل للتعاطي مع مشروع كيان دولة ثيوقراطية جديدة مزيج من شعارات الجمهورية الإسلامية الإيرانية ومملكة الإمامة المتوكلية السلالية(العرقية) ألتي أسقطها أحرار اليمن في ٢٦ سبتمبر ١٩٦٢ م.

ولا يزال هؤلاء مثل مستشار الغرف السرية عبدالغني الأرياني يصورون الحركة الحوثية العنصرية للخارج على أنها أقلية مضطهدة ومظلومة لا تبحث عن وطن قومي مستقل مثل اليهود بل تطالب فقط بحقوق المواطنة المتساوية والتمثيل السياسي الرمزي في سلطات الدولة.. وكأن عبقرية عبدالغني تستطيع صرف أنظار العالم عن أن هؤلاء(المضطهدين) لا يهددون بصواريخهم أمن المنطقة وسلامة الملاحة والتجارة العالمية في البحر الأحمر وباب المندب وبحر العرب.

ومن أمثلة نكبة النخبة أيضاً ما تروج له ألمثقفة النسوية الشهيرة أمة العليم السوسوة في الندوة نفسها التي أقامتها جمعية الصداقة البريطانية-اليمنية في لندن مؤخراً أن ما يحدث في اليمن كله بسبب العدوان الخارجي السعودي المزعوم وليس بسبب انقلاب مليشيات الحوثي الذي سبق استعانة السلطة الشرعية بالسعودية بعد ٦ أشهر من الأنقلاب بغرض حماية وحدة البلاد من التفكك وخطر التمدد الإيراني في المنطقة.

ولذلك لا غرابة أن أمثال هؤلاء المبتذلين يشاركون في منتديات ومؤتمرات الخارج باسم(الجمهورية اليمنية) جمهورية عائلة عبدالملك الحوثي وأخوته وأصهاره التي انقلبت عليها السلطة الشرعية وجيشها ومقاومتها الوطنية.

وعبدالغني الأرياني وأمة العليم السوسوة لم يعودوا يحفظون من الإنجليزية التي رضعوها مع دراستهم القديمة في أمريكا سوى شعارات( العدوان/ مظلومية الأقلية).. وأتفهم لجلجة مدير مركز صنعاء (عبدالغني) ولم أستوعب حداثية أمة العليم في دفاعها عن قتلة وعنصريين تعرض خدماتها عليهم !!

تفاهة أصحابنا اليمنيين مثقفي النَّكبة مفهومة ومقدور عليها فقط تتكشف الأقنعة ومعادن البشر في المحن أو بفقدان منصب أممي مرموق و(بالدولار) يعتبرونه تركة عائلية.

* ميوعة أممية *

أما مصداقية أمريكا أو الأمم المتحدة وبريطانيا وغيرهم فلا نعول عليها فهم كغيرهم يدينون أصحاب الحقوق كالعادة وضد القضايا العادلة للشعوب بانتقائية واضحة, فالذي لم يحترم التزاماته الأخلاقية ألتي أشرف عليها أمام العالم لا يُراهن على نزاهته وإرادته في تقرير مصير شعب ودولة.

فلا قيمة للقرارات الدولية ومجلس الأمن الدولي نفسه لم يستطع منذ أكثر من عامين إلى اليوم تمكين ممثلي الأمم المتحدة من الأشراف المالي على ميناء الحديدة وموارده المخصصة لتغطية مرتبات الموظفين ولا منع الأِنقلابيين من إنفاقها على المجهود الحربي وإطالة.نزيف الحرب .. ولا إدارة مشتركة للميناء من أطراف الحكومة الشرعية والأمم المتحدة بمقتضى مخرجات استوكهولم وترك كل ذلك للأنقلابيين.. ولا ناقلة صافر وتهديدها للبيئة البحرية أمام مرأى ألهيئة الدولية الأولى التي لم تحصل على مجرد ترخيص مندوب فني عنها من معتوه متشرد في جبال اليمن.

والرهان الوحيد على صمود ومقاومة شرفاء الوطن لمشروع أعداء الحياة.

وإن التحرير لناظره قريب ما دمنا بالرغبة والدرجة نفسها من رفض الخضوع لاملاءات وابتزاز إدارة جو بايدن ومبعوثه تيموثي ليدركينج وبريطانيا غريفيث بن زايد.

 

باختصار علينا أن نقول الآن بعد أن تآمر الخارج والداخل على مستقبل اليمن وشعبها أبحثوا عن الحل السياسي في المتارس والجبهات .. وصُمّوا آذانكم عن مبادرات(مؤامرات) الأمم المتحدة أو الملحدة وأمريكا وأوروبا وحتى إخوتنا الأعداء.

فكل الطرق تؤدي إلى صنعاء.