لا أشكُّ لحظةً-أيها العزيز- في حُسْنِ نواياك, ونُبْلِ مقاصدِك, وولائك لأمّتك وعملك كمبعوثٍ تنوبُ عن العالم إلى اليمن وهو على مفترق طُرُقٍ شديد الدِّقة والخطورة, والغموض,.. بينما التاريخ واقفٌ على أطراف أصابعه ترقّباً وقلقاً, مما يزيد من مسؤوليتك التاريخية بامتياز, رغم أنني أكاد أشفق عليك وأنت في قلب هذا البحر المتلاطم من التيارات وبعضها شديد الرعونة والعناد, والصخب والغضب!.. ووسط هذه العواصف القاصفة, فإنّ أيّة سفينة لا تكاد ترى طريقها, وأيّ قبطانٍ مهما كان ماهراً ستمتلئُ عيناه على الأقل بملح البحر ورذاذ العواصف! لذلك, فإني أوصيك بسبع وصايا, وحتى لا تُنسينا عواصفُ الصخب, والهرج والمرج, معالِمَ الطريق, وجِهاتِ السلامة.
الوصية الأولى: يجب أن نتذكّر دائماً أن اليمن أقدمُ دولةٍ في الجزيرة العربية, إذا لم يكن في المنطقة كلها, وأن حضارة شعبها منذ آلاف السنين كانت ضمن علامات التاريخ الإنساني المؤثرة والفاعلة في إقليمها, ومحيطها الأوسع. وأن ذكر اليمن ورد في الكتب السماوية الثلاثة!
الوصية الثانية: يجب ألّا ننسى أن المشهد السياسي الراهن في اليمن مدينٌ بالدرجة الأولى لدماء الشباب الثائر في ساحات التغيير, وتضحياته التي أذهلت وأدهشت العالم, ولولا تلك الدماء ما كانت مبادرة, أو تغيير, أو مبعوث, أو حوار!
الوصية الثالثة: يجب أن نتأمل العالم ونتعلّم.. فالمواطنة المتساوية قيمةٌ عظيمة وقد وحّدَت شعوباً وقوميات متباينة في أوروبا, بينما يعجز اليمن وهو شعبٌ واحد أن يدير نفسه! بسبب الفساد الذي ضرب كل شيء! والفاسدين الذين يلبسون لكل مناسبةٍ زيّاً, وقناعاً, وكأن حياتهم حفلةٌ تنكّريّة كبرى لا تنتهي إلا لتبدأ.
الوصية الرابعة: إنّ السّمَّ يظلُّ سُمّاً حتى لو كان في أكوابٍ من ذهب!.. وسُمُّ هذه البلاد هو الفساد والنخب الخائبة بكل ألوانها, وأنواعها,.. فلا تحفلْ بشكل الكوب أو نوعه, بل بما في جوفه أو داخله. نتحدث عن شكل الدولة وكأن الشكل هو المشكلة,.. نستسهل تقسيم البلاد, ونعجز عن توحيد الجيش! فتقسيم البلاد أهون لدينا من توحيد الجيش! لأن الجيش مسألةٌ حسّاسة حسب تفكيرنا الأعوج! نتحدثُ عن توزيع النفط كحصصٍ بين الإقليم والمركز, ونجبُنُ عن أن نقوم بجرد معدّاتنا ومخازننا ومقدّراتنا!.. نجبُنُ أن نحاسب أو نعاقب أو حتى نسأل! لكننا شجعانٌ فقط للتقطيع! بينما السكاكين تلمعُ في أيدينا في ليلٍ موحشٍ لا يقولُ شيئاً! ليلٍ أخْرسٍ مُخيف.. لكنّه يُزلزلُ كلّ شيء! يتحدّثون عن الحصص.. وتلكَ قِسمةٌ ضِيْزى! وينسون أنّ من يظلم أخاه البعيد لن يتورّع عن ظلم القريب في اليوم التالي! وأنّ من يسرق القليل لن يتورّع عن أن يسرق الكثير.. إنها مسألةُ مبدأ!
الوصية الخامسة: ليت أنّك وأمانة مؤتمر الحوار, نظّمتُما حفل تعارفٍ طويل بين أعضاء المؤتمر قبيل افتتاحه ولأيّام! فهذه أول مرةٍ في التاريخ يجتمع فيها متحاورون كي يحلّوا مشاكلهم في مؤتمر لا يعرفُ كثيرٌ منهم فيه بعضهم بعضا! ولو حتى بالاسم! والأرجح أن هؤلاء لم يعرفوا أو يزوروا معظم بلادهم اليمن أيضاً! ولو عرفوه لما قلّموه! لذلك فهُم يهرِفُون بما لا يعرِفون!
الوصية السادسة: مَنْ زرَعَ حصد.. والتاريخُ يُعلّمنا أن حلّ مشكلةٍ معيّنة بطريقةٍ خاطئة.. سيُفضي بالضرورة إلى مشكلاتٍ أكبر في المستقبل.. وما نظنّه حلّاً قد يصبح لُغماً موقوتاً.. ولو بَعْد حين! والحليمُ بالإشارة يفهم!
الوصية السابعة: يجب ألّا ننسى أن السياسة عابرة, والأرضُ باقية, وأن السياسيين المتحذلقين إلى زوال مهما طالت بهم الأيام.. انظر إلى السياسيين في الكوريتين كيف قسموا بلادهم وشعبهم الواحد.. وتأمّل العقلاء في ألمانيا كيف توحّدوا في صمتٍ ونجاح, لأنهم غلّبوا حُبّ وطنهم الكبير ألمانيا ولم يُغلّبوا أحزابهم, ومناطقهم, وثاراتهم, ونفطهم الزائل العابر!.. فلْنتأمّلْ ولْنتعلّمْ!